رغم العقوبات… لماذا أعلنت بنوك أمريكية وأوروبية إفلاسها ولم يحدث في روسيا؟

رغم العقوبات… لماذا أعلنت بنوك أمريكية وأوروبية إفلاسها ولم يحدث في روسيا؟

لطالما دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني؛ إذ كان من المتوقع أن تعلن بنوك روسية إفلاسها، وعدم التزامها بسداد الديون، ومستحقات العملاء في ظل إنهاك الاقتصاد الروسي جراء النزاع مع الغرب، لكن ما حدث هو النقيض تمامًا حيث أعلنت بنوك أمريكية وأوروبية إفلاسها وعدم الوفاء بالتزاماتها مع العملاء؛ الأمر الذي كان له تداعيات سلبية كبيرة على بنوك وشركات في بريطانيا، وكندا.

لا سيما تلك الشركات والبنوك التي لها أرصدة وسندات خزانة، وأذون في بنوك أمريكية، ومنها في بنك سيلكون فالي بنك الأمريكي الذي أعلن إفلاسه منذ وقت قريب تبعته بنوك أمريكية أخرى؛ الأمر الذي دفع حكومة بريطانيا من جهتها إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف مِن تبعات هذا الانهيار على شركات وبنوك تابعة لها.

وبالرغم من تلقي روسيا ضربات موجعة على إثر العقوبات؛ إذ تلقت أكبر حزمة من العقوبات في تاريخ الاقتصاد الروسي بلغت وَفْق مراقبين أكثر من سبعة أو ثمانية آلاف عقوبة، الأمر الذي يستوجب مناقشة وتحليل جاد في كيفية نجاح الاقتصاد الروسي، وكيف استطاع تجاوز الأزمة حتى الآن وعدم انهيار البنوك الروسية؛ مقارنة بالدول التي تقوم ولا تزال بفرض العقوبات عليها؛ هذا ما سيتعرض له بالتفصيل مركز “رواق” للأبحاث في السطور التالية.

أرجع اقتصاديون لـ”رواق” -وعلى رأسهم الخبير الاقتصادي، د. وائل النحاس- ذلك إلى أنه يدلل على أن الدولار الأمريكي يحميه قوة السلاح وليس الغطاء الحقيقي من الذهب، مؤكدًا أنه منذ قرار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في عام 1971 الذي قد ألغى الغطاء الدولاري بالذهب بشكل مؤقت، وعندما طلبت بعض الدول، ومنها: أوروبا أرصدتها التي أودعتها بالذهب، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك.

أشار “النحاس” في تصريحاته لـ”رواق”: إلى أن بالرغم من إنهاك روسيا عسكريًّا واقتصاديًّا بسبب الحرب؛ إلا أنها اتخذت سياسات مصرفية قوية بواسطة -إلفيرا نابولينا- محافظ البنك المركزي الروسي، كما أن روسيا تعد الدولة الأولى في تصدير الحبوب حول العالم وتدفق العملة الصعبة بشكل ملحوظ؛ رغم الأزمة التصدير الحالية، بجانب فرض إجراءات على البنوك لتجنب السقوط، وهو ما نتج عنه ارتفاع سعر الروبل الروسي حتى في وقت الحرب.

وفي تقرير صادر عن وزارة الزراعة الروسية، أن صادرات الحبوب من روسيا في العام الزراعي 2021 – 2022 وصلت إلى 38.1 مليون طن، بما في ذلك 30.7 مليون طن من القمح، ووفقًا لبيانات الجمارك الروسية، فقد صدرت روسيا 38.1 مليون طن، بما في ذلك 30.7 مليون طن من القمح.

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن محصول الحبوب في روسيا في عام 2022، قد يتجاوز 130 مليون طن، مشيرًا إلى أن صادرات الحبوب في السنة الزراعية الحالية (من يونيو 2021 إلى يوليو 2022) قد تصل إلى 37 مليون طن.

