المكاسب المتبادلة بين الحوثيين والإسرائيليين من حرب طوفان الأقصى
في الآونة الأخيرة، سعت جماعة الحوثيين في اليمن إلى تعزيز سردياتها السياسية عبر ادعاءات وتفسيرات تثير الجدل على الساحة الدولية، واحدة من أبرز هذه الادعاءات هي محاولة الجماعة الربط بين صعدة، معقل الحوثيين في شمال اليمن، وإسرائيل، في محاولة لخلق صورة مغايرة عن واقع الوضع العسكري والسياسي في اليمن.
هذا التقرير من “رواق” يسلط الضوء على كيف أن هذه السرديات المضللة تكشف عن المكاسب الوهمية التي يسعى الحوثيون لتحقيقها.
فبعد عقدين من تفجير حروب تمرد صعدة وانقلابها على الشرعية، يسعى الحوثيون لتحقيق سرديتهم المضللة ورفع رصيدهم السياسي باليمن والمنطقة بالاشتباك مع إسرائيل.
المليشيات الانقلابية رفعت سردية مواجهة “قوى الاستكبار العالمي” ضد إسرائيل وأمريكا خلال حروب التمرد الستة في صعدة (2004-2009) وكان هدفها أساسًا جذب القبائل للقتال إلى جانبهم، أما في المحافل الدولية؛ فعمدوا لسردية مضللة تقدمهم كـ”أقلية مضطهدة”.
دوافع الحوثيين وإستراتيجيتهم للدخول في حرب طوفان الأقصى:
أسس الحوثيون ما يسمى جماعة أنصار الله على أيديولوجية ادعاءات تشجّيع المقاومة ضدّ “قوى الاستكبار” أمريكا وإسرائيل، ويظهر ذلك من خلال تبنيها في خطابها الحثّ على تحرير الأقصى ومقاومة القوى الإمبريالية، كما ينعكس ذلك في شعارها “الصرخة“: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، ولطالما برَّرت الجماعة تمرّدها وانقلابها في اليمن على أنه جزء من مشروع المقاومة.
ولذلك عندما بدأ العدوان على غزة، كانت تلك لحظة مناسبة بالنسبة إليهم لحشد قاعدتهم من خلال إعادة تأكيد التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية.
كما أنه يُحكى عن وجود أمريكي مزعوم على الأرض في اليمن من شأنه أن يغيّر حسابات الحوثيين في حال تدخُّل مباشرة معهم، إلا أن الهدف الرسمي للقوات الأمريكية هو تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وليس أنصار الله، لأنه وبحسب تحليلات عديدة هناك اتفاقات سرية ما بين المد الشيعي والولايات المتحدة الأمريكية(1).
صور المشاركة الوهمية للحوثيين في طوفان الأقصى:
التدثر بالإنجازات الكاذبة، وترويج الوهم، أسلوب اعتادت مليشيا الحوثي اتباعه لتحسين صورتها المشوّهة، والظهور بلباس المدافع عن قضايا الأمّة، وتسويق نفسها كحركة تحمل همَّ الشعوب المستضعفة، وحامية للقيم الدِّينية والإنسانية.
ومع انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وجدت مليشيا الحوثي ساحة جديدة لاستعراض بطولاتها الزائفة، والزج برأسها في قضية فلسطين والتي في الاساس ليست حلمهم، وسارعت إلى إعلان قتلى وجرحى بصفوفها، مصحوبة بصور لهم عليها “شعار الصرخة”، ونرى اهتمامهم بهذا العرض الهذلي والذي يراد من وراءه الدعايات الكاذبة.
الاتجار بالقتلى والجرحى:
“قتلى يمنيين في عملية طوفان الأقصى”، كان هذا عنوانًا بارزًا روَّجت له مليشيا الحوثي على حسابات ناشطيها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع إخبارية مقرَّبة منها، لتبرهن للناس صلتها الوثيقة بالمقاومة الفلسطينية في الداخل، وعُمق التواصل والتنسيق معها، في إطار ما يسمى “محور الجهاد والمقاومة”، الذي تقوده إيران، ويشمل سوريا والعراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
لم يقف الأمر عند المواقع الإخبارية المقرّبة من الحوثيين، بل عمدت إلى إنشاء حساب مزيف على منصة “إكس” – تويتر سابقا، تابعه عشرات الآلاف من الأشخاص، نشرت عليه الخبر لتثبيت للناس صدق ادعائها، مما جعل العديد من المواقع اليمنية تنساق وراء الأكاذيب، وتنشر الخبر.
