التحركات الغربية في إفريقيا.. ما بين تحجيم روسيا والصين والسعي لتوسيع النفوذ في المنطقة
في ظل ما تتمتع به القارة السمراء من موارد وثروات طبيعية هائلة، تشكل عصب الصناعات والتطور الغربي عالميًّا؛ هيمنت القوى الاستعمارية الأوروبية على القارة لأكثر من قرن، ما بين استعمار عبر احتلال عسكري كامل لمناطق إفريقية واسعة، وما بين استعمار غير مباشر (اقتصاديًّا) عبر سيطرة اقتصادية ومالية على البلدان الإفريقية؛ وتعكس الانقلابات العسكرية الأخيرة وما تبعها من تأييد شعبي وتدخل روسي وصيني في إفريقيا، حقيقة ما وصلت إليه علاقات القوى الغربية بالشعوب الإفريقية.
فقطع العلاقات ما بين الدول الإفريقية والقوى الغربية سيكون له تداعياته السلبية، بل وحتى الكارثية، على التطور الاقتصادي والصناعي للدول الغربية، ما دفع القوى الغربية إلى إعادة صياغة إستراتيجيات جديدة لإدارة علاقاتها مع الدول الإفريقية على أساس من المصالح المشتركة والتعاون المثمر للجانبين، لمواجهة النفوذ الروسي والصيني. وقد برز ذلك في التحركات الأمريكية والأوروبية الجديدة تجاه بلدان القارة.
فكيف لعبت الدول الإفريقية دورًا محوريًّا في النهضة الاقتصادية والصناعية الشاملة للقوى الغربية؟ وكيف أجبرت الانقلابات العسكرية والتأييد الشعبي لها القوى الغربية على إعادة رسم سياساتها وعلاقاتها بالقارة الإفريقية؟ وكيف يمكن قراءة التحركات الغربية الإيجابية الأخيرة تجاه القارة الإفريقية من شراكات طاقية أوروبية وقمة أمريكية إفريقية مع القارة السمراء، والتي بدأت مع وصول الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب إلى البيت الأبيض عام 2017م؟ وهل تُعد السياسة الغربية الجديدة تجاه القارة السمراء نقطة تحول أم إستراتيجية جديدة للهيمنة على المنطقة واستنزاف مواردها من جديد؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوء على تغيير السياسات الغربية تجاه القارة الإفريقية في ظل تراجع نفوذ القوى الغربية لصالح روسيا والصين، ومدى واقعية المشاريع الاقتصادية الغربية في إفريقيا ودورها في الارتقاء بالعلاقات مع القارة السمراء؛ وذلك في السطور الآتية.
دور القارة الإفريقية في النهضة الصناعية للقوى الغربية:
منذ عصر النهضة والاستكشافات الأوروبية أوائل القرن الخامس عشر، برز الاهتمام الأوروبي بالقارة السمراء وما تحتويه من موارد وثروات طبيعية، أبرزها الذهب. ففي ظل ضعف الدول الإسلامية القائمة حينها (المملوكية والعثمانية) ذات التأثير في شمال القارة الإفريقية، واستكشاف الأوروبيين لطرق تجارية تدور حول القارة السمراء، فضلًا عن الثورة الصناعية في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ازداد اهتمام الأوروبيين بالقارة السمراء.
وقد ظهر ما اصطلح على تسميته سياسيًّا خلال تلك الحقبة “التدافع على إفريقيا”، بهدف الاستيلاء على الموارد والثروات الطبيعية المعدنية اللازمة للعمليات الصناعية في أوروبا؛ إذ تمكنت الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والبرتغالية من الاستحواذ على المناطق الساحلية، لكنها لم تتوغل في عمق هذه الأراضي حينها. وسيطر الأوروبيون على عُشر مساحة إفريقيا فقط، وتركز نفوذهم على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي العمق الجنوبي للقارة.
