مستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين

مستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين

بعد ما كان يتحدث الجميع عن مستقبل فاجنر بعد التمرد، وكيف سيواجه بوتين الميليشيا التي صنعها بيده، وتعددت الأسئلة والتكهنات بين مؤيد ورافض لفكرة صنع الدول للميليشيات بجانب قواتها المسلحة، ورغم كثرة التوقعات؛ إلا أن جميعها تقريبًا لم تتطرق لما فعله بوتين، فبعد شهرين من تمرد يفجيني بريجوجين قائد فاجنر، وتوالي الأخبار عن انتهاء الأزمة واجتماع بوتين مع قادة فاجنر وشركات عسكرية أخرى، استيقظ العالم يوم الخميس 24 أغسطس الماضي على خبر سقوط طائرة عسكرية خاصة، ومقتل بريجوجين وجميع قادة فاجنر بضربة واحدة في منطقة تفير شمال العاصمة الروسية أثناء رحلتهم من موسكو إلى سان بطرسبرج، وكأن بوتين كان ينتظر الوقت حتى يُقصي بريجوجين ومساعديه في التمرد من الواقع الروسي والحياة بشكل عام، وحَوَّل بوتين أثر التمرد السلبي إلى مكاسب عِدَّة، منها: توجيه رسالة لكلِّ مَن يفكر أن يكرر فِعلة بريجوجين أنه سيلقى مصير طباخه.

ماذا حدث؟

ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فإن مضيفة الطيران الوحيدة على متن الطائرة الخاصة كريستينا راسبوبوفا، أبلغت أفراد عائلتها قبل الرحلة بأن الطائرة تأخرت بسبب “فحص فني وإصلاحات لم يكشف عنها”، هذه الطائرة التي لم يعلم أحد حتى الآن كيف سقطت، كان بداخلها قائد فاجنر يفجيني بريجوجين، ومساعديه الـ6 بما فيهم نائبه الأول دميتري أوتكين مؤسس فاجنر، وبالتالي باتت الميليشيا دون قائدتها، وهو ما وصفه كثيرون بأنه سيجعل المجموعة هشة وضعيفة، وأن روسيا لن تجد بديلًا مؤثرًا مثل بريجوجين، وبعد مقتل بريجوجين، وقَّع الرئيس الروسي بوتين مرسومًا يلزم عناصر المجموعات المسلحة – ومنها: فاجنر -، أداء قسم اليمين مثلما يفعل جنود الجيش.

سناريوهات ما بعد مقتل بريجوجين:

اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة إجراءات قبل وبعد مقتل قائد فاجنر يفجيني بريجوجين لتحويل الميليشيا من أسلوب العصابات إلى الإشراف المباشر من الدولة عليها، ومن هذه الخطوات تغيير القيادات الهرمية في فاجنر إلى قيادات مخلصة للجيش الروسي، وقد تشمل هذه التغييرات إرسال قيادات وضباط من الجيش الروسي إلى مناطق نفوذ فاجنر في إفريقيا، أو إدخال أفراد فاجنر داخل فصائل الجيش الروسي؛ سواء الموجود في سوريا أو في إفريقيا، وبحسب “سي إن إن”، فإن الكرملين يسعى لاستيعاب أفراد فاجنر في الجيش الروسي.

ويؤكد ذلك سفر نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، إلى دمشق وليبيا، مطالبًا حكومة البلدين بتوجيه مقاتلي فاجنر بالانضمام للجيش الروسي في سوريا وليبيا أو الطرد من البلاد، وبالفعل اجتمع وزير الدفاع في حكومة بشار الأسد علي محمود عباس مع قيادات فاجنر، وعرض عليهم تسليم سلاحهم والانسحاب من البلاد خلال شهر كحدٍّ أقصى أو الانضمام للجيش الروسي في سوريا والعمل تحت إمرته.

وأكد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: أن قوات فاجنر منتشرة حول آبار النفط بالبادية وريف حماة، وأنه سيتم استبدالها قريبًا دون توضيح موقف أفراد فاجنر حتى الآن، كما أشارت “وول ستريت”، إلى أن بوتين يسعى للسيطرة رسميًّا على شبكة الشركات المترامية الأطراف التابعة لبريجوجين؛ خاصةً الاستثمارات في إفريقيا، ولفتت الصحيفة إلى أن شركات مرتزقة جديدة، تديرها وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية GRU، تتنافس للاستيلاء على عقود تمتلكها فاجنر بالفعل، وتتسق هذه الأخبار مع أوامر بوتين لعناصر فاجنر بالالتحاق رسميًّا بالجيش وحلف قسم الولاء بعد مقتل بريجوجين، رغم وجود عوائق عديدة لتلك الخطوة على رأسها الفارق بين أجور عناصر فاجنر الضخمة ورواتب جنود الجيش الروسي.

