كيف ساعدت إيران الحوثيين في بناء ترسانتهم العسكرية؟
تمثل التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني واحدًا من أخطر التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط؛ فقد عمدت إيران إلى تقديم دعم واسع النطاق لجماعة الحوثيين في اليمن، حيث زودتهم بالسلاح، والتكنولوجيا العسكرية، والخبرات القتالية، ما أدى إلى تعزيز قدراتهم العسكرية بشكل غير مسبوق.
ويظهر ذلك من خلال استخدام الحوثيين كأداة للضغط على دول الجوار، خصوصًا المملكة العربية السعودية، وذلك عبر إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة واستهداف المنشآت الحيوية.
في هذا السياق، تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أبعاد الدعم الإيراني للحوثيين، وأهدافه الإستراتيجية، وآثاره المدمرة على أمن المنطقة واستقرارها، كما تسعى إلى تحليل الأدوات والأساليب التي تستخدمها إيران لتحقيق هذه الأهداف، مع استعراض التداعيات السياسية والعسكرية الناتجة عن هذا الدعم على المستوى الإقليمي والدولي.
وتأتي هذه الدراسة لطرح التساؤل حول مدى تطور القدرات القتالية لجماعة الحوثي، وتأثير ذلك على أمن البحر الأحمر، والأهداف التي تسعى الجماعة لتحقيقها.
دور إيران في جماعة الحوثي منذ الإنشاء:
يُعَدُّ الدور الإيراني في جماعة الحوثي أحد أكثر الملفات إثارةً للجدل في منطقة الشرق الأوسط، حيث تستثمر إيران في دعم الميليشيات المسلحة لتحقيق مصالحها الإقليمية وتعزيز نفوذها.
ومنذ نشأة جماعة الحوثي في اليمن، اتبعت طهران سياسة دعم خفي في البداية، قبل أن يتطور إلى دعم علني وشامل بعد انخراط الحوثيين في النزاعات اليمنية والإقليمية؛ هذا الدور يعكس إستراتيجية إيرانية واسعة تعتمد على إنشاء ودعم وكلاء محليين لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.
تعود جذور جماعة الحوثي إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت كحركة فكرية تهدف إلى إحياء المذهب الشيعي، وتطورت الحركة لتصبح جماعة سياسية وعسكرية في بداية الألفية الجديدة، في هذه المرحلة، بدأ اهتمام إيران بجماعة الحوثي يتزايد؛ خاصة بعد اندلاع الحروب الست بين الحوثيين والحكومة اليمنية (2004-2010).
وقامت إيران بتقديم الدعم الفكري والعقائدي للجماعة، من خلال إمدادها بمواد تعليمية ومعممين متأثرين بنهج الثورة الإيرانية الشيعية، ومع مرور الوقت، تحول الدعم إلى تدريب عسكري وتوفير الأسلحة.
التسليح الإيراني للحوثيين الدلائل والمظاهر:
ومنذ عام 2011، ومع تصاعد الاضطرابات في اليمن عقب ثورات الربيع العربي، عززت إيران دعمها العسكري واللوجستي للحوثيين، ويُعتقد أن الحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجية “فيلق القدس” لعبا دورًا محوريًا في تدريب المقاتلين الحوثيين، ونقل تقنيات تصنيع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة.
كما تم ضبط شحنات أسلحة عديدة في البحر الأحمر وخليج عدن، مما كشف عن حجم الدعم الإيراني للحوثيين، الذي شمل صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار وأسلحة خفيفة، هذا الدعم مكّن الحوثيين من تحقيق تفوق نسبي على القوات الحكومية اليمنية في العديد من المناطق.
وقد استفادت إيران من الإعلام لتقديم الحوثيين كحركة مقاومة ضد التدخلات الأجنبية في اليمن، خاصة التحالف العربي بقيادة السعودية، ركز الإعلام الإيراني والحوثي على تصوير الصراع بأنه مواجهة ضد “العدوان السعودي-الأمريكي”، ما ساهم في كسب تعاطف بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
الدور الإيراني في بناء القدرات التسليحية للحوثي:
تمكن الحوثيون في اليمن، بمساعدة إيران، من بناء ترسانة صاروخية متطورة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. وتمثل هذه الترسانة تهديدًا متزايدًا لأمن المنطقة، حيث أصبح للحوثيين قدرات هجومية واسعة، تشمل هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة.
