رفع الدعم عن وسائل النقل

أثار قرار الحكومة المصرية برفع أسعار تذاكر قطارات الأنفاق (المترو) في القاهرة بنسبة 250 % موجة من السخط الجماهيري لدى الكثيرين من المواطنين والمتابعين؛ حيث تعد هذه الزيادة في أسعار تذاكر المترو الثانية خلال أقل من عام.

وتأتي هذه الخطوة ضمن سعي الحكومة المصرية لفرض إجراءات تقشفية ترتبط باتفاقية وقعتها مصر في عام 2016 مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لمدة ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار بحيث يشترط تطبيق بعض السياسات الاقتصادية مثل تخفيضات في الدعم المقدم للطاقة بصورها المختلفة وزيادة في الضرائب.

وما أثار المزيد من القلل هو إصرار بعثة صندوق النقد الدولي في كل زيارة دورية لمصر لتقييم الإجراءات الاقتصادية التي تنتهجها مصر لاستكمال باقي شرائح القرض الموقع بين الصندوق ومصر إلى التأكيد وحث الحكومة على رفع الدعم نهائيا عن أسعار الطاقة (المواد البترولية – الكهرباء) وكذلك الخدمات التي تقدمها الحكومة وتحرير اسعار تلك السلع والخدمات وهو الأمر الذي تستجيب له الحكومة بشكل كامل.

وينتاب المواطنين حالة من القلق والترقب الشديد جراء ما ستسفر عنه الأيام القادمة من قرارات جديدة تشكل تحرير سعر المواد البترولية وأسعار الكهرباء وفق الجدول الزمني الذي اشترطه الصندوق لاستكمال خطة رفع الدعم بالكامل التي تتبناها الحكومة،حيث يتوقع جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا في صندوق النقد الدولي: “أن الهدف أن تكون مصر انتهت من دعم الطاقة بنهاية 2019“.

حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض الميزانية المقدمة لدعم الطاقة خلال العام المالي المقبل بنحو 52.2% مقارنة بالعام المالي المقبل بحيث تصبح 65.6 مليار جنيه مقابل 138.2 مليار جنيه في العام المالي الحالي.

وفي المؤتمر الصحفي أعلنت بعثة الصندوق عقب زيارتها الأخيرة لمصر أنه ينبغي على مصر العمل على رفع الدعم عن الوقود كاملًا بنهاية العام الجاري.

وتنطوي قرارات رفع الدعم عن الطاقة ووسائل النقل على أزمات مستمرة وطاحنة للمواطن البسيط حيث تؤدي إلى انخفاض مستمر في مستوى المعيشة وارتفاع في أسعار السلع والخدمات بشكل مستمر وتزداد أيضا المستحقات الضريبية في ظل ثبات مستوى الدخل أو انخفاض القوة الشرائية للجنيه مع ثبات معدلات التضخم بمعدلات مرتفعة، مما يصب في النهاية إلى مزيد من الأزمات والمشكلات الحياتية للمواطنين.

وغالبًا ما تلجأ الحكومة إلى الحلول الأسهل وتستجيب بشكل مستمر لاشتراطات الجهات المانحة؛ خصوصا صندوق النقد الدولي برفع الدعم وهيكلة اقتصادية عنيفة غالبا ما يكون المواطن هو الضحية، ولا تحاول الحكومة البحث عن حلول غير تقليدية في تنفيذ خطط ترشيد وتقشف راشدة تراعي الأبعاد الاجتماعية للمواطنين.

فبدلًا من التفكير في تطوير وتنمية الإمكانيات المتاحة في هيئة المترو ووسائل النقل واستثمارها بشكل اقتصادي لزيادة الدخل مثل الدعاية والإعلان والمولات التجارية بالمحطات والإذاعة الداخلية وغيرها كمورد إضافي لمحاولة علاج ما تزعم الحكومة بتحقيقه من خسائر بما يساهم في تقليل حجم الزيادة المطلوبة في أسعار الخدمات المقدمة.

ويترقب المواطن خلال الأيام القادمة ما ستعلن عنه الحكومة من قرار رفع أسعار المحروقات والكهرباء وما يتبعه من ردود أفعال غير معلومة؛ حيث إنه للمرة الأولى يشهد قرار للحكومة بتحريك أسعار خدمة أو سلعة تقدمها حالة من التحرك الجماهيري الملحوظ وهما ما وضح في القرار الأخير من خلال دعوات وتحركات جماهيرية غاضبة، والتي تم مشاهدتها ورصدها بمحطات المترو المختلفة.

 وقد قامت الحكومة بمواجهته من خلال استدعاء جهازها الشرطي والأمني لمواجهة تلك الاحتجاجات، وهو نهج قديم وغير راشد من الحكومة لمعالجة الأزمات التي تواجهها وتشي بعدم رشد أو شفافية في التعامل مع القرارات الحياتية للمواطنين.

وقد يحمل القرار القادم برفع الدعم عن المحروقات تحركات غير معلومة أو متوقعة نتيجة التصاق تلك السلع بما أصبح يسمى السلع والخدمات الأساسية لحياة المواطن، وهنا يجب على الحكومة التروي في مثل تلك القرارات المصيرية واتخاذ التدابير الاقتصادية والاجتماعية وليس الأمنية؛ الكفيلة بتخفيف وطأة تلك القرارات وفتح حوارات نقاشية موسعة مع مختلف المتخصصين والاقتصاديين لصياغة حلول مستديمة للأزمات الاقتصادية المزمنة والبحث عن حلول غير تقليدية تساهم في تخفيف أثر الإجراءات الاقتصادية الضرورية للإصلاح المتفق عليه.