وكشف الرئيس بوتين، قائلًا: “خلال العامين المقبلين ستصل المبيعات الروسية إلى نحو 50 مليون طن. “أر تي”.

ويرى مراقبون: أن إعلان البنك الأمريكي إفلاسه أعطى مؤشرًا مهمًّا بأن عددًا من الدول العظمى، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا سيشهد عدد من البنوك بها إعلان الإفلاس، وبالتالي على القطاعات المصرفية ببعض الدول أن تقوم باتخاذ إجراءات وقائية واستباقية لعدم حدوث أي أشياء مشابهة لديها.

إفلاس سيلكون فالي بنك:

وقال “المراقبون”: إن إفلاس بنك كبير مثل سيلكون فالي في أمريكا، هو مؤشر كبير على إفلاس الاقتصاد الأمريكي، مؤكدين في الوقت ذاته أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة عدم وجود غطاء ذهبي له، وأن ما يحدث فيما يتعلق بسعر الدولار تحدده الحكومة الأمريكية وتحميه بقوتها العسكرية، ولكن عندما بعلن بنك كبير إفلاسه ودول كبرى، مثل: كندا لها 14 مليار دولار ودائع به، ودول كثير أخرى لها ودائع؛ سيؤدي إلى حدوث بلبلة وعدم ثقة في الاقتصاد الأمريكي؛ خاصة في ظل الحرب الروسية الامريكية.

أشاروا إلى أن ما حدث من إفلاس لتلك البنوك الأمريكية سيكون في صالح روسيا والصين، حيث ستزداد ثقة الجميع في البنوك الروسية والصينية أكثر من البنوك الأمريكية؛ خاصة في ظل وجود أكثر من بنك بريطاني مهدد أيضًا بالإفلاس خلال الفترة المقبلة، مما سيمثل هزة للاقتصاد الأوروبي والأمريكي، وزيادة في الثقة بالاقتصاد الروسي والصيني؛ لأن البلدين لديهما غطاء ذهبي.

كما أن ما يحدث هو بمثابة تغيير في ميزان القوى الاقتصادية حول العالم، أي: أن القوة الاقتصادية ستتحول الى الصين وروسيا، ودول أخرى، مثل: الهند، كما أن الولايات المتحدة ليس لديها أي مشروعات جديدة تطرحها أمام المستثمرين، مشيرًا الى ان السياسة الاقتصادية الأمريكي سيكون لها تأثير سلبي تام، وستؤدي إلى الركود التضخمي. “أر تي”.

أضخم كوارث إفلاس للبنوك الأمريكية:

في هذه السطور، سوف نسلط الضوء على أبرز قائمة تضم 10 حالات إفلاس بنوك على مدار تاريخ الأزمات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية، وَفْق ما ذكرها موقع “gobankingrates” وهى، كالتالي:

– بنك واشنطن ميوتشوال: حيث أكبر إفلاس مصرفي على الإطلاق، وقع يوم 25 سبتمبرعام 2008، كان إجمالي أصول البنك الأمريكي حوالي 307 مليارات دولار من الأصول، و188 مليار دولار من الودائع، حيث سحب العملاء ما يقرب من 17 مليار دولار من الأصول في أقل من 10 أيام. “سبوتنك”.

– بنك وادي السيليكون: إذ تم إغلاق بنك وادي السيليكون يوم 10 مارس عام 2023، بعد إجراء عمليات سحب ضخمة على ودائعه التي بلغ حجمها 175.4 مليار دولار، وبسبب ضخامة عملية الإفلاس، اضطربت الأسواق، فيما طمأن الرئيس جو بايدن المودعين بأن أموالهم آمنة، فيما بلغت أصول البنك 209 مليارات دولار.

– بنك سيغنتشر: حيث أغلق بنك سيغنتشر بعد يومين فقط من إفلاس بنك “وادي السليكون”، أي: يوم 12 مارس، وذلك بقرار من وزارة ولاية نيويورك للخدمات المالية، وبلغت أصول البنك 110 مليارات دولار.