ولا شك أن الدور الإيراني في دعم الحوثيين يشكل تهديدًا كبيرًا لأمن واستقرار المنطقة؛ حيث إن إيران تستخدم وكلاءها لتنفيذ أجنداتها وحسب، وخلق حالة من الفوضى الإقليمية؛ من هذا المنطلق: تحتاج الدول العربية والدول المعنية بأمن البحر الأحمر إلى موقف موحد يتصدى لهذه التدخلات ويعيد لليمن استقراره.
التصعيد العسكري في البحر الأحمر: دلالات وأبعاد إقليمية:
تشهد منطقة البحر الأحمر تصعيدًا خطيرًا في وتيرة العمليات العسكرية، إذ أعلن الحوثيون (أنصار الله) عن تنفيذهم عمليات نوعية شملت استهداف السفن الإسرائيلية والأميركية، هذا التحرك الحوثي يأتي في ظل تزايد التوترات والعدوان الإسرائيلي على فلسطين الجريح، وبالتزامن مع موجة عنف إسرائيليّة تجاه غزة وممارسات عدوانية أخرى في الأراضي الفلسطينية، ورغم أن العديد من المحللين يرون في التحركات الحوثية امتدادًا للنفوذ الإيراني.
القدرات العسكرية الحوثية وتمركزاتها في البحر الأحمر:
ولفهم مدى تطور تكتيكات جماعة الحوثي، من المهم تسليط الضوء على القدرات العسكرية التي تمتلكها، والتي تستفيد بشكل رئيسي من الدعم الإيراني، بما أن الحوثيين يُعتبرون أحد وكلاء إيران في المنطقة، ويتمركز الحوثيون في مواقع إستراتيجية على الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، ويستفيدون من هذه المواقع لتوجيه هجماتهم نحو السفن المارة، وهو ما يعزز قدراتهم القتالية.
مناطق السيطرة الحوثية في اليمن: تسيطر الجماعة على عدد من المحافظات اليمنية، مثل صنعاء، عمران، ذمار، البيضاء، إب، ريمة، المحويت، وحجة، ويُعد أبرز موقع استراتيجي للجماعة هو محافظة الحديدة التي تطل على البحر الأحمر وتشمل موانئ رئيسية؛ مثل: الحديدة والصليف، مما يعزز من قدرة الجماعة على تنفيذ هجماتها البحرية.
الدعم الإيراني والتمركزات في البحر الأحمر: عززت إيران وجودها العسكري في المنطقة بدعوى مكافحة القرصنة، حيث تتمركز فرقاطات إيرانية في البحر الأحمر وخليج عدن، مثل الفرقاطة “ألبرز” في البحر الأحمر و”جمران” في خليج عدن، وتقوم السفن الإيرانية بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للحوثيين، مما يمنح الجماعة القدرة على تمييز واستهداف السفن المعادية، وخاصة تلك المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة(1).
القدرات التسليحية لجماعة الحوثي:
تعتمد الجماعة على ترسانة واسعة من الصواريخ التي تمتلكها، سواء من مخزون الجيش اليمني السابق أو من الصواريخ التي تُهرَّب من إيران، وقد شهدت السنوات الماضية تطورًا ملحوظًا في قدرات الجماعة على استخدام وإطلاق الصواريخ بعيدة المدى.
سيطرة الحوثيين على ترسانة الجيش اليمني:
استفاد الحوثيون من السيطرة على أجزاء كبيرة من الجيش اليمني منذ انقلابهم عام 2014، حيث تمكنوا من الاستيلاء على أسلحة ثقيلة وصواريخ باليستية متقدمة كانت بحوزة الجيش. كما استفادوا من تحالفهم مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قبل مقتله، واستحوذوا على المزيد من الأسلحة بعد تصفيته.
