التحركات الآذَرِيَّة في منطقة القوقاز وتطلعات القِوَى الإقليمية والدولية

التحركات الآذَرِيَّة في منطقة القوقاز وتطلعات القِوَى الإقليمية والدولية

عقب انتصارها على أرمينيا في حرب عام 2020م، واستعادتها السيطرة الكاملة على إقليم كاراباغ في سبتمبر 2023م، وفي ظل ما تمتلكه من موارد وثروات طاقية؛ تطمح أذربيجان إلى الصعود إقليميًّا وعالميًّا انطلاقًا من ورقة الطاقة، في ظل ما يشهده العالم من نقص في إمدادات الغاز الطبيعي والطاقة بصورة عامة وتحديدًا أوروبا، نتيجة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؛ وتتطلع أذربيجان إلى خط أنابيب (باكو – تبليسي – جيهان) والذي من المتوقع أن يؤدي دورًا أساسيًّا في رسم خريطة أمن الطاقة في منطقة القوقاز، في ظل زيادة تطلعات القِوَى الأوروبية إلى القوقاز كمصدر بديل للطاقة الروسية. 

كما أن الاهتمام الروسي والأمريكي بنفط منطقة القوقاز وغازها، قد سلط الضوء أكثر على أبعاد التحركات المختلفة في القوقاز، في ظل السياسة الروسية المغايرة في استبعاد أرمينيا وتهميشها؛ ما دفع طِهران إلى تعزيز تحالفها مع يريفان، التي تعزز من تحركاتها للتقارب مع الغرب؛ فالتحركات المختلفة في منطقة القوقاز قد أعادت رسم خريطة التحالفات في المنطقة، وفتحت الباب أمام التساؤلات عن مستقبل المنطقة في ظل الحرب الباردة الجديدة. 

فكيف يمكن قراءة التحركات الآذَرِيَّة لتعزيز التحالفات والتقاربات في المنطقة؟ وكيف تتطلع أذربيجان للهيمنة الإقليمية في المنطقة؟ وكيف يمكن قراءة إستراتيجية باكو في منطقة القوقاز؟ وكيف تحولت منطقة القوقاز إلى ساحة لاستقطاب القِوَى الإقليمية والدولية في ظل الحرب الباردة الجديدة؟ وفي ظل تعقد التحالفات وتداخل المصالح، ما مستقبل منطقة القوقاز في ظل المستجدات الحالية؟ 

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على؛ أبعاد التحركات الآذَرِيَّة لتوطيد التحالفات في منطقة القوقاز وتطلعات القِوَى الإقليمية والدولية اتجاه الموارد الطاقية في القوقاز؛ في هذه السطور الآتية. 

التحركات الآذَرِيَّة في منطقة القوقاز:

تتجاوز تحركات أذربيجان الدبلوماسية حدود علاقاتها الدولية التقليدية، وكذا حدود جغرافيتها السياسية؛ إذ تطمح أذربيجان إلى بناء شبكة من التحالفات والمصالح الإقليمية والدولية، والاستفادة من موقعها الجغرافي ومواردها الاقتصادية والطاقية، وتعزيز دورها الإقليمي في منطقة تُعد محورية للقوى الدولية، في ظل تطلع الاتحاد الأوروبي لموارد النفط والغاز الطبيعي بعيدًا عن الاتحاد الروسي؛ فالحرب الروسية الأوكرانية وصراع أرمينيا وأذربيجان قد خلطوا أوراق المنطقة وأعادوا ترتيب التحالفات. 

إذ يمثل الـ19 من سبتمبر 2023م، تاريخ سيطرة أذربيجان على إقليم ناغورني كاراباخ عسكريًّا عقب عملية لم تستغرق سوى يوم واحد؛ بداية مرحلة انتقالية في جَنُوب القوقاز؛ تلك المنطقة التي تزداد أهميتها في الإستراتيجية الدولية والتنافس بين اللاعبين الدوليين، وعلى رأسهم: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا، وبين اللاعبين الإقليميين ومنهم تركيا وإيران وإسرائيل التي دخلت على الخط، من خلال ترتيب علاقات جيدة مع أذربيجان.

