تحديات الدور الإيراني المرتقب في السودان.. قراءة شاملة لأبعاد النفوذ والتأثير
في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة السودانية، يأتي الحديث عن الدور الإيراني في السودان كملف حساس ومثير للجدل؛ فإيران التي تتطلع إلى توسيع نفوذها الإقليمي، ترى في السودان نقطة ارتكاز إستراتيجية لتحقيق أهدافها في شرق أفريقيا والبحر الأحمر؛ إلا أن هذا الدور يواجه تحديات معقدة تتعلق بالمصالح الإقليمية، والتنافس الدولي، والهشاشة السياسية الداخلية في السودان. ويكتسب هذا النقاش أهمية خاصة بالنظر إلى التداعيات المحتملة للدور الإيراني على الأمن الإقليمي، واستقرار السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد.
كما أن النفوذ الإيراني يحمل أبعادًا أوسع قد تطال التوازنات في المنطقة العربية والقرن الأفريقي. ويهدف التحليل إلى استكشاف أبعاد وتحديات الدور الإيراني في السودان من خلال قراءة معمقة للتطورات الراهنة والمستجدات الإقليمية، مع تقديم رؤية متكاملة لكيفية تعامل الأطراف المختلفة مع هذا الدور.
تاريخ العلاقات الإيرانية السودانية:
شهدت العلاقات الإيرانية السودانية مسارًا معقدًا ومليئًا بالتقلبات التي تأثرت بالتغيرات السياسية والتحولات الإقليمية والدولية. على مدار العقود الماضية، مرت هذه العلاقات بمراحل من التقارب الإستراتيجي، والتوترات، والانفصال التدريجي، حيث كان لكل مرحلة دوافعها وأسبابها.
تعود جذور العلاقة بين إيران والسودان إلى فترة الثمانينيات، في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري. ورغم أن نظام النميري كان مقربًا من الولايات المتحدة في بداية حكمه، إلا أن صعود الإسلاميين بزعامة حسن الترابي إلى الواجهة السياسية، وما تلاه من تحولات في المشهد السياسي السوداني، أدى إلى تغيير بوصلة السودان نحو تعزيز علاقاته مع إيران. وقد لعبت الأيديولوجيا الإسلامية المشتركة بين النظام الإيراني بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، والحركة الإسلامية السودانية بقيادة الترابي، دورًا محوريًا في هذا التقارب.
في عهد الرئيس عمر البشير، الذي وصل إلى السلطة عام 1989 عبر انقلاب عسكري دعمته الجبهة الإسلامية القومية، تعززت العلاقات بين الخرطوم وطهران بشكل ملحوظ. استغلت إيران هذا التحالف لتعزيز وجودها في إفريقيا، حيث قدمت دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا للسودان. وبرز هذا التعاون في المجال العسكري بشكل خاص، حيث ساهمت إيران في تدريب وتسليح القوات السودانية، وظهرت تقارير تشير إلى أن الخرطوم أصبحت مركزًا إقليميًّا لتهريب الأسلحة إلى حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهو ما أثار قلق القوى الغربية.
من الناحية الاقتصادية: استفادت إيران من هذا التقارب لتوسيع نفوذها الاقتصادي في السودان؛ حيث أسست شركات ومشروعات تجارية واقتصادية مشتركة في قطاعات متعددة، مثل الزراعة والتصنيع. كما قدمت طهران قروضًا مالية ومساعدات اقتصادية للخرطوم لمواجهة الأزمات المالية التي كانت تعاني منها البلاد، خاصة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، الذي أدى إلى فقدان السودان لمعظم عائداته النفطية.
لكن مع تصاعد الضغوط الدولية على السودان، خاصة من الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات اقتصادية قاسية، بدأت الخرطوم في إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية والدولية. وفي ظل هذه الضغوط، ومع تزايد العزلة التي فرضتها الدول الخليجية على إيران نتيجة تدخلها في اليمن وسوريا، وجدت السودان نفسها أمام خيار استراتيجي جديد.
في عام 2014، حدث تحول جذري في الموقف السوداني؛ إذ قررت الخرطوم إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد، متهمة إياها بنشر التشيع بين السودانيين، وهو ما أثار جدلًا واسعًا. وقد جاء هذا القرار في وقت كانت فيه العلاقات السودانية الخليجية، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، تشهد تقاربًا ملحوظًا، حيث سعى نظام البشير إلى تحسين علاقاته مع الرياض للحصول على دعم مالي وسياسي يعينه على تجاوز أزماته الداخلية.