قائد أم ميليشيا؟

تتحدث التقارير عن وجود عدة سيناريوهات تفكر فيها روسيا، ومنها: قادة جدد لفاجنر، أو هيكلة الميليشيا من جديد ونقلها بالكامل إلى بيلاروسيا لتنفذ سياسة وأهداف موسكو من هناك، أو التفتيت وهو ما يعني اختفاء الميليشيا للأبد، والسيناريو الأخير إقصاء غير الموالين للجيش الروسي وبوتين أو القضاء عليهم، والاحتفاظ بأصحاب الولاء لروسيا، ومِن ثَمَّ تغيير جلد فاجنر بالكامل وضع اسم جديد لها وإعادة تموضع تدريجي في إفريقيا وغيرها، وأن موسكو سوف تكافئ الولاء على الفعالية في قيادة المجموعة، وهنا يكون العائق الأساسي محاولة الإبقاء على فاعلية مجموعة فاغنر في ظل القيادة الجديدة التي ستخضع للنظامية الروسية.

وترجح ناتاشا ليندشتيدت، الأستاذة في جامعة “إسيكس” البريطانية، أن روسيا لن تتمكن من السيطرة الكاملة على المجموعة، وأن هذه الأنواع من الجماعات بمجرد انشقاقها تصبح أكثر جرأة وتشكل تهديدًا للأمن الإقليمي، وما يتعارض مع هذا التصريح أن المرتزقة دائمًا يكون ولاؤهم للمال وتحقيق الثروة، وهو ما يؤكده المهندس أحمد الشحات الباحث في الشئون السياسية، حيث أوضح أنه في حال كان ولاء هذه الفصائل العسكرية لقائدها العسكري المباشر -بريجوجين- فمما لا شك فيه: أن القيادة الروسية ستحتاج إلى إجراء كثير من التعديلات في القيادات وفي طريقة الأداء وغير ذلك.

أما إذا كان إخلاص هذه القوة العسكرية لروسيا أولًا ولبوتين ثانيًا، فلن يؤثر فيها كثيرًا مقتل قائدها، وستستمر في أداء وظيفتها التي تتلقاها من القيادة العليا، مشيرًا إلى أن ولاء قوات مثل فاجنر قد يكون لمن يدفع لها أكثر لأنهم ميليشيات عسكرية ومرتزقة في النهاية يبحثون عن المال في المقام الأول ولمن ستدوم له القوة، مضيفًا: أن السيناريوهات ما زالت مفتوحة، وأن الأيام القادمة والفترة المقبلة قد تشهد جديدًا لم نكن نتوقعه كما لم يتوقع كثيرون مقتل قائد فاجنر ومساعديه – كما حدث -.

فاجنر وإفريقيا بعد مقتل برجوجين:

قال العميد سمير راغب رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية: إنه في الفترة بين تمرد بريجوجين حتى نبأ سقوط طائرته، اتخذت روسيا إجراءات كفلت لها السيطرة التامة على قوات فاجنر، وهذه الإجراءات تمثَّلت في حصر الأمور التي كانت في يد بريجوجين بشكل شخصي، وتغيير القيادة الهرمية لفاجنر من خلال إقصاء جميع القادة الموالين لبريحوجين، وأن موسكو غيّرت خطابها حول ملكية فاجنر من أنها مجرد شركة عسكرية خاصة روسية، إلى أنها أصبحت ممثلًا للدولة الروسية، وأوضح راغب أن وجود فاجنر في إفريقيا لن يتأثر بمقتل بريجوجين؛ لأن الحكومة الروسية هي التي ستدير هذه المجموعة مستقبلًا بشكل نظامي، ولن نرى أي انسحاب لقوات فاجنر من مواقعها في منطقة الساحل بوسط وغرب إفريقيا، وأن المحك الأساسي سيكون محاولة الإبقاء على فاعلية مجموعة فاجنر في ظل القيادة الجديدة التي ستخضع للنظامية الروسية.

