الممر الجيوإستراتيجي بجزر المالديف.. حلقة جديدة في الصراع الهندي الأمريكي الصيني
تمتاز جزر المالديف بموقعها الإستراتيجي؛ وذلك لأنها تمتد على طول الممرات البحرية والتجارية عبر منطقة المحيط الهندي، وبالتالي تعتبر من المواقع المهمة والمجاورة لدولة الهند بمنطقة المحيط الهندي. وتعزز مكانتها لدى الهند رؤية القادة السياسيين في الدولة الهندية بأن جزر المالديف هي ركيزة أساسية من ركائز الأمن الإقليمي لدولة الهند، خاصة مع الصعود الصيني الكبير والممتد عبر الدول والقارات والمحيطات، وبالتالي تتمثل الرؤيا الهندية في ضرورة تأمين الجوار المائي لها مخافة هذا التمدد الصيني.
وعلى الصعيد الآخر: نجد الرؤيا الصينية المتخوفة من تنامي القوى العسكرية الهندية، وتنظر إليها نظرة القلق، لأنها ترى في الهند المنافس الحقيقي لها، فهي تمتلك كافة القدرات والموارد التي تؤهلها لدخول الصراع، خاصة مخاوفها الأمنية من توثيق الهند علاقاته مع اليابان، بالتالي تكون هناك قوى يصعب مجابهتها. وهذه المخاوف دفعت الدولة الصينية لنقل الصراع على الأراضي الهندية بدلًا من أن يكون هناك صراع على الأراضي الصينية ومجاوراتها، وبالتالي نرى الصين تعقد عهودًا ومواثيق مع الدول المتاخمة للهند لتحقيق نظريتها.
وقد رأينا تحالفًا وتعاونًا بين الأرخبيل المالديفي المتاخم للحدود الهندية المائية، وليس هذا وحسب، بل رأينا تعاونًا مشتركًا أيضًا بين الصين وسريلانكا، مما يمنح الصين إمكانية الوصول إلى الممرات البحرية الرئيسية في المحيط الهندي. وبالتالي هذا التعاون والتواجد الصيني فتح الباب أمام معارك جيوسياسية نظرًا لأهمية هذا الأرخبيل، ولكن هذه المرة ليس للهند وحسب، بل للثلاثي الدولي المرتبط بالكثير من المصالح، ومؤخرًا الطريق الدولي الذي يضم الإمارات والأردن وإسرائيل والهند. هذا الثلاثي هو الولايات المتحدة الأمريكية والهند وبريطانيا.
هذه التحركات الصينية والعلاقات التعاونية أبرزت أهمية الجزر المائية للعالم، وخاصة على طول خطوط الاتصال بموارد الطاقة، الأمر الذي دفع الصين إلى التواجد الحقيقي على هذا الخط الهام، خاصة في ظل تصاعد التنافس بين الصين والهند على بسط النفوذ على تلك الدولة الجزرية الصغيرة، والتي أصبحت في العقد الأخير جزءًا لا يتجزأ من طريق الحرير البحري الصيني، مما يهدد الهيمنة الهندية ومصالحها في منطقة جنوب آسيا.
الموقع الإستراتيجي:
تتمتع جزر المالديف الواقعة على المحيط الهندي بموقع إستراتيجي ومهم بالنسبة لدولة الهند، وهي تعد جزءًا أساسيًّا من حركات الشحن الدولي البحري والطاقة، فهي نقطة تماس بين تلك المنطقة وبين أستراليا، وجنوب شرقي آسيا، وجنوب وغرب آسيا، مما دفع أكبر قوتين نوويتين نحو التنافس على السيطرة على المحيط الهندي، والشريط الشرقي البحري لإفريقيا. وتمر أكثر من 97 في المائة من حركة التجارة الدولية للهند، و75 في المائة من تلك الحركة من حيث القيمة عبر المحيط الهندي، وبالتالي تعد عملية تأمين الممرات البحرية أهمية حيوية وكبيرة بالنسبة إلى الهند. ومن هنا تأتي أهمية الجزر التي تبعد نحو 700 كم من سلسلة جزر لاكشادويب في الهند، وعلى بعد نحو 1,200 كم من أرض الهند الرئيسية.