– بنك إلينوي الوطني القاري: وقع إفلاس البنك في مايو عام 1984، وكان يعتبر أكبر إفلاس مصرفي عرفه التاريخ في ذاك الحين، لكن تم إغلاق البنك بعد أن قاد المودعون الكبار تدافعًا على سحب ودائعهم من البنك، وسحبوا 10 مليارات دولار في وقت مبكر من شهر مايو من ذلك العام، وقد بلغت أصول البنك 40 مليار دولار. “سبوتنك”.

– بنك فرست ريبابليك: وهو يعتبر أكبر بنك في الجنوب الغربي الأمريكي وقت إفلاسه، الذي وقع يوم 29 يوليو 1988، حيث كان يمتلك 20% من جميع القروض التي قدمتها البنوك التجارية في تكساس، بإجمالي أصول 32.5 مليار دولار، وجاء إفلاس البنك بعد فشل مسؤولية في إدارة قروضه، رغم انخفاض قيم العقارات بنسبة 10 إلى 15% سنويًّا.

– بنك إندي ماك: وكان لهذا البنك دور رئيسي في عالم البنوك خلال الطفرة العقارية في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، من خلال التخصص في القروض التي لا تتطلب من المقترضين إنتاج الكثير من الدخل أو التحقق من الأصول؛ إلا أنه أعلن إفلاسه يوم 11 يوليو ، بإجمالي أصول 32 مليار دولار.

– البنك الأمريكي للادخار والإقراض: حيث أعلن إفلاسه في سبتمبر 1988، حيث كان تشغيل عام 1984 على ودائع المدخرات والقروض الأمريكية، التي تصل إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار بمثابة بداية منعطف سيئ للمؤسسة، ولم تكن الحيازات الكبيرة من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري ذات فائدة تذكر في بيئة أسعار الفائدة المضطربة، وقد بلغت أصول البنك 30.2 مليار دولار.

– بنك كولونيال: كان البنك وقت إفلاسه يمتلك أكثر من 25 مليار دولار من الأصول، وأكثر من 350 فرعًا، وأعلن عن إفلاسه يوم 14 أغسطس عام 2009، وفي 2011 اعترفت كاثرين كيسيك، نائبة رئيس البنك، بالذنب في تهم تتعلق بمخطط احتيال بقيمة 2.9 مليار دولار، ساهم في إفلاس البنك، وتم الحكم عليها بالسجن ثماني سنوات.

– بنك نيو إنغلاند: بدأت معاناة بنك نيو إنغلاند مع بداية ركود سوق العقارات في الربع الأخير من عام 1989 ما أدى إلى أن سجل البنك خسارة قدرها 1.23 مليار دولار، وبحلول سبتمبر عام 1990، كان ما يقرب من نصف قروض البناء للبنك و20% من قروضه العقارية التجارية متأخرة في السداد، لم يتمكن البنك من التعافي قبل الإعلان عن إفلاسه في 6 يناير 1991، بإجمالي أصول بلغ 21.7 مليار دولار.

– بنك جبل طارق للادخار والإقراض: حيث أعلن عن إفلاس البنك يوم 31 مارس 1989، وقد بلغ إجمالي أصوله وقتها 15 مليار دولار، وقد أدَّى سوء إدارة الاستثمارات العقارية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري إلى انهيار المؤسسة، واشترت شركة “سكيورتي باسيفيك” بنك جبل طارق للادخار والقروض بعد إفلاسه. “سبوتنك”.

انهيار مجموعة “إس في بي البريطانية:

ونتيجة لما حدث للبنوك في الولايات المتحدة الأمريكية، ذكر بيان قد صدر عن وزارة المالية البريطانية أن الوزارة وبنك إنجلترا يعملان معًا للحدِّ من الآثار المحتملة لانهيار بنك وادي السيليكون الأميركي، وهو الاسم الذي تستخدمه مجموعة “إس . في . بي” المالية في أنشطتها، على فرع البنك في بريطانيا.

