انعكاسات قرار رفع الفائدة من الفيدرالي الأمريكي

انعكاسات قرار رفع الفائدة من الفيدرالي الأمريكي

ما تزال تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا، والأحداث المتصلة بها تُلقي بظلالها على العَالَم؛ متسببةً في ازدياد مشاكل سلاسل الإمداد، مع الإغلاقات المرتبطة بكوفيد في الصين؛ ما يعكس اختلالات التوازن بين العرض والطلب، المرتبطة بالجائحة، وارتفاع أسعار الطاقة، والضغوط على الأسعار بشكل أوسع، وبالتالي: ضغوطٌ إضافية على التضخم عالميًّا.

لجأ الفيدرالي الأمريكي في معركته لمواجهة التضخم -المرتفع إلى مستويات تاريخية- إلى رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 2018، بربع نقطة مئوية في معدل الائتمان الأساسي إلى 0.5%، في شهر مارس الماضي. ثم ما لبث أن أعلن مرة أخرى في الرابع من مايو الجاري، رفع سعر الفائدة بنسبة 0.5% في أعلى معدل زيادة منذ 22 عامًا، وهو ما وصفته تقارير صُحفية بكونها أجرأ خطوة لمواجهة التضخم المتزايد.

هناك توقعات صدرت من جيه بي مورجان وجولدمان ساكس، قبل حرب أوكرانيا، تشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي سيقوم باتباع سياسة نقدية متشددة، وسيرفع الفائدة خلال الـ 7-9 اجتماعات التالية لمواصلة الضغط على التضخم الذي يُتوقع وصوله إلى 4.3% خلال العام الجاري، ويواصل الانخفاض في السنوات التالية إلى 2.7% في العام المقبل، و2.3% في 2024، إلى أن يصل على المدى الطويل إلى 2%، وذلك من خلال إجراء زيادة إضافية لأسعار الفائدة في كل مرة ([1]).

وكان معدل التضخم في الولايات المتحدة ارتفع في يناير الماضي إلى 7.5% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1982.

تأثرًا بتلك القرارات، أعلنت البنوك المركزية الخليجية رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5%؛ نظرًا لأنها تربط عملاتها بالدولار بشكل مباشر، فيما يربط البنك المركزي الكويتي الدينار الكويتي بسلة عملات تتضمن الدولار.

يتوقع مراقبون أن تصمد العملات المحلية في دول، مثل: العراق، وليبيا، والجزائر، بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز ، رغم أنها تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية عديدة، في حين تبدو الأزمة مركبة في الدول التي تعاني من ارتفاع نسبة الدَّين العام، أو تلك التي تسعى إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، مثل: تونس، ومصر، أو السودان، والتي تُعدمن أكثر الدول تأثرًا بقرار رفع سعر الفائدة على الدولار([2]).

لا شك أن هذه التداعيات الناتجة عن رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة تشجِّع المستثمرين على التخارج من الأسواق عالية المخاطر، وتضع المزيد من الضغوط على الدول ذات المديونية الكبيرة، وتصبح تسدد الدولار بقيمة أعلى، وفي الحالة المصرية: سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، ومِن ثَمَّ رفع قيمته أمام الجنيه، وهو ما سيؤثر بطبيعته على سعر الصرف، وسيؤدي إلى المزيد من زيادة الأسعار في مصر وزيادة معدلات التضخم، فضلا عن نزوح الأموال الساخنة([3]).

لذلك؛ فإن مصر التي لم تكن أوفر حظًّا من جاراتها الخليجية، وحتى تتدارك بعض الأموال الساخنة من استثمارات الأجانب، والتي خرجت بسرعة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي، قامت بخفض الجنيه المصري ورفع معظم السندات الحكومية المصرية المقومة بالدولار؛ وذلك للمساهمة في وقف خروج رأس المال الأجنبي، وتعزيز فرص البلاد للاقتراض مرة أخرى من صندوق النقد الدولي، وهو ما يؤدي إلى توفير السيولة بما يتسق مع المتطلبات الدولية لدى الأسواق الدولية والشركاء الدوليين، لتمويل جزء كبير من احتياجات الدولة النقدية.

وكذلك قام البنك المركزي المصري برفع الفائدة بنحو 1% في مارس الماضي للتصدي لموجة التضخم التي تضرب البلاد، وذلك للمساهمة في الحفاظ على جزءٍ من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية، بل ودخول استثمارات جديدة سواء عن طريق أذون الخزانة والسندات المصرية أو عن طريق البورصة؛ خاصة مع مرونة أسعار صرف الجنيه أمام الدولار([4]).