وقد حصلت على استقلالها عام 1965 بعد سنوات من الاحتلال البريطاني، وأجرت أول انتخابات تعددية حرة نزيهة عام 2009. مبعثًا للقلق، مع ذلك لم تصدر وزارة الخارجية الهندية بيانًا عامًّا يعرب عن قلقها إزاء أفعال الرئيس “يمين”، مما يشير إلى أن أي انخراط من جانبها يظل في نطاق وحدود الدبلوماسية الخاصة.
وتمثل المالديف بالنسبة للهند اختبارًا لحقيقة نفوذ دلهي السياسي والدبلوماسي في مواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيط الهندي.
الأهمية الإستراتيجية لمنطقة المحيط الهندي أمر ثابت ومؤكد، على الاستثمار العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في جزيرة دييغو غارسيا أن يجابه حاليًّا الوجود الصيني المتنامي في المالديف وجيبوتي التي من المحتمل أن تكدر الأمن في المياه الإقليمية المتاخمة للجزر السياحية الشهيرة، في خضم هذا الاضطراب السياسي المتنامي في العاصمة ماليه.
يكفي القول: إن السيطرة على جزر المالديف تمثل نموذجًا مهمًّا لإستراتيجية هندية – أمريكية شاملة لمواجهة تطور البحرية الصينية السريع وقدرتها على بسط نفوذ الدولة في المحيط الهندي.
وتنظر الهند إلى الصين باعتبارها عدوًّا جيوسياسيًّا رئيسيًّا لها في آسيا، وهي أكثر إصرارًا خاصة تحت حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي على الدفع باتجاه إثبات تفوقها في المحيط الهندي بدعم من الولايات المتحدة واليابان(1).
التحرك الصيني وتقاربه مع جزر المالديف:
يسعى الجيش الصيني إلى تعزيز التعاون مع جزر المالديف وسريلانكا ونيبال، وهي دول تحدها الهند، في محاولة لتقوية موقعها وسط نزاع إقليمي مستمر مع نيودلهي. وبحسب ما نشره الجيش الصيني عبر صفحاته الرسمية، التقى وفد من الجيش في مارس 2024 بالرئيس المالديفي محمد مويزو وأجرى محادثات مع ممثلي الدفاع من الدول الثلاث. وبالإضافة إلى التعاون الثنائي مع جزر المالديف، تناولت المناقشات القضايا الأمنية الإقليمية المشتركة.
وتعتبر جزر المالديف ونيبال وسريلانكا ذات أهمية جيوسياسية لبكين، التي تشعر بالقلق من تنامي القوة العسكرية الهندية وكذلك تحركاتها الأخيرة نحو تعاون أمني أوثق مع الولايات المتحدة واليابان، حسبما نقلت شبكة “نيكي آسيا”. وذكرت وكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس”، أن العلاقات بين جزر المالديف والصين تطورت بشكل خاص وسريع.
إذ أعلنت وزارة الدفاع الصينية أنها “وقعت اتفاقية حول تقديم الصين للمساعدة العسكرية مجانًا لجمهورية المالديف”، مما يعزز الروابط الثنائية بشكل أقوى. في الوقت نفسه، طالبت حكومة المالديف بانسحاب القوات الهندية المتمركزة في البلاد لأغراض الإغاثة من الكوارث وغيرها، بهدف الانسحاب الكامل بحلول 10 مايو 2024. واختار “مويزو” رئيس المالديف الصين كوجهة لأول زيارة دولية له بعد توليه المنصب في نوفمبر 2024(2).
دوافع الصراع الهندي – الصيني:
هناك عدد من البنود المؤدية إلى الصراع والتنافس بين أكبر قوتين اقتصاديًّا على مستوى العالم على جزر المالديف، الدولة الجزرية الصغيرة الواقعة في المحيط الهندي. وهذا التنافس لا يمكن فصله عن تنافس أكبر وأوسع وأشمل على المستوى العالمي، وهو التنافس الصيني الأمريكي على النفوذ الدولية والهيمنة السياسية. ولا بد أن نعي جيدًا أن بصمات الولايات المتحدة الأمريكية لا تغيب عن المشهد.