وقال البيان: إن مسؤولين من الوزارة والبنك يعملون عن كثب معًا، ومن المقرر إجراء محادثات في وقتٍ لاحقٍ، لبحث المشكلات التي تواجهها شركات التكنولوجيا البريطانية المتأثرة من انهيار البنك. وتابع البيان: “تدرك الحكومة أن شركات قطاع التكنولوجيا غالبًا ما تكون التدفقات النقدية إليها بالسالب في أثناء نموها، وأنها تعتمد على التمويل مقابل الودائع لتغطية تكاليفها اليومية”. “سكاى نيوز”

وأضافت وزارة المالية: إن النظام المصرفي البريطاني لا يزال قويًّا ومرنًا، مشيرة إلى أن القضايا التي تؤثر على بنك وادي السيليكون تخص البنك ذاته، ولم يكن لها تأثير على البنوك الأخرى العاملة في بريطانيا.

تراجع الأسهم الأوروبية:

ذكرت شبكة سكاي نيوز آنذاك: إن بنك لندن يدرس محاولة إنقاذ لفرع البنك الأمريكي في البلاد، وجاء ذلك بعد أن قال بنك إنجلترا، إنه يسعى للحصول على أمر من المحكمة لوضع الفرع في إجراءات الإفلاس بعد أن استحوذت الجهات التنظيمية الأمريكية على الشركة الأم، وهي مجموعة “إس . في . بي” المالية.

وبموجب إجراءات إفلاس البنوك في بريطانيا، يحق لبعض المودعين الحصول على ما يصل إلى 85 ألف جنيه إسترليني 102 ألف دولار كتعويض عن الودائع المفقودة، أو 170 ألف جنيه إسترليني “نحو 205 ألف دولار” عن الحسابات المشتركة. “سكاى نيوز”.

روسيا تضع قواعد جديدة لتشجع البنوك:

بالتزامن مع استمرار العملية الروسية في أوكرانيا، قرر البنك المركزي الروسي وضع قواعد جديدة لتحفيز البنوك الروسية على تعديل أصولها من العملات الأجنبية لصالح عملات الدول التي تعدها موسكو “صديقة”.

وفي بيان، قال البنك المركزي: إن معدل الاحتياطي المطلوب لعملات الدول “غير الصديقة” سيكون عند 7.5%، بينما سيكون معدل عملات الدول الصديقة عند 5.5%، وفق رويترز. وفي نفس الوقت، تصنف روسيا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة من الدول الأخرى التي فرضت عقوبات عليها على أنها دول “غير صديقة”. “الجمهورية”.

عقوبات غربية على موسكو:

مع بدء الحرب الروسية بأوكرانيا فى الرابع والعشرين من شهر فبراير عام 2022، سارعت كثير من الدول الغربية في فرض حزم متعاقبة من العقوبات الاقتصادية على موسكو، بغية محاصرة الاقتصاد الروسى وإضعافه لوقف الحرب على كييف.

وفي ظل التوسيع الغربي في عقوباته الاقتصادية على الدب الروسي، صعدت إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزى الروسي حيث الشخص الأكثر شهرة والمقرب من الرئيس بوتين، الملقبة بـ”المرأة الحديدية”؛ ذلك أنها نابيولينا تمثِّل أحد اللاعبين الأساسيين فى جهود موسكو لمنع الانهيار الاقتصادي؛ نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.

كيف ارتفع الروبل الروسي وقت الحرب؟

تقول صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية: إن محافظ المركزي الروسي، نجحت في مهمتها بشكل كبير؛ إذ قامت بمجموعة من الإجراءات الطارئة التي اتخذتها منذ بدء العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا، في الحد من الانخفاض الحاد لقيمة الروبل، الذي عاد تقريبًا إلى المعدل الذي كان عليه قبل الحرب.

