لا أخلاق في السياسة التركية الأمريكية

نبدأ من قول قائد القيادة المركزية الأميركية الذي تقاعد أخيراً الجنرال “جوزيف فوتيل” (إن ما يجرى قرار خاطئ أخلاقياً واستراتيجياً”، سيما وأن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكاً استثنائياً، وقدرت خسائرها بـ11 ألف قتيل في المعارك ضد «داعش»، ما وفر على الولايات المتحدة نشر عشرات الآلاف من الجنود على الأرض).

 

فأمريكا التي باعت الأكراد في العراق، عادت لتبيعهم في سوريا، ومع البيع الأخير يجلس ترامب الذي أشعل فتيل المرحلة الأخيرة بإعلانه الانسحاب العسكري من سوريا، ليبدأ ” أردوغان” بإعلان تطهير المنطقة من الإرهابيين، كما يحلو له الإطلاق على الأكراد، ويأتي ذلك ضمن خطته لتأمين منطقة آمنة يكون الهدف منها إعادة توطين اللاجئين السوريين، ليزداد الانقسام السوري.

 

المصالح

السياسة لغة المصالح التي لا تتوقف

 

نبدأ بالمصالح الأمريكية:

ترامب وعد ولم ينفذ بإنهاء “الحروب غير المنتهية” والتي أكد في حملته أن سابقية هم من أشعلوها، وكان أهمها الحرب الأفغانية، والحرب السوريا، وبعد فشل المفاوضات مع طالبان لم يعد لإثبات شيء أمام الناخب الأمريكي في هذا الملف إلا الانسحاب من سوريا.

 

أمريكا لا تقلق كثيرا من وجود داعش، فالمسافة بعيدة بينها وبين نقاط الاشتعال في الشرق الأوسط، تستغل هذا الأمر في جني الكثير من الأموال الجديدة.

لم تعد الإدارة الأمريكية تعير الانتباه للنظريات السياسية القديمة التي وضعت وقت الحرب الباردة، كنظرية “احتواء الأعداء” للخبير الأمريكي جون فوستر، ولا حتى نظرية “الحزام الإسلامي الأخضر” لزبيغنيو بريجينسكي، والتي كانت من خلالها تدعم الأفغان، فقد انتهى عصر التضييق على الاتحاد السوفيتي بل انتهى الاتحاد السوفيتي نفسه، ما يهم الإدارة الأمريكية الآن، المال والانتخابات، والباقي تقوم به الدول فيما بينها.

 

أردوغان وتركيا

على الرغم من أن أردوغان وحزبه نالوا الحكم عن طريق معونة حزب العمال الكردستاني والذي وقف بجانبهم، لا عن قناعة فكرية وإنما عن وقوف بجانب المعارضة وفقط في وقتها، إلا أن أردوغان نجح بعد أن وصل في قطع كل الطرق الممكنة لعودة حزب العمال.

ثم استمر أردوغان بأن تحالف مع أكراد العراق ليغلقوا أبوابهم أمام حزب العمال الكردستاني، وفعل الأمر نفسه مع الأكراد في إيران بل توصل لاتفاق بينهم وبين الحكومة الإيرانية، حتى أن أكراد إيران يقومون ببناء جدار فاصل بين تركيا وإيران لمنع تسلل الأكراد.

فأردوغان يتحالف مع الأكراد ويحارب الأكراد.

 

أردوغان يريد إنشاء منطقة آمنة كما يدّعي لتكون ملاذًا للاجئين مع ضمان آمان حدوده السورية، مع ضمان عدم توغل الأكراد للداخل التركي.

 

 حرب لم تتوقف إلا فترات التحالفات بين الحكومة وحزب العمال، 4 عقود استنزفت الكثير من المال والجهد، وجعلت أردوغان يظهر بمظهر المدافع عن الدولة التركية العثمانية، مع النزعة الإسلامية والتي أظهرت خليطًا جديدًا ممكن أن نطلق عليه كما يطلق بعض المتابعين “النزعة الأردوغانية” وعموما هذا الجيب الذي يسعى أردوغان لإنشائه، يلقى شعبية جيدة في الداخل التركي، وهو ما يعطي صورة لماذا تركيا وحلفاؤها يعتبرونها حربًا مقدسة؟

 

أردوغان والدولة العثمانية..

 

هل يكرر التاريخ نفسه، أو هل يقلد أردوغان أيران؟

يحلم الإيرانيون بالدولة الفارسية، ويحلم أردوغان بالخلافة العثمانية، يسعى أردوغان لإقامة خلافته وهو ما يجعله يغازل عددًا من الجماعات وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يوضح الزخم الغريب الذي تحظى به كل تحركات أردوغان، والتي يسعى التنظيم الدولى للإخوان بأن يجعلها تحركات الخلافة والخليفة.

 

لو أردنا ضرب مثال فيكفينا ما قاله أردوغان في 24 /12 /2017 أثناء زيارة له إلى السودان حيث قام بزيارة لجزيرة سواكن وأعلن منها مشروع إحياء التراث العثماني، باعتبار الجزيرة بأنها كانت حامية بحرية عثمانية، ورد عليه الرئيس السوداني الأسبق البشير بقوله: “أرى فيك بقايا الدولة العثمانية” والإعلام التركي يصر في الفترة الأخيرة على ذكر تركيا العثمانية.