مَن يخلف بريجوجين؟

قال بيتر بومنت الكاتب بصحيفة الجارديان: إنه في أعقاب “المسيرة التي قام بها بريغوجين إلى موسكو” قبل شهرين، توقع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، في منتدى أسبن للأمن في يوليو، أن يأخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقته في الانتقام.

ويضيف: أن الأمر الواضح هو أن فاغنر جرى احتواؤها أولًا ثم قطع رأسها بعد التمرد الفاشل الذي أحرج بوتين والكرملين، وأشارت تقارير إلى سعي الكرملين لاستيعاب مجموعة فاجنر داخل الجيش الروسي على أن يكون لها قائد جديد يلقى قبولًا بين مرتزقة فاجنر، وبعيدًا عن الكيفية، قالت ناتاشا ليندشتيدت، الأستاذة في جامعة “إسيكس” البريطانية: إن فاجنر سوف تنهار بدون بريجوجين؛ لأنه قاد المجموعة بطريقة شخصية للغاية، بطريقة يكون فيها الولاء له أكثر من أي كيان أو شخص آخر، تحديدًا بعد مقتل مساعدي بريجوجين الموثوقين، القائد الميداني ديمتري أوتكين ورئيس الخدمات اللوجستية فاليري تشيكالوف، الذين كانا على متن الطائرة، وانحازت وزارة الدفاع البريطانية إلى هذا الرأي، موضحة أن قتل بريجوجين سيؤثر بشدة على استقرار فاجنر، بسبب نشاطه المفرط وجرأته، ورغبته في تحقيق نتائج فعلية، وأن موسكو لن تجد قائدًا بديلًا.

في المقابل يرى آخرون: أن بوتين لن يجد أزمة في وضع قائد أو مجموعة قادة لفاجنر؛ سواء كانت مستقلة بذاتها أو انضمت للجيش الروسي، منهم محرر الشؤون الأمنية والدفاعية روبرت فوكس، الذي يرى أن فاجنر سوف تستمر، وسوف يحدث توسع في عمل الشركات العسكرية الخاصة تحت مظلة بوتين والجيش.

المرشحون لقيادة فاجنر:

ظهرت عدة أسماء لقيادات في الجيش الروسي تصلح لقيادة مجموعة فاجنر؛ إلّا أنتقرير لـ”واشنطن بوست”، أوضح أن روسيا كانت تخطط بالفعل لمستقبل فاجنر بعد بريجوجين، لافتًا إلى أن هناك عدة أسماء مرشحة لقيادة فاجنر بعد بريجوجين، ولكن حظوظ كلٍّ من أندريه تروشيف وأنطون يليزاروف هي الأوفر.

 أندريه تروشيف:

 – جنرال روسي متقاعد، وعضو بارز ومؤسس ومدير تنفيذي في فاجنر، وفقًا لوثائق عقوبات الاتحاد الأوروبي والوثائق الرسمية الفرنسية، ومصادر مطلعة، وتقارير إعلامية روسية.

– مقدم سابق في وزارة الشؤون الداخلية الروسية، وكان جهة الاتصال الرئيسية بين بريجوجين ووزارة الدفاع خلال الحرب في أوكرانيا.

– تروشيف أحد الشخصيات العامة القليلة في فاجنر، ولم يكن اسمه مدرجًا في قائمة ركاب الطائرة التي تحطمت وأودت بحياة بريجوجين.

– شارك تروشيف في حروب روسيا في أفغانستان والشيشان وهو من مدينة سان بطرسبرغ مسقط رأس بوتين، كما أنه المدير التنفيذي لمجموعة فاغنر وأحد الأعضاء المؤسسين لها.

 – وفقًا لبوتين فإن تروشيف كان القائد الحقيقي لفاجنر، ووُلد تروشيف في إبريل عام 1953 في سانت بطرسبرج، وكان موظفًا سابقًا في فرقة الاستجابة السريعة الخاصة بوزارة الداخلية الروسية، وضابط متقاعد شارك في شمال القوقاز.

 – حصل على أوسمة حكومية عديدة، حصل مرتين على وسام الشجاعة ووسام الاستحقاق، لخدمته في أفغانستان، حصد وسام النجمة الحمراء مرتين. وحصل على أعلى ميدالية روسية، بطل روسيا، في عام 2016 لاقتحام تدمر في سوريا ضد مقاتلي داعش.