ولكن ماذا يعني رفع أسعار الفائدة وما تأثيره؟

إن ذلك يعني أن ترتفع أسعار الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من البنك المركزي، وبناءً عليها تضع البنوك خططها لاحتساب أسعار فائدة جديدة على القروض التي تقدمها للعملاء.

وكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة، بالعملات المقومة بعملة المركزي أو المرتبطة بها، وهذا مؤشر سلبي على الاقتصادات التي تسعى إلى تحفيز الأسواق من خلال نسب فائدة منخفضة؛ إذ سيدفع رفع كلفة الإقراض إلى تراجع وتيرة الإقدام على طلب التسهيلات الائتمانية في الأسواق العالمية، خصوصا بعملة الدولار والعملات المرتبطة به.

وعلى العكس تمامًا؛ فإن ارتفاع أسعار الفائدة تحفز الأفراد والمؤسسات على إيداع أموالهم في البنوك، وبالتالي تتقلص حجم الكتلة النقدية وتقل السيولة المعروضة في الأسواق، وبالتالي يتراجع الاستهلاك والاستثمار، وتعيد الأسواق برمجة القوة الشرائية بناءً على السيولة المتوفرة مما يكبح جماح التضخم([5]).

وفيما يتعلق بالمعدن النفيس –الملاذ الآمن للمستثمرين-؛ فإنه يتراجع بفعل رفع الفائدة في الظروف الطبيعية، وهو ما حدث بالفعل في سعره العالمي؛ إلا أنه على المستوى المحلي، فما زالت المخاوف مستمرة لدى المستثمرين والتجار من ارتفاع سعر الدولار، وبالتالي: زيادة التضخم مرة أخرى، مما حدا بهم تقويمه بسعر أعلى من سعره المعلن تحسبًا لما يمكن أن يحدث. وبشكلٍ عام؛ فقد يكون تراجع أسعار الذهب عالميًّا هو تراجع مؤقت، سيستتبعه عودة الارتفاع مجددًا في ظل استمرار التصعيد والحرب الاقتصادية على روسيا والتوترات الجيوسياسية والحرب الروسية الأوكرانية([6]).

أما فيما يخص الأسهم في البورصات الدولية فيُتوقع أن تتعرض لهزة واضحة بمجرد إعلان الفائدة الأمريكية حيث يقل الاتجاه للأسهم ويتجه الجميع إلى العملات أو الذهب.

بالرغم من أن جزءًا كبيرًا من التضخم ناجم عن زيادة الأسعار من جانب العرض، وأن فائدة شهادات التوفير في مصر [ذات الفائدة المرتفعة] امتصت جزءًا كبيرًا من التضخم الذي قد ينجم عن الطلب، لكن رفع الفائدة عندهم ضروري لإزالة الفجوات بين أسعار فائدة الكوريدور وفائدة البنوك، والفائدة على أذون الخزانة؛ حيث يوجد ثلاثة أسعار للفائدة يتم التعامل بها في الاقتصاد المصري: شهادات توفير مرتفعة العائد بفائدة 18% سنويًّا، سعر الإقراض والخصم لدى البنك المركزي 9.75%، والعائد على سندات وأذون الخزانة المتوقع وصولها لـ13.7% في العام المالي الحالي بحسب وزارة المالية([7]).

المصدر: البنك المركزي

*بلغ معد التضخم السنوي في مجموعة الطعام والشراب نحو 26%.

** بلغت الفائدة الحقيقية في مصر مقارنةً بسعر الإقراض والخصم -3.4%، حيث: الفائدة الحقيقية = سعر فائدة الخصم – معدل التضخم.

في الختام.

على الرغم من أن التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري لا يزال مستقرًا، فإنه يتعين على الحكومة المصرية أن تحتاط جيدًا لمواجهة تداعيات رفع أسعار الفائدة الأمريكية، ومجابهة الآثار السلبية لها، وتقليل فاتورة الواردات، ونشر الوعي المالي والاستهلاكي للأفراد، والالتزام بالتقشف الحكومي، وإعداد تصور مستقبلي حال اتجاه أمريكا إلى رفع الفائدة لمرات متتالية خلال الشهور القليلة المقبلة.

                                                                                                                                       

([1]) https://zawya.atexcloud.io/ar

([2]) https://www.bbc.com/arabic/trending-61373863

([3]) https://arabic.rt.com/business

([4]) http://amwalalghad.com/2022/05/05

([5]) https://al-ain.com/article/what-does-raising-interest-rates-mean-people-banks

([6]) https://www.youm7.com/story/2022/5/4

([7]) https://www.zawya.com/ar