معضلة لبنان تتفاقم

أزمات سياسية واقتصادية طاحنة... وسيناريوهات غامضة تواجه "الحريري".

معضلة لبنان تتفاقم

 

أزمات سياسية واقتصادية طاحنة… وسيناريوهات غامضة تواجه “الحريري”.

هل استعصت الأزمة اللبنانية على المعالجة؟

وهل يمكن أن يُبادر الرئيس المكلف سعد الحريري بالاعتذار عن تشكيل الحكومة؟

وكيف سيواجه ملايين اللبنانيين حالة الفقر والعوز التي ألّمت بهم، في ظل حالة الإغلاق التي فرضها عليهم تفشي فيروس كورونا المستجد؟

أسئلة وافتراضات طرحت نفسها أمام المشهد اللبناني المعقد، والذي يعاني منذ سنوات تداعيات أزمة اقتصادية وسياسية عنيفة.

ينتظر أغلب الشعب اللبناني ترجمة الاتصالات التي جرت بين قصر الإليزيه والبيت البيض “مؤخرًا”؛ وذلك بهدف حلحلة معضلة تأليف الحكومة التي طال انتظارها منذ تفجيرات مرفأ بيروت.

أطماع وتدخلات إقليمية ودولية تعبث في النسيج اللبناني من خلال زيادة النفوذ الإيراني عبر تحالف حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر بزعامة النائب جبران باسيل “المدعوم بالرئيس ميشال عون”. 

يسعى تحالف القوى الثلاث لوضع سعد الحريري أمام غضبة الشارع، وتفويت عامل الوقت، وفرصة التأليف الحكومة، ولملمة جراح الدولة المنهكة سياسيًّا واقتصاديًّا، حتى لا تستطيع الصمود أمام رفض التحالف السياسي “حزب الله / حركة أمل / التيار الوطني الحر” ليظهر لبنان أمام العالم وكأنها عاجزة عن التأليف.

 ومِن ثَمَّ يظهر التحالف المدعوم خارجيًّا من طهران وبعض القوى الفاعلة في المنطق،  ويتصدر المشهد كي يبدو وكأنه منقذ لبنان من تجارب مآسي الماضي!

فالبعض يفترض أن عامل الوقت قد يقف عائقًا أمام إصرار سعد الحريري، وأنه لن يستطيع أن يظل متمسكًا خصوصًا مع تفاقم الأزمات واشتعال المناورات السياسية، ما يعني أن “تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر” وميشال عون سيدفعونه إلى الانسحاب في نهاية المطاف.

يحاول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري التماسك أمام ضغوط ارتفاع حدة التظاهرات، والخروج ضد الجوع والفقر، والانتهاكات المتكررة من الكيان الصهيوني للأراضي اللبنانية، لكن تواجهه عدة سيناريوهات:

  • إما الإصرار على موقفه بالتشكيل الذي طرحه أمام عون، وبالتالي عليه تحمل النتائج.
  • أو الانسحاب من المعادلة وترك المهمة لغيره.
  • أو النزول عن طموحات سقفه ويتطوع للتنازل في نهاية المطاف.
  • أو الاستمرار في تأدية مهامة حسب مطالب القوى السياسية الأخرى!

وهنا سيشعر النائب جبران باسيل، وحسن نصر الله، و”عون” والطوائف المتقاربة معهم بنشوة الانتصار على حساب “الحريري”.

في المقابل: يتعلق الشعب العربي اللبناني بـ”قشّة” المبادرة الفرنسية التي طرحها مِن قِبَل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ لإنقاذ البلاد من شفير الهاوية، خصوصًا مع تغيير سياسة البيت الأبيض وتولي الرئيس جوبايدن مقاليد السلطة، لكن بحسب نخب سياسية ترى أن تغيير إدارات البيت الأبيض ليس كافيًا لاعتبارات جيوسياسية، مِن بينها الملف النووي “5+1”.

وفي هذا الإطار ينتظر قصر بعبدا موفد إيمانويل ماكرون إلى بيروت، مستشاره لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل، في ضوء الزخم “الفرنسي – الأمريكي”، وذلك عقب اتصالات هاتفية جرت بين الرئيسان إيمانويل ماكرون وجوبايدن، لتمهيد الطريق، ومنح باريس الضوء الأخضر؛ لإحياء مبادرتها وطيّ صفحة أزمات لبنان، ومِن ثَمَّ تشكيل الحكومة وإنقاذ لبنان.

وَفْق متابعين؛ فإن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لم تكن تسعى لحل أزمة لبنان لاعتباراتٍ سياسيةٍ وإقليميةٍ وضغط إسرائيلي، وإن كان الهدف من وراء ذلك إضعاف بيروت سياسيًّا واقتصاديًّا بمزيد الأفخاخ والألغام والعراقيل، وإبقاءه غارقًا في أزماته السياسية ومكوناته الحكومية، وهو ما أدَّى لتجميد الحلول والمبادرات الدولية منذ أزمة مرفأ بيروت التي راح ضحيتها ألاف القتلى والمصابين وشُرِّد مئات الآلاف.

ومِن ناحية أخرى: تريد إيران الداعم لـ”حزب الله” وحركة “أمل”: إبقاء الوضع على ما هو عليه، واستخدام ورقة تشكيل الحكومة والتهدئة في لبنان أمام ملف المفاوضات بين طهران وواشنطن، مقابل مفاوضات الملف النووي “5+1″، وهي بذلك تسعى لترتيب مواقع ميدانية، وتحقيق أكبر استفادة ممكنة في هذا الشأن.

خلاف ذلك؛ فإن زعيم التيار الوطن الحر النائب جبران باسيل يسعى هو الآخر كي يكون اللاعب الأقوى مسيحيًّا بالحصول على الثلث المعطل، ما يعني أن الإشكاليات بين الحريري وعون وباسيل ليست محصورة على الحقائب فقط، بل العدد ونوعية الحقائب أيضًا، فميشال عون يصر على “5+1″ بينما الحريري لن يقبل بـ”5+1” لرئيس الجمهورية، كما أن جبران باسيل يتمسك بالداخلية مقابل العدل لـ”الحريري”، وله حق النقض “الفيتو” على أي اسم يراه غير مناسب.

يأتي هذا فيما تعالت حركة الاحتجاجات بالشارع اللبناني عبر تظاهرات مناهضة للجوع وقلة الغذاء، فيما لجأ آخرون إلى قطع الطرق بضاحية طرابلس تنديدًا بارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، وتدهور حالة المستشفيات والوضع الصحي في البلاد؛ فضلًا عن انهيار الليرة والتراجع الاقتصادي، وارتفاع حدة الفقر، ورفضًا لقرار الإقفال مع القوى الأمنية والعسكرية.

ورغم المطالب وحالة الغضب العارمة في لبنان؛ فإن الواقع لا يعبر عن حلول آتية على الأقل في القريب العاجل، فالكل يعمل حسب أجندته والمشاورات معلقة على حبل التجاذبات السياسية والمحاصصة دون تقدُّم؛ ما يوحي بأن حالة الجمود قد تسيطر على الوضع الداخلي لأسابيع قادمة؛ فهل يستفيق الساسة ويتركون تفاصيل المحاصصات التي تخضع للابتزاز والابتزاز المعاكس، ومِن ثَمَّ تشكيل الحكومة أم أن القادم قد يكون أشد قسوة ومرارة؟!