خط عسقلان وتأثيره على قناة السويس

خط عسقلان وتأثيره على قناة السويس

 

خلفية عامة:

تم بناء خط الأنابيب عبر إسرائيل Trans-Israel pipeline، والمعروف باسم: تيب ‌لاين Tipline  أو خط أنابيب إيلات – عسقلان Eilat-Ashkelon Pipeline  في 1968  لينقل النفط الخام من إيران الشاه إلى أوروبا.

خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 254 كم، وقطره 105 سم، ويمتد من رصيف خاص في ميناء عسقلان إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر بقدرة 1.2 مليون برميل في اليوم، و 400,000 برميل في اليوم في الاتجاه المعاكس. خط الأنابيب تمتلكه شركة خط أنابيب إيلات عسقلان (EAPC)([1]).

وفي العام التالي 1969 أُنشئت شركتان: (بشراكة بين إيران وإسرائيل) بغرض نقل النفط الإيراني، واستمرت الشراكة حتى اندلاع الثورة الإيرانية (عام 1979)، حيث توقف التعاون بين البلدين، واضطرت إيران إلى رفع قضايا ضد إسرائيل؛ للمطالبة بحقوقها التي تبلغ نحو 7 مليار دولار.

وكانت إسرائيل قد استخدمت الخط منذ 2003 في تصدير النفط الروسي لدول آسيا، وذلك بعد وصوله إلى ميناء عسقلان ثم إعادة شحنه عبر ناقلات في ميناء إيلات، ليكون أقصر  مِن المسار حول إفريقيا، وأرخص من المرور عبر قناة السويس.

ومؤخرًا وبعد توقيع معاهدة السلام، وإعلان الإمارات وإسرائيل عن إقامة العلاقات بينهما، وقّعت الشركة الإسرائيلية على مذكرة تفاهم مع شركة ميد-رد لاند بردج، وهي شركة محاصة إسرائيلية إماراتية، تملكها بترومال الإماراتية، ومقرها أبوظبي، وشركة  AF Entrepreneurship، وشركة لوبر لاينر الدولية للبنية التحتية والطاقة، وتوفِّر هذه الاتفاقية لـ”أبو ظبي” جسرًا لنقل الوقود الأحفوري مباشرة إلى أوروبا بعد تمديد خط إيلات عسقلان إلى الإمارات([2]).

ماذا سيعود على الجانبين: الإسرائيلي والإماراتي؟

تستهدف إسرائيل استثمار توقيع معاهدات سلام مع بعض الدول العربية لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال مشروعات السلام الاقتصادي المعدّة سلفًا، والتي مِن بينها هذا الاتفاق، والذي تريد تمديد جزءٍ منه إلى المملكة العربية السعودية ليصل خط الأنابيب من إيلات إلى ينبع في المملكة برًّا عبر الأردن، أو بحرًا بمحاذاة الحدود السعودية على البحر الأحمر.

كما تستهدف إسرائيل إقامة مشروع قناة البحرين، وإقامة مشروع مائي مشترك، يضم الأراضي الفلسطينية، والأردن، وإسرائيل.

تسعى إسرائيل أيضًا إلى تحقيق حضور إستراتيجي في قلب حركة التعاملات التجارية والاقتصادية الكبيرة في العالم، بهدف تحويل إسرائيل لتكون جسرًا بريًّا يربط الشرق والغرب، تسيطر فيه على أهم الممرات الملاحية في الشرق الأوسط، وتلعب دورًا فاعلًا وإستراتيجيًّا في اقتصادات الدول العربية فيها.

وأخيرًا: فإن إسرائيل ترمي إلى تحقيق بعض المكاسب السياسية، وإفادة الجانب الأوروبي في حركة النقل الدولية.

وعلى الجانب الآخر: فإن الإمارات العربية المتحدة تستهدف من خلال شراكتها مع الإسرائيليين في شركة ميد ريد لاند بريدج، إنشاء جسر بري لنقل النفط يوفِّر الوقت والوقود مقارنة بالنقل عبر قناة السويس، وسيكون لديها خيارين لنقل النفط من الإمارات وحتى ميناء إيلات؛ إما عبر ناقلة للنفط عبر البحر الأحمر، أو عبر خط أنابيب يمتد داخل الأراضي السعودية، ومن غير الواضح حتى الآن ما تكلفة كلا الخيارين، وما إذا كانت السعودية ستوافق على هذا المقترح من الأصل.([3])

موقف مصر من الخط المراد تشغيله:

وَفْق دراسات أعدتها هيئة قناة السويس؛ فإن تأثير خط “إيلات – عسقلان” سيكون محدودًا؛، نظرًا للأسباب الآتية:

  • استحواذ قناة السويس على 66% من كميات النفط المحتمل عبورها عبر القناة، وتبلغ نحو 107 ملايين طن، مقارنة بـ 55 ملايين طن محتملة عبر خط “إيلات-عسقلان”([4]).
  • اعتماد دول الخليج العربي في تصدير البترول الخام بشكلٍ كبيرٍ على السوق الآسيوي بنسبةٍ تزيد عن 85% من الصادرات البترولية لمنطقة الخليج العربي.
  • تمثِّل نسبة تجارة البترول لدول الإمارات والسعودية والكويت حوالي 0,7 %، و 4,9%، و1,4% على التوالي فقط من إجمالي حركة تجارة البترول المارة بالقناة.
  • ارتفاع نسبة تجارة مشتقات البترول العابرة لقناة السويس إلى 14,2% (منتجات يصعب نقلها عبر خطوط الأنابيب) في مقابل تراجع نصيب البترول الخام إلى نحو 8,8% فقط من حجم التجارة المارة بالقناة؛ نظرًا لتزايد الاستثمارات في قطاع البتروكيماويات، ونشاط تكرير البترول عالميًّا.
  • من المتوقع أن تزداد تكاليف وزمن النقل عبر خط (إيلات – عسقلان) بدلًا من قناة السويس، ولا سيما أن تلك التجارة تتجه غالبيتها إلى منطقة شمال غرب أوروبا، وستحتاج للشحن على ناقلات في البحر المتوسط؛ بالإضافة إلى زيادة المدة الزمنية المستخدمة للتفريغ والشحن، فضلًا عن تراجع أهمية تشغيل خط الأنابيب للتصدير إلى أوروبا في ظل انتهاج أوروبا لسياسات الحدِّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري واتجاهها على المدى البعيد نحو الطاقة النظيفة والغاز الطبيعي([5]).

تحديات تشغيل الخط:

تعتبر الطرق البديلة للخطوط الملاحية ذات تأثير مباشر أو غير مباشر أحيانًا على خط “إيلات – عسقلان”، وتتمثل أهم هذه الطرق في طريق الحرير، وهو خط السكة الحديد الذي يربط ما بين أقصى شرق الصين وأقصى غرب إسبانيا بطول 13000 كيلومتر، ثم محور إيلات أشدود، الذي بدأ تنفيذه عام 2014 بتمويل صيني قدره خمسة مليارات دولار مقابل غاز من البحر المتوسط، وسيكون ميناءً محوريًّا داخليًّا خلف إيلات وخط سكة حديد، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوبًا، ويتجه حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط.

أما الطريق الثالث فهو: المسار القطبي، وتبلغ مسافة المسار الملاحي من كوريا إلى روتردام 15000 كيلومتر، بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى 22000 كيلومتر، بينما يتمثل الطريق الرابع في قناة بنما.

أهمية قناة السويس مصريًّا وعالميًّا:

تعتبر قناة السويس أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتساهم في تسهيل تجارة النفط، والتجارة الآسيوية في المحيط الهادي، كما أنها الممر الأكثر استخدامًا للنقل والشحن في العالم، وقد بلغ حجم التجارة العالمية التي تمر عبر القناة من 8% إلى 12% من إجمالي حجم التجارة العالمية، كما أنها تُعدّ المعبر الأول للبترول العربي وصولًا إلى أمريكا الشمالية وأوروبا([6]).

وتُعد القناة خط دفاع رئيس لمصر باعتبارها مانعًا مائيًّا إستراتيجيًّا، ومِن أهم المصادر الرئيسة للعملة الأجنبية لمصر، وقد تطورت إيراداتها بنحو 1% في المتوسط خلال العقد الأخير، وحققت إيراداتها نحو 5.8 مليار دولار خلال عام 2019، وهي الأعلى في تاريخها، وتأثرت تلك الإيرادات قليلًا خلال عام 2020 وبلغت نحو 5.6 مليار دولار بانخفاض قدره نحو 3% عن عام 2019، ويعزو ذلك الأمر إلى تراجع حركة التجارة العالمية بنسبة 10% وانكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 4.4% في 2020؛ بالإضافة إلى انخفاض أسعار البترول، وهي عوامل كان لها تأثير على نشاط الملاحة في القناة([7]).

