الأزمة التونسية… حقائق كارثية وأوضاع متأزمة في انتظار حلول عاجلة!

الأزمة التونسية… حقائق كارثية وأوضاع متأزمة في انتظار حلول عاجلة!

 

فتشهد تونس في الآونة الأخيرة تأزمًا للأوضاع الاقتصادية، وانحدارًا واضحًا في كل المؤشرات التنموية، رافقه تصاعد التوترات بين الفاعلين السياسيين في المجلس التشريعي من جهة أولى، وبين رئيسي الجمهورية والحكومة بسبب التحوير الوزاري الأخير على رأس 11 وزارة من جهة ثانية.

ومع مرور 10 سنوات على أحداث يناير 2011 ارتفعت حِدَّة الاحتجاجات الشعبية، ولأيام متتالية خرج المتظاهرون إلى الشوارع في عددٍ مِن مدن الجمهورية مطالبين بالتشغيل، ونادوا بشعارات الحرية والكرامة وإسقاط النظام، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية.

حتى ظهرت مؤشرات عديدة للاقتصاد التونسي تنبئ بأزمة إفلاس تهدد بتراجع الإنتاج والخدمات، ومزيد من البطالة والتدهور في مستوى المعيشة التونسيين، فهل نحن أمام سيناريو أزمة على غرار ما حصل في لبنان أم أن هناك فرصة لتجنب ذلك؟

سبب الأزمة:

حسب وزير المالية السابق حكيم بن حمودة، فإن الأزمة الحالية تهدد بإفلاس وشيك للدولة التي تبحث عن مصادر مالية جديدة وسط أزمة سياسية تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي الذي يزداد تعقيدًا وصعوبة.

وقد أوصلت هذه الخلافات البلد إلى حالة من الشلل السياسي؛ لاسيما وأنها تدور على أعلى المستويات وخاصة بين رئاسة الجمهورية ممثلة بالرئيس قيس سعيد، وحركة النهضة الإسلامية، وهي أقوى حزب في البرلمان الحالي الذي يتولى رئاسته زعيمها راشد الغنوشي.

وعلى ضوء قوة الحركة في البرلمان فإنها قادرة على التحكم بشكل واسع بقرارات الحكومة شبه المستقلة التي يرأسها هشام المشيشي الذي لا ينتمي إلى حزب سياسي. وفي الوقت الذي يصف فيه وزير الاقتصاد التونسي على الكعكي الوضع بالحرج، فإن البعض يذهب إلى حد التحذير من تكرار سيناريو الأزمة الاقتصادية اللبنانية في تونس، ما لم يأتِ الإنقاذ من الخارج(1).

الخبراء:

أجمع خبراء اقتصاد على أن أزمة تونس سياسية بامتياز، مؤكدين أن الاقتصاد يدفع منذ سنوات تكلف باهظة؛ لعدم استقرار مؤسسات الحكم.

وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان: “إن انهيار الاقتصاد أصبح أمرًا ممكنًا في أي وقت”، محذِّرًا من إعلان وشيك للإفلاس، وعدم قدرة الحكومة على سداد الأجور، وتسيير المرافق الأساسية.

ويضيف سعيدان في تصريح لـ”العربي الجديد”: أن تونس مطالبة هذا العام بسداد ديون بقيمة 16.3 مليار دينار (5.92 مليارات دولار)، معتبرًا أن التخلف عن سداد هذه الدوين يصنِّف البلاد في خانة الدول المتعثرة.

ويشير إلى أن تونس لن تتمكن من سداد أقساط الديون المستحقة دون الاقتراض من السوق الدولية مجددًا، بينما نسبة المخاطر العالية للاقتصاد المحلي تجعل حظوظ تونس في الحصول على قروض جديدة شبه منعدمة إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ويرى أن الحكومة تأخرت في فتح مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، شريكها المالي الأساسي، الذي يضع لائحة شروط لمواصلة تمويل اقتصاد تونس، معتبرًا أن الوضع السياسي في البلاد هو العائق الأساسي أمام الاقتصاد.

وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، لا تزال ارتدادات الغلق جراء جائحة فيروس كورونا تلقي بظلال سلبية كبيرة على الاقتصاد، الذي هبط نموه إلى مستويات غير مسبوقة مخلِّفًا عجزًا ماليًّا بلغت نسبته 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ 4 عقود.

ورغم النظرة المتشائمة التي يبديها العديد من المؤسسات المالية الدولية وخبراء الاقتصاد حيال الوضع الاقتصادي التونسي، يقلل المحلل المالي خالد النوري من مخاطر إعلان قريب للإفلاس، وَفْق وصف الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، مشيرًا إلى أن تونس ليست في وضع الإفلاس الذي يمكن أن يضعها تحت تصرف الجهات المقرضة، لكنها “في مرحلة تعثّر مالي شديد”.

ويقول النوري: “إن عدّة مؤشرات تؤكد عدم وصول تونس إلى مرحلة الإفلاس، ومنها مواصلة المؤسسات المالية العالمية صرف قروض لفائدتها رغم تصنيفها كدولة متعثرة من قبل وكالات التصنيف الائتماني”.

ويضيف: إن البنك المركزي التونسي يقوم بدور كبير لمنع سقوط الاقتصاد المحلي في هوة عميقة، لافتًا إلى أن هذه المؤسسة تكاد تكون الوحيدة حكوميًّا التي تقوم بدورها لحماية الاقتصاد، عبر الإجراءات الحمائية التي اتخذتها لتجنّب انهيار العملة والمحافظة على رصيد مهم من العملة الصعبة، وعدم طباعة النقود، لكن الصلابة المالية للاقتصاد التونسي باتت محدودة جدًّا، ما يجعل حصول البلاد على قروض جديدة أمرًا صعبًا بحسب النوري الذي أكَّد أن وصفة الإنقاذ السريع تتطلب المراهنة على الاستثمارات الكبرى وحثَّ المستثمرين على ضخ أموال في تونس عبر المشاريع الضخمة.

وفي نهاية مارس/ آذار الماضي قال الأمين العام لاتحاد الشغل -نور الدين الطبوبي-: إن الوضع الاجتماعي أصبح صعبًا في ظل التردي الاقتصادي. مضيفًا: الوقت لم يعد في صالح تونس، ولا بد من إنهاء الخصومات السياسية في أقرب وقت(2).

ووفق تقدير الخبير في الشأن الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي.

وذكر الديماسي في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية” بالسنوات الأولى بعد الثورة: “عندما كنا نسجل نسبة نمو بـ1 بالمئة و2 بالمئة كنا ندق ناقوس الخطر، وننبه للتداعيات واليوم نحن نسجل أرقام محبطة تصل إلى 8 بالمائة و10 بالمائة، لقد ساءت الأمور بشكل عميق”.

وفسَّر الخبير ما وصلت إليه البلاد من “هبوط مطلق في الإنتاج والميزان الاقتصادي” بتأثيرات انتشار الوباء على النشاط الاقتصادي، وأضاف: أن “ما تعيشه البلاد من هزات اجتماعية من حين لآخر جهويا وفئويًّا وقطاعيًّا زاد الوضع سوءًا”.

وأوضح الخبير: أن المشهد السياسي غير المستقر، وغير ذي مصداقية وشفافية، والتوّتر الدائم بين مختلف السلطات؛ خاصة التشريعية والتنفيذية يبقى من أهم الأسباب؛ مما صدَّر صورة سلبية للمستثمرين والدائنين في الخارج، كما فقد التونسيون في الداخل كل أمل وثقة في تحسن الوضع في الآجال القريبة والمتوسطة.

وأكد الديماسي: “إننا نعيش وضعًا اقتصاديًّا لم تعرف له البلاد مثيلًا حتى في أحلك الأزمات التي شهدتها في سنوات الاحتلال الفرنسي وسنوات 1978 و1986” بأزماتها الاقتصادية والاجتماعية(3).