ويبدو أن نجاح باكو في حسم صراع كاراباغ لصالحها؛ يأتي نتيجة لنجاحها في استغلالها الجيد للظروف المحيطة المتمثلة في انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وتوتر العلاقات بين موسكو ويريفان وسعي الأخيرة إلى التقارب مع القِوَى الغربية؛ هذا بجانب الدعم التركي غير المحدود لأذربيجان في حربها الأخيرة ضد أرمينيا. 

أذربيجان ومعضلة الدور الروسي في القوقاز:

وفي هذا السياق المتشابك؛ شهدت العلاقات الروسية الأذربيجانية تحولات جوهرية نحو المزيد من التقارب، في الوقت الذي أصبحت فيه العلاقات بين روسيا وأرمينيا أكثر توترًا، وذلك بفعل قيام أذربيجان بدور محوري في مساعدة روسيا على إبقاء أنشطتها الاقتصادية بعيدة عن طائلة منظومة العقوبات الأمريكية الأوروبية، بجانب توطيد العلاقات فيما بين الطرفين؛ وعلى الرغم من اتباع أذربيجان بصورة رسمية لسياسات حيادية ومتوازنة في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية وصراع الغرب والاتحاد الروسي، وبناء علاقاتها بموسكو انطلاقًا من إرثها التاريخي باعتبارها إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق والإمبراطورية الروسية. 

فإن باكو قد تمكنت من تعزيز علاقتها وشراكاتها المختلفة مع موسكو دون إغضاب القِوَى الغربية، عبر سياسات موزونة تأخذ بعين الاعتبار ظروف ومتغيرات الحرب الباردة الجديدة؛ إذ شهدت السنوات الأخيرة كثافة ملحوظة في التحركات والانفتاح الدبلوماسي المتبادل بين روسيا وأذربيجان، فعلى سبيل المثال قام الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” بزيارة موسكو، في شهر أبريل 2024م، والتقى الرئيس الروسي “بوتين” ليتم خلال الزيارة تأكيد التقارب الإستراتيجي بين الدولتين. (روسيا اليوم).

كما استقبل الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي “كونستانتين كوساتشيف” ورئيس مجلس الدوما “ليونيد كلاشينكوف” في 2 مايو 2024م، ليؤكد خلال اللقاء أن باكو وموسكو تظهِران أعلى مستوى من التعاون في حل القضايا الحاسمة في جدول الأعمال الثنائي والمتعدد الأطراف، مضيفًا أن روسيا مثلت عاملًا هامًّا لتنمية جَنُوب القوقاز. 

وعملت كل من روسيا وأذربيجان، خلال السنوات الماضية على تطوير أطر جديدة للتعاون فيما بينهما؛ فعلى سبيل المثال: وقعت أذربيجان على إعلان للتعاون مع روسيا في فبراير 2022م، وعلى الرغم من عدم تضمنه على البنود والحقوق التي منحها اتفاق التعاون الموقع مسبقًا بين تركيا وأذربيجان، فإن مراقبين أشاروا إلى أنه كان بمنزلة وثيقة ضمان قدمتها باكو طواعية إلى موسكو؛ لتأكيد عدم تطلعها إلى تحدي الكرملين أو تبني سياسات مقلقة لروسيا؛ وذلك على غرار سياسات كل من مولدوفا وأوكرانيا وجورجيا، بما يمنع أي تحرك عدائي من روسيا في مواجهتها خاصة فيما يتعلق بصراع إقليم كاراباخ. 