ومن الممكن حصر الدوافع التنافسية على هذه الجزر بين الصين والهند في النقاط التالية:
تنافس عسكري أمني بالمحيط الهندي:
تتمتع الهند بوجود عسكري وأمني كبير في المالديف، يتجلى أحد أبرز ملامحه في إقامة قواعد عسكرية وأمنية، ووجود طائرات هندية عمودية لأسباب إنسانية، يقودها طيارون هنود رغم رفعها علم المالديف. كما تتعاون الهند مع هذا البلد في مجال منع استخدام الإنترنت في الإرهاب، وذلك عبر مجموعة العمل المشتركة بين البلدين حول مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف العنيف ونزع الراديكالية، فضلاً عن تعاونهما في مكافحة الإرهاب بهدف الحفاظ على الأمن في منطقة المحيط الهندي.
وخلال زيارة وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، في مايو 2023، إلى جزر المالديف، قام بتسليم سفينة دورية سريعة وسفينة إنزال إلى قوات الدفاع الوطني في المالديف كهدية، وهو ما يُؤشر على تصميم الهند على بناء قدرات الدول الصديقة في المنطقة.
وهذا التسليح يمكن القول بأنه خطة أمريكية هندية لمراقبة وجود الغواصات الصينية في المحيط الهندي، ومواجهة تطور البحرية الصينية وقدرتها على بسط نفوذها في المحيط الهندي، وخاصة بعد عرض التقرير الذي نشر عام 2018 على المخابرات الأمريكية وتناول تخطيط الصين لبناء محطة لمراقبة المحيط في شمال غرب جزر المالديف.
مكاسب أمريكية من الاستبعاد الصيني من الممر المائي:
لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في الصراع الدائر على النفوذ بين الصين والهند في المالديف، في ضوء محاولاتها لاجتذاب نيودلهي إلى معسكرها المناوئ للصين من جهة، وتحركاتها مع حلفائها الآسيويين لاحتواء وتطويق الصين من جهة أخرى.
ومن بينها محاولاتها لاستقطاب بعض الدول الجزرية الصغيرة إلى جانبها في هذه الجهود، وهو ما قد يفسر تركيز الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة على تحسين العلاقات مع جزر المالديف، حيث قامت في سبتمبر 2023، بإيفاد الدبلوماسي هوغو يو-هو يون ليكون أول سفير مقيم هناك، بعد أن حافظت الإدارة الأمريكية في السابق على علاقات دبلوماسية مع المالديف من خلال سفارتها في سريلانكا.
تنافس دولي للسيطرة على الموقع الإستراتيجي:
تحظى جزر المالديف بأهمية إستراتيجية كبيرة، حيث تُعد نقطة اتصال بحري تربط بين خليجي هرمز وعدن في غرب آسيا، ومضيق ملقا في جنوب شرق آسيا، ما يجعلها ممرًا مهماً لعبور التجارة العالمية. وتكمن الأهمية الإستراتيجية لجزر المالديف بالنسبة للهند في كونها فاعلًا مهمًّا في المحيط الهندي، حيث إن أكثر من 97% من حركة التجارة الدولية للهند تمر عبر منطقة المحيط الهندي، ما يجعل مسألة تأمين الممرات البحرية تحظى بأهمية كبيرة وحيوية بالنسبة للهند. علاوة على أن موقع جزر المالديف في شمال المحيط الهندي يجعلها على مقربة من المياه التي تحرسها وتسيطر عليها السفن الحربية التابعة للبحرية الهندية.
أما الصين فقد تزايد اهتمامها بجزر المالديف في السنوات القليلة الماضية، في ضوء أولوياتها في منطقة المحيط الهندي، في إطار مبادرة طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين، وهي الجزء البحري من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين في عام 2013.
وقد ترتب على الموقع الإستراتيجي المهم لجزر المالديف في المحيط الهندي، والذي يُعد جزءًا رئيسيًّا من الممرات البحرية الإستراتيجية للتجارة والطاقة العالمية، حدوث سباق بشأن التنافس على السيطرة على منطقة المحيط الهندي بين الصين والهند.