وكان “ليوبولد الثاني”، ملك بلجيكا، واحدًا من بين أوائل القادة الذين اخترقوا الأراضي المحلية لإفريقيا، إذ أدار الكونغو كمقاطعة خاصة به حتى عام 1908م. وأضفى مؤتمر برلين عام 1884م صبغة رسمية على الإمبريالية الجديدة، والذي شرّع به رئيس وزراء مملكة بروسيا “أوتو فون بسمارك” لتأسيس إرشادات دولية وتجنب النزاعات العنيفة. وقد سمحت نتائج هذا المؤتمر للقوى الأوروبية بالتوغل في الأراضي دون حصول نزاعات تُذكر. ومع التوسع الأوروبي في القارة السمراء، أضافت أوروبا نحو 9 ملايين ميلًا مربعًا، أي: خُمس مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، إلى ممتلكاتها الاستعمارية الأجنبية، وذلك في الفترة من 1870م إلى 1914م (بي بي سي عربي).
وسيطرت القوى الغربية على العديد من مناجم الذهب والموارد والثروات الطبيعية المعدنية المنتشرة في القارة. ولم يتوقف الاستعمار عند هذا الحد، بل بلغ الأمر حد الاستغلال والاستعباد للسكان الأصليين للقارة السمراء. ولم تؤدِّ حركات التحرر الوطني في خمسينيات القرن الماضي إلى النتائج المرجوة لشعوب القارة السمراء؛ فعلى الرغم من إنهاء الاستعمار المتعارف عليه واستقلال بلدان القارة السمراء، ظهر نوع جديد من الاستعمار يُمكن القوى الغربية من استمرار سطوتها على القارة الإفريقية عبر شركاتها المتعددة الجنسيات واستثماراتها الوهمية التي تصب في مصلحة القوى الغربية فقط.
ويعكس إصرار القوى الغربية على التمسك بالقارة السمراء محورية القارة في النهضة الصناعية وإمداد القوى الغربية بالمواد الخام اللازمة لاستمرار عجلة الصناعات الأوروبية؛ إذ تحوي بواطن الأرض في إفريقيا موارد طبيعية شديدة الأهمية، مثل 98٪ من الكروم في العالم، و90٪ من الكوبالت، و90٪ من البلاتين، و70٪ من الكولتان، و70٪ من التانتاليت، و64٪ من المنغنيز، و50٪ من الذهب، و33٪ من اليورانيوم. وكذلك حصص هامة من احتياطات العالم من معادن، مثل: البوكسيت والماس والتانتالوم والتونغستين والقصدير.
وتملك القارة الإفريقية 30٪ من احتياطات المعادن العالمية، و12٪ من احتياطات النفط المعروفة، و8٪ من احتياطات الغاز الطبيعي المعروفة، و65٪ من الأراضي الزراعية القابلة للزراعة. وقد قدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن رأس المال الطبيعي الإفريقي يشكل ما بين 30 إلى 50٪ من كامل ثروة الدول الإفريقية. وفي 2012م، قدرت الأمم المتحدة بأن الموارد الطبيعية للقارة تشكّل 77٪ من مجمل وارداتها، و42٪ من مجمل عائداتها الحكومية. ولذلك تُعد إفريقيا عصب صناعات واقتصادات العالم الغربي (مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية).
وفي ظل المتغيرات العالمية التي طالت القارة الإفريقية بشكل سريع ربما هو الأكثر سرعة للمراقب الخارجي، ودخول قوى الشرق بإستراتيجياتها الجديدة وتطلعاتها للشراكة مع شعوب القارة الإفريقية، فضلًا عن الانقلابات العسكرية التي حازت على دعم الشعوب الإفريقية؛ فإن القوى الغربية قد أعادت صياغة علاقاتها مع شعوب القارة الإفريقية، لمنافسة شعبية قوى الشرق الصاعدة بين شعوب القارة السمراء، ويمكن ملاحظة ذلك التغير في العلاقات الغربية الإفريقية من خلال جولات القادة الأوروبيين، والقمة الأمريكية الإفريقية، والقمة الأوروبية الإفريقية.