وجاء التوقيع أيضًا بالتزامن مع بَدْء الحرب الروسية الأوكرانية؛ ما منح باكو القدرة على المراوغة، وعدم التعرض للانتقاد من قبل الدول الغربية، التي ركزت بصورة كبيرة على تطورات الأوضاع على طول الحدود الروسية الأوكرانية؛ فالتحركات الأذربيجانية اتجاه روسيا، قد ضمنت لباكو تحييد موسكو عن صراع كاراباغ، أو على الأقل إقصار التدخل الروسي في الصراع الأرميني الأذربيجاني على الدور السياسي والدبلوماسي فقط. (إنترريجورنال للتحليلات الإستراتيجية).

الدور الإيراني في المنطقة وأزمة العلاقات الإيرانية الآذَرِيَّة:

تُعد إيران حاليًّا الدولة الأكثر قلقًا من تغير موازين القِوَى جَنُوب القوقاز، وذلك انطلاقًا من عدة قضايا داخلية وخارجية حساسة بالنسبة إلى طهران أبرزها؛ وجود أقليات وقوميات أذرية في الداخل الإيراني، فتوسع النفوذ الآذري وزيادة دور أذربيجان إقليميًّا، قد يدفع الأقلية الآذرية في الداخل الإيراني إلى المطالبة بحكم ذاتي أو السعي للانضمام إلى أذربيجان. 

كما أن توسع النفوذ التركي عبر حدود إيران الشِّمالية، يقلل من قدرتها على التأثير في المنطقة الإستراتيجية؛ ومع فشل سياسات التصعيد التي انتهجتها إيران في التعامل مع أذربيجان خلال السنوات الأخيرة، عملت طِهران على تطبيع العلاقات مع جيرانها للحفاظ على دورها الإقليمي؛ إذ فتحت التطورات الجديدة في جَنُوب القوقاز نافذة لتقارب محتمل على المدى الطويل بين إيران وأذربيجان. 

حيث تهتم طِهران بتحسين العلاقات مع باكو للحفاظ على دورها في العبور الإقليمي، وكجزء من جهد أوسع لتطبيع العلاقات المتأزمة؛ فخلال أوائل شهر مارس الماضي، التقى وزيرا خارجية أذربيجان وإيران لمناقشة إعادة تشغيل السِّفَارة الآذرية في طهران، إذ أن الهجوم على سِفَارة أذربيجان في طهران خلال شهر يناير 2023م، قد أوقف مؤقتًا بعثه باكو الدبلوماسية في طهران، مما أثار المخاوف من انهيار شامل في العلاقات الثنائية. (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

وفي ذلك الوقت كانت التوترات بين البلدين تتصاعد، وأصبحت إيران متخوفة بشكل متزايد تجاه تغير ميزان القِوَى في جَنُوب القوقاز، حيث تسعى أذربيجان إلى تعزيز نفوذها ودورها الإقليمي في المنطقة؛ إذ أن إصرار باكو على فتح ممر زانجيزور وفقًا للبيان الثلاثي (أرمينيا وأذربيجان وروسيا) الذي أنهى حرب كاراباغ 2020م قد أزعج صناع السياسة الإيرانيين؛ لأن مثل هذا التطور من شأنه أن يعزل طِهران بشكل فعال عن العبور الإقليمي. 

كما أعربت إيران عن قلقها بشأن دور تركيا المتزايد في جَنُوب القوقاز، خوفًا من احتمال إنشاء ممر تركي على طول حدودها الشِّمالية؛ وعلى الرغم من محاولات الجانبان الإيراني والآذري التهدئة خلال الأشهر الأخيرة؛ إلا أنه لا يبدو أن هناك أفق قريب لحل شامل لخلافات طِهران وباكو، بل على العكس؛ ففي تقديري ومع سعي باكو لتعزيز دورها إقليميًّا، يبدو أن العلاقات الإيرانية الآذرية ستتجه لمزيدًا من التصعيد خلال السنوات القادمة، مع زيادة الأهمية الاقتصادية والطاقية لمنطقة القوقاز. 

