بعد تعهد أوروبا.. قراءة في كيفية التعامل الغربي الأمريكي بشأن مذكرة توقيف نتنياهو
تعتبر مذكرة توقيف واعتقال بنيامين نتنياهو من قِبَل الجنائية الدولية الصادرة في 21 نوفمبر 2024؛ هذا الدموي الذي يقوم ولا يزال بمجازر وإبادات جماعية في غزة “امتحان كبير”، و”اختبار صعب” للدول الأوروبية التي توعدت بتنفيذ قرار المحكمة على النقيض من الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت الانضمام لنظام المحكمة الجنائية الدولية.
وقالت دائرة المحكمة في بيانين أصدرتهما عقب الحكم: إن مذكرات الاعتقال تُصنف على أنها “سرية”، لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، ومع ذلك، قررت إصدار المعلومات الواردة في بيانها “لأن السلوك المماثل للسلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر ولم يتوقف”.
واللافت للنظر: أن المحكمة الجنائية أعلنت صراحةً أن سلوك وجرائم نتنياهو وغالانت تقع ضمن اختصاص المحكمة، وأن اختصاصها في هذا الوضع يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
في هذا التقرير لمركز “رواق” للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، سوف نسلط الضوء على عدة نقاط مهمة، وهي: قراءة في رسائل تهديد أمريكية لأوروبا بسبب دعمها قرار “الجنائية” ضد إسرائيل؟ هل يسبب قرار المحكمة انقسامًا بين حلفاء إسرائيل الأوروبيين؟ ما تداعيات قرار الجنائية على نتنياهو خاصة وإسرائيل بشكل عام؟ ماذا عن قرار الجنائية الدولية وجرائم الإبادة في غزة؟ طريقة التعامل الغربي مع مذكرة اعتقال بوتين ونتنياهو.. ما الفرق؟
ففي حديث مهم لكبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالقول: إن مذكرة التوقيف “ليست قرارًا سياسيًّا، بل إنها قرارات محكمة ويجب احترامها وتنفيذها”.
وتبعًا لذلك تعهدت دول أوروبية كثيرة، بما فيها أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا وتركيا، بتأييد حكم الجنائية الدولية ودافعت عن استقلالها.
وبالرغم من أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة، لكن أصبحت 125 دولة عضوًا فيها مطالبة -قانونيًّا- باعتقال نتنياهو إذا وطئت قدمه أراضيها، وهو ما يجعله منبوذا في معظم أنحاء العالم.
ولذلك يصبح نتنياهو أول رئيس دولة يواجه مثل هذه المذكرة بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اتهم بخطف الأطفال الأوكرانيين العام الماضي، واضطر منذ ذلك الحين إلى تقليل سفره الخارجي بعد أن حذّرت بعض الدول موسكو من أنها ستكون ملزمة باحتجازه.
أبرز القادة المتهمين بجرائم حرب من الجنائية الدولية:
إن الموافقة على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الصادر باستصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، لا تعني أن قادة إسرائيل سيحاكمون في لاهاي؛ إلا إذا وافقت القوى العظمى، وعلى رأسها أمريكا بذلك، وهذا مستبعد في ظل نظام دولي ظالم وقاسِ تحكمه ازدواجية المعايير، وليس العدل.
فقد ينضم نتنياهو وغالانت إلى قائمة المتهمين بجرائم حرب ولا يزالون، وفيما يلي عرض لأبرز الأسماء المدرجة على القائمة:
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين:
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين في مارس / آذار 2023، متهمة إياه بارتكاب جريمة حرب متمثلة في ترحيل مئات الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا.
وبوتين هو ثالث رئيس دولة في السلطة تصدر المحكمة بحقه مذكرة اعتقال بعد الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
الرئيس السوداني السابق عمر البشير:
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق عمر البشير في عام 2009، متهمة إياه بتدبير الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور، حيث قُتل ما يقدر بنحو 300 ألف شخص ونزح أكثر من مليوني شخص آخرين.
وسُجن البشير وبعض حلفائه في السودان بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في عام 2019، لكنهم لم يرسلوا إلى لاهاي.
مؤسس “جيش الرب للمقاومة” بأوغندا جوزيف كوني:
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق مؤسس وزعيم “جيش الرب للمقاومة” في أوغندا جوزيف كوني في عام 2005.
واتخذ قضاة المحكمة قرارا غير مسبوق في وقت سابق من ذلك العام يسمح للمدعين العامين بعقد جلسة استماع غيابيا للنظر في التهم الموجهة إليه.
ويريد الادعاء توجيه 36 تهمة إلى كوني بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والاغتصاب وتجنيد الأطفال والاستعباد الجنسي والإرغام على الزواج والحمل قسريا.
سيف الإسلام القذافي:
كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق سيف الإسلام القذافي ووالده الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في عام 2011.
وحاول سيف الإسلام القذافي في السنوات القليلة الماضية الترشح للانتخابات الرئاسية التي تأجلت عام 2021 ولم تجر في ليبيا منذ ذلك الحين.
وهو ما يعني أن قرارات الجنائية الدولية تظل لها أهمية سياسية فقط، لأن التنفيذ مرتبط أو مرهون بمدى رغبة الدول الكبرى والرغبة الحقيقية في معاقبة المتهم بجرائم حرب من عدمه، وتصريحات واشنطن عن حكم الجنائية والتطاول على أعضاء المحكمة خير دليل على ذلك.
قرار المحكمة وانقسام بين حلفاء إسرائيل الأوروبيين:
أعضاء المحكمة الجنائية الدولية
لذا نقول: إن مذكرة الجنائية الدولية تعني أن على الدول التفكير كثيرًا قبل التفاعل مع شخص ما، وهو ما يدفع قرار المحكمة إلى المخاطرة بانقسام بين حلفاء إسرائيل الأوروبيين، والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم قتل الأبرياء في فلسطين.
حيث قد يسبب قرار المحكمة الدولية باعتقال مجرم حرب مثل نتنياهو في خلافات كبيرة بين واشنطن وأوروبا، والدليل ما صرح به السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بأن واشنطن يمكن أن تنظر في فرض عواقب على الدول التي تتعاون مع الحكم وعلينا التحرك بقوة ضد الجنائية الدولية بعد قرارها الشائن؛ مما يعني أن العدالة الدولية غائبة خصوصًا في أكثر البلدان المتشدقة بها مثل أمريكا.
إن رسالة غراهام التي يحذر فيها قادة الدول الأوروبية من اتباع توجيهات الاتحاد الأوروبي لإنفاذ أوامر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت والتي تصف قرار الجنائية الدولية بأنه مارق ومتهور وسيتم معاقبة من يتعاون مع القرار يلقي بالقانون الدولي في سلّة القمامة. (الجزيرة).
إن تهديات سيناتور أمريكي في الكونغرس الذي من المفترض أن يدافع عن حقوق الإنسان وقتل الأبرياء يعني أنها رؤية أمريكية محضة خصوصًا إذا أراد هذا السيناتور تمرير تشريع لمعاقبة أعضاء المحكمة الدولية، مدعيًا أو متستعدا لذلك عند وصول الجمهوريون على مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين والبيت الأبيض.
تداعيات قرار الجنائية على نتنياهو خاصة وإسرائيل بشكل عام:
لا شك أن قرار المحكمة الدولية سيكون له تداعيات كبيرة وهائلة سواء على نتنياهو بشكل خاص أو إسرائيل بشكل عام، وأن تعهد الاتحاد الأوروبي بتنفيذ مذكرة الاعتقال سيجعل سفر نتنياهو قاتل الأطفال إلى الخارج صعبًا للغاية بالنسبة له.
وهو ما يطرح سؤالًا مهمًّا.. كيف إذا واجهت طائرة نتنياهو صعوبات فنية في طريقها إلى الولايات المتحدة، فأين يمكنه الهبوط؟ وهل ستعتقله دولة أوروبية؟ لذلك نقول سيكون اعتقال نتنياهو أزمة كبيرة ضد إسرائيل، وأيضًا ضد واشنطن التي تدعمه في قتل الأبرياء.
وعلى الصعيد الداخلي: قد يشجع المعارضة على زيادة الاحتجاجات والمطالبة بعزله من منصبه وإجراء انتخابات مبكرة.
كلها أمور وتحركات صهيوأمريكية تؤكد قطعًا بأن دولة الاحتلال فوق القانون الدولي أو أية قوانين أخرى، وأن هذه المحكمة أي الجنائية الدولية صُنعت فقط لأجل أشخاص مثل: بوتين أو أشخاص في إفريقيا، وليس لقتلة دمويين ينتمون لأمريكا أو يعملون بالوكالة لتخريب وتمزيق الشرق الأوسط وتهجير وقتل الشعب الفلسطيني على مرئى ومسمع من المجتمع الدولي.
أمريكا تعاقب أعضاء الجنائية بدلًا من الامتثال للقانون الدولي:
لقد طالب مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، الحكومة الأمريكية بمعاقبة أعضاء المحكمة وفرض عقوبات على أي دولة توافق على ما صدر منها تجاه قادة إسرائيل، وهو ما يؤكد أن قادة دولة الاحتلال يحق فعل كل شيء وأي شيئ دون حساب. (الجزيرة).
وفي تغريدة على منصة إكس، قال أورين: “في عام 2002، أقر الكونغرس قانون حماية العسكريين الأمريكيين لمعاقبة أي دولة أو كيان يتعاون مع حكم الجنائية الدولية ضد القوات الأمريكية أو حلفائها. إسرائيل حليفة واشنطن. لذلك، يجب على الولايات المتحدة، بموجب القانون، معاقبة المحكمة وأي دولة تتعاون مع حكمها المعادي للسامية”.
ولمَ لا وقد سبق أن قام ترامب بفرض عقوبات على بعض مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في عام 2020 بسبب فتح التحقيق في مخالفات القوات الأميركية في أفغانستان، وتراجعت المحكمة. كما ألغى بايدن العقوبات في عام 2021.
كما أن عزل الجنائية الدولية وكبار مسؤوليها، البالغ عددهم 100 عضوًا، عن النظام المصرفي الأمريكي عن طريق العقوبات، سيؤثر على حساباتها المصرفية الأوروبية، وهو ما يمكن أن يشلها. (الجزيرة).
مذكرة اعتقال نتنياهو تزيد الفجوة بين ضفتي شمال الأطلسي “الناتو”:
لقد تسببت مذكرات الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، الانقسام بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث أعربت معظم الدول الأوروبية عن استعدادها لاحترام قرارات المحكمة الدولية بما في ذلك بريطانيا، الحليفة الإستراتيجية لإسرائيل، والتي أكدت احترام استقلال المحكمة، رفضت واشنطن مذكرة الاعتقال.
ولنا في خلفية التناقض بين الموقفين، تاريخ أوروبي راسخ في تطوير القوانين والمؤسسات القضائية الدولية، ومخاوف أمريكية من تمدد الولاية القضائية للمحكمة إلى قواتها وقادتها.
نقول: إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية لديهم معايير مزدوجة، في التعامل مع قرارات المحكمة، إذ فيما رحبت واشنطن مذكرة اعتقال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023، هي من انتقدت إصدار نفس المذكرة لاعتقال نتنياهو وجالانت.
لقد أعربت دول أوروبية عدة عن احترامها لقرار المحكمة الجنائية الدولية، الصادر، الخميس، بشأن أوامر اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق.. ولكن هل حقًّا ستقوم هذه الدول بتنفيذ أمر الاعتقال؟
لذا فإن هناك أمرًا واحدًا يمكن التعويل عليه وقد يجبر الدول الأوروبية المنقسمة سياسيًّا بشأن دعم إسرائيل، على احترام قرارات الجنائية الدولية، وهو الالتزامات القانونية، وليس الدوافع الأخلاقية؛ لأن جميع الدول الأطراف في المحكمة لديها التزام قانوني بالتعاون مع المحكمة، وهو ما يعني تطبيق مذكرات الاعتقال.
كما أن الفارق بين الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية التي فضحت غزة حديثها عن حقوق الإنسان، هو أن واشنطن ليس لديها أي التزام قانوني تجاه الجنائية الدولية، لأنها لم تصدق على نظام روما الأساسي.
وهو يقودنا إلى نفاق الإدارة الأمريكية وازدواجية المعايير مع قرارات المحكمة، حيث قد تعاونت من قبل مع المحكمة كما تريد، ودعمت قرار اعتقال بوتين؛ الأمر الذي يفضح معايير هذا البلد، وهو الأمر الذي قد لا ينطبق على الأوروبيين، والدليل أن واشنطن تدعم المحكمة عندما يكون هذا مريح لها، وتستهدف قراراتها أعداءها مثل بوتين.
قرار الجنائية الدولية وجرائم الإبادة في غزة:
بحسب مختصين دوليين فإن المادة (7) من نظام روما الأساسي، للمحكمة الجنائية الدولية واضحة للغاية، ويجب أن تنطبق على ما يحدث في غزة، مثل التهجير القسري والإذلال والقتل العمدي والإبادة الجماعية، وهو ما يقود المحكمة لتفعيل المادة (8) من اختصاصها والتي تنص على أن يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. (الشرق بلومبرج)
لا سيما أن الرد الأمريكي الرسمي على مذكرات المحكمة الجنائية جاء عنيفًا، إذ وصف الرئيس جو بايدن مذكرات الاعتقال بأنها “شائنة”، وأن واشنطن ستقف دائمًا إلى جانب إسرائيل وضد التهديدات لأمنها.
دول خارج السرب الأوروبي حول مذكرة اعتقال نتنياهو:
إن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت تعتبر ثورة في الساحة القانونية الدولية، خصوصًا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اتهام حليف للغرب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو أي هيئة متعددة الأطراف، ولكن المشكلة تكمن في أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بسلطة مباشرة لفرض قراراتها، لذا فهي تعتمد على 124 دولة عضو في نظام روما الأساسي، لتنفيذ مذكرات الاعتقال.
ورغم ذلك إلا أن بعض الدول الأعضاء، قد لا تلتزم بالقرارات، فرغم توقيع المجر والتشيك على نظام روما الأساسي، وهو ما يلزمهما قانونيًّا، بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانتا ستفعلان ذلك، كما أن دولة مثل ألمانيا التي لديها علاقة فريدة ومسؤولية كبيرة تجاه إسرائيل، وبالتالي فليس من الواضح ما إذا كانت ستنفذ مذكرات التوقيف من عدمه.
واستمرارًا للنفاق الغربي الأمريكي ومزاعم حقوق الإنسان التي صدّعت بها العالم، فقد تراجعت فرنسا مرة أخرى عن موقفها الأوّلي بشأن اعتقال نتنياهو، إذ قالت الخارجية الفرنسية إنها تعتقد أن نتنياهو “يمكنه التمتع بالحصانة” من إجراءات المحكمة.
التعامل الغربي مع مذكرة اعتقال بوتين ونتنياهو.. ما الفرق؟
حكمين بحق بوتين ونتنياهو أمام الجنائية الدولية
حيث تحججت الخارجية الفرنسية لتبرر موقفها المفضوح ذلك إلى أن إسرائيل لم توقع على “نظام روما” المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، علمًا أن فرنسا لم تظهر الموقف نفسه مع مذكرة اعتقال بوتين، الذي لم توقع بلاده أيضًا على “نظام روما”.(الشرق بلومبرج).
وقبلها بأيام قليلة، قالت الخارجية الفرنسية إنها ستلتزم بقوانين المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما أكده أيضًا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الذي قال إن بلاده ستحترم القرارات الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن الاتحاد الأوروبي يرى نفسه في مأزق وضرورة الدفاع عن المحكمة الجنائية الدولية والتصدي للهجمات الأمريكية والإسرائيلية ضدها، خاصة بعد ترحيبهم بقرارات المحكمة ضد بوتين.
ثمّة أو بعض الخيارات القانونية المتاحة للاتحاد الأوروبي ضد الدول الأعضاء التي لا تمتثل لأوامر المحكمة الجنائية الدولية، وهو في أن المحكمة ربما لن تثنيها الضغوط أو التهديدات عن القيام بواجبها في السعي لتحقيق العدالة، مثلما صرح المدعي العام لها.
وهو ما يتعين على الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المجر والتشيك في حال انتهكتا قانونًا أو سياسة أوروبية ورفض اعتقال نتنياهو، حيث يمكنه إحالة الأمر إلى محكمة العدل الأوروبية، وبالتالي فرض عقوبات عليهما مثلما فعل الاتحاد مع منغوليا التي استضافت بوتين رغم أنها عضو في المحكمة الجنائية الدولية.
هل يؤثر حكم الجنائية الدولية على توريد السلاح للكيان الصهيوني؟
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين بتهم ارتكاب أعمال إبادة جماعية، يمكن أن يدعم فكرة أو قرارات أو أي إجراءات من جانب الاتحاد الأوروبي لإلزام الدول الأعضاء بحظر بيع الأسلحة التي قد تستخدم بطرق تنتهك القانون الدولي الإنساني، وخاصة استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين في غزة.
وبالتالي إذا كانت جميع هذه الدولة جادة فإن الحظر قد يمتد إلى المعاملات التجارية بين إسرائيل والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ لأنه في حال لم تُظهر أوروبا استعدادها لتطبيق القانون بالتساوي، وإذا تم النظر إلى بروكسل على أنها تطبق القانون بشكل انتقائي، فسوف تخلق الظروف لانهياره، وأنه ليس من مصلحة أوروبا، كما أن التنفيذ الانتقائي لقرارات المحكمة الجنائية الدولية، يخلق انعدامًا للأمن القانوني العالمي.
لا سيما وأن كافة المجتمعات التي لم يكن بها نظام قضائي فعّال، ولم يكن هناك أي إنصاف للمظالم من خلال حلول تنطق بها المحاكم بطريقة منظمة وآمنة، ستكون النتيجة هي العودة إلى قانون الغاب، وهو ما قد تخشاه أوروبا. (الشرق بلومبرج).
ما جدوى قرار الاعتقال من الناحية السياسية ضد نتنياهو وغالانت؟
تهم جرائم حرب بحق نتنياهو وغالانت أمام الجنائية
وبالرغم من عدم تنفيذ قرار الاعتقال ببعض الدول والتي تدعمه أمريكا، إلا أن قرار الجنائية الدولية سيكون له تداعيات، بل بعض العواقب السياسية، حيث من الواضح أن المحاكم الدولية الأخرى، ولا سيما محكمة العدل الدولية سوف تتأثر بقرار المحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا وأن هناك القضية المعلقة أمامها ضد إسرائيل والتي رفعتها جنوب إفريقيا وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
أضف إلى ذلك: أن الدول الأوروبية التي قد تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لإسرائيل لقتل شعب غزة، سواءً من خلال مبيعات الأسلحة أو المعاملات التجارية، لديها تخوفات أيضًا من خطر ملاحقتها من قبل الجنائية الدولية باعتبارها شريكة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
ولكن في المقابل: فإن الولايات المتحدة قد تخشى من أن تشجع مذكرات الاعتقال المدعي العام للمحكمة الجنائية على الشروع في المزيد من التحقيقات والإجراءات القانونية ضد شركاء إسرائيل، خاصة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن والرؤساء السابقين مثل باراك أوباما والرئيس المنتخب دونالد ترمب.
لا سيما وأن هناك أدلة واسعة النطاق تشير إلى أن هؤلاء السياسيين الأمريكيين كانوا متورطين بشكل مباشر في تمكين إسرائيل من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما من شأنه أن يشكل، بموجب نظام روما، أساسًا لجريمة مساعدة وتحريض مجرم حرب.
أسباب القلق الأمريكي من قرار الجنائية الدولية:
لا شك أن هناك قلقًا أمريكيًّا بالغًا، وأن من أسباب القلق الأميركي، إزاء قرارات الجنائية الدولية، يتلخص في احتمال قيام المحاكم الجنائية الدولية برفع دعاوى قضائية ضد الإدارة الأميركية مثل وزير الدفاع الراحل دونالد رامسفيلد أو ضد جنود أميركيين.
وهو ما يغذي شعورًا لدى الإدارة الأمريكية بأن هذه المحكمة قد تتحول إلى سلاح ضد الولايات المتحدة، في وقت تنخرط فيه واشنطن في أعمال قتالية ضد ما تسميهم الإرهابيين في الخارج.
حيث إن واشنطن تنظر لنفسها على أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم وهي مبنية على روح الاستقلال الشرس، لذلك، والتي ترى أنه لن يخضع الشعب الأمريكي أبدًا لولاية أي قوة أجنبية، وهو ما قد يتعارض مع قيم أوروبية قد تناقض الالتزامات الجيوسياسية للقارة العجوز. (الشرق بلومبرج).
ولكن يبقى أن أوروبا لا تزال عاجزة عن الحديث بصوت واحد، وعلى سبيل المثال فقد حددت ألمانيا أمن ووجود دولة إسرائيل حجر زاوية أساسي في السياسة الخارجية الألمانية بمعني أن أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض بالنسبة لبرلين، في حين تشعر إسبانيا، التي ينتمي إليها جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والذي قال إن دول الاتحاد ملزمة قانونًا بتنفيذ قرارات الجنائية الدولية، بأنها قريبة من العالم العربي.
التزام أوروبا قانوني وليس سياسي لتجنب اتهامات ازدواجية المعايير:
نتيجة للخلافات بين دول أوروبا على خلفية قرار المحكمة، فمن الواضح جدًّا أن أوروبا ستتجه إلى الالتزام بتنفيذ القرارات قانونيًا وليس سياسيًا من أجل المحافظة على التفوق الأخلاقي، وذلك لتجنب الاتهامات باعتناق معايير مزدوجة مقارنة بما حصل مع الرئيس بوتين.
وأيضًا هناك ضغوط وانتقادات في الشارع الأوروبي وعلى مستوى الاتحاد نفسه لدولة مثل ألمانيا التي ربما لن تكون استثناءً في هذا القرار، وهو ما يجعل برلين تناور بعض الشيء؛ نظرًا للتصريحات الأوروبية القوية الداعمة لمذكرات الاعتقال، ما يظهر مدى الجدية التي يتعامل بها الاتحاد الأوروبي مع هذه الالتزامات.
كما أن القيم الأوروبية ربما تتعارض مع الالتزامات الجيوسياسية، ورغم أن الحقائق الجيوسياسية تتطلب من أوروبا أن تتبع أمريكا وتحد من انتقاد الإبادة الجماعية؛ إلا أن أوروبا ترى أن موقفها صعب وهذا سيجعلها داعمة للإبادة الجماعية، في الوقت الذي تواصل فيه إعلان دعمها للقانون الدولي. (الشرق بلومبرج).
نتنياهو في مأزق.. مذكرة اعتقال دولية ومحاكمة داخلية:
إن جرائم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لهي بالكاد خير دليل على ما يعانيه سياسيًا وحتى لو فرّ من الاعتقال؛ نظرًا لغياب العدالة الدولية، لكنه يواجه ضغوطًا مزدوجة على الصعيدين: الداخلي والدولي، فإلى جانب مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، ينتظره موعد قضائي بشأن قضايا فساد متراكمة. (سكاي نيوز).
وكذلك فإن هذه التطورات قد تغير مسار الحرب في غزة ولبنان بعد الاتفاق الذي جرى مع حزب الله، وتحدد مستقبله السياسي بطريقة دراماتيكية، كما أن تأثير مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي جعلت نتنياهو في وضع مشابه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لا سيما أن نتنياهو ربما قد أصبح غير قادر على السفر بحرية، مما يعزز عزلته الدولية ويؤثر على دعم شركائه السياسيين في الكنيست؛ الأمر الذي يزيد من حدة المعارضة والانتقادات ضده في الداخل الإسرائيلي.
هل محاكمة نتنياهو على خلفية تهم الفساد تنهي مسيرته السياسية؟
لقد مثل نتنياهو أمام القضاء في 2 ديسمبر المقبل الماضي وبالتالي فإن محاولاته السابقة لتأجيل المحاكمة لم تنجح، وهو ما وضعه في موقف حرج، حيث إن هذه المحاكمة تمثِّل خطرًا كبيرًا على مستقبل نتنياهو السياسي، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لتشكيل لجنة تحقيق حول إخفاقات 7 أكتوبر.
كما أن تأثير الأزمات القانونية والسياسية لنتنياهو على قرارات الحرب، وهو ما دفعه إلى قبول تهدئة مع حزب الله لفصل الساحة اللبنانية عن غزة، هذا من وجهة النظر الإسرائيلية؛ مما قد يساعد في تسريع إنهاء الحرب مع حماس ووقف إطلاق النار الذي تسبب في سفك دماء آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين. (سكاي نيوز).
ختامًا.. طريقة التعامل الغربي بشأن مذكرة توقيف نتنياهو:
– إن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في نفسها أقوى دولة وإن كانت كذلك، وأنها خارج القانون الدولي أو المحاسبة الدولية، كما يكشف ازدواجية المعايير لديها، وهذا ما حصل بالضبط عندما أصدرت الجنائية قرار اعتقال بحق الرئيس الروسي بوتين ورحبت به واشنطن.
– واشنطن وبعض الدول الأوروبية لديهم معايير مزدوجة، في التعامل مع قرارات المحكمة، فقد رحبت واشنطن بمذكرة اعتقال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023، في حين أنها هى من انتقدت إصدار نفس المذكرة لاعتقال نتنياهو وجالانت، وهو يؤكد أن حقوق الإنسان والديمقراطية كلمة يتشدق بها الغرب فقط أمام دول الشرق الأوسط أو إفريقيا.
– مستقبل نتنياهو غامض بين الداخل والخارج؛ لاسيما أنه يواجه تحديات كبيرة وغير مسبوقة قد تؤدي إلى نهاية حياته السياسية، خاصة إذا استمرت الضغوط القانونية والسياسية، مع توقعات بأن تحركاته مرتبطة برهانات على تغيرات دولية مثل عودة ترامب للرئاسة الأمريكية.
– كما أن مصير نتنياهو تحت المجهر ومع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، يبدو أن نتنياهو أمام مفترق طرق حاسم، لذا فإن من الصعب تجاوز هذا الشخص الدموي الذي لا يكترث بدماء الأبرياء والأطفال في غزة لهذه العواصف السياسية والقانونية وأنها ستؤدي إلى نهاية غير متوقعة لمسيرته الطويلة المليئة بالجرائم.
– القارة العجوز تجد نفسها في مأزق أو حقًّا في حالة يرثى لها؛ لأنها تقع ما بين تنفيذ قرار المحكمة الجنائية حتى لا يُضرب بقراراتها عرض الحائط وما بين التهديد والوعيد الأمريكيين عليها في حال نفذت أمر اعتقال نتنياهو.
الخلاصة:
– بالطبع هناك قلق أمريكي بالغ إزاء قرارات الجنائية الدولية بحق الدموي نتنياهو، يتلخص ذلك في احتمال قيام المحاكم الجنائية الدولية برفع دعاوى قضائية ضد الإدارة الأمريكية؛ مثل: وزير الدفاع الراحل دونالد رامسفيلد أو ضد جنود أميركيين.
– هذا القرار يغذي شعورًا لدى الإدارة الأمريكية بأن هذه المحكمة قد تتحول إلى سلاح ضد الولايات المتحدة الأمريكة نفسها التي بات واضحًا بأنها لا تحترم القانون الدولي، في وقت تنخرط فيه واشنطن في أعمال قتالية ضد ما تسميهم الإرهابيين في الخارج.
– خلافات تلوح في الأفق بين أوروبا التي كانت لا ترغب في نجاح ترامب وأمريكا، وبالتالي: فإن قرار المحكمة الدولية باعتقال مجرم حرب مثل نتنياهو سيزيد من هذه الخلافات، والدليل ما صرح به السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بأن واشنطن يمكن أن تنظر في فرض عواقب على الدول التي تتعاون مع حكم الجنائية الدولية؛ مما يعني أن العدالة الدولية غائبة وحبر على ورق، خصوصًا في أكثر البلدان المتشدقة بالديمقراطية مثل أمريكا.
– ونتيجة للخلافات بين دول أوروبا نفسها وأمريكا على خلفية قرار المحكمة، فمن الواضح جدًّا أن أوروبا ستتجه إلى الالتزام بتنفيذ القرارات قانونيًا وليس سياسيًا وذلك من أجل المحافظة على التفوق الأخلاقي، ولتجنب الاتهامات باعتناق معايير مزدوجة؛ مقارنة بما حصل مع الرئيس بوتين.
– لا شك أن قرار المحكمة الدولية سيكون له تداعيات كبيرة وهائلة سواء على نتنياهو بشكل خاص أو إسرائيل بشكل عام، وأن تعهد الاتحاد الأوروبي بتنفيذ مذكرة الاعتقال سيجعل سفر نتنياهو قاتل الأطفال إلى الخارج صعبًا للغاية بالنسبة له.
– إن مستقبل نتنياهو غامض بين الداخل والخارج، لا سيما أنه يواجه تحديات كبيرة وغير مسبوقة قد تؤدي إلى نهاية حياته السياسية؛ خاصة إذا استمرت الضغوط القانونية والسياسية تلك، مع توقعات بأن تحركاته مرتبطة برهانات على تغيرات دولية مثل عودة ترامب للرئاسة الأمريكية.
– أخيرًا: وبالرغم من عدم تنفيذ قرار الاعتقال ببعض الدول والتي تدعمه أمريكا، إلا أن قرار الجنائية الدولية سيكون له تداعيات وبعض العواقب السياسية، حيث من الواضح أن المحاكم الدولية الأخرى، ولا سيما محكمة العدل الدولية سوف تتأثر بقرار المحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا وأن هناك القضية المعلقة أمامها ضد إسرائيل والتي رفعتها جنوب إفريقيا وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب مجازر وإبادة جماعية في غزة، وهو ما يجعل حديث أمريكا والغرب عن حقوق الإنسان في مزبلة التاريخ بعد ما فضحتها الجرائم في غزة.
المصادر:
كلمات مفتاحية: توقيف نتنياهو – قرار الجنائية الدولية – خلاف أوروبي أمريكي – ازدواجية المعايير