تنافس تجاري واقتصادي جيوسياسي:
تتنافس الصين والهند على تعزيز وتوثيق علاقاتهما الاقتصادية والتجارية مع المالديف، سعيًا وراء توطيد نفوذهما وأقدامهما في هذا البلد. فمن جانبها، قامت الصين بضم المالديف إلى مبادرتها الاقتصادية ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى، وهي مبادرة الحزام والطريق، والتي تعارضها الهند، وعملت على تأسيس العديد من المشروعات التنموية في المالديف، بهدف الإسهام في تنمية اقتصاد هذا البلد من جهة، ومواجهة النفوذ الهندي هناك من جهة أخرى.
كما تقوم باستيراد الغاز المسال والمأكولات البحرية من المالديف، ودعمت قطاع السياحة فيها بنحو 300 ألف سائح صيني كل عام قبل ظهور جائحة “كورونا”، كما خفضت ديون المالديف في إطار مجموعة العشرين.
ومن جانبها، تشارك الهند بشكل كبير في مشاريع تطوير البنية التحتية في المالديف، وتقوم بمساعدتها في مجالات التعليم والرعاية الصحية، وقامت نيودلهي منذ عام 2018 بتخصيص مليارات الدولارات لإنقاذ المالديف من الديون الهائلة التي ورثتها عن الحكومة السابقة، وقدمت لها اللقاحات خلال جائحة “كورونا”، بجانب استثماراتها في مشروعات البنية التحتية(3).
تنامي الوجود الصيني وتمكين نفوذه:
ترى الصين المالديف عنصرًا أساسيًّا في مشروع طريق الحرير البحري في المحيط الهندي، وتستثمر مبالغ كبيرة في البنية التحتية، والمشروعات مثل بناء جسر يربط بين العاصمة ماليه وجزيرة هولهولي لزيادة النفوذ الصيني، حيث استحوذت بالفعل على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا وجيبوتي في القرن الإفريقي.
وفي أغسطس 2017، تم السماح لسفن صينية بالرسو في مدينة ماليه. وعلى ما يبدو واضحًا أن انزلاق المالديف نحو فكّ التنين الصيني سوف يمثل تحدياً كبيرًا وخطيرًا بالنسبة إلى أمن الهند ومصالحها الجيوإستراتيجية.
ووصفت صحيفة مالديفية مؤيدة للحكومة مؤخرًا الصين بأنها أفضل صديق جديد للمالديف، ووصفت الهند، التي تربطها بالمالديف علاقات تجارية وثقافية تمتد لقرن، وكانت هناك مطالبات رسمية وغير رسمية للهند بالتدخل في الأزمة التي شهدتها ماليه عاصمة جمهورية المالديف.
وتزامن هذا التعاون الصيني المالديفي مع ضعف السياسة في الهند المرتبكة والتي أخفقت في السيطرة على تراجع النفوذ الهندي في المالديف(4).
رد الفعل الهندي تجاه الوجود الصيني:
كرد فعل على تنامي العلاقات بين الصين والمالديف واتفاقية الدفاع بين البلدين، تسعى الهند إلى تعزيز وجودها البحري حول جزر المالديف، كما يتضح من نواياها لإنشاء قاعدة في جزيرة “لاكشادويب” الهندية التي تقع على بعد حوالي 80 ميلاً شمال جزر المالديف. كما تأتي الخطوة الهندية في إطار التدابير التي اتخذتها نيودلهي في السنوات الأخيرة لتعزيز البنية التحتية الأمنية بشكل تدريجي في الجزر المجاورة ذات الأهمية.
وتتزايد التخوفات الهندية من تمدد النفوذ الصيني في منطقة جنوب آسيا والمناطق المجاورة للهند بما يؤدي إلى تطويق نيودلهي، خاصة وقد انضم جميع جيران الهند إلى مبادرة الحزام والطريق، وضخت الصين حوالي 838 مليار دولار في منطقة جنوب آسيا منذ 2014، مقارنة مع 52 مليار دولار أنفقتها الهند على المساعدات التنموية في نفس الفترة. ونتيجة لذلك أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لدول جنوب آسيا، ووقعت بعض الدول في فخ الديون الصينية. فعلى سبيل المثال؛ تعد الصين الآن أكبر دائن لجزر المالديف بمبلغ 1.37 مليار دولار أو ما يعادل 20% من الدين العام للبلاد.