– خدم أيضًا في وحدة خاصة تسمَّى الرد السريع، وانضم لصفوف شرطة مكافحة الشغب التابعة لوزارة الداخلية الروسية في المنطقة الفيدرالية الشمالية الغربية.

أنطون يليزاروف:

ترى صحيفة “الصن” البريطانية: أن أنطون يليزاروف سيكون القائد الجديد لفاجنر، ويليزاروف شارك في تحركات فاجنر في بيلاروسيا وقاد معركة سوليدار.

وشارك في عمليات فاجنر في سوريا، ويعمل في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويقود وحدة في ليبيا.

 مكاسب بوتين بعد مقتل بريجوجين:

حصل بوتين على عدة امتيازات بعد مقتل قائد فاجنر يفجيني بريجوجين كالآتي:

– الشركات العسكرية باتت تعمل تحت مظلة بوتين وأوامره.

– كل مَن بقي مِن مجموعة فاغنر سوق يقومون بإبرام عقود للخدمة في الجيش الروسي.

– موقف بوتين أصبح أقوى من قبل بعد مقتل بريجوجين.

– تسليح الحرس الجمهوري الروسي بأسلحة ثقيلة.

– توسع المجموعات العسكرية في روسيا تحت مظلة الجيش وبوتين.

الخلاصة:

تفاصيل الأحداث التي وقعت منذ تمرد قائد فاجنر وقواته ودخوله الحدود الروسية وإسقاطه طائرتين بالفعل، وقتله لما يقرب 15 جنديًّا روسيًّا، وما سببه لإحراج لبوتين وتصويره بمظهر الرئيس غير القادر على التحكم بالأمور، جعل بريجوجين في خانة الخائنين لروسيا وبوتين، كما تشير تلك الأحداث: أن الكرملين خطط للتعامل مع فاجنر أولًا بعد التمرد وبعد ما استتبت له الأمور قرَّر قتل القائد ومساعديه، وبالتالي فإن أي سيناريو لعمل فاجنر بعد مقتل قائدها سيكون تحت إشراف الكرملين وبقيادة مباشرة للجيش الروسي.

وبالنظر لرسائل موسكو لميليشيا فاجنر في سوريا وليبيا بالانضمام لكتائب الجيش الروسي هناك أو الخروج من البلاد، يتأكد ذلك، كما أن عدم الاعتماد على فاجنر في أوكرانيا وتقليل وجود فاجنر في إفريقيا إلى 5 آلاف مرتزق فقط يدعمان ذلك التوجه، وفي النهاية لا نظن أن يتم تسريح ما تبقى من جنود فاجنر، ولكن الأزمة ستجعل روسيا أكثر تركيزًا ومراقبة لما هو مقبل، وبالتحديد طريقة عمل الميليشيات والشركات الروسية العسكرية الخاصة العاملة في الأراضي الروسية أو التي تعمل على أهداف روسية في الخارج.

مصادر:

بي بي سي- ما مصير مجموعة فاغنر بعد مقتل يفغيني بريغوجين؟ – الجارديان- 24 أغسطس 2023.

العربية- من ليبيا إلى سوريا… موسكو تبلغ عناصر فاغنر”انسحبوا”- 27 أغسطس 2023.

سكاي نيوز- فراغ القيادة… مقتل بريغوجين يضع فاغنر أمام هذه السيناريوهات- 27 أغسطس 2023.

سكاي نيوز- بعد مقتل بريغوجين… من المرشحون الأوفر حظا لقيادة فاغنر؟- 27 أغسطس 2023.

سكاي نيوز- بعد مقتل يفغيني بريغوجين… ما مصير إمبراطورية فاغنر؟- 26 أغسطس 2023.

سكاي نيوز- بعد مقتل يفغيني بريغوجين… ما مصير إمبراطورية فاغنر؟- 24 أغسطس 2023.

 اليوم السابع- خليفة “بريجوجين” المحتمل… من “أندريه تروشيف” المرشح لقيادة “فاجنر” الروسية؟- 26 أغسطس 2023.

اليوم السابع- مرشحان جديدان لقيادة مجموعة فاجنر بعد مصرع يفجيني بريجوجين- 27 أغسطس 2023.

مستقبل-فاجنر-بعد-مقتل-بريجوجينتنزيل
بريجوجينبوتينروسيافاجنر