في عام 2015، قطع السودان رسميًا علاقاته الدبلوماسية مع إيران، تماشيًا مع موقف السعودية ودول الخليج بعد الهجوم الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران إثر إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر. وقد اعتُبر هذا التحرك السوداني بمثابة تأكيد على انحياز الخرطوم إلى المحور الخليجي، ما أدى إلى توتر العلاقات مع طهران التي كانت تعتمد على السودان كجسر لتعزيز نفوذها في إفريقيا.
التحولات التي طرأت على العلاقات الإيرانية السودانية خلال العقود الماضية تكشف عن براغماتية واضحة في السياسة الخارجية لكل من البلدين. فإيران حاولت استغلال السودان كقاعدة للتغلغل في إفريقيا، ونقطة انطلاق لتمرير مصالحها العسكرية والاقتصادية في المنطقة، في حين سعى السودان إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال هذا التحالف، لكنه في النهاية اضطر إلى فك ارتباطه بإيران لصالح تعزيز علاقاته مع السعودية والإمارات.
مستجدات الأحداث ودلالاتها:
تقارير عن دعم إيراني غير مباشر لبعض الفصائل المسلحة:
تشير تقارير حديثة إلى أن إيران قد بدأت بالفعل في تقديم دعم لوجستي لبعض الفصائل في السودان لتعزيز نفوذها.
تحركات دبلوماسية مضادة من القوى الإقليمية:
تشهد المنطقة تحركات مكثفة من السعودية ومصر لتعزيز حضورها في السودان، في خطوة تهدف لاحتواء النفوذ الإيراني.
الضغوط الأمريكية على إيران:
الولايات المتحدة تُصعّد من ضغوطها على إيران لوقف أي محاولات للتدخل في السودان، حيث ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها ومصالح حلفائها(1).
دوافع إيران للوجود في السودان (المصالح تتحكم):
كانت الخرطوم في السابق مستفيدة من تعاونها مع الجانب الإيراني بشكل كبير، سيما التعاون العسكري، والذي قد أسهم في تعزيز قدراتها في إنتاج العديد من الأسلحة والذخائر. وهذا من الممكن أن يكون ضمن فوائد استئناف العلاقات بين البلدين في هذه الفترة، خاصة في وقت حرج تمر به البلاد في مواجهة قوات الدعم السريع، فضلاً عن احتمالية استفادة الخرطوم مستقبلًا من التكنولوجيا النووية الإيرانية من أجل إنشاء مفاعل في السودان لتوليد الطاقة الكهربائية.
وعلى الجانب الآخر: من المُرجح أن تسعى إيران جاهدة لكي يظل السودان ضمن قائمة أولويات سياساتها الخارجية، وإستراتيجيتها، وكذلك التواجد في العمق الإفريقي في ظل تنافس العديد من القوى الدولية في هذه المنطقة الجيوإستراتيجية المهمة؛ كما يشير العديد من الباحثين إلى إمكانية أن طهران قد تسعى للحصول على اليورانيوم من السودان مستقبلًا؛ خاصة وأن هناك العديد من التقارير تتحدث عن تواجده في دارفور، إلى جانب حالة الفتور مع الغرب ووقوعها تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، ما قد يجعلها تلجأ لتعظيم التجارة مع السودان، وكذلك استخدام موارده مقابل مشروعات الاستثمار أو إعادة الإعمار، حيث ستُمثل حاجة الخرطوم لهذه المشروعات بعد الحرب مدخلًا مهمًّا، وفرصة لن تتكرر أمام طهران.
ولا يغفل عن أحد اهتمام الأخيرة الكبير بتعزيز علاقاتها مع القارة السمراء، تحديدًا في المجال الاقتصادي، حيث يمكن فتح بوابة للتجارة الإيرانية مع عدد من الدول الإفريقية المغلقة المجاورة للسودان، وكذلك التجمع الاقتصادي لدول شرق وجنوب إفريقيا “كوميسا”، وذلك عبر استثمار موقع السودان وموانئه على البحر الأحمر. ومن هنا يمكن إجمال أهمية السودان لإيران في التالي:
الموقع الإستراتيجي للسودان:
السودان يشكل بوابة لإيران نحو شرق أفريقيا، ووجودها هناك يُتيح لها نفوذًا مباشرًا في البحر الأحمر الذي يُعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية.
