منطقة القوقاز في مرمى الصراع.. التحديات الإيرانية – الإسرائيلية في أذربيجان
تعد العلاقات بين إيران وأذربيجان من العلاقات المثيرة للتحديات والتعقيدات في الساحة الجيوسياسية الإقليمية، وعلى الرغم من الروابط الثقافية والدينية العميقة بين البلدين، حيث يشكل الأذريون أغلبية شيعية في أذربيجان، ويُعتبر الأذريون في إيران أكبر أقلية عرقية فيها، لم تكن العلاقات بين طهران وباكو دائمًا في مسار هادئ، فتصاعدت التوترات والاختلافات بين الجانبين إلى مستويات عالية، وصلت في بعض الأحيان إلى إمكانية نشوب صراع مسلَّح.
ومع تغييرات القيادة السياسية في إيران بفوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الأخيرة، تُطرح تساؤلات مهمة حول التوجهات المستقبلية للسياسة الإيرانية تجاه أذربيجان وكيفية تأثير التطورات الدولية والإقليمية على هذه العلاقة.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية المستمرة، تتعقد العلاقات بين الدول بشكل متزايد، مما يجعل فهم الديناميات الإقليمية أكثر تعقيدًا.
وفي هذا السياق، تبرز أذربيجان كعنصر رئيسي في الحسابات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل.
هذه العلاقة، ذات الأبعاد الإستراتيجية والاقتصادية، تستحق دراسة متعمقة لفهم كيفية تأثيرها على الوضع الإقليمي والدولي.
تشكل منطقة القوقاز نقطة إستراتيجية مهمة على الخريطة الجيوسياسية؛ خاصة في ضوء العلاقات المتوترة بين إيران وأذربيجان والعلاقات المتنامية بين أذربيجان وإسرائيل. تعكس هذه العلاقات تعقيدًا كبيرًا في المشهد الإقليمي، حيث تلعب أذربيجان دورًا محوريًّا في الصراع بين إيران وإسرائيل، مما يضيف طبقة من التعقيد إلى الديناميات الإقليمية والدولية.
العلاقات الإيرانية – الأذرية: التاريخ والتوترات:
تبدأ جذور العلاقات المتوترة بين إيران وأذربيجان من القرن التاسع عشر، عندما تنازلت الإمبراطورية الفارسية عن أذربيجان لروسيا القيصرية بموجب معاهدتي: تركمانشاي وجولستان.
هذه الاتفاقيات وضعت حدًّا للنفوذ الفارسي في المنطقة، ووضعت الأذريين في شمال غرب إيران كأكبر أقلية عرقية هناك. ومنذ ذلك الحين، ظهرت مشاعر القلق والإحساس بالخيانة من قبل إيران تجاه أذربيجان؛ خاصة عندما نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.
وأثار إعلان الرئيس الأذري أبو الفضل الشيبي عن حلمه في إنشاء “أذربيجان الكبرى” التي تضم أراضٍ إيرانية وأرمينية توترات كبيرة بين طهران وباكو. علاوة على ذلك، أدى عدم دعم إيران لأذربيجان خلال حرب ناغورني قره باغ الأولى (1988-1994) إلى تفاقم العلاقات، حيث رأت طهران في ذلك علامة على عدم الاستقرار الإقليمي.
الأمور ازدادت تعقيدًا بعد حرب ناغورني قره باغ الثانية في عام 2020، التي شهدت انتصار أذربيجان بدعم ملحوظ من تركيا وإسرائيل. والقلق الإيراني من الدعم العسكري الإسرائيلي لأذربيجان وظهور ممر زنغزور الذي يربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية، زاد من توتر العلاقات بين طهران وباكو، مما دفع إيران إلى إجراء تدريبات عسكرية مكثفة على الحدود الأذربيجانية(1).
العلاقات الأذرية – الإسرائيلية: التعاون الإستراتيجي والتحديات:
تأسست العلاقات الدبلوماسية بين أذربيجان وإسرائيل في عام 1992 وسرعان ما نمت لتشمل جوانب متعددة من التعاون العسكري والأمني والاقتصادي. وتعتبر إسرائيل أذربيجان شريكًا إستراتيجيًّا مهمًّا، حيث يعزز التعاون بين البلدين من موقع إسرائيل في القوقاز ويساهم في تعزيز إستراتيجيتها الإقليمية.
في المجال العسكري، يتضمن التعاون بين أذربيجان وإسرائيل تبادل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة مثل الطائرات المسيّرة والأسلحة المتطورة. هذا التعاون لم يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل شمل أيضًا الجوانب الاقتصادية، حيث أصبحت أذربيجان مورّدًا رئيسيًا للنفط والغاز لإسرائيل. هذه العلاقة تعزز من موقف إسرائيل في السوق العالمية للطاقة وتقلل من اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية.
فالتعاون العسكري بين البلدين، خاصة في مجال التكنولوجيا العسكرية والطائرات المسيّرة، ساهم في تعزيز الإستراتيجية الأذربيجانية ضد أرمينيا، مما زاد من التوترات مع إيران(2).
العلاقات الأذربيجانية – التركية:
تركيا وأذربيجان تشتركان في روابط ثقافية وقومية، ويشكلان تحالفًا قويًّا في مواجهة النفوذ الإيراني، دعم تركيا لأذربيجان في النزاعات مع أرمينيا وتعزيز مشاريع البنية التحتية؛ مثل: ممر زنغزور يعزز من الدور الإقليمي لتركيا، ويزيد من قلق إيران.
والتوسع التركي في المنطقة يهدف إلى ربط الدول التركية وتعزيز النفوذ التركي في آسيا الوسطى، متجاوزًا تأثير إيران في هذه المنطقة(3).
أثر أذربيجان على العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية:
تلعب أذربيجان دورًا رئيسيًّا في التأثير على العلاقة بين إيران وإسرائيل. تعزيز التعاون بين أذربيجان وإسرائيل في المجال العسكري والاستخباراتي يعكس بشكل واضح التوترات بين طهران وتل أبيب.
بالنسبة لإيران، فإن التعاون الإسرائيلي – الأذري يشكل تهديدًا كبيرًا، حيث تعتبر إيران أن القواعد الإسرائيلية بالقرب من حدودها الشمالية تشكل تهديدًا لأمنها القومي.
تجسد جغرافية أذربيجان الإستراتيجية أهمية إضافية في الصراع بين إيران وإسرائيل. تقع أذربيجان على تقاطع بين أوروبا وآسيا، وتتحكم في ممرات مائية حيوية؛ مثل: بحر قزوين. السيطرة على هذه الممرات تعتبر حاسمة للأمن الإقليمي؛ مما يزيد من أهمية أذربيجان في حسابات القوى الكبرى.
كما أن النزاعات الإقليمية مثل نزاع ناغورني قره باغ تؤثر بشكل مباشر على العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية. بينما تسعى إيران إلى الحفاظ على استقرار المنطقة لتفادي التهديدات المباشرة، تراقب إسرائيل الوضع عن كثب لضمان تأمين مصالحها الإستراتيجية في القوقاز(4).
مصالح إسرائيل في أذربيجان:
من جهة أخرى: تعتبر إسرائيل أذربيجان شريكًا إستراتيجيًّا مهمًّا في المنطقة. العلاقات بين البلدين شهدت نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وتعتبر إسرائيل أذربيجان مصدرًا رئيسيًّا للطاقة، وحليفًا مهمًا في مواجهة النفوذ الإيراني.
أ. التعاون العسكري والأمني:
– إسرائيل وأذربيجان تعززان التعاون العسكري، حيث تسعى تل أبيب إلى تأمين موطئ قدم لها في القوقاز لمواجهة التهديدات الأمنية. أذربيجان تُمثل جسرًا إستراتيجيًّا لإسرائيل للوصول إلى أسواق الطاقة في آسيا الوسطى.
ب. الطاقة والاقتصاد:
– أذربيجان تعتبر مورّدًا مهمًّا للنفط والغاز لإسرائيل؛ مما يعزز من أهمية العلاقة الاقتصادية بين البلدين. هذه الشراكة تعزز من موقف إسرائيل في السوق العالمية للطاقة وتقلل من اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية(4).
التأثيرات الإستراتيجية لجغرافية أذربيجان:
أذربيجان تقع في منطقة إستراتيجية بين أوروبا وآسيا، مما يجعلها محورًا رئيسيًّا في الحسابات الجيوسياسية لكلٍّ من إيران وإسرائيل. المواقع الجغرافية التي تتحكم بها أذربيجان، مثل البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، تجعلها مهمة في سياق الصراعات الإقليمية وتوزيع الموارد.
1. تأثير الممرات المائية:
– السيطرة على الممرات المائية في بحر قزوين والمناطق المحيطة بها تعتبر حاسمة للأمن الإقليمي. إيران، باعتبارها جارة لأذربيجان، تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة لمواجهة التهديدات من القوى الأجنبية.
2. تأثير النزاعات الإقليمية:
– الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، والذي يتضمن نزاع ناغورنو كاراباخ، له تأثير كبير على علاقات إيران وإسرائيل، بينما تسعى إيران إلى الحفاظ على استقرار المنطقة لتفادي تهديدات مباشرة، تراقب إسرائيل الصراع لتأمين مصالحها الإستراتيجية في القوقاز(5).
التحولات والتحديات المستقبلية:
في ضوء التغيرات الإقليمية الحالية، يمكن أن تتأثر العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية بشكل كبير استنادًا إلى التحولات في العلاقات بين أذربيجان وهاتين القوتين. التطورات الأخيرة تشير إلى:
1. التوترات الإقليمية:
– تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى تعزيز التعاون بين أذربيجان وإسرائيل، مما قد يزيد من الضغوط على إيران. في المقابل، قد تسعى إيران لتعزيز نفوذها في القوقاز لاحتواء التهديدات الإسرائيلية.