الاحتجاج على واقع الأزمة:

ساهم التردي الاقتصادي في اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية كتعبير عن منحنى المعاناة خاصة في الولايات، والتي أصبحت بعد الثورة قادرة على التعبير عن مشكلاتها في ظل توفر مساحات من الحرية في المجال العام، لكن ذلك لم يمنع توقيف ما يزيد على ألف متظاهر في أقل من أسبوع، ووفاة متظاهر شاب هو هيكل الراشدي في سبيطلة إحدى مناطق ولاية القصرين في الوسط الغربي من تونس، كما ساهم إحساس الشباب بانغلاق الآفاق في مستقبل ممكن بنشوء حالة عامة يمكن تفهمها في ضوء مؤشرات العمل والزواج، وارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية.

وإن كان المجال لا يتسع لرصد مجمل التغيرات الاقتصادية وآثارها على حركة الاحتجاج؛ إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعضها لإيضاح ملامح تأزم الوضع الاقتصادي، والذي يرجع إلى جملة من العوامل الداخلية والخارجية، منها: عدم نجاعة السياسات الاقتصادية في خلق وظائف، وضعف بنية القطاعات الإنتاجية، ومؤخرًا ما أضافته جائحة كورنا من آثار على السياحة والتصدير، غير آثار الظروف الإقليمية في الجزائر وليبيا.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى ارتفاع معدلات الواردات بشكل ملحوظ منذ 2014 وحتى 2018، وتراجع قطاع السياحة في نفس الفترة، ورغم تعافيه عام 2019؛ إلا أنه انتكس مع الجائحة خلال 2020، وتقلص عدد السياح من 833 ألفًا إلى أقل من 50 ألفًا، كان معظمهم من ليبيا والجزائر وفرنسا وألمانيا.

استطاعت الحكومة التونسية خلق استقرار نسبي في معدلات التضخم وسعر صرف الدينار مقابل اليورو والدولار، سجل التضخم 5.6% عام 2020، وسجل الدولار انخفاضًا في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 /2020 حسب البيانات الرسمية؛ إلا أن السياسات النقدية لا تعالج أصل الخلل الهيكلي، ولا تحل الأزمة الاقتصادية بشكل يخفض مستويات معاناة المواطنين، بل يمكن أن تحقق نتائج عكسية كما جرى في مصر عند تعويم الجنية؛ بالإضافة إلى أن السياسات النقدية أسهل الحلول التي تطبقها النظم تحت ضغوط أو توصيات المؤسسات المالية الدولية. وفي تجربة مصر دليل واضح على نجاح الحكومة في تقليل نسبة عجز الموازنة وزيادة معاناة المواطنين(4).

فمن المنتظر أن يتجاوز الدَّين العام للدولة التونسية 36 مليار دولار بنهاية 2021، وفي وقتٍ تتراكم فيه القروض وتزداد نسبة المديونية، وضغوط الجهات المانحة، تستفيد بعض البنوك المحلية من الاستثمار في الدين العام، وتزيد من تعقيدات المشهد الاقتصادي.

القروض التونسية:

وفي تقارير نشرت على مواقع إلكترونية عديدة، منها: موقع قناة الجزيرة: أن الجهات المانحة أصبحت مستاءة أكثر من أي وقت مضى من عدم وفاء تونس بالوعود والالتزامات التي قُطعت منذ بداية الفترة الانتقالية.

وبعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011، تنافست العديد من الجهات الممولة، مثل: البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية – البنك الأفريقي للتنمية – صندوق النقد الدولي – والاتحاد الأوروبي، على المساهمة في مشاريع التنمية في تونس عن طريق القروض والمنح والتبرعات والدعم الفني.