تنافس القوى الإقليمية والدولية على الطاقة في القوقاز:

لم يكن التنافس على موارد الطاقة في جَنُوب القوقاز جليًّا في المراحل السابقة؛ فخلال الحِقْبَة السوفيتية، كانت المنطقة بكاملها تقع تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي الأمر الذي أدى إلى توحيد وحصر السيطرة على إنتاج وتصدير النفط والغاز فيها، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991م، حصلت دول جَنُوب القوقاز الثلاث (أذربيجان وجورجيا وأرمينيا) على الاستقلال. 

بحيث أدى هذا التحول الجيوسياسي إلى إعادة رسم الحدود الوطنية لهذه الدول وفتح المجال أمام اكتشاف حقول نفط وغاز جديدة؛ فشكل اكتشاف حقل النفط العملاق الأذربيجاني (شيخ زايير) في أوائل التسعينيات نقطة تحول جوهرية، الأمر الذي عزز بمقدار كبير إمكانات أذربيجان وحولها إلى مصدرًا رئيسيًّا للطاقة في المنطقة. 

فمع ظهور كيانات سياسية جديدة في جَنُوب القوقاز؛ برزت قِوَى إقليمية ودولية مختلفة تتنافس على بسط النفوذ في سوق الطاقة الناشئة، بحيث سعت تركيا في اعتبارها جارة إقليمية لها علاقات تاريخية وحضارية وثقافية مع أذربيجان، إلى تأمين وصولها إلى موارد الطاقة في بحر قزوين. 

على الجانب الآخر: حافظت روسيا على نفوذ كبير في المنطقة بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطها بدول القوقاز وتحديدًا أرمينيا كونها كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي السابق؛ بالإضافة إلى ذلك، دخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى حِلْبَة المنافسة، حيث سعى كل منهما إلى تقليل اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية وتعزيز الاستقرار الإقليمي. 

وفي ظل امتلاك أذربيجان لنحو 2 تريليون و600 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكد، إلى جانب عمليات التنقيب والاستكشاف الواسعة والمستمرة للنفط في الأراضي الآذرية، فضلًا عن موقعها الجغرافي الرابط بين الشرق الأوسط وشرق أوروبا ومنطقة الأناضول؛ تطمح باكو إلى الهيمنة الإقليمية عبر ورقة الطاقة، في ظل ما يشهده العالم من أزمات طاقة متصاعدة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الاقتصادي والتجاري ما بين الشرق والغرب. 

إستراتيجية باكو للهيمنة على القوقاز:

إذ تنطلق باكو في إستراتيجياتها نحو تعزيز الهيمنة والنفوذ الإقليمي في منطقة القوقاز من عدة محددات أبرزها؛ تصفير مشاكلها الخارجية مع الدول الإقليمية، واتباع سياسات حيادية في التعامل مع ظروف ومتغيرات الصراع الدَّوْليّ في ظل الحرب الباردة الجديدة؛ ويبدو أن السياسة الأذربيجانية الخارجية قد أدت أوكُلها في ظل علاقات باكو الجيدة التي تجمعها بموسكو وأنقرة والقوى الأوروبية، والسعي لحل الخلافات بينها وبين طِهران. 

كما أن مشاريع خطوط أنابيب الغاز الممتدة من بحر قزوين في أذربيجان وحتى دول الاتحاد الأوروبي مرورًا بالقوقاز والأناضول وجنوب روسيا، قد عزز من الثقل الإقليمي لباكو؛ ففي القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين يتم نقل الغاز من حقل (شاه دنيز) عبر جورجيا إلى تركيا، وهو يمر عبر خط أنابيب (باكو – تبيليسي – جيهان) ويرتبط بنظام توزيع الغاز التركي، الذي يمر 443 كيلومترًا من خط الأنابيب عبر أذربيجان و250 كيلومترًا عبر جورجيا؛ ويدخل الغاز والمكثفات من حقل (شاه دنيز) إلى محطة سانجاشال، ثم يتم نقلها عبر خط الأنابيب في تركيا، إذ يدخل الغاز أرضروم عن طريق نظام توزيع تابع لشركة بوتاس في البلاد. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