2. التغيرات في السياسة العالمية:
– التغيرات في السياسة العالمية مثل الصراعات في أوكرانيا والتحولات في أسواق الطاقة قد تؤثر على العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل؛ مما قد يعيد تشكيل الديناميات الإقليمية.
3. التأثيرات الاقتصادية:
– الأزمات الاقتصادية في إيران قد تؤثر على قدرتها على الضغط على أذربيجان وتعزيز نفوذها في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تغييرات في إستراتيجياتها تجاه إسرائيل(6).
سيناريوهات المستقبل: المواجهة والإستراتيجيات غير التقليدية:
الخيارات غير التقليدية:
بينما لا تسعى إيران إلى صراع عسكري شامل، فإن ظهور مجموعات مثل “الحسينيون” يشير إلى أن طهران قد تلجأ إلى استخدام وسائل غير تقليدية لمواجهة خصومها في القوقاز. هذه الإستراتيجيات تشمل دعم الميليشيات والقيام بعمليات استخباراتية لتعزيز نفوذها في المنطقة.
التحديات الداخلية والخارجية لإيران:
تشهد إيران تحديات على جبهات متعددة، بما في ذلك رفض الشعب العراقي للحكومة الإيرانية في الانتخابات الأخيرة، ووجود طالبان كجار في أفغانستان، والتوترات الداخلية في لبنان. وهذه العوامل تزيد من تعقيد الموقف الإيراني وتساهم في تصعيد التوترات مع أذربيجان والدول الأخرى في المنطقة(10).
الخلاصة:
إن التصعيد بين إيران وأذربيجان يشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الإقليمي، ويعكس تعقيدات الصراعات الجيوسياسية في منطقة القوقاز.
التوترات الحالية قد تؤدي إلى مزيدٍ من الصراعات والإجراءات الإستراتيجية غير التقليدية؛ مما يضع المنطقة على شفير مواجهات جديدة قد تؤثر بشكل كبير على الديناميات الإقليمية والدولية.
أذربيجان تلعب دورًا محوريًّا في المعادلة الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل. مع تزايد التوترات في المنطقة وتطور الأحداث السياسية، ستبقى أذربيجان عنصرًا أساسيًّا في الحسابات الإقليمية والدولية.
فهم ديناميات هذه العلاقة سيظل ضروريًّا لتحليل التهديدات والفرص التي تواجهها الأطراف المختلفة في سياق الجغرافيا السياسية المتغيرة في المنطقة.
تظل أذربيجان نقطة تحول إستراتيجية في معادلة العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية:
التوترات القائمة بين إيران وأذربيجان تؤكد على أهمية فهم الديناميات الجيوسياسية في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الإقليمية والعلاقات الدولية المعقدة.
ستحدد السياسة الإيرانية الجديدة في ظل قيادة بزشكيان كيفية تطور هذه العلاقة، وتبقى التطورات المستقبلية مفتوحة للتوقعات والتحديات الجديدة التي قد تطرأ على الساحة الإقليمية.
نجد أن هناك عدة مؤشرات إيجابية تدل على رغبة الرئيس الإيراني الجديد “بزشكيان” في الانفتاح على المنطقة ودول الجوار وكذلك الترحيب من الجانب الأذربيجاني بتطوير التعاون الثنائي مع إيران تحت قيادة الرئيس ”بزشكيان” على عدة أصعدة لضمان أمن المنطقة وتخفيف حدة التوترات بين البلدين.
فمن المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة علاقات تعاونية بين كلا البلدين، والعمل علي احتواء قضايا الخلاف بينهما؛ خاصة وأن الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد ”بزشكيان” ذو أصول تركية أذرية، كما أن نتائج الانتخابات قد أظهرت أنه تقدم في المحافظات التركية الأذرية بنسبة 88.9% من الأصوات وكذلك محافظة أذربيجان الشرقية بنسبة 81.8% ما يمثل مؤشرًا إيجابيًّا لخلق علاقات تعاونية بين إيران وأذربيجان خلال فترة رئاسة “مسعود بزشكيان” لإيران.
كما رأي بعض الخبراء أن قانون دفاع أرمينيا لعام 2023 الذي بموجبه سيتم حظر تصدير الأسلحة والمساعدات العسكرية الأمريكية إلي أذربيجان الذي تم إقراره في الكونجرس الأمريكي سيدفع أذربيجان إلي إتباع سياسة التقارب مع إيران للضغط علي واشنطن ، وعلي الرغم من ذلك، وفي ظل الأزمات الدولية والإقليمية الراهنة خاصة الحرب في غزة، والتصعيد الإسرائيلي؛ فقد يُطرح تساؤل عن مدى إمكانية استخدام إسرائيل لورقة أذربيجان؛ خاصة في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين للضغط علي إيران ما قد يشكل تحدي أمام مسار العلاقات بين إيران وأذربيجان في المرحلة المقبلة؟
المصادر:
1_ الغد
2_ الإندبندت
3_ المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
4_ الحرة
5_ 180
6_ البناء
8_ الشرق الأوسط
9_ الجزيرة
10_ مركز رع للدراسات