التصعيد التركي – اليوناني… تهدئة أم حرب؟

التصعيد التركي – اليوناني… تهدئة أم حرب؟

تتوجه الأنظار نحو الأزمة الروسية – الأوكرانية؛ إلا أن هناك بعض الأحداث الجانبية التي تثير مخاوف العالم؛ فعلى الصعيد الأسيوي نجد التنين الصيني تجاه تيوان، ومن ناحية أخرى: نجد كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وبالنظر إلى تركيا نجد هناك تصعيدًا لها مع اليونان، فهذه الأحداث كلها صاحبة صدى مروع ينذر بالحرب العالمية الثالثة، والتي ستكون أكثر ضراوة من سابقيها كما وصفها المحللون.

وفي هذه الورقات نلقي الضوء على التصعيد التركي – اليوناني والذي يضعف تاسك الناتو؛ لأنهما عضوين بحلف شمال الأطلسي، فعلى سبيل المثال: نجد حدة التصريحات والتهديدات وصلت مداها، والسبب وراء ذلك: الأزمة الموجودة حول ملكية الجزر البحرية الواقعة في إيجة والممتدة على طول سواحل البحر المتوسط، وما يلحقها من تنقيب، كذلك تقسيم الحدود البحرية وجزيرة قبرص.

هذه الأحداث المتلاحقة في العالم لم تكتفِ؛ إلا أنها تريد أن تدق ناقوس الخطر من اشتعال الحرب التي من الممكن أن تعصف بالبلدين كما حصل بين الروس والأوكران؛ مما ألقت بظلالها على العالم كله، وتسببت في أزمات متلاحقة تضررت من دول الشرق والغرب.

حرب التصريحات بين الطرفين:

3 سبتمبر 2022 تحول التركي أرودغان في خطابه، من مجرد “التشكيك في سيادة” اليونان على جزر بحر إيجة، إلى اتهامها “باحتلال” تلك الجزر، مُهددًا بإمكانية شن عمل عسكري ضد اليونان في أي لحظة، ومُستشهدًا في ذلك بمعركة إزمير عام 1922، عندما طرد كمال أتاتورك اليونانيين في حربه لتحرير تركيا الحديثة.

وجاءت تهديدات أردوغان، عقب اتهام تركيا لليونان بمضايقة مقاتلاتها فوق بحر إيجة وشرق المتوسط؛ ففي يوم 23 أغسطس 2022، اتهمت وزارة الدفاع التركية اليونان باستهداف مقاتلاتها من طراز “إف – 16” أمريكية الصُنع أثناء قيامها بعملية عسكرية ضمن مهام حلف “الناتو” فوق البحر المتوسط، بتتبع طائراتها والتشويش عليها من قِبل رادارات نظام الدفاع الروسي “إس – 300” الذي تمتلكه اليونان في جزيرة كريت؛ الأمر الذي اعتبرته تركيا عملًا عدائيًّا ضدها، وفقًا لقواعد الاشتباك في حلف “الناتو”.

 وبينما أنكرت اليونان تفعيل هذه المنظومة، أكدت أنقرة وجود تسجيلات تؤكد وقوع الحادثة ستقوم بإرسالها إلى الأمين العام للناتو، وإلى وزارات دفاع جميع الدول الأعضاء في الحلف.

 وفي 25 أغسطس 2022، اتهمت وزارة الدفاع التركية، مقاتلات “إف – 16″ يونانية باعتراض مقاتلتين تركيتين، كانتا تنفذان مهامًا لحلف الناتو فوق بحر إيجة، مضيفة: أن الطائرتين ردتا بـ”قوة”.

وفي المقابل: وجَّه وزير خارجية اليونان، نيكوس ديندياس، يومي: 5 و6 سبتمبر 2022، 3 خطابات لكلٍّ من حلف “الناتو” والاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة، بشأن ما وصفه بـ”عدوان تركيا المُتنامي”، حيث استعرض ما ورد في خطابات أردوغان، وما تضمنته من اتهامات وتهديدات مباشرة للأمن القومي اليوناني، مُطالبًا بإدانة هذه “الخطابات العدوانية”، على حد وصفه، ووضع حدٍّ لها قبل أن تتحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة بين البلدين(1).

خلفيات التوترات بين البلدين:

عدد من المسائل الخلافية بين البلدين أدَّت للتوتر وتبادل التهديدات مؤخرًا، أبرزها: اتهام تركيا لليونان بتسليح جزر بحر إيجة، حيث تعتبر تركيا أن اليونان تخالف بذلك الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية لوزان 1923، واتفاقية باريس 1947، والتي تضمنت تعهد اليونان بعدم عسكرة هذه الجزر المقابلة للسواحل التركية.

وأيضًا: هناك الضغوط التي تمارسها اليونان على الولايات المتحدة لوقف صفقة مقاتلات “إف 16” لتركيا، بتهمة أن تركيا تستخدم هذه المقاتلات لانتهاك المجال الجوي اليوناني؛ بالإضافة لذلك هناك زيادة التعاون العسكري بين اليونان والولايات المتحدة، والذي شهد تناميًا لافتًا في الآونة الأخيرة، حيث تعزز الولايات المتحدة نفوذها العسكري في البلدات اليونانية الحدودية مع تركيا، بحسب اتفاقية للدفاع المشترك وُقّعت بين الطرفين عام 1990.

ومن الأسباب أيضًا: أهمية جزر بحر إيجة، في ظل أزمة الطاقة العالمية، حيث الخلاف التركي اليوناني على خرائط ترسيم الطاقة في بحر إيجة، كما أن حكومة أردوغان، تعمل مع اقتراب الانتخابات التركية على توظيف الخطاب القومي والديني(2).

أضحية غربية… “أوكرانيا أنموذج”:

يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي “يوسف كاتب أوغلو” أنها منطقية بعد أن وصلت الرسالة التركية للجارة اللدود التي يرى أن من يدفعها للتحرش بتركيا هو الغرب، كما فعل مع أوكرانيا وروسيا، مؤكدًا: أن اليونان تدرك أنها لا يمكن أن تتحمل عواقب المواجهة مع تركيا.

ويقول أيضًا في تصريح له: “اليونان التي تُعتبر الطفل المدلَّل لأوروبا وأمريكا تقوم بخروقات تجاه تركيا بدفع من الغرب، الذي يريد التغرير بها في مواجهة مع تركيا، حيث نقضت اتفاقيتي: لوزان ١٩٢٣، وباريس ١٩٤٥ التي تنص المادتان الأولى والثالثة منها على جعل الجزر المحاذية للشواطئ التركية منزوعة السلاح، لكنها للأسف سمحت مؤخرًا للولايات المتحدة بإنشاء ١٢ قاعدة عسكرية فيها بهدف استفزاز أنقرة”.

ويضيف “أوغلو”: للأسف نفس المخطط الذي جرى في أوكرانيا يبدو أن الغرب يريد تكراره بيننا وبين اليونان من أجل استنزاف تركيا عسكريًّا وسياسيًّا، لكن الشعب التركي وحكومته واعون لهذا المخطط، ولن ينجروا له، وشن حرب خيار غير وارد بالنسبة لتركيا، لكنها في الوقت نفسه لن تتردد في الردِّ على أي استفزازات أو تهديد لأمنها القومي(3).

سيناريوهات متوقعة:

ارتفع منسوب التوتر بين البلدين على مدى الشهور الفائتة وبلغ ذروته، ولم يقف الأمر عند شكوى البلدين كل منهما للآخر لدى المنظمات الدولية والإقليمية، وإنما بدأ الحديث في البلدين عن احتمالات الحل العسكري وسيناريوهاته، بل والاستعداد له، وهنا نحن أمام سيناريوهات متوقعة وهي الآتي:

أولًا: سيناريو عدم التصعيد العسكري، واللجوء إلى الحوار هو الأقرب للواقع لعدة اعتبارات، ومنها:

1- أن هذا النوع من التصعيد لن يكون في مصلحة أي طرف في الأزمة، خاصةً في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات أمنية واقتصادية؛ بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو الأمر الذي يُرجح معه أن تعمل كلٌّ من الولايات المتحدة وأوروبا على خفض حدة التوترات بين تركيا واليونان، وحل أزمتهما دبلوماسيًّا عبر الحوار، في ظل الحرص على تماسك حلف “الناتو” والتحالف الغربي في مواجهة روسيا.

2- سيكون من الصعب على الحكومة التركية أن تُجازف بدخولها في ساحة حرب جديدة، تُكبدها المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية؛ خاصةً في ظل استمرار تعزيز اليونان لسلاحها الجوي بأحدث الأنظمة الغربية والإسرائيلية.

3- على الرغم من الدعم الأمريكي والأوروبي لليونان، فإن أثينا تُدرك أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لن يُقدِموا على اتخاذ موقف مُضاد لتركيا، كما حدث من قبل، عندما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أنقرة في نوفمبر 2019 وفبراير 2020 على خلفية النزاع في شرق المتوسط؛ وذلك في ظل تداعيات حرب أوكرانيا، حيث تُمثِّل تركيا ورقة مُتاحة للغرب في ملف الغاز، وكوسيط في الأزمة الأوكرانية، وأيضاً حتى لا تقترب أنقرة من موسكو.

ثانيًا: سيناريو الحرب:

وهو احتمال غير مُرجح حدوثه، ولكن يظل يخشاه البعض، لا سيما في حال استمرار تصعيد الاتهامات والتهديدات المُتبادلة بين الجانبين: التركي واليوناني؛ خاصةً فيما يتعلق بمسألة تسليح جزر بحر إيجة، الأمر الذي تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها القومي، فضلًا عن رغبة أردوغان في استثمار التوتر مع اليونان لتعزيز فرصه وحزبه الحاكم في الانتخابات القادمة(4).

ردود الفعل الغربية:

يستشعر الغربيون الخطر، وتكاثرت دعوات التهدئة التي جاءت من جانبي المحيط الأطلسي، فالخارجية الأميركية سارعت إلى دعوة الطرفين إلى إيجاد حلول لنزاعاتهما عبر الطرق الدبلوماسية، وقال متحدث باسم الوزارة معلقًا على تصريحات أردوغان: إنه «في وقت غزت فيه روسيا مرة أخرى دولة أوروبية ذات سيادة، التصريحات التي يمكن أن تثير خلافات بين الحلفاء في الناتو غير مفيدة»، مضيفًا أن الولايات المتحدة «تواصل تشجيع حلفائنا في الناتو على العمل معًا للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة وحل الخلافات دبلوماسيا».

والدعوة نفسها سمعت من جانب الاتحاد الأوروبي، وجاء في بيان لبيتر ستانو، المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن «التصريحات العدائية المستمرة من جانب القيادة السياسية لتركيا ضد اليونان… تثير مخاوف كبيرة وتتناقض تمامًا مع جهود التهدئة التي تشتد الحاجة إليها في شرق البحر المتوسط».

وأشار إلى أن «التهديدات والخطابات العدوانية غير مقبولة ويجب أن تتوقف»، لافتًا إلى مطالب الاتحاد الأوروبي بتسوية الخلافات سلميًّا، وفي إطار الاحترام الكامل للقانون الدولي.

وأضاف أن «الاتحاد الأوروبي يكرر توقعاته بأن تعمل تركيا بجد على تهدئة التوتر بطريقة مستدامة لمصلحة الاستقرار الإقليمي في شرق البحر المتوسط… وأن تحترم بشكل كامل سيادة وسلامة أراضي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

أما فرنسا، فقد عبرت وزيرة خارجيتها مرتين: الأولى في أنقرة والثانية في أثينا، عن «مخاوف» بلادها من تدهور الوضع(5).

الخلاصة:

هناك العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي تزكي النار بين أنقرة وأثينا، كذلك من الممكن أن تدفع البلدين نحو الصدام؛ إلا أن حسابات هذا الخيار ستكون صعبة وكارثية، على الرغم من عضوية البلدين في الناتو، كذلك هناك مخاوف من دخول أطراف ثالثة على خط الصدام وغيرها من العوامل، تجعل المواجهة العسكرية بين البلدين غير مرجحة.

وهذه التصريحات الحادة والنبرة المستفزة على الصعيدين والعالية السقف باتجاه بعضهما البعض كرسائل للداخل حيث البلدان على مقربة من استحقاقات انتخابية مهمة لكليهما، وكذلك كرسائل قوة باتجاه الطرف الآخر للردع وتقليل احتمالات الصدام أصلًا.

كذلك لا يمكن أن ننسى تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، يوم 11 سبتمبر 2022، التي أكد خلالها على أن قنوات الحوار مفتوحة مع الجانب التركي، وأن قمة الاتحاد الأوروبي غير الرسمية المُزمع انعقادها في مطلع شهر أكتوبر المقبل ستكون فرصة لحل الأزمة من دون الدخول في تصعيد عسكري؛ هي في واقع الأمر لا تُعبر فقط عن وجهة النظر اليونانية، بل كل الأطراف الدولية في ها التوقيت.

1- مركز المستقبل للأبحاث والدراسات

2- مركز الحل للأبحاث والدراسات

3- أورينت

4- الجزيرة

5- الشرق الأوسط

أردوغاناليونان