ومع مرور السنوات، تراجع مستوى الدعم الذي تقدمه الجهات الدولية لأول ديمقراطية في العالم العربي، في ظل “هدر الأموال وسوء التصرف” وعدم القدرة على استغلال القروض بالشكل الأمثل لتطوير الاقتصاد، وَفْق ما ورد في هذه التقارير.

عام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على منح تونس مساعدات تبلغ قيمتها: 2.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، لكن تونس حصلت على 1.6 مليار فقط، وتم حجب المبلغ المتبقي بسبب عدم التزام الحكومة بالتدابير والإجراءات التي نصت عليها الاتفاقية.

ونقلت القناة عن خبراء متخصصين: أن البلاد تسير دون رؤية ودون خطة إصلاح جادة، وهو ما يمسّ من مصداقيتها أمام الجهات المانحة، موضِّحًا: أن الخطر الحقيقي يكمن في تغليب الجانب السياسي على الإصلاحات الاقتصادية.

ويقدِّر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن ما يقرب من 90% من المساعدات المرصودة لتونس لم تُصرف بعد، في ظل بطء تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وغياب الإرادة السياسية.

وهذه الأوضاع التي تمر بها البلاد وحاجتها المستمرة إلى الاقتراض تصب في صالح عدد من البنوك التي تسيطر عليها عائلات متنفذة أنهكت الاقتصاد التونسي منذ عقود.

ورغم التحذيرات المستمرة من انهيار الاقتصاد على مدى السنوات الماضية، يرى الخبراء أن إعلان الإفلاس والعجز عن دفع رواتب 800 ألف موظف عمومي ليس أمرًا مطروحًا، غير أنه يجبر الدولة على أن تلهث باستمرار وراء القروض من الخليج وأوروبا والولايات المتحدة. (5)

إجمالي الديون التونسية:

تونس مطالبة بسداد ديون قيمتها 4.5 مليارات يورو خلال 2021. كما أنها بحاجة الى 19 مليارات دينار (حوالي 5.7 مليارات يورو) للإيفاء ببنود ميزانيتها للسنة 2021، في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية مع تراجع كل المؤشرات، فقد سجل الاقتصاد التونسي خلال 2020 تراجعاً تاريخياً للناتج الداخلي الخام ناهز 8.9 في المائة.

ودعا صندوق النقد الدولي في السابق الحكومة التونسية الى تغيير سياسة منظومة الدعم وجعلها مخصصة فقط لمن يحتاجها من المواطنين. ومنذ 2020، وضعت الحكومة نظامًا لمراجعة أسعار البترول أفضى الى زيادات متكررة مؤخرًا.

واعتبارًا من الربع الثاني من هذه السنة، تتجه الحكومة الى تغيير نظام الدعم تدريجيًّا وعلى مدى سنتين، وتوجيهه للفئة الاجتماعية المستهدفة من خلال مساعدات مالية مباشرة، لكن زيادة أسعار المواد الأساسية مسألة حساسة جدًّا في ظل الاحتقان الاجتماعي ويُخشى أن تؤدي إلى احتجاجات على غرار ما حصل في عام 2018، حين حركت إجراءات التقشف التي تم تبنيها في تلك السنة حالة من التعبئة القوية، ودعوات من المجتمع المدني لإعادة جدولة الديون، بدلًا من الاقتراض مرة أخرى.

وقد أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي في وقتٍ سابقٍ: “أن هذه المحاولات لإنقاذ الاقتصاد الوطني هي الفرصة الأخيرة”، مشددًا على ضرورة الوحدة الوطنية للخروج من الأزمة، في حين لا يوفر المشهد السياسي المجزأ، والصراع القائم بين الحكومة والرئاسة والبرلمان مناخًا مناسبًا، أو يتيح الوصول الى توافقات يطالب بها المانحون الدوليون كشرط أساسي.