ونتج عن هذه القرارات المصرفية: أن سجل الروبل الروسي لفترة طويلة وربما حتى كتابة تلك السطور أسعار قياسية مقابل الدولار، مُسجلا نحو 66 روبل بعد أن وصل إلى 130 روبل عقب بدء الحرب الروسية على أوكرانيا. وقبل الحرب جمع المصرف المركزي الروسي صندوقًا بقيمة 630 مليار دولار لضمان قدرته على الخروج من أي عقوبات. “الجمهورية”

روسيا تُجمد 300 مليار دولار لدعم الحرب:

وفي ذلك الوقت، أعلن وزير المالية الروسي عن تجميد حوالي 300 مليار دولار من هذا المبلغ، حيث قرر المركزى الروسي، رفع الفائدة من 9.5 إلى 20%، نتيجة تغير الظروف الخارجية المحيطة بالاقتصاد الروسى، معتبرًا أن رفع معدل الفائدة سيضمن ارتفاع الإيداع إلى المستويات المطلوبة، للتعويض عن تدهور القيمة وزيادة التضخم والحماية من مخاطرهما.

وفي شهر إبريل الماضي، قررت نابولينا تخفيض سعر الفائدة إلى 17%، كما فرضت عدة إجراءات أخرى لمواجهة العقوبات الغربية، منها: “أمر التسوية بالروبل”، الذي نجح في منع انهيار النظام المالي الروسي، والذي تسبب في انتعاشه بشكل حاد إلى مستويات ما قبل الحرب، وقيدت نابولينا تحويل الأموال إلى الخارج، والضغط على الشركات الروسية التي تعمل مع عملاء غربيين من خلال إجبارهم على تحويل 80% من أرباحهم من العملة الصعبة إلى روبل.

وإزاء هذه السياسات المصرفية الهامة، نالت نابولينا ثقة الرئيس الروسي، حيث وصفت “الإيكونوميست” البريطانية، نابيولينا بالذراع الأيمن للرئيس بوتين؛ بسبب ثقته الكبيرة بها وما اتخذته من قرارات مصرفية، لدرجة أنه يسير خلف قراراتها ويدافع عنها حتى أمام الدائرة المقربة منه.

ومع بداية العملية العسكرية في فبراير 2022، منح الرئيس بوتين لمحافظ البنك المركزي كامل الصلاحيات لمواجهة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل كانت نابيولينا على قدر المسئولية.

لماذا لم تسقط البنوك في روسيا؟

وفاجأت نابولينا الغرب بتأكيد أحقية الشركات الروسية بتسديد مديونياتها لجهات مالية غربية بالعملة المحلية، وليس بالدولار؛ مما يعني أن الدول والشركات الغربية سوف تتضرر من جراء انخفاض قيمة الروبل أكثر بسبب العقوبات؛ إذ سمح هذا الإجراء بتقليل السحب من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية.

وبعد مضي أشهر من الحرب، بدأت نابولينا في التعامل مع التضخم؛ إذ طالبت الشركات الروسية بشراء الروبل بنسبة بلغت نحو 80% من العملات الأجنبية، كما أعلنت عن تطبيق ضوابط على رأس المال للحد من تدفقات رأس المال المحلي نحو الخارج، بما في ذلك القيود على المبلغ، الذي يمكن للمقيمين سحبه بالدولار من الحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية، والقيود المفروضة على سحوبات العملاء الأجانب بعملات أجنبية معينة، إذ يحظر على الروس تحويل الأموال إلى حساباتهم المصرفية الأجنبية، كما أن مبلغ العملة الأجنبية، الذي يمكن سحبه خلال الشهر، يقتصر أيضاً على 10 آلاف دولار. “الجمهورية”.

قرارات الرئيس الروسي:

ثم بعد ذلك، أعلن الرئيس بوتين، أن توريد الغاز الطبيعي إلى “الدول غير الصديقة” سيتم تسويته بالروبل، وطلب من البنك المركزي الروسي والحكومة صياغة المواصفات ذات الصلة لتسوية الروبل في غضون أسبوع واحد فقط.