تطوير الأسلحة محليًّا:
رغم محاولات استهداف الترسانة العسكرية الحوثية، أعلن الحوثيون عن تطوير أسلحة جديدة محليًا، منها الطائرات المسيرة القادرة على القيام بمهام قتالية واستطلاعية. وفي يناير 2018، كشفوا عن تطوير منظومة صواريخ أرض – جو أسقطوا بها طائرات للتحالف العربي بقيادة السعودية، مما يدل على قدرتهم على التصدي للطائرات المعادية.
ترسانة الصواريخ ومراكز إطلاقها:
الصواريخ الباليستية: بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ورث الحوثيون ترسانة الجيش اليمني، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، واستقطبت الجماعة قيادات عسكرية كانت متخصصة في الصواريخ، مما ساعدها على توظيف وتطوير هذه الترسانة.
الدعم الإيراني في الصواريخ: لجأ الحوثيون إلى الدعم الإيراني، حيث أمدتهم إيران بصواريخ مطورة، وأرسلت خبراء من حزب الله الإيراني، لتدريبهم على تطوير هذه الصواريخ واستخدامها.
أنواع الصواريخ المستخدمة في البحر الأحمر:
صواريخ كروز: استخدمت الجماعة صواريخ كروز مضادة للسفن يصل مداها بين 80 إلى 300 كيلومتر، بما في ذلك صواريخ “صياد” و”سجيل”.
صواريخ باليستية متطورة: من أبرز الصواريخ الباليستية التي تمتلكها الجماعة “طوفان”، و”قدس2″، و”قدس3″، و”قدس4″، ويصل مداها إلى نحو 2000 كيلومتر.
وبالنظر لفاعلية الصواريخ الحوثية نجد الآتي:
1. النجم الثاقب 1 و2:
يمتلك الحوثيون صواريخ من نوع “النجم الثاقب”، والتي تمتاز بمدى يصل إلى 45 كم، كما تتميز برؤوس حربية متفجرة تصل أوزانها إلى 75 كغ. ويعتبر هذا النوع من الصواريخ جزءًا من ترسانة الدفاعات الصاروخية الإيرانية.
2. صواريخ زلزال 1 و2 و3:
طورت هذه الصواريخ بناءً على نسخ إيرانية، حيث تصل إلى مدى يبلغ 300 كم. وقد استخدمت هذه الصواريخ ضد أهداف في جنوب السعودية ومواقع أخرى في المنطقة، وتشير التقارير إلى أنها توفر قدرة استهداف دقيقة على مدى بعيد.
3. صواريخ بدر 1 و1-P و3 و4:
يعتبر “بدر” من أبرز الصواريخ المستخدمة من قبل الحوثيين، حيث يمتاز بمدى يصل إلى 150 كم ودقة في إصابة الأهداف، وهو صاروخ متوسط المدى يعمل بالوقود الصلب؛ يعكس هذا النوع تطورًا تقنيًّا عاليًا يعزز من قدرة الحوثيين في الحروب البرية.
4. صاروخ قاصم 1:
أحد الصواريخ الباليستية الأرضية التي يصل مداها إلى نحو 300 كم، ما يجعله سلاحًا فعالًا لتهديد المواقع العسكرية القريبة.
5. صواريخ “قدس” و”قيام”:
استخدمت هذه الصواريخ بشكل خاص في هجمات ضد الإمارات والسعودية، ويصل مدى “قدس 2” إلى 2000 كم، بينما يصل “قيام” إلى 800 كم. يتمتعان بقدرة على التخفي وتجنب الكشف الراداري، مما يمثل تحديًا كبيرًا لأنظمة الدفاع الجوي.
الصواريخ الباليستية: إستراتيجية التخزين والإطلاق:
يعتبر استخدام الصواريخ الباليستية من أبرز الأسلحة التي تمتلكها جماعة الحوثي، وقد تبنت هذه الجماعة تكتيكًا جديدًا في تخزين وإطلاق الصواريخ. وفقًا لتقرير وكالة “شيبا انتلجنس” في يناير 2024، تمركزت العديد من مخازن الصواريخ الإستراتيجية في السلسلة الجبلية الممتدة من صعدة إلى عمران وصنعاء وذمار وإب، بينما تتوزع مراكز الإطلاق على ساحل البحر الأحمر في مناطق مثل الحديدة وحجة.