وقبل نحو عشرة أيام، تلقت السلطات التونسية مراسلة وجهتها مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، وتضمنت إقرار صندوق النقد أن تونس ستبقى شريكًا موثوقًا به. وبحسب ما ذكرت مصادر حكومية تونسية، فإن صندوق النقد رحب بحزمة الإصلاحات المتفق بشأنها في تونس، والتي كانت موضوع حوار بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، خصوصًا اتحاد الشغل ومجمع رجال الأعمال، وأشارت المصادر إلى أن البرنامج الذي سيناقشه صندوق النقد يجب أن يحقق هدفًا مزدوجًا يضمن استقرار الاقتصاد التونسي في المستقبل القريب، مع تحقيق نمو مستدام.

وتحتاج موازنة تونس خلال السنة الحالية لمبالغ مالية لا تقل عن 19 مليار دينار تونسي (نحو 6.7 مليارات دولار) لتمويل ثغرة مالية كبرى، قد تتسع لتبلغ 22 مليار دينار نتيجة الارتفاع المتزايد في أسعار النفط الذي اعتمدت وزارة المالية سعرًا مرجعيًّا متوسطًا يبلغ 45 دولارًا للبرميل في الموازنة. كما تواجه المالية التونسية عددًا من الضغوط من بينها ضرورة توفير 15.5 مليار دينار لسداد خدمة الديون الخارجية.

تونس والسيناريو اللبناني:

يشبه الاقتصاد التونسي نظيره اللبناني في أكثر من مجال، لا سيما عندما يتعلق الأمر بدور السياحة، وقطاعات خدمية، وتحويلات المغتربين، والاعتماد على القروض الخارجية. وإذا كان لبنان قطع الشوط الأكبر في الطريق إلى انهيار اقتصادي، فإن تونس تبدو على هذا الطريق بشهادة أكثر من خبير ومسؤول.

ورغم أهمية قرض صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي، فإنه كالقروض السابقة لن يكون أكثر من جرعة تهدئة مؤقتة تتعلق مدتها باستمرار الظروف الحالية كتلك المتعلقة بصراعات أركان السلطة وجائحة كورونا والفساد الذي يأخذ مجده في ظل التشرذم السياسي القائم. ومع أهمية الإصلاحات الاقتصادية العميقة والمتعلقة بإعادة النظر في آليات الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وإعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام، فإن الحلول الأكثر استدامة، وعلى ضوء خبرة الكثير من الدول ومن ضمنها ألمانيا تقتضي دعم المنتج المحلي الأقل تكلفة من تكاليف الدعم والاستيراد من الخارج.

أما مؤسسات القطاع العام الحيوية، فلا ينبغي بيعها أو خصخصتها، بل تحسين مستوى أدائها الإداري والمالي والإنتاجي لإمداد السوق المحلي بالسلع والخدمات الأساسية: كالمياه، والكهرباء، والغاز، والأسمدة، والمشتقات النفطية بأسعار مناسبة، ورفد ميزانية الدولة بموارد إضافية.

وبالنسبة للمؤسسات المتعثرة يمكن التوصل مع مستثمرين ورجال أعمال مهتمين من القطاع الخاص المحلي والأجنبي إلى حلول تقضي بتحديثها من خلال ضخ استثمارات مشتركة فيها وإدارتها بشكل مشترك يضمن استمرار تطويرها وتحديثها، وتوزيع عائداتها بحسب مساهمة كل طرف فيها.

أما دور القطاع الخاص فينبغي دعمه في مختلف المجالات، وفي مقدمتها: الزراعة والصناعات التحويلية والحرفية التي تنبغي المراهنة عليها أكثر من أي وقت مضى بدلًا من الارتهان إلى القروض الخارجية، ودعم الدول المانحة التي لا تقدِّم مساعداتها بشكل يتعارض مع مصالحها الاقتصادية، ولو كانت هذه المصالح على حساب الاقتصاد الوطني للدول التي تتلقى المساعدات.

وفيما عدا ذلك، فإن المسافة المتبقية لسقوط تونس في حفرة أزمة شبيهة بالأزمة اللبنانية تبدو أقصر مما يرى صناع القرار فيها، وستكون بدايتها في تضخم يؤدي إلى تراجع قيمة الدينار التونسي على غرار ما حصل لليرة اللبنانية.