وتسعى الهند في إطار مواجهتها للتهديدات الصينية إلى تعزيز وضعها العسكري بتطوير التعاون مع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا، وهو الأمر الذي تجلى في الشراكة العسكرية المتنامية بين واشنطن ونيودلهي في السنوات الأخيرة(5).
سيناريوهات متوقعة:
يحمل الاتفاق بين الصين وجزر المالديف العديد من السيناريوهات، بالتزامن مع العلاقات المتوترة بين جزر المالديف والهند، عدة تداعيات مهمة، سواء على الجغرافيا السياسية الإقليمية والديناميكيات الأمنية؛ أبرزها ما يلي:
أولًا: تصاعد المخاوف الأمنية للهند نتيجة تزايد نفوذ بكين:
يثير الاتفاق مخاوف أمنية بالنسبة إلى الهند؛ نظراً إلى قُربها من جزر المالديف وأهميتها الإستراتيجية في المحيط الهندي. وربما تنظر الهند إلى الوجود العسكري الصيني المتزايد في جزر المالديف باعتباره تهديدًا محتملاً لمصالحها الأمنية؛ ما يدفعها إلى إعادة تقييم موقفها الدفاعي في المنطقة.
ثانيًا: التأثير السلبي على العلاقات الاقتصادية بين ماليه ونيودلهي:
من المرجح أيضًا أن يكون للاتفاقية آثار اقتصادية على جزر المالديف؛ لأنها قد تؤثر على حصولها على المساعدات والاستثمارات الهندية؛ إذ كانت الهند شريكًا اقتصاديًّا مهمًّا لجزر المالديف، وأي تدهور في العلاقات الثنائية يمكن أن يؤثر على اقتصاد جزر المالديف.
ثالثًا: تأكيد التحول الإستراتيجي في سياسة جزر المالديف:
يمثل الاتفاق الجديد مع الصين تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية لجزر المالديف مقارنةً بسلف “مويزو” المؤيد للهند “إبراهيم محمد صليح”. وفي يناير، حدد “مويزو” موعدًا نهائيًّا هو 15 مارس للانسحاب الكامل لأفراد الجيش الهندي المتمركزين في الدولة الأرخبيلية، وفقاً لمكتب الرئيس. وجاء في تحديث من مكتبه الشهر الماضي أن المفاوضات اتفقت على رحيل القوات على مراحل، على أن تنسحب الدفعة الأولى قبل العاشر من مارس والباقي قبل العاشر من مايو.
رابعًا: تعقيد الجغرافيا السياسية الإقليمية:
تضيف الاتفاقية تعقيدًا إلى المشهد الجيوسياسي الإقليمي، خاصةً في المحيط الهندي. ومن الممكن أن يساهم ذلك في توسيع نفوذ الصين في المنطقة؛ مما يثير المخاوف بين دول المنطقة بشأن الوجود المتزايد لبكين في المحيط الهندي. ومن ثم قد تعمل بعض دول على توسيع دوائر تحالفاتها الخارجية، وربما تعمل على التعاون مع بعض الأطراف مثل الهند والولايات المتحدة من أجل موازنة النفوذ الصيني.
خامسًا: احتمالية تزايد التوترات الدبلوماسية بين جزر المالديف والهند:
قد يؤدي الاتفاق إلى زيادة توتر العلاقات الدبلوماسية بين جزر المالديف والهند. وقد تنظر الهند إلى محور جزر المالديف تجاه الصين باعتباره خيانةً لشراكتها الطويلة الأمد، ويمكن أن ترد من خلال إعادة تقييم ارتباطها الدبلوماسي والاقتصادي مع جزر المالديف.
إذ يهدف الاتفاق إلى تعزيز العلاقات الثنائية القوية بين جزر المالديف والصين. ويُشِير هذا إلى أن المساعدة المُقدَّمة ليست مجرد معاملات، بل تهدف إلى تعميق العلاقة بين البلدين. وبالفعل صرَّحت وزارة الدفاع المالديفية بأن الاتفاق سيعزز “علاقات ثنائية أقوى”.