ولقد تطور الحوثيون في تكتيكهم، حيث لجأوا إلى تخزين الصواريخ في المناطق الجبلية المغطاة بالأشجار والتلال أو في مستودعات تحت الأرض، وهو نفس التكتيك الذي استخدمته إيران. تم الكشف عن هذه التقنية من خلال صور كشفت عنها وكالة فرانس برس في عام 2016، والتي أظهرت كيفية تخزين الصواريخ بشكل مخفي.
مراكز الإطلاق الجديدة: تصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن:
تم نشر صور توضح أن الحوثيين قاموا بإنشاء مراكز إطلاق صواريخ جديدة في مناطق استراتيجية على طول سواحل البحر الأحمر. أبرز هذه المراكز تقع في الحديدة، في موانئ، مثل: الصليف ورأس عيسى؛ إضافة إلى جزيرتي كمران وأنتوفاش؛ هذه المراكز تُعد محورية في استراتيجية الحوثيين لضرب السفن في البحر الأحمر(2).
الطائرات غير المأهولة: القتال في السماء:
أنواع الطائرات المسيرة الحوثية:
تمتلك جماعة الحوثي مجموعة من الطائرات غير المأهولة (الدرونز)، التي تتراوح بين الطائرات الاستطلاعية والهجومية. من أبرز هذه الطائرات:
قاصف -1: طائرة هجومية مزودة برأس حربي:
راصد: طائرة استطلاعية تستخدم في مهام المراقبة، كما تم استخدامها في عدة هجمات.
صمّاد 3: طائرة انتحارية ذات مدي يصل إلى 1500 كيلو متر، وتُحمل بحمولة متفجرات تصل إلى 18 كيلو غرام.
وقد طوَّر الحوثيون هذه الطائرات لتمكنهم من الهجوم على أهداف بعيدة المدى، مثل السفن التجارية أو المواقع العسكرية.
2. تكتيك استخدام الطائرات المسيرة في البحر الأحمر:
تعتبر الطائرات المسيرة جزءًا من استراتيجية الحوثي لمهاجمة السفن في البحر الأحمر. ويمكن للطائرات الموجهة، مثل: “صماد 3” أن تشن هجمات بعيدة المدى، مما يزيد من قدرة الحوثيين على استهداف الأهداف البحرية دون الحاجة إلى الاقتراب من المنطقة المستهدفة.
القوارب غير المأهولة: تهديد آخر للملاحة البحرية:
1. القوارب المتفجرة غير المأهولة:
تشكل القوارب المتفجرة غير المأهولة أحد التهديدات المستمرة للملاحة في البحر الأحمر، خاصة عند باب المندب. القوارب الصغيرة التي تحمل متفجرات يصعب كشفها تمثل تحديًا خطيرًا للقوات البحرية والدول المراقبة للممرات الدولية؛ هذه القوارب تستخدم لتنفيذ عمليات إنزال أو مهاجمة السفن بشكل غير تقليدي.
2. الدور الإستراتيجي للجزيرتين كمران وأنتوفاش:
على الرغم من أن القوارب المتفجرة تشكل تهديدًا للملاحة، فإن تواجد الحوثيين في جزيرتي كمران وأنتوفاش الإستراتيجيتين يرفع من درجة التهديد. جزيرتي كمران وأنتوفاش تشكلان نقطة انطلاق مثالية للحوثيين لشن هجماتهم، حيث تم تجهيزهما بعدد من المعدات العسكرية مثل الرادارات والزوارق الحربية(3).
مراحل تطور التكتيكات القتالية للحوثيين في البحر الأحمر:
مرّت تكتيكات الحوثيين القتالية في البحر الأحمر بمراحل متعددة، حيث بدأت بالاعتماد على عمليات القرصنة البسيطة، إلى أن تطورت لتشمل إطلاق الصواريخ واستهداف السفن الأجنبية عبر استخدام قوارب وطائرات بدون طيار.
