كيف تناولت الصحافة الأمريكية مقترح ترامب بتهجير أهل غزة؟

كيف تناولت الصحافة الأمريكية مقترح ترامب بتهجير أهل غزة؟

تعتبر القضية الفلسطينية من أبرز القضايا الإقليمية والدولية التي تشهد تطورات متسارعة تؤثر على استقرار منطقة الشرق الأوسط، ومن بين الأحداث التي أثارت جدلًا واسعًا في الآونة الأخيرة، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى نقل أكثر من مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى الدول المجاورة؛ مثل: مصر والأردن، فتصريحات ترامب هذه شكلت نقطة تحول في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وأدت إلى ردود فعل حادة على المستويين الإقليمي والدولي.

وتبرز أهمية هذا الموضوع في تأثيره العميق على العلاقات بين الدول العربية الكبرى مثل مصر والأردن، والدور الذي تلعبه هذه التصريحات في إعادة تشكيل التوازنات السياسية في المنطقة، كما أن هذا الاقتراح يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، وحل الدولتين، وكيفية التعامل مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين في ظل تصاعد العنف في غزة.

تهدف هذه المناقشة إلى تسليط الضوء على تداعيات تصريحات ترامب على المستوى الإقليمي والدولي، واستكشاف ردود الأفعال الرسمية للدول المعنية مثل مصر والأردن، بالإضافة إلى فهم تأثير هذه التصريحات على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، كما تسعى إلى تحليل مدى جدية هذه الفكرة في سياق الوضع الراهن، وما إذا كانت تعد جزءًا من خطة سياسية أكبر تهدف إلى تغيير الواقع السياسي في المنطقة.

ردود الأفعال العربية والعالمية على مقترح ترامب بشأن غزة:

ولا تزال ردود الأفعال على تلك التصريحات تتوالى منذ الإعلان عن هذا المقترح وحتى الآن، والتي تمثل أبرزها، بحسب وكالة رويترز، في التالي:

– الرئيس الفلسطيني محمود عباس: “الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وقطاع غزة هو جزء أصيل من أرض دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة… الحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتفاوض”.

– القيادي في حركة حماس الفلسطينية سامي أبو زهري: “تصريحات ترامب حول رغبته بالسيطرة على غزة سخيفة وعبثية، وأي أفكار من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة”. “شعبنا في غزة لن يسمح بتمرير مخططات ترامب، والمطلوب هو إنهاء الاحتلال والعدوان على شعبنا لا طرده من أرضه”.

– وزارة الخارجية السعودية: “موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال”.

– الديوان الملكي الأردني: “الملك عبد الله الثاني يؤكد ضرورة وقف التوسع الاستيطاني، ويرفض أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين”.

– وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي: “نؤكد أهمية المضي قدمًا في مشروعات وبرامج التعافي المبكر وإزالة الركام ونفاذ المساعدات الإنسانية بوتيرة متسارعة دون خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، خاصة مع تشبثهم بأرضهم ورفضهم الخروج منها”.

– وزارة الخارجية الإماراتية: “أكدت دولة الإمارات التزامها بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وموقفها التاريخي الراسخ تجاه صون حقوق الشعب الفلسطيني، وشددت على ضرورة إيجاد أفق سياسي جاد يفضي إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة”. “كما أكدت رفضها القاطع للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره”.

– رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: “يتعين السماح لهم (الفلسطينيين) بالعودة إلى وطنهم، ويتعين السماح لهم بإعادة البناء، وعلينا أن نكون معهم في عملية إعادة البناء هذه نحو المضي على طريق حل الدولتين”.

– وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: “قطاع غزة ملك للفلسطينيين، وطردهم منه غير مقبول ويتعارض مع القانون الدولي”. “سيؤدي هذا أيضًا إلى معاناة جديدة وكراهية جديدة… لا يتعين أن يكون هناك حل يتجاهل الفلسطينيين”.

– المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان: “فرنسا تكرر معارضتها لأي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين في غزة، والذي من شأنه أن يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وهجومًا على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعتبر أيضًا عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملاً رئيسيًّا لزعزعة استقرار شريكينا المقربين، مصر والأردن، والمنطقة بأسرها أيضًا”.

– وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس: “أريد أن أكون واضحًا للغاية في هذا الشأن، غزة هي أرض الفلسطينيين سكان غزة ويجب أن يبقوا فيها”، “غزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا ويجب عليها التعايش بما يضمن ازدهار دولة إسرائيل وأمنها”.

– المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: “تعتقد روسيا أنه لا تسوية في الشرق الأوسط بغير الاستناد إلى أساس حل الدولتين”. “هذا هو الطرح المكفول بالقرار ذي الصلة لمجلس الأمن الدولي، وهذا هو الطرح الذي تتشاركه الأغلبية الساحقة من البلدان المعنية بهذه المشكلة، ونمضي قدمًا انطلاقًا منه ونؤيده ونعتقد أنه هو الخيار الوحيد الممكن”.

– وزارة الخارجية الصينية: “تأمل الصين أن تعتبر كل الأطراف وقف إطلاق النار وإدارة القطاع بعد انتهاء الصراع فرصة لإعادة التسوية السياسية للقضية الفلسطينية لمسارها الصحيح استنادًا إلى حل الدولتين”.

– وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “تصريحات ترامب بأن أمريكا ستسيطر على غزة غير مقبولة”. “أي خطط تترك الفلسطينيين خارج المعادلة ستؤدي إلى تأجيج الصراع”.

– وزير الأمن الوطني الإسرائيلي السابق إيتمار بن غفير: “تشجيع سكان غزة على الهجرة من القطاع هو الإستراتيجية الصحيحة الوحيدة بعد نهاية الحرب في غزة”(1).

الإعلام الأمريكي وتناوله لقضية تهجير الفلسطينيين:

رأت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تصريحات ترامب تمثل قطيعة مع السياسة الأمريكية التقليدية، التي دعمت حل الدولتين لعقود. وأشارت الصحيفة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية، التي ألغت العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وأعادت تزويد إسرائيل بقنابل تزن 2000 رطل، قد تكون بصدد تبني نهج أكثر تطرفًا في التعامل مع القضية الفلسطينية؛ كما سلطت الصحيفة الضوء على تصريحات ترامب التي وصف فيها غزة بأنها “موقع هدم” واقترح بناء مساكن جديدة للفلسطينيين في أماكن أخرى، قائلًا: إن “هذا الحل قد يكون مؤقتًا أو طويل الأمد”.

كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن محللين أن تصريحات ترامب لم تكن زلة لسان، بل قد تكون جزءًا من تحرك منسق مع إسرائيل. فقد ذكرت الصحيفة أن مسؤولين إسرائيليين يدعمون سرًّا فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، رغم نفي الحكومة الإسرائيلية رسميًّا ذلك. ووفقًا لتقارير نشرتها “قناة 12 الإسرائيلية”، فإن فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى ليست جديدة، وقد تم تداولها داخل الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب. ونقلت القناة عن مسؤولين إسرائيليين أن “الاقتراح ليس زلة لسان، بل جزء من تحرك أوسع بالتنسيق مع إسرائيل”.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن حوالي 90% من سكان غزة قد تم تهجيرهم داخليًّا بالفعل بسبب الحرب، حيث تعرضت أكثر من 92% من المنازل في القطاع لأضرار جسيمة أو دُمرت بالكامل. وقد أعرب مسؤولون دوليون عن مخاوفهم من أن يؤدي التهجير القسري إلى زعزعة استقرار المنطقة. ففي أكتوبر 2023، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن أي محاولة لنقل الفلسطينيين إلى سيناء ستؤدي إلى “تفريغ غزة من سكانها”، مما يجعل الحديث عن إقامة دولة فلسطينية أمرًا مستحيلًا. كما وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فكرة تهجير الفلسطينيين إلى الأردن بأنها “خط أحمر”، مؤكدًا أن بلاده لن تقبل أن تكون بديلًا عن فلسطين.

وقد أشارت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” إلى أن تصريحات ترامب قد تزيد من تعقيد العلاقات الأمريكية مع الدول العربية الحليفة، خاصة مصر والأردن، اللتين تعتمدان بشكل كبير على المساعدات الأمريكية. ففي عام 2023، حصل الأردن على أكثر من 1.6 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، ومع ذلك، لم يشمله الاستثناء الذي منحه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لإسرائيل ومصر من قرار تجميد المساعدات الخارجية الذي أصدره ترامب في أول يوم له في منصبه.

وترى الصحيفة أن الضغوط الاقتصادية قد تُستخدم كأداة ضغط على هذه الدول للقبول بمقترحات لا ترغب فيها، مما يزيد من حدة التوتر في العلاقات بين واشنطن وعواصم الشرق الأوسط(2).

تغيير جذري في الموقف الأمريكي من النزاع:

لطالما التزمت الإدارة الأمريكية ولعدة عقود بإنشاء دولة فلسطينية تضم قطاع غزة كجزء رئيسي منها على الرغم من رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الدائم لهذا المقترح.

والولايات المتحدة كانت قد أعربت في وقت سابق عن معارضتها لأية عملية تهجير قسري للفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية. وكان وزير الخارجية في إدارة بايدن، أنتوني بلينكن، قد صرح العام الماضي بأنه “لا يمكن، ولا يجب إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة”. إلا أن هذا الموقف الأمريكي يبدو أنه في طريقه إلى التغير وبشكل لن يرضي الفلسطينيين ولا دول الجوار.

ويعيش اليوم في الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني بحسب الأمم المتحدة، تمكنت أعداد كبيرة منهم من الحصول على الجنسية الأردنية. كما لجأ الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر مع بداية الحرب مع إسرائيل، لكن لا تعترف بهم السلطات المصرية كلاجئين هناك.

المعونات الاقتصادية… عصب التفاوض؟

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية صححت نوعًا ما هذا المقترح، وأوضح مسؤولون أن لا وجود لفكرة انتشار أمريكي في هذا القطاع أو نزوح دائم لسكان غزة.

إلا أن فكرة النزوح المؤقت للغزيين في انتظار إعادة تأهيل القطاع المدمر لا تزال مطروحة، على الرغم من غياب أي معطيات حول جدول زمني لذلك. وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي سيجري بعد أيام أول زيارة له إلى الشرق الأوسط بعد توليه المنصب، إن الفلسطينيين سيتعين عليهم “العيش في مكان آخر بشكل مؤقت” في أثناء إعادة إعمار القطاع.

لكن ترامب أجاب عن سؤال حول حق الفلسطينيين في العودة بقول “لا، لن يكون من حقهم ذلك لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير”. وأضاف “أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم”، مشيرًا إلى أن قطاع غزة سيستغرق سنوات ليصبح صالحًا للعيش مرة أخرى.

هل يمكن لمصر والأردن أن تصمدا أمام الضغوطات الأمريكية؟

وعلى الرغم من رفض القاهرة وعمان لخطة دونالد ترامب هذه، فإن قدرة البلدين على معارضة دونالد ترامب قد تكون محدودة. ذلك أن كليهما يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لضمان استقرارهما الأمني والاجتماعي والاقتصادي.

وتعتبر الأردن واحدة من أربع دول تتلقى أكبر قدر من المساعدات الأمريكية في العالم، إذ يستفيد الأردن سنويًّا من 1,4 مليار دولار أمريكي كمساعدات ثنائية من واشنطن.

في حين تتلقى مصر 1,3 مليار دولار كمساعدات عسكرية في إطار اتفاقيات كامب ديفيد.

إلا أن هذه المساعدات لا تكفي لمواجهة الصعوبات الاقتصادية المستمرة في كلا البلدين، مما يعني صعوبة الاستغناء عنها.

في عام 2024 تفادت مصر بأعجوبة الانهيار الاقتصادي بعد أن استفادت من مساعدات بقيمة 50 مليار دولار منحها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والإمارات العربية المتحدة. وتجاوزت حينها الديون الخارجية المصرية 152 مليار دولار. وتعتبر مصر الحليف الوحيد لواشنطن -باستثناء إسرائيل- الذي حصل على إعفاء من تجميد المساعدات الأمريكية الذي أعلنه دونالد ترامب. ولم يكن الحال كذلك بالنسبة للأردن.

وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي في الأردن أقل إثارة للقلق، إلا أن عمان تعتمد على المساعدات الدولية للحفاظ على توازن البلاد، ذلك أنه تم تخصيص 70% من التمويل الأجنبي لدعم ميزانية الدولة.

ويقول جلال الحسيني، من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمان، إن “الولايات المتحدة هي أحد أبرز المانحين الرئيسيين للأردن عسكريًّا أو من حيث المساعدات الاجتماعية والاقتصادية”. ويعتقد أن هذا الوضع من شأنه أن “يكون أحد العوامل التي ستستخدمها واشنطن لدفع الأردن إلى قبول عدد معين من سكان غزة فورًا”.

ويقول الدكتور في علم الاجتماع جلعاد وينيغ، الذي يدرس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن الإدارة الأمريكية بدأت في ممارسة ضغوط مالية على مصر منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على غزة. ويوضح بأن “تقارير مصرية أشارت إلى أن واشنطن عرضت حوافز مالية على القاهرة، بما في ذلك إمكانية تخفيف أعباء الديون، مقابل قبول خطة تهجير سكان غزة هذه، التي قيل إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفضها بشدة”.

التهديد الأمني وسياسة ترامب نحو إسرائيل؟

ولكن أن تضحي الولايات المتحدة بحليفيها المصري والأردني من شأنه أن يتسبب في عواقب خطيرة خصوصًا على الصعيد الأمني، إذ ينتشر نحو 3 آلاف جندي أمريكي في الأردن منذ بداية الحرب في سوريا. وفي أكتوبر، شارك الأردن إلى جانب الأمريكيين في اعتراض سلسلة من الصواريخ الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل. كما قامت الولايات المتحدة بتدريب وتجهيز الجيش المصري منذ أكثر من 30 عامًا، مما يجعل البلاد شريكًا أمنيًّا قويًّا بالنسبة لواشنطن.

وإذا أصرت مصر على اعتبار أن التهجير القسري للغزيين من شأنه أن يصبح تهديدًا لأمنها القومي، فإنها تحاول أن تتجنب تحول أراضيها إلى قاعدة خلفية لشن هجمات ضد إسرائيل.

ويعتقد جلال الحسيني بأنه لا يمكن التكهن بمدى استعداد ترامب على إجبار حلفائه على قبول خططه بشأن غزة، خاصة أن هذا الاقتراح ينسجم مع سياسة ترامب المؤيدة لإسرائيل خلال عهده الرئاسي الأول.

ففي عام 2019، تمكن صهر ترامب جاريد كوشنر، والذي كان يشغل منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط آنذاك، من طرح فكرة سلام في غزة تستند على التنمية الاقتصادية وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

ويقول جلال الحسيني “خلال فترة رئاسته الأولى، كان يُنظر إلى ترامب على أنه عامل مزعزع للاستقرار في المنطقة بسبب دعمه لسياسة الاستيطان الإسرائيلية. وتبدو خطة ترحيل سكان غزة اليوم وكأنها امتداد لرؤيته لمستقبل الشرق الأوسط”. (3).

تداعيات المقترح الترامبي على العالم:

سيكون لإصرار ترامب على مخطط تهجير سكان قطاع غزة تداعيات كبيرة، خصوصًا أنه يتحدث أيضًا عن أن إدارته ستبتّ في إمكانية الاعتراف بضمّ إسرائيل أجزاءً واسعة من الضفة الغربية.

وتخشى بعض الأوساط في واشنطن من أن مجرد طرحه المقترح قد يؤدي إلى زيادة العنف في المنطقة، وتخريب اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، ولا سيما أن نتنياهو يحاول التنصل بكل طريقة ممكنة من تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة في الاتفاق الذي توسطت فيه قطر ومصر والولايات المتحدة. وفعلاً، فقد صدرت جملة من التصريحات عن وزراء يمينيين إسرائيليين يؤيدون فكرة ترامب بتطهير قطاع غزة عرقيًّا، ومن ذلك الأمر الذي أصدره وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 6 فبراير، للجيش بإعداد خطة للسماح بالخروج الطوعي للسكان من قطاع غزة.

ومع أن نتنياهو وصف اقتراح ترامب بـ “الفكرة الرائعة التي يجب فحصها ومتابعتها وتنفيذها لأنها ستخلق مستقبلًا مختلفًا للجميع، وتعيد تشكيل الشرق الأوسط وتجلب السلام”، فإنه من غير الواضح إذا ما كانت إسرائيل ترغب فعلاً في تسليم الولايات المتحدة ملكية غزة والتنازل عما تعده حقًا لها. وعلى الأرجح أن إسرائيل ترغب في توظيف قدرة ترامب على الضغط على الدول العربية لقبول فكرة تهجير سكان قطاع غزة والمساهمة في إعادة إعماره، بدعم دولي، ثم تمكينها من السيطرة عليه ضمن ترتيبات مع واشنطن، وربما بضمانات لشركات ترامب وشركائه. ولا شك في أن نتنياهو غادر لقاءه مع ترامب سعيدًا، على الأقل لناحية تضييع الأخير فرصة الضغط عليه للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي يزعم الفضل فيه لنفسه.

ويحذر البعض في واشنطن من أن إصرار ترامب على هذا المقترح قد يعوق مساعيه الأخرى لتوسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية، خصوصًا بعد إعلان السعودية موقفًا رافضًا لأي مساعٍ لتهجير الفلسطينيين من القطاع، وتأكيدها أنها لن تطبّع مع إسرائيل من دون ضمانات لقيام دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو تمامًا.

ويقول هؤلاء إن فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة تقلب الموقف الأمريكي الرسمي، الذي يتبنى منذ عقود طويلة حل الدولتين، رأسًا على عقب، كما أن من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة إلى قلب الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” بطريقة حاول الرؤساء السابقون منذ عهد هاري ترومان تجنبها. كما أن الضغوط التي يمارسها ترامب على الأردن ومصر قد تؤدي إلى قلاقل في البلدين الحليفين لأمريكا(4).

“ريفييرا غزة”.. حلم ترامب المستحيل؟

ما بين الرفض العربي، والتحفظ الدولي، والتعقيدات السياسية، يبدو أن مشروع “ريفييرا غزة” ليس سوى حلم بعيد المنال. فالواقع يؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي تهجير قسري، والمجتمع الدولي لن يمنح ترامب الضوء الأخضر لفرض حلول غير عادلة.

لكن مع استمرار الضغط الأمريكي، يبقى السؤال: هل سيظل هذا الطرح مجرد ورقة ضغط؟ أم أن هناك محاولات خفية لتحويله إلى واقع سياسي جديد؟(5).

الخلاصة:

لم تمر تصريحات ترامب دون إثارة الجدل داخل الولايات المتحدة نفسها، فقد أعرب السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أحد حلفاء ترامب البارزين، عن دهشته من التصريحات، قائلًا: “بصراحة، لا أعرف ما الذي يقصده ترامب”.

وفي مقابلة مع “سي إن إن”، قال غراهام إنه لا يرى أن فكرة نقل جميع الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى “عملية أو قابلة للتنفيذ”، مشددًا على ضرورة التواصل مع الدول العربية لإيجاد حلول واقعية.

وفي النهاية: يمكن القول: إنه بالنظر إلى ردود الفعل الإقليمية والدولية، يبدو أن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن تواجه رفضًا قاطعًا، ليس فقط من الدول المعنية، ولكن أيضًا من القوى السياسية الأمريكية والدولية.

كما أن تنفيذ مثل هذا المخطط قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة، ويزيد من تعقيد مسار السلام.

ويبقى السؤال: هل كان تصريح ترامب مجرد محاولة لجذب الانتباه الإعلامي، أم أنه يعكس سياسة أمريكية جديدة تسعى إلى فرض واقع جديد في الشرق الأوسط؟

المصادر:

1_ سي ان بي سي

2_ رع للدراسات

3_ فرانس 24

4_ المركز العربي للدراسات

5_ سكاي نيوز

إعمار غزةالخطة العربيةالسيسيترامبتهجير أهل غزةغزة
Comments (0)
Add Comment