انقلابات إفريقيا العسكرية والاستياء الشعبي من القوى الغربية:
منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي وحتى الآن، عُدَّت الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية حدثًا منتظمًا، لكنها أصبحت -فيما يبدو- حدثًا أكثر تكرارًا؛ ففي أحدث الانقلابات العسكرية، سيطر مجموعة من ضباط جيش الغابون على السلطة في أغسطس 2023م، بعد أسابيع من انقلاب سبقه وقع في النيجر خلال يوليو 2023م، ولكن الجديد في تلك الانقلابات الأخيرة، والتي طالت إضافة إلى الغابون والنيجر، مالي وتشاد وبوركينا فاسو وغينيا، أن بعضها كان مصحوبًا بعداء متصاعد لفرنسا والقوى الغربية، في ظل ما أسفر عنه الاستعمار الاقتصادي منذ الخمسينيات والستينيات من فقر وبطالة وموجات عنف مسلح وغيرها؛ لذلك جاءت انقلابات إفريقيا لتضرب مصالح القوى الغربية عرض الحائط، مع تسارع صعود النفوذ الروسي والصيني في القارة السمراء؛ إذ بلغ حجم التجارة الإفريقية الصينية نحو 282.1 مليار دولار خلال العام 2023م، فضلًا عن دور منتدى التعاون الإفريقي الصيني في الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والشراكات التجارية ما بين الصين وإفريقيا.
إلى جانب تضاعف حجم الاستثمارات الروسية في إفريقيا منذ عام 2015م ليصل إلى نحو 20 مليار دولار سنويًّا، تتركز هذه الاستثمارات في قطاع الطاقة والتعدين والسكك الحديد، وزيادة الاهتمام الروسي بتعزيز العلاقات مع القارة السمراء خلال العقود الأخيرة، فضلًا عن نشاط مجموعة فاغنر الروسية الخاصة في دول الساحل والسودان؛ ولتأتي الانقلابات الأخيرة والتي حظيت بدعم روسيا والصين إلى جانب الاستياء الشعبي من الاستعمار الاقتصادي الغربي، لتفرض واقعًا جديدًا على الدول الغربية.
تغيير السياسة الغربية اتجاه القارة الإفريقية:
تتشابه مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأساسية في إفريقيا، خاصة في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد، ويُفسر ذلك تطابق نظاميهما الاقتصادي الرأسمالي، وأيديولوجيتيهما الليبرالية، وتحالفهما العسكري تحت مظلة حلف الناتو، كما يشتركان في قوة موقفيهما العسكري والاقتصادي تجاه إفريقيا.
ولطالما رأت القوى الغربية وتحديدًا أوروبا القارة السمراء كحديقة خلفية لها؛ إذ ظل جوهر سياسة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية تجاه إفريقيا منذ إنشائه عام 1993م، هو الحفاظ على تبعيتها لأوروبا، ويتبين ذلك في مبادرته الخاصة بالمواد الخام عام 2007م، واتفاقية الشراكة التي وقعها عام 2000م مع دول إفريقيا جنوب الصحراء والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ، والتي هدفت أساسًا لزيادة اندماج هذه الدول في الاقتصاد العالمي بما يخدم المصالح الأوروبية.
وفي ظل ربط القوى الغربية ما بين المشاريع الاقتصادية الكبرى، ونشر الديموقراطية عبر التدخل في القرار السياسي للدول الإفريقية بما يخدم مصالح العالم الغربي؛ ساد الفقر والبطالة في معظم أرجاء القارة رغم ما تحتويه من موارد وثروات طبيعية، ما رأت فيه الصين وروسيا فرصة للتدخل وإنهاء النفوذ الغربي في القارة السمراء.
