قراءة في التقارب الروسي الكوري الشمالي.. أهدافه ودلالاته وانعكاساته على خريطة العالم الجديد

قراءة في التقارب الروسي الكوري الشمالي.. أهدافه ودلالاته وانعكاساته على خريطة العالم الجديد

لقد بدا العالم في مرحلة جديدة من التحولات السياسية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية في كسر جمود الهيمنة الأمريكية الغربية؛ إذ تشير كل المعطيات والتطورات على الساحة العالمية، وحالة التنافس المحتدم بين الشمال والجنوب العالمي، إلى الاقتراب من وضع حدِّ لنهاية العالم أحادي القطبية وذلك للتخلص للهيمنة الأمريكية غير العادلة، وذلك بعد اقتناع العديد من الدول الكبرى وحتى دول الشرق الأقصى والأوسط بتراجع النفوذ الأمريكي والاعتراف بذلك من قِبَل واشنطن نفسها.

إن ما يدور في أروقة السياسة الدولية، ودول الجنوب العالمي بشكل متزايد عن فقدان الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها الجائر وانتهاج سياسة الكيل بمكيالين لقضايا جوهرية وبارزة؛ مثل: الحرب على غزة -مثلًا- كنموذج، وقد حان الوقت لرسم خارطة العالم أو نظام عالمي جديد قائم على العدالة الإنسانية والاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل متناسب، وهو ما بات واضحًا الآن في ظل التحالف القوى بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية ومنطقة الشرق الأوسط، وأيضًا العديد من دول الشرق الأقصى والجنوب العالمي.

ملخص البحث:

في هذا التقرير بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات، سنركز على عدة أمور تتمثل: في مناقشة الأوضاع والتغييرات في العلاقات الدولية والتحولات في النظام العالمي، التقارب الروسي مع كوريا الشمالية في ظل القلق والتنديد الغربي، التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي، كذلك خطوات كسر الهيمنة الغربية والأمريكية، وأسباب تذمر وقلق واشنطن من دعم موسكو لكوريا الشمالية في تكنولوجيا الفضاء والصواريخ البالستية العابرة للقارات، كذلك الديون المتراكمة على الدول الفقيرة لصالح القوى الكبرى.

ولكن تبقى بعض الأسئلة المهمة والمُلحة وهي:

– ما موقف أمريكا وأوروبا من التحولات الجيوسياسية وما آليات التفاوض على النظام العالمي الجديد؟

– هل لدى واشنطن أوراق تقدمها لروسيا لوقف دعمها العسكري والتقني لكوريا الشمالية في تكنولوجيا الفضاء وتطوير الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات؟

– اتفاق الدفاع المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية.. ماذا يعني لأوروبا وواشنطن؟

– كيف سيكون الرد الأمريكي من التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي؟ وهل حرب نووية تلوح في الأفق أم سيتم احتواء الموقف؟

توزيع الثروات وإلغاء الديون على 25 دولة الأفقر في العالم:

ترى العديد من الدول عمومًا ودول الجنوب العالمي خصوصًا غياب العدالة الدولية وحتى في توزيع الثروات، ونظرا لعبودية الديون التي يفرضها الغرب على أفقر بلدان الجنوب العالمي، ينبغي البدء في اتخاذ قرارات لإلغاء ديون الدول الـ25 الأقل نموًّا، علاوة على ذلك، يمكن لأعضاء مجموعة البريكس التوصل إلى مبادرة لتخفيف عبء الديون بشكل كبير عن البلدان النامية الأكثر ضعفا وبدء العمل على تشكيل نظام دفع جديد دون تأخير.

حيث يكمن ذلك -على سبيل المثل لا الحصر- في نهب الثروات الطبيعية من الدول الفقيرة، ومنها قارة إفريقيا التي تستحوذ وفق تقارير دولية على أكثر من 30% للثروات الطبيعية والنفط والفحم والذهب والمنجنيز والتي تذهب لصالح الدول الكبرى بأسعار بخسة لتعود مرة أخرى على هيئة صناعات تُباع بأغلى الأثمان لهذه الدول.

