في ظل الأزمة المالية العالمية التي يعيشها الاقتصاد العالمي منذ 2008م والكثير من الدول في عالمنا تعيش أزمات متفرعة عن المشكلة الأم، كان آخرها تراجع الطلب على النفط وكثرة المعروض للبيع في السوق، وهو ما حطّم الأسعار المرتفعة ليصل سعر البرميل إلى أرخص الأسعار الممكنة.
بالنسبة للدول التي تعتمد على النفط بدرجة كبيرة فهي حاليا تعيش وقتا عصيبا وتتسابق مع الوقت لتنويع اقتصاداتها والكف عن (جمع بيضها كله في سلة واحدة) مهددة بالسقوط وبالتالي الانهيار الحتمي.
فنزويلا هي واحدة من هذه الدول والتي تعتمد بنسبة تجاوزت 90 في المئة على عائدات النفط، وكانت تعيش وقتا جيدا للغاية عندما كان سعر البرميل قد وصل إلى 100 دولار وتجاوزه أيضا أحيانا.
والآن البلد اللاتيني أضحى على شفا حفرة من الانهيار، ويعيش حالة من التوتر السياسي نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
قصة فنزويلا هو ما سنتطرق له في هذا المقال والذي سنبسط فيه حقيقة ما يجري هناك.
السبب الرئيسي للأزمة هو تراجع أسعار النفط
الدول المنتجة للنفط -والتي تعتبرها السلعة الأساسية ضمن صادراتها- غاضبة جدا من تراجع أسعار هذه المادية الحيوية، ليس لأن العالم وجد بديلا لهذه الطاقة بشكل أساسي بل لسببين:
- الأول هو أن العرض أكثر من الطلب، وكل دول أوبك متمسكة بالعدد اليومي من الصادرات، فيما الخلافات وحدة التنافس كبير للغاية بين المنتجين.
- الثاني هو أن التباطؤ الاقتصادي العالمي ضمن تداعيات أزمة 2008م، والذي أثّر خلال الأشهر الأخيرة بشكل سلبي على واردات الصين والولايات المتحدة الأمريكية والقوى التي تستورد هذه المادة وتعد محركا لعملياتها الصناعية أيضا.
منذ وقت متأخر من 2014م وفنزويلا تعاني مع انهيار أسهم النفط، وقفز معدل التضخم في البلاد إلى 141 في المئة خلال سبتمبر 2015.
ومن المعلوم للمراقبين أن “كراكاس” تتعمد إخفاء البيانات الحقيقية لحجم الأضرار التي لحقت باقتصادها خوفا من التأثير السلبي على الرأي العام وأيضا تصنيفها الاقتصادي، وبالتالي صعوبة الحصول على قروض من البنك الدولي الخاسر الأكبر من الهبوط الحاد لأسعار النفط هي فنزويلا التي ظلت تعتمد على تصديره بشكل أساسي سواء في الحصول على عائدات جيدة أو العملة الصعبة، وبالتالي تمويل عمليات الاقتصاد واستيراد الأغدية والمواد اللازمة.
انهيار العملة المحلية وقلة العملة الصعبة
بسبب انخفاض العملة الصعبة بشكل حاد انهارت العملة المحلية “بوليفار”؛ فبعدما كانت قيمة الدولار 175 بوليفارا تعدت قيمته حاليا 865 بوليفارا ما يعني أنه لبيع كل وحدة من العملة الفنزويلية ستحصل مقابلها على 0.00010 سنت.
بالطبع جاء هذا نتيجة تراجع العملة الصعبة التي تحصل عليها الدولة اللاتينية بسبب تراجع أسعار النفط وهذا سبّب أيضا أزمة أخرى تحدث الآن هي أزمة الغداء.
اندلاع أزمة الغذاء
مع الانهيار التام لعملة فنزويلا أضحت أسعار السلع المستوردة جد باهظة الثمن، وقفزت الأثمان إلى مستويات خطيرة تضرر منها فئة الفقراء والطبقة المتوسطة المهددة بالفقر.
الحليب والدقيق والبيض والمواد الأساسية تضررت أسعارها بشكل كبير للغاية، بل وأصبح استيرادها صعبا على الحكومة والتجار الكبار أيضا ما جعلها قليلة في السوق.
ونجد أن مطاعم “ماكدونالدز” تضررت من هذه الأزمة حيث عجزت عن الحصول على كميات جيدة من البطاطا واتجهت أيضا لزيادة أسعار منتجاتها.
هذا بالطبع ولّد لدى أغلبية الشعب الفنزويلي غضبا كبيرا من سياسات الحكومة للتعاطي مع الأزمة وأيضا اعتمادها المستمر على النفط وهو خطأ فادح.
بوادر ثورة الجياع والاضطرابات السياسية
سيطرت المعارضة على البرلمان بنسبة 65 في المئة في الانتخابات البرلمانية، ما جعل الحزب الحاكم في ورطة حقيقية، والذي ينظر إلى الأزمة الحالية على أنها متعمدة، وأن انخفاض أسعار النفط هي بهدف تغيير الحكم هنا، ولا يستبعد ذلك خصوصا وأن جزء من لعبة تراجع أسعار النفط هو من دول تتعمد زيادة انتاجها للإضرار بالجميع والدخول في معركة يفوز فيها من يصبر كثيرا وتخسر الدولة النفطية التي تسقط أولا.
ومؤخرا رأينا احتجاجات في فنزويلا تطالب بسقوط الحكومة الحالية والذهاب نحو انتخابات عاجلة من أجل تدارك الأزمة الطاحنة التي تخنق اقتصاد البلاد.