ما دفع الغرب إلى التحركات الأخيرة واللافتة اتجاه إفريقيا، والتي كان آخرها القمة السادسة لقادة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في فبراير 2022م، إلى جانب القمة الأمريكية الإفريقية الثانية في ديسمبر 2022م، وقد اشتملت مخرجات تلك القمم على حشد استثمارات أوروبية تزيد على 150 مليار يورو (230 مليار دولار) لإفريقيا حتى عام 2030م، في مجالات الانتقال الأخضر والطاقة والنقل والبنية التحتية الرقمية والنمو المستدام، وخلق فرص العمل اللائقة، بالإضافة إلى الصحة والتعليم، فضلًا عن تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي والقاري، لا سيما في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. (موقع الاتحاد الأوروبي).
وتأتي هذه الخطط كأول خطة إقليمية في إطار مبادرة “البوابة العالمية”، وهي إستراتيجية أطلقها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2021م، تهدف إلى حشد ما يزيد عن 300 مليار يورو من الاستثمارات حول العالم بحلول عام 2027م، وتحدد الإستراتيجية، الانتقال الأخضر والوصول إلى الطاقة، والانتقال الرقمي، والنمو والتوظيف، والسلام والهجرة، وتعزيز النظم الصحية، وتحسين التعليم والتدريب، كمجالات الاهتمام الرئيسية، على أن تخصص الأموال الموجهة لإفريقيا لذات المجالات.
إلى جانب تركيز الولايات المتحدة على التعاون مع القطاع الخاص في البلدان الإفريقية، مع توسيع الشراكات في الاتصال الرقمي والطاقة؛ إضافة إلى إنفاذ خطة الرئيس الأمريكي وبالتعاون مع الكونجرس باستثمار 55 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات في إفريقيا، على أن يتم ذلك عبر آلية تتجسد في مذكرات تفاهم توقّع بين الولايات المتحدة، وسكرتارية منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية، وتؤكد على أسس لحركة تبادل ونشاط تجاري حصري عادل بين الجانبين، فضلًا عن المشاريع الطاقية مع بلدان شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية المتبادلة.
وهذه التطورات والمشاريع الغربية الأخيرة، تُعد خطوة إيجابية وتحولًا لافتًا من سياسة فرض الإملاءات إلى التعاون والشراكات؛ غير أن العديد من النقاط تثير التساؤلات حول مدى جدية الغرب في تنفيذ تلك المشروعات وطرق تمويلها؛ بالنظر إلى اعتماد القوى الغربية في علاقاتها مع دول العالم النامي، على منح القروض والإعانات، والتي تُعد وسيلة هي الأخرى للسيطرة غير المباشرة على دول العالم النامي.
السياسية الغربية الجديدة تجاه إفريقيا.. تعاون مثمر أم إستراتيجية جديدة للهيمنة؟
تحولت أنظار القوى الدولية نحو القارة الإفريقية في ظل الحرب الباردة الجديدة وصراع الاقتصاد والصناعة المحتدم ما بين قوى الشرق والغرب، وتوجد عدة نقاط إيجابية وأخرى سلبية في ذلك، فالجانب الإيجابي محاولة قوى الشرق والغرب استقطاب القارة إلى معسكرهم عبر مشاريع الشراكات والتعاون السياسي والاقتصادي التي تعود بالنفع على بلدان القارة؛ أما الجانب السلبي فاحتمالية تحويل القارة السمراء إلى ميدان للتصارع وحروب الميلشيات المدعومة خارجيًّا.
فبالنظر إلى تحركات القوى الغربية الأخيرة اتجاه إفريقيا، ودعمهم لقضايا الأمن والاقتصاد والسياسة، فقد اشتملت التحركات في شقها السياسي؛ على دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتمثيل الاتحاد الإفريقي للقارة الإفريقية في مجموعة العشرين كقوة اقتصادية وسياسية صاعدة وواعدة، ولم تقترب بعد من نسق عضوية الاتحاد الأوروبي بالمجموعة. (سكاي نيوز عربية).