هذا إلى جانب مشروع خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، والذي سينقل الغاز الأذربيجاني عبر جورجيا وتركيا إلى الأسواق الأوروبية؛ ففي 26 يونيو 2012م، كان أول اتفاق بشأن القضايا التنظيمية لتنفيذ مشروع رئيسي جديد بين أذربيجان وتركيا، والمسمى خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (تاناب). 

وقد وضع الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والرئيس الجورجي “جورجي مارغفلاشفيلي” مشروع خط الغاز الطبيعي عبر الأناضول الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار في كارس؛ وقد ازداد التركيز الأوروبي على موارد الطاقة في أذربيجان خلال العامين الأخيرين مع أزمة الطاقة المتصاعدة في أوروبا. 

وتدرك روسيا إمكانات أذربيجان الطاقية وتداعيات ذلك على مصالحها؛ إذ اقترح سفير روسيا في بحر قزوين “فيكتور كاليوجني” التخلي عن خط أنابيب الغاز (باكو – أرضروم) ونقل الغاز الأذربيجاني إلى البحر الأسود عبر خط أنابيب (بلو ستريم) إلى تركيا؛ ومع ذلك، قال مسؤولين أمريكيين “إنه سيكون من الأفضل لأذربيجان الحفاظ على السيطرة على إمكاناتها التصديرية وعدم الاعتماد على خطوط أنابيب محتكرة لموردين آخرين”. 

وعلى الرغم من تعارض المصالح الآذرية الروسية في هذا الصدد؛ إلا أن الطرفان قد تجاوزوا الخلاف العالق بينهم، فمع بَدْء الحرب الروسية الأوكرانية العام 2022م وعجز أذربيجان عن تعويض الغاز الروسي البالغ 155 مليار متر مكعب إلى أوروبا، كشف مراقبين عن أن خط أنابيب الغاز (باكو – تبيليسي- أرضروم) قد أصبح قناة للتصدير المقنع للغاز الطبيعي من روسيا، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية. (CNBC عربية).

الدور الأمريكي في مشاريع الطاقة بالقوقاز:

عند الحديث عن مشاريع وخطوط الغاز الأذربيجانية في منطقة القوقاز، لا بد من الإشارة إلى الدور الغربي في المنطقة؛ إذ إن خط أنابيب (باكو ـ تبليسي ـ جيهان) قد أُنشئ بدعم أمريكي، مما يوضح إستراتيجية الولايات المتحدة النفطية في المنطقة، التي تهدف في جزء منها إلى إمكانية ربط نفط شرق المتوسط وغازه بهذا الخط عبر منطقة جيهان التركية، الأمر الذي يتيح نقل النفط والغاز بكمية كافية إلى القارة الأوروبية. 

إذ تعتمد هذه الإستراتيجية على جمع مصالح حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في شرق المتوسط وجنوب القوقاز، من خلال خلق مصالح اقتصادية مشتركة بين هذه الدول؛ وهذا ما يتضح أكثر من خلال اتفاقات الغاز المشتركة التي تتبلور في المنطقة، وكذلك من خلال نشاط الشركات البترولية الأمريكية في شرق المتوسط وخصوصًا في قبرص وإسرائيل. 

مستقبل منطقة القوقاز في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية:

وفي رده على الدور الأمريكي في المنطقة؛ غزا الاتحاد الروسي أوسيتيا الجنوبية عام 2008م، مهددًا بذلك جورجيا المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين أبرز أهداف هذه الخطوة الروسية، كانت وقف تطلعات جورجيا الساعية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو، وإعادة تأكيد السيطرة الروسية في المنطقة. 