فكل هذه الإجراءات تدلل أن روسيا ورغم الحرب الذي يقضي لا شك على الأخضر واليابس، وإنهاك الاقتصاد حتى وإن كان قويًّا؛ إلا أن البنك المركزي الروسي بجانب ما قام به من ربط الروبل بالذهب، فقد نجح في تمويل الحرب من جهة، واستمرار عمل البنوك والوفاء بالتزاماتها أمام العملاء من جهة أخرى؛ بالإضافة إلى عدم تعرضها للإفلاس مثلما حدث في الدول ذات الاقتصادات الأقوى مثل الولايات المتحدة وأوروبا تلك التي قامت بفرض وابل من العقوبات على موسكو.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير أن حُسن الإدارة في النظام المالي أو المصرفي يُعد في المقام الأول أو ضمن الأساسيات التي تساهم في نجاح اقتصاد نظام الدولة نفسه وهذا ما دللت عليه إلفيرا نابولينا محافظ البنك المركزي الروسي، ومنها: “نظام التسوية” بالروبل وليس الدولار.

– يمكن أن تدخل للدولة أموال كثيرة في صورة عملات أجنبية وودائع ولكن لسوء الإدارة المصرفية أو البنكية ووضعها في أماكن غير مستغلة أو مجدية فتذهب هباءً منثورًا دون أن تعود بالنفع على الاقتصاد.

– ثبت بالأدلة: أن الاقتصاد الأمريكي “هش” يحميه قوة السلاح فقط وليس غطاءً حقيقيًّا، كالذهب مثلًا، مقارنة بالاقتصاد الروسي التي تحارب الغرب والذي تلقى قرابة ثمانية آلاف عقوبة حتى كتابة هذه السطور ولم يسقط.

– إن العالم مُقبل لا محالة على نظام مالي ودولي متعدد الأقطاب، ومن المتوقع أن الاقتصاد الصيني سيكون له نصيب الأسد خلال السنوات المقبلة، وهذا ربما ذكره “رواق” في مقالات سابقة؛ لا سيما في ظل التوسع والتقارب الصيني – الروسي مع دول عربية وإفريقية.

 – إن سياسة العقوبات الأمريكية وفرض هيمنتها على العالم، ومنها: عقوبات سابقة على شركات صينية في عهد “ترامب”، وأخرى على روسيا بسبب الحرب، لم تعد لها جدوى في ظل الانفتاح الاقتصادي وخروج كثير من الدول حتى بعض الدول العربية من التبعية أو الهيمنة الأمريكية، وذلك لبحث كل نظام عن مصلحة بلاده.

– إن سياسات الفيدرالي الأمريكي ورفع الفائدة قد أضرَّت بالعديد من الأسواق والاقتصادات سيما الناشئة والضعيفة؛ الأمر الذي دفع وسيدفع العديد من البلدان إلى التعامل مع التنين الصيني والدب الروسي بالعملات الوطنية في التعاملات التجارية؛ ما يعني أنها ستكون ضربة قوية للدولار.

– في حال لجأت بعض البنوك المركزية لا سيما بالدول المتعثرة إلى تسوية الصفقات التجارية أو الديون مع البلد الدائن بالعملة الوطنية سيكون له نتائج إيجابية كبيرة وقوية في رفع قيمة العملة المحلية من جهة، وزيادة معدلات النمو والإنتاج بتلك الدول من جهة أخرى.

– يجب أن نعلم مليًّا: أن هيمنة الدولار خلال الفترة المقبلة لن تكون مثل الماضي، فهو لن يموت بالطبع بالكلية، ولكن ستسارع كثير من الدول والبلدان إلى التكتلات ومحاولة التعامل خارج عباءة الدولار، بهدف حلحلة الأزمات الاقتصادية لديها وتقوية اقتصاداتها.

المصادر:

– آر تي

– سبوتنك

– سكاي نيوز

– الجمهورية

– الكاتب نفسه