حل الأزمة التونسية:

إن المرحلة تتطلَّب الاعتماد على الذات بديلًا عن الاعتماد المُفرط على الخارج، وخاصة الاتحاد الأوروبي، حيث إن الانفتاح التام على العوامِل الخارجية استيرادًا وتصديرًا على السواء ساهم في تسرّب القُدرة الشرائية التونسية إلى البلدان الأوروبية، وبالتالي: تقلَّصت فُرَص الاستثمار الداخلي، وباتت إقامة المشاريع خاضعة لرغبة الشركات الأجنبية في ما تريد ترويجه من سِلَع، وما يرافق ذلك من توجيهٍ خارجي المصدر لاستيراد السِلَع والمواد الأولية والمهارات التقنية والإدارية، وبالتالي: توجيه نمط التنمية في مسار يتعارض مع أولويات المجتمع ومصلحته سواء كان هذا التعارُض جسيمًا أو محدودًا، ويظهر ذلك جليًّا في تفاقُم استيراد الحاجات الغذائية للشعب التونسي وانهيار قطاع الإنتاج الفلاحي.

ولن تتم إعادة النظر في الأولويات الوطنية، وذلك بالاهتمام بتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب في مجالات الصحة والتعليم والنقل، وتوفير فُرَص العمل وتحقيق الأمن الغذائي، إلا بعودة الدولة بخطةٍ مركزيةٍ للإنقاذ والبناء الاقتصادي من خلال:

  1.  الشروع في وضع خطط طموحة مرنة قصيرة، ومتوسّطة بالنسبة إلى مجالات الاستثمار وتشكيلة الإنتاج، وأهداف التصدير، واستخدام معايير اقتصادية رشيدة في وضع هذه الخطط، ومِن أهمها: معيار الميزة النسبية الدينامية التي تأخذ بأسعار المُنافَسة العالمية وظروفها على المديين القريب والمتوسّط.
  2.  عودة الدولة للتدخّل في سياسة الأسعار والحوافِز للإسراع في عملية التوسُّع في مجالات معيّنة، مثل: تصدير السِلَع الصناعية، والاكتفاء الذاتي في الإنتاج الفلاحي، والحد من استهلاك السِلَع الترفيهية.
  3.  الشروع الفوري في تعبئة الموارد المالية، حيث يُعتَبر شحّ الموارد المالية قيدًا خانقًا على التنمية في تونس لا يمكن تجاوزه إلا بــ:

‌أ. السيطرة الكاملة على قطاع المال والبنوك، وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي، ومن هنا يتمّ التحكّم الشامل في توجيه الاستثمارات حسب أولويات الخطة.

ب .تطوير الأداء الاقتصادي ورَفْع مستواه وإنتاجه، ومِن ثَمَّ ترشيد استخدام الناتج الوطني، بحيث تزداد الموارد المالية المُتاحة للادّخار والاستهلاك، وترشيد استخدام الموارد وفي هذا السياق ضرورة فرض الضرائب التصاعُدية على الثروات الكبرى والحد من الإنفاق غير المُنتِج، ووقف عملية الهَدْر في الإنفاق والبلبلة في الأولويات من أجل توفير مزيد من الموارد.

‌ب.  إجراءات حاسِمة لمقاومة التهريب، وإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المُنظّم، وإصلاح جبائي عميق يُكرّس العدالة الجبائية، ويمنع التهرّب الجبائي، ويوفّر الموارد المالية الضرورية لميزانية الدولة.