وفي إطار عملية التنمية الشاملة التي تنتهجها الدولة حاليًا؛ تواصِل الدولة بذل الجهود من أجل تطوير قدرات الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لإنجاح المشروعات الجاري تنفيذها في الهيئة بأعلى قدرٍ من الكفاءة، بما يضمن جذب الاستثمارات المتنوعة وتوفير المزيد من فرص العمل، كما تطبق الدولة حاليًا خطة حتى عام 2025 تهدف بالأساس إلى توطين الصناعة وامتلاك التكنولوجيا، وإنشاء قاعدة تصديرية للمحيط الجغرافي العربي والإفريقي، وكذا تطوير موانئ العين السخنة والطور والأدبية، التابعة للهيئة، وذلك بالتعاون مع هيئة قناة السويس([8]).

خاتمة:

إن المتطلع إلى نهج الدول العربية مؤخرًا مع إسرائيل؛ وبخاصة مواقف الإمارات الأخيرة،  يرى أنها لن تجني مِن وراء دورانها في فلك إسرائيل مكاسب تُذكر في مقابل المكاسب الكبيرة لإسرائيل على المديين الطويل والمتوسط، وما صفقة الطائرات التي وعد بها الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” الإمارات؛ إلا خير شاهدٍ على ذلك.

وعلى صعيدٍ آخر: فإن مصر وباقي الدول العربية التي قد تتعرض لمخططات ومشاريع تؤثِّر عليها سلبًا -ولو على المدى الطويل- يجب عليها دائمًا أن تفكر في بدائل إستراتيجية، وحلول غير عادية.

فإنه ومما لا شك فيه: أن انتهاج الدولة لخطة التطوير المشار إليها آنفًا، على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية؛ نظرًا لأن تنمية المنطقة حول قناة السويس وتحويلها الى منطقة صناعية ومنطقة لوجيستيات، عاملٌ أساس لتكون مركزًا رئيسًا للتجارة الدولية، وليس متأثرًا بها أو بغيرها من المشروعات التي يمكن أن تنافسها.

ونرى أنه حتى تتم عملية تحويل منطقة قناة السويس إلى منطقة صناعية، فيمكننا الاعتماد على:

– الصناعات التجميعية: التي يمكن أن تكون منطقة القناة  بمثابة المركز الرئيس لها (HUB)، مثل السيارات، والاتفاق مع عدة مصنعين حول العالم على استغلال هذه المنطقة وسهولة الوصول من خلالها إلى كل دول العالم على اعتبار وجود ممر القناة في قلب العالم القديم، وبين قاراته الثلاث، بل وجعلها منطقة بيع حرة Free Zone يمكن للمشترين شحنها مباشرة على السفن والاستفادة من فروق الأسعار، ومن إعفاءات الجمارك والضرائب، وبحيث تكون المنطقة الصناعية هذه قائمة على فكرة كونها منطقة ترانزيت، وبمرور الوقت تزداد أكثر وأكثر، ولدينا موقع عبقري وأعلى بكثير جدًّا من دبي كونها منطقة ترانزيت لوجيستي فقط، ويتم فيها إنشاء شركات.

– منطقة لوجيستيات Logistical Zone تعتمد على تصدير المنتجات الصناعية، وبها مخازن للشركات.

– إنشاء وادي للصناعات كثيفة التكنولوجيا (High Tech) أشبه بوادي السليكون، وعلى غرار تجربة وادي التكنولوجيات المبتكرة في كازاخستان، ولن نحتاج سوى تبسيط الاجراءات وخفض  الضرائب (أو الإعفاء مؤقتًا)، وجلب كل الشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية العاملة في هذا المجال.

سينتج عما سبق: أن يتم التصنيع في المنطقة أو التمرير فيها، والشحن مباشرةً إلى دول أوروبا من كل العالم أو العكس؛ وبالتالي: نقلل من فكرة الاعتماد على التجارة الدولية لنكون فاعلًا بها، بل أحد صناع قرار التجارة الدولية والمؤثرين بها، وليس العكس.

كما أن مصر تحتاج إلى تعميق علاقاتها بالدول العربية والإفريقية، وزيادة التبادل التجاري معها؛ بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل لديها؛ حتى لا تتعرض لأية ضغوط قد تنشأ بسبب مشروعٍ هنا أو هناك.

([1]) خط الأنابيب عبر إسرائيل

([2])Israel and UAE Open Talks Over Top-Secret Oil Pipeline

([3]) ما تأثير الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي لتوريد النفط إلى أوروبا على إيرادات قناة السويس؟

([4]) السابق نفسه

([5]) قناة السويس توضح حقيقة تأثير مشروع خط أنابيب(إيلات- عسقلان) على حركة الملاحة

([6]) أهمية قناة السويس لمصر والعالم

([7]) تطور إيرادات قناة السويس المصرية في 10 سنوات

([8]) السيسى يوجه ببذل الجهود لتطوير قدرات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس