كريستوفر هوف وأطماع إسرائيل في ثروات لبنان شرق المتوسط

كريستوفر هوف وأطماع إسرائيل في ثروات لبنان شرق المتوسط

 

فقد بدا الاهتمام يتزايد بمنطقة الشرق الأوسط بظهور واكتشاف النِّفط، كما حظيت منطقة شرق المتوسط بقدر بالغ من الاهتمام خلال السنوات الفائتة وحتى تاريخه، حيث أظهر المسح الجيولوجي الأمريكي وجود احتياطيات ضخمة من الغاز تتخطى 122 تريليون قدم مكعب، ونحو مليار و700 مليون برميل نفط، وأن مصادر الغاز غير المكتشف بحوضي: “ليفانت”، و”دلتا النيل” الرسوبيين تقدر بحوالي 346 تريليون قدم مكعب، وهو ما يبرهن على أن المنطقة ثرية بالغاز.

وتقع الحدود البحرية لكلٍّ مِن: “مصر، ولبنان، ليبيا، واليونان، وتركيا، وقبرص، وفلسطين، والأردن، وإسرائيل” على أحواض ثرية لمصادر الطاقة.

وفي مكان ما شرق المتوسط تتداخل فيه المياه الإقليمية لدول الحوض مع بعضها، وخاصة لبنان وإسرائيل “معرض الحديث”؛ فلبنان سعت إلى رسم حدودها البحرية مع قبرص أواخر القرن الماضي وقررت 2007، ووضعت بندًا في اتفاقية ترسيم الحدود على أنه يجب على قبرص أن تعود إلى لبنان عند توقيعها اتفاقيات بحرية، لكنها لم تحترم هذا الشرط.

 احتدم التوتر بين لبنان وإسرائيل عام 2009 وكانت تل أبيب الأسرع في الاستكشاف والتنقيب، وتوصلت إلى عدد من الحقول من بينها تمار بالقرب من مدينة حيفا المحتلة، وتم اكتشافه في عام 2009، ويبلغ احتياطي الغاز به 240 مليار قدم مكعب غاز، وحقل “لفياثيان” يصل الاحتياطي المؤكد به 17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وأفروديت على بعد 34 كيلو متر غرب حقل لفياثيان باحتياطي 127 مليار قدم مكعب غاز.

وفي 2010 قامت إسرائيل بتحديد الحدود البحرية، ووقعت اتفاقية مع قبرص، واعتمدت على خط بحري به نقاط خلافية مع لبنان يصل مساحته نحو 860 كيلو متر، ويقع ضمنه المربع 9 الذي يحتوي بحسب قياسات المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد أن يحتوي على 25 تريليون قدم مكعب غاز، ونحو500 مليون برميل من النفط، وهو احتياطي يكفي الجمهورية اللبنانية من القود والمحروقالت مئات السنين القادمة.

وهذه الخطوة أجبرت شركات المسح السيزمي الإيطالية والفرنسية والروسية إلى ترك البحث والتنقيب في منطقة المبرع 9 والاتجاه نحو منطقة المربع 4، وترى لبنان أن مِن حقها الحصول على المربع 9؛ بيد أن أمريكا وضعت سفنًا حربية في هذه المنطقة لمدة 3 سنوات تفاديًا للاحتكاك العسكري، واقترحت على لبنان الحصول على 468 كيلو متر، و392 كيلو متر لإسرائيل، لكن لبنان رفضت هذا العرض باعتبار أن منطقة المربع 9 خالصة لها، ولا يحق التنازل عنها.

أما إسرائيل فتعتقد أن لبنان في موقف انهزامي وضعف اقتصادي وسياسي منذ انفجار مرفأ بيروت، وقد ترضخ إلى وسيلة لحل أزماتها التي تعاني من فراغ سياسي وانهيار اقتصادي، وبالتالي تحاول تل أبيب العودة إلى مائدة المفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع لبنان إعمالًا لمبدأ اقتناص الفرص، وبحسب الخبير الإسرائيلي إيهود يعاري، فإن المفاوضات البحرية الجارية تحمل أرباحًا ومكاسب اقتصادية هائلة؛ بسبب ما تخفيه المياه من خزان كبير للغاز الطبيعي.

وهاجم يعاري -القادة اللبنانيين  على “موقع القناة 12 العبرية “- بقوله: “هم ممزقون بين رغبتهم بملء خزائن الحكومة الفارغة وجيوبهم، والخوف من أنهم سيضطرون للانحطاط نحو أعمال مستمرة مع إسرائيل“، موضحًا: “أنهم قَدَّموا فجأة طلبًا جديدًا للحصول على حقلي: “القرش، والتمساح”، الذي يتدفق منه الغاز في العام المقبل، وأضافوا 1500 كيلومتر مربع أخرى إلى المنطقة المثيرة للجدل البالغة 850 كيلومترًا مربعًا.

مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبق وجلس المفاوض اللبناني مع الإسرائيليين عدة مرات تحت مظلة الأمم المتحدة، لكن هذه المرة تحاول أمريكا الاستفادة مما سبق، فلبنان بحاجة إلى صدمة العلاج، وقد يكون ذلك من خلال عملية الترسيم البحري.

نهاية أكتوبر 2020 عقدا الطرفان مفاوضات غير مباشرة بمقر “اليونيفيل” بقرية الناقورة جنوب لبنان برعاية واشنطن، وضم الوفد اللبناني أربعة أعضاء؛ هم عسكريان ومدنيان برئاسة العميد الركن الطيار: بسام ياسين، والعقيد الركن البحري: مازن بصبوص، ووسام شباط، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، إلى جانب الخبير في الشؤون البحرية: نجيب مسيحي.

كما حضر من الجانب الإسرائيلي ستة مسؤولين رفيعي المستوى بينهم المدير العام لوزارة الطاقة: أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو: رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الإستراتيجية في الجيش.

قدَّم لبنان خرائطه التي تثبت صحة موقفه وحقه التاريخي في مساحة المربع 9 لتنفض الجلسة الأربعاء 30/10 دون تحقيق أي نتائج.

ومؤخرًا ثمَّنت إسرائيل عرض الوسيط الأمريكي مطالبة بالعود إلى خط “كريستوفر هوف” باعتباره الأنسب، وقادت حملة تنادي بإعادة تقسيم المنطقة المتنازع عليها بحريًّا، لكن لبنان رفضت العرض الأمريكي / الإسرائيلي متمسكة بقانون البحار واتفاقية الهدنة 1949 التي نصت على احترام الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهي بمساحة 860 كيلومترًا بحريًّا مضافًا إليها ما له من حقوق مكتسبة تمتد جنوبًا لتصل المساحة المتنازَع عليها الى 2290 كيلومترًا مربعًا، وهي نقاط واضحة لا تحتمل أي تفسير آخر يمكن أن يثير الجدل؛ لا مع الإسرائيليين ولا الرعاة الدوليين.

ولذلك، فإن الوفد الاسرائيلي لا يملك ردًّا أو استنادًا لدحض الخرائط اللبنانية، لكن ربما سيعود إلى محاولة الاستناد على سياسة فرض الأمر الواقع، فضلًا عن توصيف الصخرة التي اعتمدت عليها إسرائيل من الجانب البري وهي لا ينطبق عليها وصف الجيرة؛ فهي لا تحمل بذور الحياة عدا كونها بطول 17 مترًا وعرض 7 أمتار، تغطيها موجات المد والجزر ما يمنع عنها صفة الجزيرة.

ومن جهته، علَّق الرئيس اللبناني العماد ميشال عون بإن: “المفاوضات تقنية، والبحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديدًا“.

وعلَّق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري: “إنه ليس واردًا بأن تفضي المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و إسرائيل لترسيم  الحدود البرية والبحرية إلى تطبيع مع العدو الإسرائيلي”، لافتًا إلى أن: “التفاوض يتم وَفْقًا لآليات واضحة هي مندرجات تفاهم إبريل، وبطريقة غير مباشرة تحت علم الأمم المتحدة“.

 فيما اعتبرت إسرائيل: أن الأمر مهم لهم، لكنه حاسم للبنانيين أيضًا، فيما تضغط الولايات المتحدة الأمريكية لتوقيع هذا الاتفاق ليعلنوا عن إنجاز جديد في السياسة الخارجية، وربما تروج لمسار تطبيع آخر في المنطقة على غرار ما حدث من قبل.

ولطالما اعتبر حزب الله واشنطن وسيطًا “غير نزيه”، وأن ما يحدث من تفاوض لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل يُمثِّل لحظة ضعف غير مسبوقة، وفي المقابل: تُلوِّح أميركا بورقة تصنيف حزب الله  كمنظمة “إرهابية” بعد عقوبات طالت مسئولًا بارزًا في حركة “أمل” الشيعية.

فهل سينتفض الحزب الشيعي ويدافع عن المحروقات كما هَدَّد مِن قَبْل، وعليه  أن يتحمل النتائج؟ أم ستكشف جولات التفاوض المقبلة عن تفاهمات أخرى؟

إسرائيلالبحر المتوسطالغاز الطبيعيلبنان