تعزيز العلاقات مع الفصائل المسلحة:
لطالما كانت إيران داعمًا للفصائل المسلحة في مناطق الصراع، وتسعى لاستخدام السودان كمنصة لتعزيز نفوذها الإقليمي ودعم وكلائها في مناطق أخرى.
مواجهة القوى الإقليمية والدولية:
يسعى النظام الإيراني إلى تقويض النفوذ السعودي والإماراتي في السودان، في إطار المنافسة الإقليمية المتصاعدة، كما يعتبر السودان ساحة جديدة لمواجهة الضغوط الغربية(2).
ملامح التدخل الإيراني في السودان وتداعياته:
التغلغل التدريجي عبر الشراكات الاقتصادية:
قد تسعى إيران إلى بناء علاقات اقتصادية مع السودان عبر استثمارات في قطاعات الزراعة والصناعة، لتجنب الظهور كقوة تهديد مباشرة.
تعزيز التعاون العسكري:
يمكن أن تعمل إيران على تقديم الدعم العسكري لبعض الفصائل السودانية لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة في المناطق التي تعاني من فراغ أمني.
التركيز على البُعد الثقافي والديني:
تسعى إيران إلى نشر أيديولوجيتها من خلال المراكز الثقافية والتعليمية، خاصة في المناطق ذات التحديات التنموية(5).
الدوافع السودانية من التقارب:
يسعى السودان من ترميم علاقاته مع إيران إلى كسب حليف خارجي جديد، لا سيما أن علاقة الخرطوم مع الإيقاد تشهد خلافات وتدهورًا منذ فترة، حيث جمدت الخرطوم عضويتها في الهيئة الإفريقية للتنمية في شرق إفريقيا “إيقاد” في يناير 2024 نظرًا لتجاهل المنظمة لقرار السودان، الذي نُقل إليها رسميًا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان.
يطمح الجيش السوداني إلى استمرار الدعم العسكري من إيران، حيث اعتمد الجيش السوداني على طائرات بدون طيار قديمة إلى جانب المدفعية والطائرات المقاتلة، لكنها لم تكن فعالة في مواجهة قوات الدعم السريع المتمركزة في المناطق الحضرية. ومع استئناف العلاقات بين السودان وإيران في أكتوبر 2023، حصل الجيش السوداني على طائرات مهاجر وأبابيل الإيرانية المتطورة، والتي أثبتت فعاليتها في استعادة الأراضي التي خسرتها أمام قوات الدعم السريع في أم درمان ومناطق أخرى.
رغبة السودان في زيادة الضغط على المجتمع الدولي واستخدام التقارب كورقة ضغط(3).
التحديات التي تواجه إيران في السودان:
الوضع الداخلي في السودان:
الصراعات الداخلية:
السودان يعاني من انقسامات سياسية وصراعات مسلحة تجعل من الصعب على أي قوة خارجية تحقيق استقرار لنفوذها هناك.
الرفض الشعبي:
الشارع السوداني ينظر بحذر لأي تدخل خارجي؛ خاصة إذا ارتبط هذا التدخل بأجندات دينية أو سياسية تثير الانقسامات.
المنافسة الإقليمية:
يُشير العديد من الخبراء والباحثين إلى أن التقارب الإيراني السوداني يسعى إلى تحقيق علاقة إستراتيجية مُربحة للطرفين، ومن المُحتمل في حال الدعم العسكري المتزايد من طهران للجيش السوداني من أجل التغلب على قوات الدعم السريع، أن يكافئها الجيش بالوصول إلى “بورتسودان” لإقامة قاعدة عسكرية هناك، إضافة إلى منافع إستراتيجية أخرى.
وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى توتر الأوضاع مع المملكة العربية السعودية على وجه التحديد لأن وجود هذه القاعدة البحرية يضع القوات الإيرانية على بُعد 320 كيلومترًا من المملكة.
وكذلك دول الخليج بشكل عام ستكون تحدياً كبيراً أمام هذا التواجد؛ لأن الوجود الإيراني في البحر الأحمر يُهدد الحدود الغربية لها.
