العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران (الأسباب والنتائج)

قررت الإدارة الأمريكية مؤخرًا إخضاع إيران لسلسلة جديدة من العقوبات الاقتصادية في إطار استراتيجية يتبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه طهران في الـ 8 من مايو عقب إعلانه انسحاب بلاده من الاتفاق النووى المبرم بين إيران والغرب عام 2015، وسوف تطال العقوبات عدة مجالات حيوية للاقتصاد الإيراني منها النفط والمعاملات المالية وقطاع الشحن.

أسباب فرض الولايات المتحدة للعقوبات الجديدة على إيران؟

أعادت أمريكا فرض مجموعة من العقوبات على إيران والتي كانت قد تم رفعها تدريجيا بفعل الاتفاق السابق حول البرنامج النووي الايراني. حيث يرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الصفقة النووية مع إيران من أسوء الصفقات التى عقدتها الولايات المتحدة، إذ إنها تجاهلت 3 نقاط أساسية؛ هى مسألة عدم حد إيران عن المضي قدما في برنامجها للصواريخ البالستية، وتدخلات ومخططات إيران بمنطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن المدة الزمنية التى تطلق العنان لطهران فى البرنامج النووى فى عام 2025 (ويعن لنا أن نتوقع أن يكون عدم تحقيق أمريكا لأي مكاسب اقتصادية مباشرة من إمضاء والاستمرار في الاتفاق النووي مع إيران على خلاف ما حققته دول الاتحاد الأوروبي من هذا الاتفاق).

وجاء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق بعد أن رفضت إيران طلبا أمريكيا بإدخال تعديلات على بنوده، كذلك رفضت الشروط الأمريكية الـ 12 التى طرحها وزير الخارجية مايك بومبيو فى مايو الماضى. و تهدف الإدارة الامريكية من خلال هذه  الحزمة من العقوبات الاقتصادية إلى إجبار النظام الإيرانى على العودة لطاولة الحوار، وتغيير سلوكه فى المنطقة[1].

القطاعات الاقتصادية الإيرانية التي تشملها العقوبات:

تعد العقوبات التى فرضت على النظام الإيراني هي الأصعب لأنها تستهدف القطاعات الأساسية للاقتصاد (قطاع النفط والقطاع المصرفى) حيث كانت كالتالي:

  • شركات تشغيل الموانئ الإيرانية، وقطاعات الشحن وبناء السفن، بما فى ذلك خطوط الشحن الإيرانية، وشركة ساوث شيبينغ لاين والشركات التابعة لها.
  • المعاملات المتعلقة بالبترول مع شركات النفط الإيرانية الوطنية، وشركة نفط إيران للتبادل التجارى، وشركة الناقلات الإيرانية الوطنية، بما فى ذلك شراء النفط والمنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيماوية من إيران.
  • المعاملات من قبل المؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزى الإيرانى والمؤسسات المالية الإيرانية، وتشمل فرض عقوبات على توفير خدمات الرسائل المالية المتخصصة للبنك المركزى الإيرانى والمؤسسات المالية الإيرانية المحددة فى قانون العقوبات الشامل، وسحب الاستثمارات الإيرانية لعام 2010.
  • خدمات التأمين أو إعادة التأمين.
  • وضع أسماء أكثر من 700 فرد وكيان وسفن وطائرات على قائمة العقوبات.
  • سحب التفويض الممنوح للكيانات الأجنبية المملوكة أو التى تسيطر عليها الولايات المتحدة، من أجل إنهاء بعض الأنشطة مع الحكومة الإيرانية أو الأشخاص الخاضعين لولاية الحكومة الإيرانية[2].

البلدان المعفاة من العقوبات الأمريكية على إيران ولماذا؟

استثنت الإدارة الأمريكية 8 دول تقع خارج الاتحاد الأوروبى من العقوبات التى فرضتها علي إيران، حيث أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن بعض الدول لا تستطيع وقف استيراد النفط الإيرانى على الفور، لذا فقد تم منحها إعفاءات بشرط أن تقوم بتخفيضها ثم وقفه بالكامل فى نهاية المطاف، و هذه الدول تعتبر من حلفاء الولايات المتحدة مثل إيطاليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية من بين ثمانية دول تستورد النفط الإيرانى، كما حصلت تركيا أيضا على استثناء أمريكى[3].

الفرق بين العقوبات السابقة على الاتفاق النووى 2015 والعقوبات الحالية للإدارة الأمريكية :

العقوبات التى فرضت علي إيران بين سنوات 2006 وحتى 2015، جاءت بتوافق دولى وأممى على خلفية البرنامج النووى المثير للقلق، بينما العقوبات الحالية أحادية الجانب فرضتها الولايات المتحدة الامريكية منفردة بعد انسحابها من الاتفاق المبرم بين 6 أطراف دولية.

موقف الدول الموقعة على الاتفاق النووى مع إيران من تلك العقوبات:

أصدر الاتحاد الأوروبى وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بيانا مشتركا، أوضحوا فيه أسفهم لقرار واشنطن (إعادة فرض عقوبات على إيران)، وقالت فيدريكا موجيرينى مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى ووزراء مالية الدول الثلاث “هدفنا هو حماية الكيانات الاقتصادية الأوروبية التى لها مبادلات تجارية مشروعة مع إيران، بما يتماشى مع التشريعات الأوروبية وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2231، وقالت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إنهم مستمرون فى الالتزام بالاتفاق النووى مع إيران والعلاقات التجارية المتنامية ما دامت إيران ملتزمة بتعهداتها.

أما بالنسبة لروسيا أحد أعضاء الاتفاقية فقد استنكرت وزارة الخارجية الروسية، العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران، معتبرة أنها هجوم قوى آخر للولايات المتحدة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، متعهدة ببذل كل الجهود لتنمية التعاون التجارى والاقتصادى مع إيران رغم العقوبات. كذا التحقت الصين بركاب الدول الكبرى المعارضة للعقوبات على إيران رغم إحجام بعض شركاتها عن استيراد النفط الإيرانى.

كيف تعاملت دول الاتحاد الأوروبى مع العقوبات و كيف تحمي شركاتها من العقوبات الأمريكية؟

في إطار عمل الاتحاد الأوروبي لمواجهة أو تلافي آثار العقوبات الأمريكية على المتعاملين مع إيران بعد دخول العقوبات التى فرضتها على إيران حيز التنفيذ فقد لجأ الاتحاد الأوروبى إلى تفعيل قانون يعود لعام 1996 وذلك بإنشاء كيان قانونى يهدف إلى مواصلة التجارة بين الدول الأعضاء وطهران. ولا سيما شراء النفط الإيرانى، ويهدف الكيان لتسهيل المعاملات المالية القانونية مع إيران، وسيتيح للشركات الأوروبية مواصلة التجارة مع إيران وفقا للقانون الأوروبى.

التأثيرات العالمية للعقوبات الإمريكية على إيران:

ينتاب العديد من دول العالم مخاوف من ارتفاع سعر برميل النفط مع تراجع صادرات إيران ثالث أكبر منتج للبترول فى أوبك، حيث إن هبوط إنتاج إيران سيقلص المعروض فى الأسواق، خصوصا مع تزايد المخاوف من عدم تمكن البلدان ذات الإنتاج المرتفع من تعويض حصة إيران، حيث اتفقت الدول الأعضاء بالمنظمة على تعزيز المعروض لتعويض صادرات إيران، لكن تجد أوبك صعوبة فى تحقيق المستوى المطلوب من الإنتاج؛ إذ إن ما تزيده السعودية من الإنتاج يقابله انخفاض في الإنتاج من آخرين.

تداعيات العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني:

بدخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ فإن الاقتصاد الإيراني يدخل مرحلة حرجة، حيث ستؤدى العقوبات إلى تراجع مستويات إنتاج النفط الإيرانى إلى مليون برميل يوميا بعد أن كانت تنتتج 2.6 مليون برميل فى النصف الأول من 2018، متوقع أن تنخفض بين 50% إلى 70%، وبالتالى ستنخفض عائدات النفط الإيرانية المكون الرئيسى للدخل في إيران حيث تمثل بين 50% إلى 60% من إيرادات الموازنة العامة، كما أن الاحتياطى من العملة من المقرر أن يتراجع نتيجة الاستنزاف لتعويض العجز الحادث في الموازنة و تأثيرات العقوبات عليها، لذا فإن الاقتصاد الإيراني سيعاني من عجز فى العملة الأجنبية، الأمر الذى سيؤدى إلى تراجع سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وهروب رؤوس الأموال، وارتفاع معدل التضخم والأسعار، بالإضافة إلى تراجع الصادرات الإيرانية وكافة مكونات الاقتصاد، بما فى ذلك الاستهلاك والقطاع الحكومى والاستثمار.

التدابير الإيرانية لمواجهة العقوبات الأمريكية:

تمتلك إيران خبرة سابقة فى الالتفاف على العقوبات، اكتسبتها جراء العقوبات الدولية والأممية التى فرضت عليها قبل توقيع الاتفاق النووي في الفترة من 2007 – 2015، لذا فإن من المتوقع أن تلجأ إلى الحيل القديمة وغيرها من الخيارات الأخرى ذات النتائج بعيدة المدى، من أجل تخفيف أثر العقوبات السلبى على اقتصادها وتخفيف وطأته على الشارع الإيرانى الذى يرزح تحت وطأة التراجع الكبير فى قيمة العملة وأزمات اقتصادية ومعيشية طاحنة. وفى مقدمة هذه الحيل، الابتعاد عن الاقتصاد النفطى واللجوء إلى الاقتصاد المقاوم وفقا لتعليمات المرشد الأعلى.