كما أظهرت هذه الحرب رغبه روسيا حينها في القضاء على خط النفط (باكو ـ تبليسي ـ جيهان) نظرًا لما يشكله من خطر على أمن الطاقة الروسي في جَنُوب القوقاز وشرق المتوسط؛ وفي هذا الصدد، فقد عزز رد فعل الغرب الضعيفة حينها موقف روسيا قبل أن يتحول الخط في عام 2022م إلى غطاء لتصدير الغاز الروسي المقنع إلى أوروبا. 

وتتحالف أرمينيا، التي لديها مظالم تاريخية مع كل من أذربيجان وتركيا، مع روسيا؛ فبسبب هذه النزاعات، تم استبعاد أرمينيا من تعاون مجموعة تركيا وأذربيجان وجورجيا عام 2006م، والتي كانت لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدعم الروسي، وفي هذا السياق، شهدت حرب كاراباغ 2023م الأخيرة استعادة أذربيجان للأراضي بدعم تركي كبير، كما أثار موقف روسيا من الحرب الأذربيجانية الأرمينية عام 2020م وسياستها شبه المحايدة في الصراع، تساؤلات حول ولاءاتها الحقيقية. 

إذ يجادل مراقبين في أن روسيا تهدف إلى إضعاف قيادة أرمينيا والضغط من أجل قيام حكومة أرمينية موالية لها، كذلك ومن خلال السماح لأذربيجان بكسب الأراضي، أشارت روسيا إلى هيمنتها ووضعت نفسها كضامن حيوي للأمن لأرمينيا؛ وعززت الأخيرة من علاقاتها مع إيران وفرنسا والولايات المتحدة. (اندبندنت عربية).

وفي ظل تزايد الأهمية الاقتصادية والطاقية والجغرافية لمنطقة القوقاز، والصعود اللافت لأذربيجان وتركيا في المنطقة؛ يبدو أن الحرب الباردة الجديدة سيكون لها تأثيرًا جديدًا على تطورات العلاقات الإقليمية والدولية في القوقاز، فالولايات المتحدة وفرنسا تسعى إلى استقطاب أرمينيا، ويبرز ذلك من خلال المناورات العسكرية الأمريكية الأخيرة في يوليو الماضي، إلى جانب سعي الغرب للضغط على روسيا في عدة مناطق مختلفة حول العالم، من بينها شرق أوروبا والقوقاز.   

الخلاصة:   

– دفعَت سياسات الحلفاء والشركاء الإقليميين والدوليين، أطراف الصراع خلال حرب السيطرة على إقليم ناغورني كاراباغ، إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة؛ فالعلاقات الروسية الأرمينية والتي بُنيت على أساس التعاون المشترك والدفاع المتبادل في إطار معاهدة الأمن الجماعي، تتجه إلى الانهيار السريع، في ظل ما تراه يريفان تقاعسًا روسيًّا عن دعمها في حرب عام 2020م، ما دفع أرمينيا إلى تعزيز تقاربها مع إيران، وفرنسا، والولايات المتحدة؛ كما وأن حرب عام 2020م، قد زادت من فعالية الدور التركي في المنطقة، مع ما قدمته أنقرة إلى باكو من مساعدات واسعة؛ ويبدو أن خريطة التحالفات والشراكات في منطقة القوقاز، باتت تضم اليوم أرمينيا وإيران والولايات المتحدة من جهة، وتركيا وأذربيجان من جهة أخرى، في ظل ما يمكن تسميته بتخبط في السياسة الروسية إزاء قضايا المنطقة، ودورًا أمريكيًّا وأوروبيًّا صاعدًا. 

المصادر:

روسيا اليوم

إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية

مركز الروابط للبحوث والدراسات المتقدمة

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

CNBC عربية

إندبندنت عربية

Comments (0)
Add Comment