كذلك، فإن الشعار الآن على الساحة الدولية يتبنى شعار رئيسي للعمل على تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وضرورة النظر في أفكار، مثل: رفض المحاولات التي تبذلها القوى الغربية في عدم التحول بشكل قوى نحو الطاقة النظيفة واستنزاف الثروات الطبيعية غير المُكلفة، لتحويل عبء مكافحة التلوث وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى المنتجين الذين يقع أغلبهم في الجنوب العالمي.

إنشاء دولة فلسطينية.. نقطة تحول في النظام العالمي الجديد:

حيث من ضمن الملفات الشائكة والتي تتصدر المشهد والبحث في خريطة التحولات الجديدة الآن، هو وضع دراسة واضحة لتنفيذ مقررات الأمم المتحدة بشأن إنشاء دولة فلسطينية، مع الاختمام والتركيز بشكل خاص على الإطار الزمني لتنفيذ هذا المشروع والضمانات الدولية المقابلة له، كما ينبغي أن يكون أعضاء مجموعة البريكس، وخاصة دول الشرقين الأدنى والأوسط الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا الملف. (المستقبل).

كذلك، ومن ضمن الخطط التي ظهر الحديث عنها، هي إنشاء هيئة جديدة تابعة لمجلس الأمن الدولي مهمتها وضع خطط طويلة المدى للتعاون العالمي الواسع النطاق، في المقام الأول في مجال الثقافة والعلاقات الإنسانية، لإيجاد حلول للمشاكل العالمية على غرار معالجة الذكاء الاصطناعي والتلوث البيئي وتغير المناخ والحد من احتياطيات المياه العذبة فضلا عن الأراضي المناسبة للزراعة والعديد من الموارد الطبيعية الأخرى.

أهداف ودلالات التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ:

في سياق المنافسة الجيوسياسية العالمية الحالية، يُعد التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية أمرًا طبيعيًّا، فعلى المدى القصير، تحتاج موسكو إلى أسلحة ومعدات عسكرية لدعم حربها الحالية في أوكرانيا، وعلى المدى المتوسط والطويل، يحتاج الروس إلى نسج تحالفات قوية في منطقة شمال شرق آسيا لمواجهة إستراتيجية “التحالفات الصغيرة” التي تنتهجها واشنطن لاحتواء روسيا والصين في هذه المنطقة، ولا سيما مع كوريا الجنوبية واليابان مؤخرًا؛ إذ تتضح الدوافع الروسية لتعزيز التعاون مع كوريا الشمالية.

وفي هذه النقاط نوضح الآتي:

– أهمية كوريا الشمالية بالنسبة لروسيا: إن الأهمية الإستراتيجية لبيونغ يانغ بالنسبة لموسكو كبيرة، حيث تبرز أهمية الحفاظ على وجود نظام صديق على حدودها الجنوبية الشرقية يعمل على تشكيل حائط صد بأسلحته النووية، وفي حالة انهيار النظام الكوري الشمالي، فذلك سيعني أن الجيش الأمريكي سيكون على حدود روسيا؛ لأن شبه الجزيرة الكورية بأكملها ستخضع حينها للنفوذ الأمريكي، حيث يتمركز 28 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية حاليًا. (المستقبل).

نذكِّر أيضًا، إنه في يونيو 2013، أعلن الرئيس بوتين عن سياساته تجاه آسيا، التي أُطلق عليها شعبيًّا “محور بوتين”، أو تحول روسيا نحو آسيا، حيث أدت الأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية الغربية في عام 2014 إلى تسريع هذا التوجه، وباعتبارها قوة نووية ودولة تمتلك واحدا من أكبر الجيوش في العالم، نحو مليون و200 ألف جندي في الخدمة العسكرية، و600 ألف احتياط، و200 ألف قوات شبه عسكرية، فإن كوريا الشمالية سوف تصير أحد أقوى الحلفاء القادرين على تقديم مساهمة كبيرة للغاية لموسكو.

إطالة حسم الصراع مع أوكرانيا:

منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022، غيّرت الحرب الأوكرانية حسابات موسكو تجاه بيونغ يانغ، لاسيما في ظل الدعم السخي واللامحدود لكييف من الغرب. وبينما تجد روسيا نفسها في صراع وجودي مع الغرب بشأن أوكرانيا، زادت أهمية كوريا الشمالية باعتبارها واحدة من الدول القليلة المستعدة للدخول في شراكة مع الكرملين لمواجهة الولايات المتحدة.

إذ كانت كوريا الشمالية من بين الدول الخمس التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بالانسحاب من أوكرانيا، كما ألقت باللوم على واشنطن مرارًا وتكرارًا في الأزمة الأوكرانية، معتبرة أن “سياسة الهيمنة” التي ينتهجها الغرب تُبرر الهجوم الروسي في أوكرانيا لحماية روسيا.

كذلك، وبالنسبة لسياسة الدب الروسي، فقد تراجعت أهمية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بالنسبة لروسيا، حيث إن الالتزام بالعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية لم يعد يمثل سياسة لموسكو؛ كونها هي الأخرى مستهدفة أيضًا بالعقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي حين أن موسكو كانت دائمًا غير مرتاحة لاحتمال امتلاك بيونغ يانغ أسلحة نووية، فإن تعثرها في حسم الحرب الأوكرانية؛ بسبب الدعم الغربي المستمر ربما أجبرها على إعادة التفكير في أولوياتها. لذا، تسعى روسيا إلى إعادة توجيه سياستها الخارجية بشكل كامل بعيدًا عن الغرب، وتوسيع العلاقات مع الصين ودول ما يُسمى بـ”الجنوب العالمي”، ومنها: الدول المعزولة؛ مثل: كوريا الشمالية.

موسكو ورغبة الحصول على أسلحة من بيونغ يانغ:

تمتلك كوريا الشمالية على الأرجح عشرات الملايين من القذائف المدفعية والصواريخ المبنية على تصميمات سوفيتية، والتي من المحتمل أن تُعطي دفعة كبيرة للجيش الروسي. ووفقًا لتقييم المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، تمتلك كوريا الشمالية ما يُقدر بنحو 20 ألف قطعة مدفعية، بما في ذلك قاذفات صواريخ متعددة في الخدمة، وهو رقم كبير مقارنة بأي دولة أخرى في العالم.

“السلاح مقابل الغذاء” بين روسيا وكوريا الشمالية:

لقد أثارت زيارة الرئيس بوتين إلى كوريا الشمالية؛ كأول زيارة لرئيس روسي يزور بيونغ يانغ منذ 25 عامًا، جدلًا واسعًا وقلقًا بالغًا؛ خصوصًا من القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ تأتي هذه الزيارة بعد زيارة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إلى روسيا واجتماعه مع الرئيس فلاديمير بوتين في 13 سبتمبر 2023 في قاعدة فوستوشني الفضائية، أهم مركز إطلاق للأقمار الاصطناعية في أقصى الشرق الروسي.

تعهد كيم بتقديم “الدعم الكامل وغير المشروط” لبوتين في حرب أوكرانيا، وقد اتفق الزعيمان على تعميق “تعاونهما الإستراتيجي والتكتيكي”. وفي المقابل: أوضح بوتين أنه يتطلع لمرحلة جديدة كليًّا للعلاقات مع بيونغ يانغ، ملمحًا إلى عزم بلاده تطوير التعاون في المجال الصاروخي مع كوريا الشمالية، الأمر الذي تنظر إليه واشنطن ببالغ القلق.

هذا الاجتماع سلط الضوء بشكل قوي على مدى توافق مصالح روسيا وكوريا الشمالية، فالبلدان يحتاجان إلى بعضهما الآن أكثر من أي وقت مضى، وقد يزداد التقارب بينهما خلال السنوات القليلة المقبلة، وربما حتى إلى درجة إحياء شبه التحالف الذي كان قائمًا خلال الحرب الباردة.

ما تطلعات كوريا الشمالية؟

في البداية، وكما ذكرنا سابقًا، كانت كوريا الشمالية تعتمد على إمدادات الغذاء بشكل كبير من الاتحاد السوفييتي، كونه دولة غنية وكبيرة في إنتاج الحبوب. بعد انهياره في عام 1991، تعرضت بيونغ يانغ لمجاعة كبيرة ضربت البلاد، وتم حلحلة الموقف تدريجيًا، خصوصًا بعد صعود بوتين للسلطة.

في المقابل: تسعى بيونغ يانغ للحصول على مزيد من المساعدات من روسيا ضمن مجموعة متنوعة من الأولويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، التي تتمثل في الآتي:

الحصول على مساعدات الغذاء والطاقة من روسيا:

تتزايد المخاوف بشأن نقص الغذاء في كوريا الشمالية، وسط حديث عن احتمال حدوث وفيات بسبب الجوع، وتحذيرات من وصول البلاد إلى “منعطف خطر مميت”. ومع التغير المناخي والاحتباس الحراري، فإن البلاد قد تصل إلى أسوأ نقطة لها منذ مجاعة التسعينيات الماضية، التي تسببت في هلاك نحو نصف مليون شخص، أو ما يُقدر بنحو 3 إلى 5% من السكان البالغ عددهم آنذاك 20 مليون نسمة.

بسبب خضوع كوريا الشمالية لعقوبات دولية صارمة بسبب أسلحتها النووية وبرامجها للصواريخ الباليستية، وتعرض اقتصادها لمزيد من الضغوط بسبب إجراءات الإغلاق الصارمة للحدود التي فرضتها على نفسها مؤخرًا بهدف وقف انتشار “كوفيد-19″، كما أنها معرضة بشدة لكوارث طبيعية، من بينها فيضانات وجفاف، بسبب تدهور مزمن في البنية التحتية، وقطع أشجار الغابات، وعقود من سوء الإدارة العامة.

في منتصف عام 2022، ونتيجة لدعمهم سياستها تجاه أوكرانيا، كافأ بوتين الكوريين الشماليين بكميات كبيرة من الحبوب والنفط. ووفقًا لتقارير عدة، تتلقى بيونغ يانغ مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية والطاقة والمواد الخام (بما في ذلك الأخشاب) والطائرات التجارية والأموال النقدية، كما يعمل الجانبان على “ترتيبات سياسية” لتوظيف ما بين 20 ألفًا إلى 50 ألف عامل كوري في روسيا.

موسكو ودعم بيونغ يانغ في تكنولوجيا الفضاء:

من المتوقع أن يسعى كيم جونغ أون للحصول على التكنولوجيا الروسية لدعم خططه لبناء أنظمة أسلحة عالية التقنية، التي تتميز بها روسيا مثل الصواريخ القوية بعيدة المدى، والأسلحة الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، وأقمار التجسس الاصطناعية.

أشار اجتماع بوتين وكيم في قاعدة فوستوشني الفضائية التي تُعد أهم مراكز تطوير التكنولوجيات الصاروخية الباليستية الفضائية الروسية عام 2023، إلى سعي الزعيم الكوري الشمالي للحصول على مساعدة روسية في تطوير أقمار الاستطلاع العسكرية، التي وصفها بأنها حاسمة لتعزيز تهديد صواريخه ذات القدرة النووية.

في وقت سابق، سلط تقرير للأمم المتحدة، صدر عام 2022، الضوء على دور دبلوماسي كوري شمالي في موسكو لشراء مجموعة من تقنيات الصواريخ الباليستية، وحتى محاولة شراء 3 آلاف كيلوغرام من الفولاذ لبرنامج الغواصات الكوري الشمالي بين عامي: 2016 و2021.

قيود ومخاطر تبادل الأسلحة بين موسكو وبيونغ يانغ:

على الرغم من أن كوريا الشمالية تمتلك مخازن ضخمة من الذخائر، فإن هناك شكوكًا في إمكانية إرسال كميات كبيرة منها بسرعة إلى روسيا؛ لأن الرابط البري الضيق بين البلدين لا يمكنه التعامل إلا مع مرور كمية محدودة عبر السكك الحديدية؛ كما أن شراء الذخائر من بيونغ يانغ سيمثل انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة التي تدعمها موسكو، والتي تحظر تجارة الأسلحة مع الدولة المعزولة. (المستقبل).

كذلك، هناك تساؤلات حول جودة الإمدادات العسكرية من كوريا الشمالية ومدى قدرتها على مساعدة الجيش الروسي في حرب أوكرانيا؛ إذ إن أنظمة المدفعية التي من المُرجح أن يتم توريد ذخائرها إلى موسكو معروفة بأنها قديمة وضعيفة الدقة، وصلاحيتها على وشك الانتهاء.

بالطبع، فإن العقوبات الغربية التي تتعرض لها روسيا وكوريا الشمالية أسهمت في تناغم ورفع العلاقات لمستويات كبيرة، وبالتالي هناك تكهنات متداولة في وسائل الإعلام حول إرسال كوريا الشمالية ما يصل إلى 100 ألف جندي إلى أوكرانيا. لكن من غير المُرجح أن تُقدم بيونغ يانغ على هذه الخطوة، وبصرف النظر عن خطر تكبد خسائر فادحة، هناك تحديات تتعلق بإمكانية التشغيل البيني مع القوات الروسية بسبب حاجز اللغة وغياب أي تدريب مشترك. (المستقبل).

روسيا وتقنيات الأسلحة النووية والصواريخ البالستية:

في المقابل، ليس مستبعدًا أن تقدم روسيا على تزويد كوريا الشمالية بتقنيات متقدمة تتعلق بالأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات، التي كانت محل نقاش خلال زيارة الزعيم الكوري إلى روسيا عام 2023. فقد بقيت موسكو تحرس أهم تقنيات الأسلحة لديها بشكل مشدد، حتى من الشركاء الرئيسيين مثل الصين. ومن ثم، فإن نتائج الاجتماع بين كيم وبوتين قد تدور حول مكاسب رمزية أكثر من التعاون العسكري، حيث قد تكون موسكو راغبة في إجراء عمليات نقل تكنولوجية محدودة مع بيونغ يانغ مقابل ما يُحتمل أن يكون إمدادات حربية محدودة يتم نقلها عبر خط سكك حديدية صغير بين البلدين. (دويتش فيله).

نعم، روسيا لا ترغب في إثارة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن الشرق الأقصى منطقة مهمة واستراتيجية، حيث يمكنها تعميق التعاون مع شريكتها الرئيسية؛ الصين، والحصول على حليف مخلص مثل كوريا الشمالية، وحماية الشرق الأقصى الروسي من نفوذ واشنطن وحلفائها في ظل معطيات التقارب الروسي الصيني الكوري الشمالي.

اتفاق الدفاع المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية.. ماذا يعني؟

لقد أثار التقارب الروسي الكوري الشمالي غضب أوروبا عمومًا وأوكرانيا على وجه الخصوص، بعد ما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون اتفاقًا للدفاع المتبادل خلال زيارته الأخيرة إلى بيونغ يانغ، مع تأكيد كيم دعمه الكامل لروسيا في حربها على أوكرانيا.

اتهمت أوكرانيا كوريا الشمالية بتوفير مساعدة عسكرية لروسيا تتيح “القتل الجماعي” للمدنيين، ودعت إلى اتخاذ تدابير “أكثر صرامة” لعزل البلدين. جاء ذلك عقب زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لبيونغ يانغ، وذكرت الرئاسة الأوكرانية على لسان مستشارها ميخائيلو بودولياك إن “كوريا الشمالية تتعاون اليوم بنشاط مع روسيا في المجال العسكري وتوفر موارد عمدًا للقتل الجماعي للأوكرانيين”. (دويتش فيله).

ضمن الاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، تم الاتفاق على تبادل الدعم العسكري في حال تعرض أي من الدولتين لهجوم من دولة ثالثة، وذلك في إطار اتفاقية شراكة شاملة أشبه بـ “الشراكة الأمنية” بين موسكو وبيونغ يانغ؛ مما يوحي برفع مستوى التعاون بين الدولتين إلى مستوى جديد وغير مسبوق، وهو ما يمثل خطرًا على الدول غير الصديقة مثل أوكرانيا، التي تقع بالحدود مع روسيا، بجانب تخوف الناتو المتواجد في أوروبا الشرقية من روسيا أيضًا. (دويتش فيله).

الأمر الذي أكدت عليه السياسية الروسية، وهو ما نقلته وكالات الأنباء الروسية عن بوتين خلال لقائه بالزعيم الكوري، قوله: “نقاتل اليوم معًا ضد الهيمنة وممارسات الاستعمار الجديد للولايات المتحدة وأتباعها”. ووصف كيم الاتفاقية بأنها “معاهدة ضخمة” وقال إنها تبشر بحقبة جديدة في الساحة الدولية. (دويتش فيله).

تعاون عسكري بين موسكو وبيونغ يانغ لمواجهة الغرب:

وصف كيم أون الرئيس الروسي بـ”أعز صديق للشعب الكوري”، وشدد في الوقت ذاته على أن بلاده تعبر عن دعمها الكامل وتضامنها مع الحكومة الروسية بشأن حرب أوكرانيا، التي أدت إلى فرض سلسلة عقوبات أممية على موسكو. هذا يؤكد أن تعاون البلدين ليس فقط في القضايا السياسية والاقتصادية وغيرها من القضايا، بل يكمن أيضًا في التعاون الأمني والعسكري والدفاع عن مصالح الجانبين.

وفقًا لهذه المؤشرات، فإن التحركات تدفع بالتأكيد إلى التطور المتسارع نحو إقامة عالم جديد متعدد الأقطاب يرفض الهيمنة الأمريكية أحادية القطبية، وهو ما أعلنه الرئيس بوتين صراحةً في مؤتمر صحفي في كوريا الشمالية، واصفًا الاتفاقية بأنها “وثيقة ثورية فعلًا بين البلدين” في ظل المساعي المتبادلة في حالة العدوان على أحد طرفي هذه المعاهدة.

يمكن القول إن البلدين الخاضعين لعقوبات غربية وأمريكية مشددة لن يتسامحا مع ما يوصف بـ”ابتزاز” الغرب، حيث أكدتا على إعادة النظر في العقوبات الأممية المفروضة على كوريا الشمالية، لاسيما وأن البلدين حليفان منذ تأسست كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تقاربتا بشكل كبير منذ العملية الروسية في أوكرانيا عام 2022. (دويتش فيله).

لقد نجح البلدان اللذان يتعرضان لضغوطات دولية في تعزيز علاقاتهما بشكل كبير منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، وهو ما برهنت عليه الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، في زيارة نادرة، والتي بدت واضحة ومثمرة للغاية في توطيد العلاقات بين البلدين التي تعتبرها الدول الغربية زيادة خطيرة وتمثل تهديدًا لها. (العربية).

بدء التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية:

تأسست كوريا الشمالية في عام 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبدأت علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي الذي كان الداعم الرئيسي لها. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، فقدت كوريا الشمالية دعمها الرئيسي، مما أدى إلى تفشي مجاعة واسعة النطاق فيها خلال السنوات التالية.

عندما تولى فلاديمير بوتين منصب الرئاسة في روسيا في عام 2000، سعى بشكل نشط إلى تجديد العلاقات مع كوريا الشمالية. كان بوتين أول زعيم روسي يسافر إلى بيونغ يانغ للقاء كيم جونغ إيل، والد الزعيم الحالي كيم جونغ أون.

بعد أن تولى كيم جونغ أون الحكم في عام 2011 خلفًا لوالده، حاول في البداية تحقيق التوازن بين روسيا والصين، الحليف التاريخي الآخر لكوريا الشمالية. منذ ذلك الحين، استمرت العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ في التحسن، حيث ألغت روسيا معظم ديون كوريا الشمالية في عام 2012. وفي عام 2019، قام كيم جونغ أون بزيارة إلى روسيا عبر القطار للقاء فلاديمير بوتين في فلاديفوستوك. (العربية).

توقيت زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ.. ما الدلالة؟

شهدت الفترة الأخيرة محاولات حثيثة من الغرب لعزل روسيا على غرار عزل كوريا الشمالية، مما دفع موسكو وبيونغ يانغ إلى تعزيز علاقاتهما. جاءت زيارة بوتين الأخيرة إلى كوريا الشمالية في منتصف يونيو بعد تسعة أشهر من استقباله الزعيم الكوري الشمالي في الشرق الأقصى الروسي.

هذه الزيارة أثارت قلقًا في الدول الغربية وواشنطن على وجه الخصوص، حيث تخشى من تزويد روسيا بكميات كبيرة من الذخائر من كوريا الشمالية. وبحسب التقارير، اتهم البنتاغون موسكو مؤخرًا باستخدام صواريخ بالستية كورية شمالية في أوكرانيا، مما يزيد من القلق الدولي.

كما تتخوف الولايات المتحدة من أن روسيا قد تقدم لكوريا الشمالية الخبرة اللازمة لبرنامجها للأقمار الاصطناعية، في الوقت الذي أرسلت فيه روسيا مساعدات لمواجهة نقص الغذاء في كوريا الشمالية. كذلك، استخدمت روسيا مؤخرًا حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لوقف مراقبة انتهاكات العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية.

وفي هذا السياق، أشار مسؤول من “معهد سيجونغ” إلى أن كوريا الشمالية، خلال فترة الحرب الباردة، كانت دائمًا في وضع يسمح لها بطلب المساعدات العسكرية والاقتصادية من روسيا، لكن البلدين الآن “يتعاونان على قدم المساواة” للمرة الأولى وعلى أعلى المستويات في العلاقات. (العربية).

التحالف الروسي الكوري الشمالي:

تشير التطورات الأخيرة على الساحة الدولية إلى تحولات جوهرية، خصوصًا في العلاقات الجيوسياسية لدول الجنوب العالمي، بما في ذلك التقارب بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية. هذه التحولات تعكس انتصارًا قويًا في مواجهة الهيمنة الغربية وكسر نظرية العالم أحادي القطبية.

لم تكترث الصين بالعقوبات المفروضة على روسيا، وأصبحت وجهة موسكو لتصدير الغاز والنفط والحبوب إلى دول في الشرق الأوسط وآسيا. كما أنه من المحتمل أن تقدم كوريا الشمالية لروسيا قذائف مدفعية وصواريخ كروز وتساهم في إنتاجها مستقبلًا، خاصة في ظل امتلاك كوريا الشمالية سلاحًا نوويًّا متطورًا؛ هذا التعاون قد يضع ضغوطًا إضافية على الغرب والولايات المتحدة، التي تواجه نقصًا في المخزون من الأسلحة والقذائف المدفعية، وهو ما أكدته تقارير من أمين الناتو ومسؤولين غربيين وأمريكيين بشأن استهلاك كييف للأسلحة بشكل يتجاوز حجم الإنتاج الغربي. (الشرق الأوسط).

تحالف روسي صيني في مواجهة الغرب.. ماذا بعد؟

لقد رسم اللقاء الذي حدث مؤخرًا بين الرئيسين الروسي والصيني عبر الفيديو خطوط حرب باردة جديدة، مع بلورة بكين وموسكو محورًا موحدًا في مواجهة توتر علاقتهما مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. حيث زادت التقارب والنبرة الودية السائدة خلال المحادثات بين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، مع سلسلة الانتقادات الغربية لكل من روسيا التي تعتبر عملياتها غزوًا لأوكرانيا، والصين بسبب رفض انفصال تايوان.

إن طبيعة العلاقات بين القوتين المرتكزة على أساس عدم التدخل واحترام مصالح كل منهما، وتصميمهما على تحويل الحدود المشتركة إلى حزام سلام أبدي وحسن الجوار، وهو ما أكده الرئيس شي جين بينغ لنظيره الروسي بالقول: “إنني أعتبر هذه العلاقات نموذجًا حقيقيًا للتعاون بين الدول في القرن الحادي والعشرين”، الأمر الذي يعطي رسالة للغرب بأن النظام الدولي ينبغي أن يكون تحت تبادل المصالح مع احترام كل طرف للآخر.

لذا تعمل روسيا والصين بشكل حثيث وقوي على تعزيز تحالفهما في مواجهة تدهور العلاقات مع الغرب، كما قام العضوان الدائمان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتعزيز علاقاتهما في مجالات الاقتصاد والدفاع والطاقة.

الخلاصة:

نستخلص من هذا التقرير أنه بات واضحًا أن محاولة كسر روسيا بسبب الدعم الغربي الأمريكي اللامحدود لأوكرانيا لن تنجح، لاسيما في ظل تعاون الصين مع روسيا اقتصاديًا، وهو الأهم في دعم الاقتصاد الروسي بشكل مُعلن، والعسكري وإن كان بشكلٍ خفي.

إن تحولات المشهد العالمي باتت واضحة، حيث مناقشة الأوضاع والتغييرات في العلاقات الدولية والتحولات في النظام العالمي في كل المؤتمرات واللقاءات والمحافل الدولية، وحتى داخل الأوساط الأمريكية، لاسيما في ظل التقارب الروسي مع كوريا الشمالية من جهة، والتقارب الروسي الصيني من جهة أخرى.

لقد أضحى العالم على مقربة من عالم سياسي ومالي واقتصادي جديد متعدد، مع تصاعد منظمات وتحالفات دولية مثل منظمة “بريكس” في مواجهة مجموعة السبع، في ظل ترقب وقلق بالغين من واشنطن، لاسيما في دعم موسكو لكوريا الشمالية في تكنولوجيا الفضاء وتطوير الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات.

وهو يدفع إما بقبول التقسيمات الجديدة أو حرب نووية واسعة النطاق، في ظل استدعاء روسيا لتطوير ثالوثها النووي واستخدام حق “الفيتو” في عدم إدانة كوريا الشمالية في مجلس الأمن، ودخول الصين على خط المواجهة.

لقد نجحت موسكو وبيونغ يانغ، حيث البلدين الخاضعين لعقوبات غربية وأمريكية مشددة في التوافق الاقتصادي والعسكري، والأهم هو التعاون الأمني لأجل الدفاع المشترك، ما يوعز بأن أي اعتداء على طرف يعتبر اعتداءً على الطرف الآخر، كذلك تأكيد موسكو على إعادة النظر في العقوبات الأممية المفروضة على كوريا الشمالية؛ كقوة تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، وبالتالي عرقلة أي قرار يدين كوريا الشمالية.

نعم، لقد رسمت السياسات المستمرة بين الصين وروسيا، خصوصًا ما حدث في اللقاء الأخير بين الرئيسين شي جين بينغ وبوتين، خطوط حرب باردة جديدة، مع بلورة كل من بكين وموسكو محورًا موحدًا في مواجهة توتر علاقتهما مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها رسالة قوية للغرب بأن النظام الدولي ينبغي أن يكون مبنيًّا على تبادل المصالح مع احترام كل طرف للآخر.

المصادر:

المستقبل

– دويتش فيله

العربية

– الشرق الأوسط

الشرق الأوسطالصينالولايات المتحدةروسياكوريا الشمالية