وإلى جانب ذلك: من المُرجح أن يكون هناك تعاون تجاري بين إيران والسودان، وقد تتحايل طهران على العقوبات الخانقة المفروضة عليها وتلجأ لاستخدام موارد السودان والاستثمار به والمشاركة في إعادة إعماره، كما ذكرنا سلفًا، خاصة وأن البنية التحتية الصناعية والتجارية قد دُمرت في هذه الحرب الغوغائية، ما يعني تمدد الوجود الإيراني داخل الأراضي السودانية بأكثر من شكل، ومن المُحتمل كذلك السماح بوجود قوات من “الحرس الثوري الإيراني” داخل السودان، لإدارة مصالحه وشركاته، في ظل السعي للحصول على إطلالة على العمق الإفريقي. وهذا ربما يدفع إلى التفكير بأن محور المقاومة التابع لطهران قد يجد ساحة أخرى له، ما يعني زيادة حدة التوتر مع الشركاء الإقليميين وعلى وجه التحديد دول الخليج ومصر.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى الاتفاق السعودي – الإيراني في العاصمة الصينية بكين في مارس 2023، والذي بموجبه تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، مع تعهد طهران بعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار الخليجي وعدم إثارة التوترات الإقليمية، لكن تفعيل ذلك الاتفاق والالتزام به لا يزالان تحت الاختبار حتى هذه الأثناء، خاصة في هذا السياق المتعلق بوكلاء إيران، وما يدعم هذا التوجه هو تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، منذ فترة بأن “قضية المقاومة هي إحدى أسس السياسة الخارجية الإيرانية المرتبطة بمحور المقاومة”، وأن “العلاقة بين الميدان والدبلوماسية راسخة”.
وهذه تعد إشارات واضحة على عزم طهران على تنشيط وتوسيع مجال أذرعها في المنطقة.
الدور السعودي والإماراتي:
الدولتان تمتلكان حضورًا قويًا في السودان عبر الدعم السياسي والاقتصادي، وهو ما يُضيق المساحة أمام التحركات الإيرانية.
التأثير المصري:
مصر تعتبر السودان عمقها الإستراتيجي ولن تقبل بأي دور يهدد أمنها القومي.
العزلة الدولية لإيران:
إيران تعاني من عقوبات اقتصادية وسياسية تُقيد تحركاتها على الساحة الدولية، ما يجعل من الصعب تمويل أو دعم أي تواجد طويل الأمد في السودان.
التحدي اللوجستي:
البعد الجغرافي والافتقار إلى بنية تحتية داعمة في السودان يحد من قدرة إيران على تنفيذ أجنداتها بشكل مباشر(4).
تداعيات الدور الإيراني على المنطقة:
تهديد الأمن القومي العربي:
أي تواجد إيراني في السودان سيُثير مخاوف دول المنطقة، خاصة دول الخليج ومصر، من إمكانية استغلال هذا الدور لتهديد أمن البحر الأحمر.
تصعيد التنافس الإقليمي:
النفوذ الإيراني قد يدفع القوى الإقليمية إلى زيادة تدخلها في السودان، ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في البلاد.
التأثير على التحولات السياسية في السودان:
قد يؤدي التدخل الإيراني إلى تعقيد عملية الانتقال السياسي في السودان وزيادة التوتر بين الأطراف الداخلية(6).
كروت لعب جديدة في المنطقة وخلق ساحات تابعة لدولة الملالي:
وستعمل طهران على الاستفادة من أراضي السودان المنبسطة في تطوير الأسلحة وكمخازن لها، فمن قبل مولت مصنع “اليرموك” جنوب العاصمة السودانية – الخرطوم لتزويد تنظيم “حماس” بالأسلحة، وكانت إسرائيل قد وجهت هجومًا صاروخيًّا على إنتاج هذه المصانع في مدينة بورتسودان عندما كانت في طريقها إلى غزة قبل عقد من الزمان.
كما أن السودان هو الأقرب لمنطقة وسط وغرب أفريقيا، حتى تتمكن إيران من تزويد مصانعها باليورانيوم.
وهناك، أيضًا، منظومتها الصاروخية التي تخضع لاختبارات عدة في حاجة إلى أرض بعيدة نوعًا ما من الأراضي التي تقع ضمن جغرافيا الحرب.