وأصبح الحزب الحاكم هناك قاب قوسين أو أدنى من خسارة السلطة بسبب الأزمة الاقتصادية التي لم يتوقعها القائمون على الحكم.
زيادة أعداد الهجرة
تشير إحصائيات من الأمم المتحدة أن حوالي 3,2 مليون فنزويلي غادروا بلادهم خلال السنوات القليلة الأخيرة، هربًا من البؤس والفقر وبحثا عن أدنى مقومات العيش.
ومن بين هؤلاء المهاجرين 800 ألف قصدوا كولومبيا المجاورة، إذ يستفيدون من حق الإقامة المؤقتة هناك.
أعداد غفيرة أخرى من المهاجرين اتجهوا إلى دول مجاورة أخرى كالإكوادور وبيرو والبرازيل، مما شكل ضغطا اجتماعيا واقتصاديا قويا على السكان الأصليين في هذه الدول، وعلى رأسها البرازيل الذي قرر إرسال قوات أمنية إلى حدوده مع فنزويلا لوقف الهجرة العشوائية، ووضع حد لأعمال العنف التي نشبت بين مواطنيه وفنزويليين.
القوى الخارجية ستقرر مصير فنزويلا
اليوم، تدفع أميركا الجنوبية ثمن فشلها المريع في العمل في فنزويلا. فبعد عقدين حاولت فيهما حكومات القارة تقليص نفوذ اللاعبين الخارجيين، أصبحت الدول الأربع الأكثر تأثيراً في فنزويلا الآن، بالترتيب، هي: الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وكوبا. ولا تملك دول أخرى في المنطقة سوى قدرة محدودة على تشكيل الأحداث في “كاراكاس”. هذا هو مصدر قلق خاص كون الهجرة من فنزويلا تضع بالفعل عبئاً على جاراتها مثل البرازيل وكولومبيا. إن استمرار أو تكثيف الأزمة سيكون له تأثيرات غير مباشرة لسنوات مقبلة.
على الرغم من التغيّرات السياسية الأخيرة -التي تجلّت بانتخاب الرئيس يائير بولسونارو في البرازيل- وتصميم متجدد في معظم أنحاء المنطقة لمعالجة الأزمة الفنزويلية، فإن حكومات أميركا الجنوبية لن يكون لها رأي كبير في حلّ هذه الأزمة.
قد توافق كولومبيا على استضافة القوات الأميركية، ولكن لا توجد دول في المنطقة مستعدة للقبول بتدخل مباشر. على سبيل المثال، يبدو أن “بولسونارو” حريص على دعم الولايات المتحدة خطابياً، لكن هذا من غير المرجح أن يرقى إلى مستوى المساعدة العملية. لن يوافق الجيش البرازيلي على وضع قواته على الأرض في فنزويلا، حتى تلك القوات الموالية للولايات المتحدة في المنطقة، سوف ترى ذلك سابقة خطيرة. في الواقع، من غير المرجح أن تتجاوز الحكومات الإجراءات الدبلوماسية، مثل الاعتراف بخان غوايدو، وهو أمر قد اعتمدته بالفعل.
وحتى إذا انهارت حكومة “مادورو”، فإن الأحداث اللاحقة في “كاراكاس” ستتشكل في واشنطن وبكين، وذلك بفضل الأهمية الاقتصادية الأخيرة لفنزويلا.
أما علاقات موسكو وهافانا مع فنزويلا فهي سياسية إلى حد كبير وتتقلص إذا ترك “مادورو” منصبه. وسيحتاج خلف مادورو إلى توقيع صفقات ضخمة مع كل من بنوك التنمية الغربية والصينية للبدء في إعادة بناء البلاد – وهي عملية مؤلمة من المحتمل أن تستغرق عقودًا.
والواقع أن العديد من مشكلات فنزويلا، بما في ذلك غياب المساوة الاجتماعية بشكل كبير والاعتماد على عائدات النفط، تسبق صعود “شافيز”، ولن تتمكن أي حكومة مقبلة من حلّها بسهولة. ومن المرجح أن يستغرق التعافي -لأي شيء يشبه مستويات ما قبل الأزمة- سنوات عدة، الأمر الذي يتطلب اهتمامًا مستمرًا من جانب القادة الأميركيين والصينيين ومساعدتهم.
ثالثاً، يجب على دول أميركا الجنوبية تقديم العفو واللجوء إلى شخصيات بارزة في حكومة مادورو. وعلى الرغم من أنّ مثل هذه الخطوة محبطة للغاية، فإنها ستقطع شوطاً طويلاً نحو إقناع قادة فنزويلا الحاليين بأنهم لا يحتاجون إلى خوض معركة دامية للبقاء في السلطة لتجنّب مصير صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا – القائدين السلطويين اللذين أعدما بعد تخلّيهما عن السلطة.
خلاصة القول فنزويلا تمر بأصعب أزمة اقتصادية في العالم ولن تستطيع الخروج من هذا الوضع إلا إذا اتحدت جهود المجتمع بأثره من أجل الخروج من الأزمة وإيجاد سياسات مالية ونقدية لحل مشكلة التضخم والغذاء، والبحث عن مصادر طاقة جديدة غير النفط، كل هذ الأمور من شأنها أن تخفف من عبء هذه الأزمة.
المصادر:
1- http://www.bbc.com/arabic/business-47072683
3 – “فورين أفيرز”: القوى الخارجية ستقرر مصير فنزويلا – http://www.almayadeen.net/