والمغزى العميق الواضح الدلالة من هذا التوجه هو سعي الولايات المتحدة لجذب القارة الإفريقية كتجمع إلى الجانب الغربي على المستوى الدولي، بمساعدتها على تعاظم فرص استفادتها كتجمع، مما يمكن أن توفره مجموعة العشرين من دعم ومساعدة لدول القارة الإفريقية في إطار برنامج الاتحاد الإفريقي 2063م، في المجالات الثمانية عشرة للتنمية المستدامة التي يشملها البرنامج من جانب، والإسهام على نحو أو آخر في إطار مجموعة العشرين في صنع السياسة الاقتصادية للنظام الاقتصادي الدولي التي تتولى المجموعة شؤونه من جانب آخر.
وتُعد الخطوة الإيجابية في ذلك التمثيل: أنه سيتيح فرصًا غير مسبوقة لعرض الاحتياجات والمتطلبات الإفريقية التنموية بشكل مباشر، وفي محفل يضم الاقتصاديات الأكثر تقدمًا في العالم، بل ويمكن الإسهام في إطار ذلك المحفل في تسوية قضايا إفريقية تضطلع فيها دول أعضاء بدور بصددها؛ وهنا يجب الإشارة إلى أن الأمر على الأرجح، يقتصر في التقدير على المشاركة في الاجتماعات ولا يرقى إلى مرتبة العضوية في المجموعة، إلا ربما في مرحلة لاحقة لانتفاء شروط العضوية في الوقت الحاضر.
كما مثَّلت الخطوة الأمريكية اللافتة بدعم الاتحاد الإفريقي لحصوله على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، خطوة إيجابية بمردود سياسي ومعنوي، إذ أن الأمر مرتبط بعملية إصلاح أجهزة الأمم المتحدة وتطويرها، وهو أمر يواجه تعقيدات وتباطؤًا واختلافات في وجهات النظر بين الدول الكبرى وكذا بين دول القارة الإفريقية.
ويمثل تراجع القوى الغربية عن التمسك بحجة الديمقراطية، والتي يسعى من خلالها لفرض إملاءاته على الدول الإفريقية، خطوة إيجابية في إطار مقاربة جديدة تتسم بالشمول ودعم قضايا القارة الأساسية “الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وتتأسس على علاقات متوازنة ومصالح مشتركة.
وتأتي التحركات الغربية مع إدراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حقيقة الاستياء الشعبي الإفريقي من السياسات الغربية، وتعاظم نفوذ روسيا والصين في القارة؛ خاصة وأن إفريقيا أضحت اليوم أكثر من أي وقت مضى بما تمتلكه من وفرة في الموارد والثروات الطبيعية، وخاصة غير المستغلة؛ من أبرز وأهم متطلبات ومعطيات التقدم الاقتصادي إقليميًّا ودوليًّا.
وبالنظر إلى الإغراءات الغربية، ومشاريع الشراكات والتعاون الواسع مع القارة السمراء، يتبين للمراقب أنها تأتي ضمن إستراتيجية غربية جديدة لضمان الهيمنة على القارة؛ إذ إن رغبة الولايات المتحدة والقوى الغربية في حصول الاتحاد الإفريقي على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، يأتي بهدف الحصول على دعم عالمي لأي تحركات غربية ضد قوى الشرق في إطار الحرب الباردة الجديدة؛ كما أن معظم المشاريع الاقتصادية الغربية في القارة، تعتمد على منح قروض مالية وتخلوا من إقامة تجمعات صناعية في بلدان القارة، والتي من شأنها أن تحد من البطالة المتزايدة، وبالتالي فإن تلك المشاريع تأتي في إطار استمرار الاستعمار الاقتصادي بصورته الجديدة.
مستقبل القارة الإفريقية في ظل الحرب الباردة الجديدة:
أنتج التنافس ما بين قوى الشرق والغرب مستقبلًا جديدًا للقارة السمراء؛ فالقمم الأمريكية الإفريقية، والأوروبية الإفريقية، عكست اهتمامًا غربيًّا متصاعدًا بتغيير إستراتيجيتها اتجاه القارة الإفريقية، واهتمامًا والتزامًا بدعم قضايا القارة التنموية؛ وجاءت التحركات الغربية في إطار اندفاع قوى الشرق لإنهاء النفوذ الغربي في القارة.