 

ويرى بعض المتابعين أن الدول الأكبر تدعم أردوغان في هذا الحلم، لأنه ربما تكون الورقة الأخيرة للقضاء على كل دور لجماعات الإسلام السياسي، لذا يسعى أردوغان بدعم كل الجماعات التي تقسم الدول في مصر وليبيا وغيرها.

 

الأكراد

يعتبر الأكراد من ضمن الجماعات اللغوية ال17 في العالم التي لا تمتلك دولة يعانون من تشتت في عدد من الدول أهمها تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا، وبدأت التطلعات بإقامة الدولة منذ انتهاء الحرب العالمية، فـ الأكراد يُخدعون دائماً، فمن جوزيف ستالين والذي وعدهم بجزء من الأراضي الإيرانية، إلى ريتشارد نيكسون، حتى نصل إلى ترامب.

 

الدول الكبرى ترعى داعش

تسعى الدول الكبري إلى عودة داعش مرة أخرى في منطقة تحت الأعين، لأن الأضرار التي لحقت بهم بعد هزيمة داعش في الباغوز ونينوى في العراق، وما عنا ببعيد ما أطلقت عليه داعش غزوة الاستنزاف التي طالت عشرات الدول، ويكفي حوادث أمس محاولة قتل وزير الأمن الأندونيسي، حادث طعن باريس، حادث طعن لندن.

فترى بعض الدول وجود داعش في مكان بعيد عنها -ويقيمون ما تسمى دولتهم- هو أرحم من انتشارها عندهم.

 

داعش يقينا ستستفيد بل هي المستفيد الأكبر

على فرض حسن الظن بأنه لا اتفاق بعودة داعش للصدارة، فإن تحويل الشمال الشرقي لسوريا لساحة حرب من جديد، والذي من المؤكد ستكون نتيجته هروب عناصر داعش من سجون قوات “قسد” والتي يعلن البعض أنهم بلغوا 12 ألف مجند من ضمنهم من 3 إلى 4 آلاف أوروبي، وكانت قسد قد اعتقلتهم بعد معارك الباغوز، وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق سراح أسرى دواعش، فقد حدث نفس هذا السيناريو في شمال إدلب من أشهر.

وحتى تتضح الصورة ليست داعش وفقط، فعندنا “حراس الدين” والذي يمثل القاعدة في سوريا فستكون فرصتها أقوى بكثير.

 

هل نبع السلام حفرة لأردوغان..

يرى بعض المتابعين أنها الحفرة التي حفرها ترامب لأردوغان، حتى يضغط عليه أكثر للابتعاد عن المسار العسكري الروسي

وفي المقابل آخرون يؤكدون أن  الروس حفروا لأردوغان حفرة عميقة للوصول إلى النتيجة نفسها، من خلال استنزاف قواته في معارك جانبية.

ولكن اليقين يقول إن أردوغان متهور نعم! لكنه ليس ساذجًا ليندفع بهذه الصورة ما لم يكن هناك الكثير من الترتيبات الخفية بين الثلاث” واشنطن وموسكو وأنقرة.

العرب لا يهتم بهم أحد

لا أخلقيات في السياسة ولا رحمة في الحرب” الجملة التي شكلت عقول كل الساسة والتي قالها ميكيافيللي في كتابه الأمير، هي الجملة التي تنطبق حرفيًا على حال العرب، فما زال العرب هم الأوراق على قطعة الشطرنج، فهم لم يحضروا اتفاقًا سوريًا، ولم يشجبوا ولم يتحركوا، فهم يتفرجون على من يعبث بديارهم، وينتظرون النتيجة.

 

لماذا تكلم العرب الآن؟!!

  • أردوغان ليست الأولى له في الاعتداء على سوريا، أردوغان يفعلها من 5 سنوات، أردوغان لا يفعلها بمفرده فالجيش السوري والجيش الروسي والموافقة الأمريكية، فلماذا أردوغان وفقط؟!!
  • مصر أعطت الضوء الأخضر في الهجوم الإعلامي على أردوغان وكان البداية استضافة أربكان، والبيانات المتتالية للخارجية المصرية..
  • المملكة السعودية تريد أن تخفف من الضغط عليها في قضية جمال خاشقجي..

 

فالخلاصة: لا أحد يبكي على الشعب السوري، ولا السنة في سوريا وإلا لتحدث الجميع عن عشرات مخيمات اللاجئين، أو لتحدثنا عن مخيمات سوريا في لبنان والتي أجبرت الحكومة اللبنانية ساكنيها من النساء بأن يهدموها بأيديهم، أو لغضبنا من الحكومة الأردنية والتي تطلق النار على كل من اقترب من الحدود الخاصة لمخيم الركبان، أو أو أو..

 

•• كلمة من أحد الأخوات في سوريا قالت وصدقت:

(إنما سوريا سجن كبير للسنة لن تخرج منه إلا ميتاً، من رصاص الجيش السوري أو التركي، أو جماعات الارهاب، أو من الجوع والبرد).

 

أردوغانالأكرادالإخوانحزب العمال الكردستانيسوريا