‌ج.   تعليق سَداد الديون بقرارٍ سيادي مثلما حصل مع إيسلندا في أعقاب أزمة 2008 التي نظّمت استفتاءين تحت ضغط الشارع حيث رفض في الأول 90 % من الناخبين تعويض المملكة المتحدة وهولندا، ورُفِضَت خطة التعويض الجديدة بثلثيّ الناخبين في الاستفتاء الثاني، وقامت الحكومة بعد ذلك بمنع هروب الرساميل، وكسبت إيسلندا الدعوة التي رفعتها المملكة المتّحدة وهولندا أمام محكمة العدل التابعة لرابطة التجارة الحرّة الأوروبية.

  1.  ضرورة العمل على استرجاع السوق الداخلية والاستفادة من موقع تونس الإستراتيجي؛ لأنه من التحديات التي تواجه بلادنا هي محدوديّة السوق الداخلية، وهو حجم لا يسمح بقيام منشآت صناعية ضخمة لأغراضٍ داخليةٍ، فضلًا على افتكاك السوق الداخلية من قِبَل المنتوجات الخارجية نتيجة التوريد العشوائي والتهريب.

ولمواجهة هذا التحدّي يتعيَّن اتّخاذ:

‌أ.       سياسات حمائية لاسترجاع السوق الداخلية، وتوجيه جزء من الإنتاج لتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين كغَرَضٍ مركزي قبل استهداف إنتاج سَلَع وخدمات كمالية أو ترفيهية.

‌ب.  الاستفادة من الموقع الإستراتيجي للدولة التونسية كنقطةِ قوّةٍ لتجاوز محدودية حجم السوق الداخلية.

‌ج.   العمل على زيادة حجم الصادرات من خلال توسيع قاعدة الإنتاج وتحسين نوعيّته ما يوفّر مصادر مالية مُتزايدة، ويمكن لقطاع التجارة أن يكون أحد أعمدة التنمية إذا اعتمدنا سياسات مُلائِمة لتنمية قطاع الفلاحة والصناعة والخدمات.

  1.  عرض كل الاتفاقيات الدولية الثُنائية التي يمكن أن تعيق تنفيذ الخطة الوطنية للاستفتاء للتعديل، أو الإلغاء بما في ذلك عقود الطاقة إلى جانب تعليق العمل بكل القوانين التي لا تتلاءم والخطّة الوطنية الجديدة.

  2.  تشريك الجيش الوطني في إنجاز الخطة الاقتصادية، وذلك عبر إنجاز مشاريع البنية التحتية المُبَرْمَجة؛ لخفض التكلفة، ومدة الإنجاز، وإنجاز مشروعات فلاحية كُبرى لمُضاعفة الرقعة المزروعة خاصة في المنتوجات الأساسية، حيث يتم التفويت فيها لاحقًا للشباب العاطِل عن العمل، كما يمكن الاستعانة به أيضًا في مشروعات الإسكان لخفض التكلفة وتمكين العائلات محدودة الدخل والفقيرة من الحصول على مسكنٍ لائقٍ للتقليص خاصة من مخاطر الأزمة الاجتماعية.
  3.  بناء المؤسّسات التنموية التي تُسانِد الوحدات الإنتاجية في رَفْعِ الكفاءة الإدارية والفنية والتسويقية، وربط سياسة هذه المؤسّسات بأهداف الخطة الوطنية العامة، وخلق علاقة مباشرة بين هذه المؤسّسات والقطاع الإنتاجي المُستفيد.

  4.  الرقابة والمتابعة المستمرة من قِبَل أجهزة الدولة على أعمال الشركات الكُبرى، لتفادي ظهور أي نشاط احتكاري مُعادٍ لشروط المُنافسة المحلية والأساسية لنجاح النظام الاقتصادي.

  5. تقليص حجم النفقات العمومية من خلال دَمْج عدد من الوزارات، وخفض رواتب، وامتيازات الوزراء، وكتّاب الدولة والمُستشارين، وتطبيق شعار الإدارة في خدمة القطاعات الإنتاجية والمجتمع وليس العكس(8).

1_ DW

2_ العربي الجديد

3_ سكاي نيوز

4_ العربي الجديد

5_ الجزيرة

6_ النهار العربي

7_ DW

8_ الميادين