لذلك جاءت القمم الغربية الإفريقية في صالح بلدان القارة إلى حد ما، في ظل دفع الدول الغربية القارة الإفريقية من خلالها للولوج والتواجد سياسيًّا واقتصاديًّا في مؤسسات النظام الدولي القائم (إفريقيا في مجلس الأمن، الاتحاد الإفريقي مجموعة العشرين، ربط المنطقة الحرة الإفريقية القارية بالمنطقة الحرة الأمريكية)، ذلك النظام الدولي الذي يتعرض لاهتزازات من جراء الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الأمريكي الصيني، وتداعياتهما التي تؤثر بلا شك على النظام الدولي ومستقبل العلاقات الدولية.
خاصة في إطار سعي تلك القوى لتوظيف القارة الإفريقية في ذلك التنافس، الذي بدأ يتبلور في تقارب صيني روسي (وربما تحالف سياسي اقتصادي تجاري بالدرجة الأولى) في مواجهة الولايات المتحدة، ومحاولة كلا الطرفين استقطاب إفريقيا بما تملكه من موارد وثروات طبيعية إلى معسكرهم؛ وباتباع القادة الأفارقة لسياسات براغماتية على غرار الهند، من الممكن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من التنافس الشرقي الغربي، وبروز إفريقيا من وسط الحرب الباردة الجديدة كتكتل عالمي اقتصادي وصناعي صاعد في المستقبل القريب.
الخلاصة:
– لطالما كانت القارة الإفريقية مطمعًا للعديد من القوى الدولية الخارجية طيلة قرون عدة، نتيجة لما تزخر به القارة من إمكانيات وموارد وثروات طبيعية هائلة، تمكن من تحقيق نهضة اقتصادية وصناعية شاملة في أي بلد؛ وبالتالي ونتيجة لذلك، تحولت إفريقيا إلى ساحة لمناطق النفوذ والمستعمرات للقوى الخارجية، بهدف الاستيلاء على موارد وثروات القارة، وخلق صراعات داخلية وعنف قبلي مسلح في المجتمعات الإفريقية؛ وعلى الرغم من استقلال معظم دول القارة الإفريقية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا أن العلاقات الاقتصادية مع العالم الغربي ظلت تصب في جانب المصالح الغربية، فيما يسمى بالاستعمار الاقتصادي.
– فرضت الحرب الباردة الجديدة، والصراع والتنافس الدولي المحتدم ما بين قوى الشرق والغرب، معادلات ومتغيرات عالمية جديدة، دفعت القوى الغربية إلى انتهاج إستراتيجيات جديدة للحد من التقارب والتعاون الإفريقي مع قوى الشرق؛ في ظل توسع النفوذ الشرقي والترحيب الشعبي في القارة السمراء على حساب المصالح الغربية، ما دفع الغرب إلى تنظيم قمم ولقاءات وإبرام اتفاقيات وشراكات جديدة مع القارة السمراء، للحد من توسع نفوذ قوى الشرق (روسيا والصين) في إفريقيا.
– على الرغم من الإنجازات المتواضعة للقمم الغربية الإفريقية؛ إلا أنها لا تكفي لتلبية الاحتياجات الإفريقية، لكن اتخاذ بعض الخطوات الواضحة إلى الأمام هو مكسب لا يمكن إنكاره، بالإضافة إلى مكسب آخر تمثل في أن العقلية الاستعمارية القديمة للاتحاد الأوروبي والقوى الغربية والنظرة الاستعلائية تجاه الأفارقة، قد بدأت تتلاشى تدريجيًّا، وأصبح هناك اتجاه نحو شراكة حقيقية بعيدًا عن ديناميكية (المانح – المتلقي)، حتى وإن كانت هذه الشراكة لا تزال في طور النمو؛ إلا أنها تُعد خطوة إيجابية نحو تحسين وضع القارة السمراء في المحافل الدولية.
المصادر:
مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة