عَبْر التاريخ … تعرَّف على الدور الروسي في محنة مسلمي تركستان!

عَبْر التاريخ … تعرَّف على الدور الروسي في محنة مسلمي تركستان!

 

فلا يخفى على أحدٍ أن الدولة الإسلامية كانت ممتدة في كلِّ بقاع الأرض إلى أن وصلت أوروبا وروسيا والصين، وفي ظلِّ هذا التعداد الكبير الذي وصلت إليه البشرية، فإن التركة الإسلامية ما زالت حاضرة في كل رقعة من بقاع الأرض، فنرى في روسيا هناك بلادًا بالكامل إسلامية، وكذلك في إسبانيا وفرنسا وأستراليا.

وعلى هذه الوتيرة عدد الكثير من الدول التي تشهد بوحدانية الله ورسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الخلفية واجهت هذه الشعوب المسلمة والمترامية في كل البقاع اضطهادًا دينيًّا من الأغلبية للدول الحاكمة لهم.

وفي هذا التقرير نتناول القضية التركستانية، هذه الدولة التي ربما لا يعرف عنها الكثير شيئًا؛ إلا أنها دولة تأبى أن يرفع فيها شعار غير الإسلام، وقد فتحها القائد المسلم قتيبة بن مسلم في نهاية القرن الأول الهجري، واستمر انتشار الإسلام فيها حتى أسلم الخاقان الأكبر لها “ستوف بوغرا”، حتى أصبح الإسلام هو الدِّين الرسمي لـ”تركستان الشرقية”، ينعم المسلمون فيها بالاستقرار؛ خاصة بعد إسلام المغول، وظلت التركستان الشرقية دولة إسلامية مستقلة.

وبعد معارك طاحنة في العصر الحديث بدأت من عام 1760، احتلت الصين تركستان الشرقية، ومنذ ذلك الوقت يعيش شعب تركستان حالة من المأساة الحقيقية تحت مظلة الجيش النظامي الصيني، حتى إن المنظمات العالمية قدَّرت القتلى في بعض الأحيان بمئات الآلاف من المسلمين، وفي عام 1863 تحرر شعب تركستان الإسلامي من الاحتلال النظامي إلى أنها ظلت تحت سيطرة الصين؛ هذا التحرر في هذا العام تزامن مع قيام روسيا القيصرية.

في ظل صعود روسيا القيصرية:

بعد أن تزامن تحرر التركستانيين من الحكم الصيني، كان هناك صعود للدب الروسي الطامع والذي كانت لديه خطة استعمارية لهذه المنطقة المتواجد فيها تركستان الشرقية، حتى إن روسيا سال لعابها “على ثروات هذه المنطقة التركستانية، ذات السهول الزراعية الخصبة وغير المتناهية، والثروة الرعوية الوافرة، والكثافة السكانية المنخفضة، فضلًا عن النزعة الصليبية التي كانت هي القوة المحركة لسياسة القياصرة الروس.

فقد اتفقت السياستان: الروسية والصينية آنذاك، على ضرورة القضاء على هذه الدولة التركستانية المسلمة، وهكذا وقعت تركستان كلها بين فكي كماشة القياصرة الروس من الشمال، والصينيين من الشرق والجنوب، ونتيجة لذلك؛ فقد احتلت الصين تركستان الشرقية مرة أخرى عام 1876، أي: بعد أقل من 14 من تحريرها، وذلك بمساعدة بريطانيا الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، آنذاك.

وفي سنة 1881م، أبرمت الصين مع روسيا معاهدة لتقسيم هذه المنطقة الشاسعة بينهما، مع تجاهل تام لسكانها، وكأنهم دواب تسير على ظهرها، وليس لهم طموحات أو تطلعات، فأصبحت تركستان الشرقية منذ العام 1884م، تابعة رسميًّا وبصورة قسرية للصين، تحت مسمى جديد هو “شينغيانع” ومعناها بالصينية: “الوطن الجديد”.

بينما أصبحت تركستان الغربية تابعة رسميًّا لروسيا القيصرية بصورة قسرية تحت مسمى جديد هو آسيا الوسطى، واختفى نهائيًّا اسم بلاد ما وراء النهر الذي عرفت به هذه البلاد طوال تاريخها الإسلامي، وذلك رغم خنوع السلطات الصينية للأوروبيين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين.

ويرجع سبب تحالف الروس القياصرة مع الصينيين؛ ليس فقط لأن كل منهما مشبع بالعداوة للإسلام، ولكن لما بات يعرف باسم النبوءة المزعجة التي تنبأ بها الرحالة الروسي فاسيليف، الذي زار الصين عام 1867 موفدًا من القيصر لتقصي أحوال الصين”(1).

تركستان في ميزان الاتحاد السوفييتي:

واندلعت في عام 1931 ثورة إسلامية شملت أجزاء تركستان الشرقية كلها، واستطاعت أن تحرر اغلب أراضي الإقليم، وعلى رأسها مدن: “كاشغر”، و”شانشان”، و “تورفان”، و “ِأورموش”، قاعدة تركستان الشرقية (حاليًا)، وأعلنت الدولة الإسلامية المستقلة في 12-11-1933، تحت اسم “الجمهورية الإسلامية في تركستان الشرقية”، ولكن كما حدث سابقًا، فقد قضى التحالف العسكري الروسي الصيني على هذه الجمهورية في مهدها، وذلك في آب 1937، بعد حربِ ضروس وحصل الروس مقابل مساعدتهم للصين في خنق هذه الدولة، على العديد من الامتيازات في الإقليم، كحق التنقيب عن الثروات المعدنية، والحصول على الثروات الحيوانية، واستخدم عدد من الموظفين الروس في الخدمات الإدارية.

وقامت ثورة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، قادها عالم مسلم يدعى علي خان، واستطاعت بحلول عام 1944، تحرير ولايتي: “تارباغاتي” و”التاي”، وقد أقيمت فيهما دولة تركستان الشرقية التي اتخذت مدينة “إيلي” (غولجا) عاصمة لها، وسعت هذه الدولة إلى تحرير باقي أراضي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني، ولكنها اصطدمت مجددًا بالتحالف الصيني الروسي، وذلك بعد أن ضُمت جمهوريات: أوزبكستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وأذربيجان، وكازاخستان، وقرغيزستان بالقوة إلى الاتحاد السوفيتي، فقد قام ستالين الذي شعر بالنشوة بعد انتصاره على الألمان بالتدخل عسكريًّا برًّا وجوًّا لصالح الصين أثناء تلك الثورة الإسلامية، ونجح الروس وعملاؤهم، وأفسحوا بذلك المجال أمام جيش التحرير الشعبي الصيني، بقيادة الطاغية ماوتسي تونغ، لتحطيم هذه الدولة المستقلة عام 1949، وأفلحت الحكومتان: الروسية والصينية في حمل الثوار التركستانيين على التخلي عن طموحهم في الحرية والاستقلال، والانضواء تحت رايتها، مقابل الاعتراف بحقوقهم في إقامة حكومة تتمتع بالحكم الذاتي، يهيمن عليها الأويغور، أكبر الأقليات في الإقليم، ولم تؤدِّ هذه السياسة إلا لبعث النعرة القومية في تركستان الشرقية، وبالتالي: تحول القضية إلى قضية قومية بعد ما كانت قضية إسلامية حتى ذلك الوقت(2).

الدب الروسي في ثوبه الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي:

وقد توطد التحالف الصيني والروسي ضد المسلمين في تركستان، بشطريها: الشرقي والغربي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الحكم الشيوعي الشمولي عام 1991، وبالتالي: حصول دول آسيا الوسطى (تركستان الغربية) على استقلالها، وهي: كازاخستان، واوزباكستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان؛ إضافة إلى أذربيجان في جنوب القوقاز، رغم أن هذا الاستقلال لم يكن إلا استقلالًا شكليًّا.

ومع 2001 وظهور الجزار الجديد الرئيس الروسي بوتين، والذي أطلقت عليه الصحافة اسم: (القيصر الجديد)، إشارة إلى طموحه في إعادة بعث روسيا القيصرية، كما تم التوقيع بين النظامين: الروسي والصيني على الاتفاقية النهائية لترسيم الحدود في 14- 10- 2004، وبالتالي: إغلاق هذا الملف نهائيًّا، وكل ذلك من أجل تنسيق جهودهما وتركيزهما على توجيه سياسة دول وشعوب هذه المنطقة، وتقييد حريتها وإرادتها، وعلى رأس أهدافهما الإستراتيجية: ألا تقوم للإسلام قائمة فيها على مقربة من حدودهما.

وقد تم تشديد القبضة وتم إلغاء قرارات عام 1984، وتم إعلان الحزب الشيوعي الصيني وإلغاء استخدام لغة الإيجور التركية في مراحل التعليم، ووضعت قيود عديدة على ممارسة الشعائر الدينية، وعلقت لافتات على المساجد تحظر دخول المساجد على الأطفال أقل من 18 سنة (وكأنها أفلام إباحية!)، وتحظر أيضًا على الموظفين وأعضاء الحزب الشيوعي دخول المساجد، كما تحظر إقامة الاحتفالات الدينية، وبالطبع فإن الحكومة هي التي تتولى تعيين الدعاة والأئمة والخطباء، وتحدد لهم الموضوعات المسموح التحدث فيها(5).

ومن هنا يأتي الصمت الدولي على محنة المسلمين في تركستان الشرقية، والتغاضي -إن لم يكن التواطؤ- عن كلِّ الممارسات الوحشية، وسياسة معسكرات الاعتقال والتطهير الجماعية التي تمارسها السلطات الصينية ضدهم بشكلٍ ممنهجٍ، وبخاصة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وهو نفس الموقف الدولي (3).

التوصيات والملخص:

لابد من إنشاء منظمة عاملة وموحَّدة تعمل على حقوق الأقليات المسلمة حول العالم، كما أن الأقليات الأخرى لها دول ومنظمات فعَّالة تعمل على حقوقها ليل نهار، وبالتالي: لا بد من مواجهة العالم والحديث عن مأساة الملايين من المسلمين حول العالم.

كما أن العِرْق المسلم بطبيعة الرسالة والعقيدة التي يحملها غير معادٍ أبدًا، ولا مخرِّب، أو مفسد في الأرض، وإنما حثَّ الإسلام أتباعه على السلم والسلام، والتعايش لعمارة الأرض، وبالتالي: هناك مكاسب لخلق صورة مشوهة حول العالم عن الإسلام وأتباعه؛ هذه الصورة لا بد على الجيل المسلم العمل على تغييرها وإلا لصقت بنا التهمة، وصرنا كما يقولون.

1_ البيان/ الدور الروسي في محنة مسلمي تركستان الشرقية/ أحمد الظرافي

2_ البيان/ تركستان الشرقية.. قضية إسلامية لا عرقية/ أحمد الظرافي

3_ مجموعة التفكير الإستراتيجي/ الملف الأسود لجرائم الدب الروسي ضد العالم الإسلامي/ محمود المنير

4_ رابطة العلماء السوريين/ الاحتلال الروسي لتركتستان/ محمد زاهد أبو غدة

5_ الشروق/ تركستان الشرقية.. هل تسير نحو الزوال من خارطة العالم الإسلامي؟!/ سيد قاسم المصري

الروهينجاالصينتركستان