مرحلة القصف العشوائي: في بداية الأمر، كانت الهجمات تعتمد على إطلاق قذائف عشوائية نحو السفن، لكنها لم تكن ذات فاعلية كبيرة.
الاعتماد على الطائرات بدون طيار: لجأت الجماعة فيما بعد إلى الطائرات المسيرة لتحديث معلوماتها حول حركة السفن وأماكن تواجد الأهداف الإستراتيجية.
التطور الأخير باستخدام صواريخ كروز: مع زيادة الدعم الإيراني، انتقلت الجماعة إلى استخدام صواريخ كروز الموجهة؛ مما زاد من دقة استهدافها للسفن، ورفع مستوى التهديد على الملاحة الدولية.
التصعيد في البحر الأحمر:
الهجمات على السفن التجارية:
على الرغم من أن الحوثيين قد قاموا في السابق بالعديد من الهجمات ضد السفن العسكرية، فإن تصعيد الهجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر هو تحول مهم في استراتيجيتهم العسكرية. الهجمات تستهدف هذه المرة السفن المارة عبر ممر البحر الأحمر، مما يعكس إصرار الجماعة على إحداث تأثير مباشر على حركة التجارة الدولية في هذه المنطقة الإستراتيجية.
التعاون مع إيران: دعم استخباراتي وتسليحي:
من المعروف أن إيران تقدم دعمًا عسكريًّا وتقنيًّا لجماعة الحوثي؛ سواء من خلال توفير الأسلحة المتطورة أو عبر التدريبات على العمليات العسكرية؛ هذا الدعم الاستخباراتي والتسليحي يجعل من الحوثيين لاعبًا قويًّا في المنطقة، ويعزز من قدرتهم على تنفيذ ضربات معقدة ضد أهداف بحرية.
الأهداف الحوثية من التصعيد في البحر الأحمر:
لا تأتي عمليات التصعيد الحوثي بشكل عشوائي، بل تسعى لتحقيق أهداف إستراتيجية تخدم أجندات إقليمية ودولية:
1. إبراز النفوذ الإيراني في المنطقة: يُعد الدعم الإيراني لجماعة الحوثي بمثابة ورقة ضغط لإيران في مفاوضاتها مع القوى الدولية؛ إذ يُمكِّن طهران من التأثير على ممرات التجارة العالمية.
2. تعزيز نفوذ الحوثيين في اليمن: يساعد التصعيد البحري على تعزيز موقع الجماعة التفاوضي داخليًّا؛ خاصة في ظل تراجع الحكومة اليمنية في بعض المناطق، مما يمنح الحوثيين السيطرة على موانئ إستراتيجية في البحر الأحمر.
3. تأمين الدعم المالي والتسليحي: يتيح التهديد البحري للحوثيين الحصول على الدعم من قوى دولية عبر إيران، حيث يعزز استعراض القوة فرص الجماعة في تلقي مساعدات مالية وعسكرية(4).
تهديد صواريخ الحوثي للملاحة البحرية في باب المندب:
يعد مضيق باب المندب من أبرز الممرات الإستراتيجية في البحر الأحمر، وتزيد الهجمات الحوثية على السفن في هذه المنطقة من أخطار تهديد الملاحة الدولية. وقد دفع تصاعد الهجمات الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر، يضم أكثر من 20 دولة، مما يشير إلى المخاوف العالمية من تصاعد التهديدات الصاروخية الحوثية.
تطوير الصواريخ وتحديات التصدي:
بدأ الحوثيون في تعديل صواريخ قديمة مثل “قاهر 1″، وتحديثها لتصبح صواريخ أرض-أرض تعمل بمرحلتي وقود. كما يعرض الحوثيون بشكل متكرر نماذج صاروخية جديدة، تشمل صواريخ طويلة المدى وصواريخ مزودة برؤوس حربية متطورة. تطرح هذه التطورات تحديات كبيرة لأمن المنطقة وقدرة دول التحالف على التصدي لها؛ خاصة في ظل استخدام تقنيات متطورة مثل المناورة وتجنب التشويش الإلكتروني(5).
الدور الإيراني في توجيه الحوثيين: أداة للضغط الإقليمي:
بات واضحًا أن دعم إيران للحوثيين في اليمن يعزز موقعها كطرف إقليمي يستغل الوكلاء في المنطقة لتهديد أمن واستقرار خصومها، على مدى السنوات الماضية، قدمت طهران للحوثيين الدعم اللوجستي والعسكري، وأمنت خطوط إمداد ساعدتهم على بناء قدرات صاروخية وطائرات مسيرة، باتت تهدد اليوم ليس فقط المملكة العربية السعودية، بل امتدت لتهديد المنطقة بالكامل والملاحة الدولية في البحر الأحمر، وقد اتخذت اسرائيل كستار أولي تستتر وراءه لاستكمال باقي اهدافها في المنطقة.
هذا النفوذ الإيراني يظهر بوضوح في تجهيز الحوثيين بترسانة صواريخ متطورة، مثل صواريخ “طوفان” الباليستية، التي تتشابه مع الصواريخ الإيرانية “قدر”، مما يعزز من قدرات الحوثيين على شن هجمات بعيدة المدى.
الحوثيون وإسرائيل: تحالفات متشابكة ومواجهة غير مباشرة:
لم يكن استهداف الحوثيين لإسرائيل مفاجئًا؛ إذ إن الهجمات تأتي في إطار التحالفات المعقدة التي تربط الحوثيين بإيران، حيث يسعى الحوثيون إلى تعزيز موقعهم كحليف استراتيجي لطهران، وتظهر الهجمات الأخيرة ضد إسرائيل في هذا السياق كتوجيه إيراني لإحداث ضغط متعدد الجوانب. ففي الوقت الذي تواجه فيه إيران ضغوطات دولية بشأن برنامجها النووي، ترى طهران أن تحريك جماعة الحوثي ضد إسرائيل يمكن أن يشكل ورقة ضغط إضافية تعزز موقفها في أي مفاوضات قادمة.
هذه الهجمات تؤكد أن طهران قد أعدت جماعة الحوثي لتكون قوة ضغط إضافية تستهدف أمن إسرائيل من مسافة بعيدة، مستغلة ضعف الدفاعات الإسرائيلية تجاه الهجمات طويلة المدى القادمة من اتجاهات غير متوقعة.
ترسانة الحوثيين: من الدفاع إلى الهجوم بفضل الدعم الإيراني:
استطاع الحوثيون بفضل الدعم الإيراني تطوير منظومة صاروخية متكاملة تشمل صواريخ مثل “طوفان” و”بركان”؛ إضافة إلى طائرات مسيرة انتحارية مثل “وعيد” و”صماد”. تشير هذه الترسانة إلى أن الحوثيين لم يعودوا مجرد جماعة متمردة تحارب من أجل البقاء في اليمن، بل أصبحوا قوة إقليمية مسلحة تمتلك القدرة على تهديد أمن المنطقة، وتمتد عملياتهم إلى أهداف خارج الحدود اليمنية.
هذه الترسانة المتطورة تجعل الحوثيين يبدون كقوة عسكرية مدعومة بتكنولوجيا متقدمة، تعكس حجم الدعم الإيراني لهم، مما يحول اليمن من أزمة داخلية إلى محور للصراع الإقليمي، وبذلك يكون اليمن ساحة لأدوات إيران العسكرية والسياسية في محاولة للضغط على خصومها الإقليميين والدوليين من خلال التهديد المستمر للملاحة والأمن في البحر الأحمر(6).
التداعيات المحتملة على أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر:
إعلان الحوثيين عن استهدافهم السفن بصورة عامة في البحر الأحمر يعكس خطورة الوضع؛ حيث إن البحر الأحمر يعد من أهم خطوط المواصلات البحرية العالمية. التهديد الحوثي للملاحة يشكل خطرًا حقيقيًا على التجارة العالمية؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في حركة نقل النفط والسلع، مما سيترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي.
تزايد التوترات في هذه المنطقة البحرية الاستراتيجية قد يدفع القوى العالمية للتدخل عسكريًا لضمان حرية الملاحة، مما يعزز احتمالات انخراط دول كبرى في مواجهة عسكرية غير مباشرة مع الحوثيين، الذين يمثلون في هذه الحالة ذراعًا لطهران.
وهذا لا يعفي الكيان المحتل من المسئولية، بل هو السبب الأول والرئيسي في وصول المنطقة إلى هذا الحد، بل وإن شئت قل إنه هدف اساسي من أهداف الكيان الصهيوني بخراب المنطقة.
الصواريخ البالستية: تحدٍ كبير للسعودية:
تشكل الصواريخ البالستية سلاحًا رئيسيًّا بيد الحوثيين. منذ عام 2015، أطلقوا صواريخ بعيدة المدى على المملكة العربية السعودية، استهدفت مواقع إستراتيجية مثل مطار الملك خالد الدولي. رغم محاولات التحالف العربي لوقف هذا التهديد، استمر الحوثيون في استخدام أنواع متعددة من الصواريخ مثل “بركان أتش2” و”توشكا”، التي يصل مدى بعضها إلى 1500 كيلومتر.
خطر الارتباط بين الحوثيين وإيران على المنطقة وأهدافهم:
1. تطويق السعودية: تسعى إيران من خلال دعم الحوثيين إلى خلق تهديد دائم للسعودية على حدودها الجنوبية.
2. السيطرة على الممرات البحرية: تمثل مضيق باب المندب نقطة إستراتيجية تسعى إيران لتعزيز نفوذها فيها عبر الحوثيين.
3. تعزيز النفوذ الإقليمي: ترى إيران أن وجودها في اليمن يدعم إستراتيجيتها لتوسيع نفوذها في العالم العربي.
أدى الدعم الإيراني للحوثيين إلى تفاقم الصراع اليمني، حيث تسبب في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتصعيد التوتر بين إيران ودول الخليج، كما أثار التدخل الإيراني قلقًا دوليًا بشأن حرية الملاحة البحرية وأمن الطاقة العالمية.
الدور الإيراني في جماعة الحوثي يمثل جزءًا من إستراتيجية أوسع تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر دعم الميليشيات المسلحة، ومع استمرار الصراع اليمني، يبقى الدعم الإيراني للحوثيين عقبة رئيسية أمام جهود تحقيق السلام في اليمن، مما يجعل هذا الدور محوريًا في أي تسوية سياسية مستقبلية.
الخلاصة:
تعتبر الترسانة الصاروخية المتطورة للحوثيين مدعومة من إيران، بمثابة تحدٍّ أمني كبير لدول المنطقة وللملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ومع تصاعد التوترات، يبقى مستقبل الأمن الإقليمي مرهونًا بقدرة المجتمع الدولي على الحد من قدرات الحوثيين الصاروخية، وضمان عدم استخدامها لتهديد الاستقرار والأمن في المنطقة، ونحن هنا لسنا في إطار المواجهة مع إسرائيل لأنه من المعلوم أن الحوثيين والشيعة لا يهمهم نصرة الأمة الاسلامية، بل يعملون من اجل مطامعهم الخاصة وبالتالي نحن نتكلم في إطار القدرات العسكرية للحوثية وليست المواجهة مع الكيان المحتل.
حيث يشكل التهديد الحوثي في البحر الأحمر مرحلة جديدة من التصعيد في الصراع اليمني، وتسعى الجماعة إلى استخدام الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ والطائرات غير المأهولة لزيادة تأثيرها على المنطقة.
تزايد هذه الأنماط من الهجمات يعكس تحولًا في التكتيك العسكري للحوثيين ويعزز من قدراتهم في تهديد حركة الملاحة البحرية والتأثير على الأمن الإقليمي في البحر الأحمر.
ومن خلال التطورات التي شهدها البحر الأحمر يتبين أن جماعة الحوثي قد حققت تقدمًا كبيرًا في قدراتها القتالية، معتمدة على الدعم الإيراني المتزايد، والمتمثل في الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. يأتي ذلك في سياق تصعيد أكبر هدفه إحكام السيطرة على حركة الملاحة الدولية.
المصادر:
1_ الجزيرة
2_ الشرق
3_العربي
4_ المركز المصري للفكر والدراسات
6_ الحرة
7_ بي بي س