ويعزز هذا الافتراض أن إيران، بالفعل، دخلت في حالة دفاع عن نفسها بأن تعهدت لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنها لن تستخدم الأراضي العراقية للهجوم ضد إسرائيل.
وكان ذلك ردًّا على طلبه نتيجة لبداية إيران اتهام إسرائيل بأنها استخدمت الأراضي العراقية، ويمكن لإيران أن تشيد منشآت لإنتاج وتخزين الصواريخ وإطلاقها من تحت الأرض، بمجهودها الذاتي أو بالتعاون مع بعض الدول، مثلما ساعدتها من قبل كوريا الشمالية في منشآتها داخل الأراضي الإيرانية.
ومع تعثر إحاطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمنشآت النووية التي منع النظام موظفي الوكالة من الوصول إليها بغرض تفتيشها، ستكون الفرصة للاتفاق على التعاون بين الطرفين، إما بنقل هذه المنتجات إلى السودان، لا سيما مع قرب إيران من الوصول إلى تصميم رأس نووي، أو إنشاء مواقع نووية بديلة.
ومن المرجح أن يظل السودان ضمن قائمة أولويات العلاقات الخارجية الإيرانية، لا سيما مع عدم التقارب مع الغرب، وتحقيق إيران استراتيجية دول الجوار الإقليمي، والإسلامي، والجنوب العالمي، بما يخدم مصالحها الدبلوماسية(7).
الخلاصة:
رغم طموحات إيران في السودان، تواجه تحركاتها تحديات كبيرة تجعل من الصعب تحقيق نفوذ مستدام، فالوضع السوداني الداخلي المتأزم، إضافة إلى المنافسة الإقليمية والدولية، يضع إيران أمام خيارات محدودة تتطلب حذرًا كبيرًا.
فمع تجدد العلاقات بين البلدين في ظل الحرب الدائرة منذ أبريل الماضي، لا تعود هذه العلاقات بالضرورة لنفس السياق السابق، ولكنها ستأخذ مسارًا جديدًا نتيجة لعدد من الاعتبارات الداخلية والترتيبات الإقليمية وموقع كل منهما على خريطة العلاقات الدولية.
وبالنظر إلى الطرق التي نما بها النفوذ الإيراني في أماكن أخرى في المنطقة، يثير العديد من المخاوف من أن يتحول الجيش السوداني، إلى مجموعة ميليشيا مماثلة لقوات الحشد الشعبي العراقية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ممارسة إرادة إيران مقابل التمويل والمساعدات العسكرية، وتتفاقم هذه المخاوف بشكل خاص بعد دعوات لتسليح المواطنين في السودان وتنظيم “المقاومة الشعبية” من خلال فتح المجال أمام الأفراد لشراء الأسلحة.
ومع ذلك، فإن انخراط إيران المتجدد مع السودان لا يخلو من التحديات، ولا يزال المجتمع الدولي يشعر بالقلق من نفوذ إيران المتزايد في أفريقيا، وهناك مخاوف من أن إيران قد تستخدم السودان كقاعدة لدعم الجماعات الإقليمية الوكيلة أو تعزيز طموحاتها العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات السياسية الداخلية في السودان والوضع الاقتصادي الهش يمكن أن يكون حافزًا لإيران للسيطرة على مفاصل الدولة كما حدث في لبنان والعراق.
ويظل مستقبل العلاقة السودانية الإيرانية معلقًا بين احتمالية التحول نحو شراكة استراتيجية مستدامة، وبين استمرارها كأداة في التجاذبات الإقليمية والتكتيكات السياسية.
فبينما تشير بعض المؤشرات إلى وجود مصالح مشتركة وتاريخ من التعاون قد يدفع نحو تعزيز العلاقات، إلا أن الضغوط الدولية والتنافس الإقليمي والوضع الداخلي الهش في السودان تشكل تحديات كبيرة أمام تحقيق ذلك.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع إيران تخطي هذه العقبات وتحقيق أهدافها في السودان، أم أن التحديات ستجعل من هذا الدور مجرد محاولة أخرى تُضاف إلى سجل طموحاتها الإقليمية المتعثرة؟
المصادر:
1_ مركز أبعاد
2_ الاندبندت
3_ مركز الحبتور
5_ صحيفة العرب
6_ A.D.F
7_ الشرق الأوسط