سادسًا: مراقبة واشنطن مسار التقارب بين جزر المالديف والصين:
من المؤكد أن التطور الحادث في العلاقات بين جزر المالديف والصين يسترعي انتباه واشنطن، التي ستراقب تطور هذه العلاقات، وخاصةً أن واشنطن وقَّعت مع جزر المالديف اتفاقية دفاعية في سبتمبر 2020، وهو الاتفاق الذي أُشِير حينها إلى أن هدفه مواجهة “القرصنة والإرهاب وإرساء السلام بالمنطقة”، كما أنشأت واشنطن سفارة لها في ماليه عام 2023. وعليه، ستعمل واشنطن على التواصل مع مسؤولي جزر المالديف في اللحظة الراهنة للتأكد من أن التقارب بين بكين وماليه لن يؤثر على حضور الولايات المتحدة في الجزيرة.
سابعًا: توسيع نيودلهي تحركاتها العسكرية في المحيط الهندي:
يُرجَّح أن تعمل الهند على توسيع تحركاتها العسكرية في المحيط الهندي عقب الاتفاق الدفاعي بين الصين وجزر المالديف. وقد ظهرت مؤشرات ذلك الأمر مع الإعلان عن تشغيل الهند قاعدة بحرية جديدة تسمى آي إن إس جاتايو، في مينيكوي، وهي الجزيرة الواقعة في أقصى جنوب أرخبيل لاكشادويب الهندي، لتكون بذلك القاعدة البحرية الثانية للهند في الأرخبيل، وهي أقرب إلى جزر المالديف. وبحسب تصريحات قائد البحرية الهندية الأدميرال هاري كومار، يوم 6 مارس 2024، فإن هذه القاعدة تأتي في ضوء “الحاجة الملحة إلى تشديد المراقبة وسط التطورات الجيوسياسية السائدة”(6).
الخلاصة:
إن استمرار بكين في توسيع نفوذها البحري في المحيط الهندي مقابل سعي نيودلهي إلى تأمين مصالحها الوطنية، سيؤدي إلى زيادة وتيرة التنافس بين الهند والصين في منطقة المحيط الهندي، فضلاً عن أن جزر المحيطين الهندي والهادئ ستشكل إلى حدٍّ كبيرٍ البنية الأمنية الجديدة في المنطقة على المدى القريب والمتوسط.
ولا يمكن النظر إلى صراع النفوذ بمعزل عن التنافس المحتدم بين العملاقيْن الآسيوييْن على النفوذ والسيطرة في منطقة المحيط الهندي، والذي تؤدي الولايات المتحدة دورًا ملحوظًا في تأجيجه، بما يعكس تزايد أهمية دور الدول الجزرية الصغيرة في ديناميات التنافس الدولي بين القوى الدولية الكبرى الطامحة إلى الهيمنة والنفوذ في ظل النظام الدولي الراهن.
كما أنه من المتوقع أن تتسم العلاقات المعقدة بين جزر المالديف والهند والصين بالمنافسة الإستراتيجية المستمرة، والمناورات الدبلوماسية، والمشاركة الاقتصادية؛ حيث إن من المرجح أن يتعمق اصطفاف جزر المالديف مع الصين؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الهند التي قد تستجيب بالسعي إلى الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية من خلال التواصل الدبلوماسي وتعزيز التدابير الأمنية.
وفي الوقت نفسه ستواصل الصين توسيع نفوذها في جزر المالديف ومنطقة المحيط الهندي الأوسع من خلال الاستثمارات في البنية التحتية، والمساعدات الاقتصادية، والتعاون العسكري باعتبار ذلك جزءًا من طموحاتها الإستراتيجية الأوسع. وسوف يشكل التفاعل بين هذه البلدان الثلاثة المشهد الجيوسياسي في منطقة الهندوباسيفيك، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الاستقرار والأمن الإقليميَّين.
المصادر:
1_ العربية
2_ القاهرة الإخبارية
3_ مركز المستقبل
4_ الشرق الأوسط
5_ أسباب
6_ إنترريجونال