فضلا عن أن العقوبات هذه المرة ليست أممية وإن كانت قوية وضخمة بشكل كبير إلا أن عدم اشتراك الاتحاد الأوروبي في فرضها يخفف وطأتها إلى حد ما، و هو ما تعوّل عليه إيران من خلال استغلال الإجراءات والتدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لحماية مصالحه الاقتصادية من التضرر المباشر من تلك العقوبات وذلك بنظام مالي أشبه بنظام المقايضة، لمواصلة تجارته مع إيران، كما أن طهران ستجبر على بيع نفطها إلى شركات القطاع الخاص وعرضه فى بورصة الطاقة، وستعمل أيضا على تشجيع المشترين على استيراد نفطها عبر تخفيض سعره، لإغراء المشترين، ووسائل أخرى من بينها التهريب وبيع النفط عبر وسطاء يقومون بشرائه محليًا ومن ثم يعيدون بيعه فى الأسواق العالمية.

ما هى السيناريوهات المحتملة لتعامل النظام الإيرانى مع الضغوط والعقوبات الأمريكية؟

هناك عدة سيناريوهات، أبرزها:

  • أن تقدم طهران تنازلات بعدما تفتك العقوبات بها، فمن الممكن أن يؤدي تراكم الضغوط الأمريكية على النظام لدفعه للتفاوض، وهو ما يأمله الرئيس الأمريكى.
  • فتح قنوات تواصل دبلوماسية غير مباشرة بين إيران وأمريكا، مستغلة تصريح ترامب فى أغسطس الماضى رغبته فى لقاء الرئيس الإيرانى حسن روحانى “في أى وقت” ودون شروط مسبقة.

هل تنجح الاستراتيجية الأميركية؟

وتأتي هذه العقوبات ضمن ما تقول واشنطن إنه استراتيجيتها للتعامل مع إيران، والتي طرحتها بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي وصفه ترامب بـ”الصفقة الأسوأ”.  وهي الاستراتيجية التى لا تزال واشنطن تؤكد أن الهدف منها هو دفع النظام الإيراني للاختيار بين “التخلي عن نهجه المدمر أو مواصلة الطريق نحو كارثة اقتصادية“، إذ جاء في بيان البيت الأبيض أن العقوبات تستهدف العائدات التي تستخدمها طهران لتمويل برنامجها النووي والصاروخي، وإشعال النزاعات الإقليمية، ودعم الإرهاب وإثراء قادتها.

وهي سياسة لعب الكونجرس أيضا دورا لافتا فيها عبر تمرير قانون “مكافحة أعداء أميركا“، الذي عزز الحظر على السلاح الإيراني، وشمل عقوبات على خلفية البرنامج الصاروخي، وملف حقوق الإنسان ضد الحرس الثوري.

و يتساءل مراقبون عن فعالية هذه الإجراءات التى تفرضها واشنطن على المدى البعيد، كون العقوبات لا يمكن أن تكون بنفسها استراتيجية رغم نجاحها، يقول الخبير في الشؤون الإيرانية بهنام بن طالبلو:

“إن المسار الذي نشهده هو مشابه لما حدث عام 2012، عندما كانت هذه العقوبات مفروضة من كامل المجتمع الدولي، وشعر الإيرانيون أنهم باتوا بحاجة للتفاوض فبدأت القنوات الخلفية تعمل، ولحقها في 2013 اتصال بين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني، ثم تبعتها في سبتمبر من العام نفسه مباركة المرشد الأعلى للمفاوضات آنذاك، حيث إن واشنطن تريد تغيير السلوك الإيراني، لكن بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتهاوي، وتصاعد لهجة الاعتراض، وتردي صحة المرشد الأعلى، فإن السيناريوهات تبقى مفتوحة على كل شيء”.[4]

و يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استعادة أجواء ما قبل 2012، متوقعًا سعي الإيرانيين إلى المفاوضات، و هو الأمر الذي  أبدى البيت الأبيض انفتاحه عليه، لكن ليس لاتفاق مماثل لسابقه وإنما “إذا كان الإيرانيون جاهزين لتوقيع اتفاق يقطع الطريق على حيازتهم السلاح النووي، ويشمل البرنامج الصاروخي وسلوك إيران في المنطقة، وهي الأسباب التي حدت بترامب للانسحاب من الاتفاق وعرض 12 مطلبا لإعادة التفاوض”[5].

و يبدو أن استراتيجة الإدارة الأمريكية لا تتبنى العداء لإيران كما قد يبدو للوهلة الأولى وإنما بحثا و سعيا من أجل تعظيم وتحقيق أهدافها الاقتصادية من الاتفاق النووي مع إيران و هو ما بدا واضحا من تساقط الجزء الأكبر من ثماره الاقتصادية لدى الاتحاد الأوروبي وتركيا وهو الأمر الذي يزعج شخصية مثل الرئيس الأمريكي ترامب الباحث عن كسب وتحقيق مكاسب اقتصادية ومليارات الدولارات إلى الخزانة الأمريكية لتحقيق انعاش اقتصادي يساهم في دعم شعبيته ومواجهة خصومة بالداخل.

[1] اليوم السابع

[2] اسوشيتدبرس

[3] وكالة رويترز

[4] سكاي نيوز عربية

[5] بيان للبيت الابيض

الأوبكالبترولالنوويطهران