تَشكك الكثير من المتابعين من مصداقية الخبر، ونيّة الحوثيين المشاركة في القتال إلى جانب فصائل المقاومة، ومن خلال المنصات الخاصة بالتحقق من الشائعات، تبيَّن أن صورة القتيل الأول المدعو محمد موسى الجبري، التي زعمت أنه من أبناء محافظة صنعاء، هي صورة لملف حساب شخصي للشاب محمد موسى، ويعيش في قطاع غزة، وتؤكد مصادر فلسطينية أنه استشهد في عملية “طوفان الأقصى”.
أما الشاب الذي يدعى إبراهيم عدنان من محافظة الجوف، فقد تبيَّن أنه من أصول يمنية، لكنه من مواليد فلسطين، وهاجرت أسرته إلى غزة في العام 1975 ضمن فوج المتطوِّعين العرب في المقاومة الفلسطينية، ولا توجد أي علاقة تربطه بمليشيا الحوثي.
الشخص الثالث، الذي ادعت المليشيا أنه من أبناء محافظة صعدة، أديب حسن فيصل أبو زيد، لم يكن هو الآخر من شهداء العملية، واتضح أنه ما يزال حيًّا، ويعيش في اليمن.
بيع الوهم للشعوب والعوام لاستجداء تعاطفهم مع القضية:
في بداية عملية “طوفان الأقصى”، ظهرت مليشيا الحوثي متحمسة مع الحدث، وأكد زعيمها، عبد الملك الحوثي، في خطابه بالمناسبة، أن الحوثيين سيقصفون إسرائيل بالصواريخ طويلة المدى، والطائرات المسيّرة.
وتوالت التصريحات من قيادات الحوثي المؤيدة للعملية، التي تؤكد أنهم سيشاركون في العمليات القتالية، وكان أبرزها تصريحات القيادي محمد علي الحوثي، عضو ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى”، الذي حذَّر أمريكا من مغبة التدخل في الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وتحول المواجهات إلى حرب إقليمية.
وفي محاولة للتملُّص من التصريحات النارية، كتب محمد علي الحوثي، تغريدة على موقع “إكس” يطالب فيها ولي العهد السعودي فتح المملكة العربية السعودية مسارًا عاجلًا ومحددًا بين اليمن وفلسطين المحتلة، باعتبارها تمتلك حدودًا مع اليمن من جهة، ومع فلسطين المحتلة من جهة أخرى، لعبور اليمنيين للمشاركة في القتال، حد قوله.
واشترط الحوثي على ولي العهد السعودي توقيف كافة خططهم العسكرية والأمنية تجاه اليمن، خلال المشاركة في القتال، ولكن كل هذه التصريحات النارية هي مجرد دعايات ومجرد نقاط يريد تسجيلها عند العوام في الشوارع العربية، ونرى هذا من خلال ضرباته التي لا تتجاوز المسيرات الضعيفة والصواريخ الكاتيوشا ومتوسطة المدى ولم يستخدم ترسانته الحقيقية التي يمتلكها من أجل الفلسطينيين على حد قوله.
المصالح التي يطمع الحوثيون في تحقيقها (سياسيًّا – اقتصاديًّا – منهجيًّا وفكريًّا – داخليًّا):
المكاسب العسكرية من التدخل الحوثي على خط الحرب الفلسطينية:
تحت اسم: “طوفان الأقصى”، دشن الحوثيون دورات تدريبية مفتوحة على مدى الفترة الماضية في مختلف محافظات شمال اليمن، جندوا خلالها عشرات الآلاف من المسلحين القبليين؛ ففي 13 نوفمبر 2024، أعلن الحوثيون تخريج عدد من الكتائب في مناورة عسكرية في صعدة على الحدود مع السعودية لقوات “حرس الحدود”.
وفي 16 نوفمبر 2024، أعلن الحوثيون تجنيد 10 ألف مسلح قبلي في محافظة ذمار ضمن دورات “طوفان الأقصى”، ونظم الحوثيون في 2 ديسمبر عرضًا عسكريًّا في ميدان السبعين بصنعاء لتخريج دفعة أخرى، تضمن استعراض طائرتين مقاتلتين من طراز ميج 29 الروسية التي استولت عليها الجماعة من مخازن الجيش اليمني بحسب مصادر صحفية. وفي 10 ديسمبر 2024، أعلنت الجماعة تجنيد 15 ألف مقاتل في صعدة.
وفي 20 ديسمبر 2024، أعلن الحوثيون تجنيد 23 ألف مقاتل في محافظة عمران. وفي 24 ديسمبر 2024، أعلنوا تجنيد 20 ألف مقاتل إلى صفوفهم في محافظة حجة. كما أعلنوا تجنيد دفعات جديدة في باجل بالحديدة ومديريات أخرى من المحافظة.
وفي هذا الاتجاه يعتقد أن “تصعيد الحوثيين على طول منطقة باب المندب يعد دليلًا واضحًا على تمكين الحوثيين وزيادة قدراتهم العسكرية، منذ توقيع الهدنة مع المملكة العربية السعودية في إبريل 2022، فنحن نعلم أن هذا لم يكن أبدًا لوقف إطلاق النار داخل اليمن، فقد كان هذا الاتفاق يهدف في المقام الأول إلى منع أي ضربات عبر الحدود من قبل الحوثيين، مع وعد بعدم شن غارات جوية على مواقع الحوثيين داخل اليمن من قبل الرياض”.
وحتى الآن تم التأكيد تقريبًا على أن جميع الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تم إطلاقها ضد إيلات في إسرائيل مصدرها إما العراق أو سوريا. على الرغم من أنه ليس هناك شك في أن الحوثيين أطلقوا طائرات مسيرة وصواريخ فوق الأراضي السعودية أو البحر الأحمر، والتي اعترضتها القوات البحرية الأمريكية”.
كما أن الحوثيين استغلوا حرب غزة لتوسيع حضورهم العسكري في البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما يعني في المحصلة توسيع نفوذ الحرس الثوري الإيراني.
هذه العمليات التي تنفذها مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر تتم بإيعاز إيراني، والعالم يدرك ذلك. ولا نحتاج لأدلة تثبت هذا أكثر من تصريح وزير الدفاع الإيراني مؤخرًا بإن منطقة البحر الأحمر تمثل منطقة إيرانية وأن لهم تواجدًا فيها، وهو بالتأكيد يقصد التواجد الإيراني في مناطق سيطرة الحوثيين”(2).
محاولة لغسل آثار الجرائم تجاه الشعب اليمني:
تشير تقارير حقوقية تناولت الصراع بين الحكومة اليمنية وجماعة “الحوثي” منذ بدء المواجهات العسكرية بينهما من فبراير 2014 إلى ارتكاب الأخيرة انتهاكات جسيمة من جانب الحوثيين شملت الاعتقالات التعسفية للأهالي، وتجنيد الأطفال من أجل الحرب، وفرض الاتاوات والضرائب التعجيزية على المواطنين والتجار، والاستيلاء على رواتب الموظفين الحكوميين بزعم عجز الميزانية.
مما سبق، وبالعودة إلى إستراتيجية “غزو السفن، واطلاق المسيرات والصواريخ نكتشف: أن غرض الحوثي واضح لا يحتاج إلى بيان، يتلخص في السعي لجني الارباح المادية والمعنوية وغسل سمعة جماعة متورطة في الفساد موغلة في دماء اليمنيين، تحت شعار جديد قديم: مواجهة العدو “إسرائيل وأمريكا”، ومساندة شعب فلسطين”؛ هذه الإستراتيجية تعطي الجماعة القدرة على الاستمرار في تجنيد آلاف اليمنين لخدمة مصالحها وتحقيق أهداف وطموحات “كفيلها” الإيراني التوسعية(3).
مكاسب السياسية من وراء الشعارات الحوثية الدولية:
وعلى الصعيد السياسي، فإن مليشيا الحوثيين استفادت من حرب غزة في شن هجماتها الأخيرة لتعزيز موقفها التفاوضي أمام السعودية والإمارات.
ويستفيد الحوثيون من هذه العمليات ليس فقط من أجل مصالح إيران باعتبارهم مجرد وكيل، بل يريدون فرض مطالبهم على المملكة العربية السعودية (والإمارات العربية المتحدة) بعد ما يقرب من أربعة أشهر منذ الاجتماعات في الرياض”.
ويدرك الحوثيون أهمية التجارة البحرية لدبي، وكذلك لسوق النفط، لكن هدفهم هو التأثير على عملية التطبيع مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
ودعونا نتذكر أن عملية في 7 أكتوبر جاءت مع تزايد الزخم في المحادثات المحتملة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في أواخر سبتمبر 2023، بعد حوالي خمسة أشهر من الاتفاق الإيراني السعودي في بكين”.
فهناك أهداف أخرى للحوثيين من هذه العمليات العسكرية، بما فيها توليد دعم شعبي لقضيتهم بين المسلمين والشريحة المعادية لإسرائيل من الجمهور العالمي(4).
المكاسب المنهجية والفكرية الحوثية بالداخل اليمني على خط الحرب الفلسطينية:
إن مليشيات الحوثي لن تتوقف عن طيشها؛ لأنها تشعر الآن أن حلمها بالانخراط في حرب “طويلة وممتدة” مع إسرائيل قد تحقق وبأفضل ما يمكن، بهدف استغلالها لابتلاع باقي مناطق اليمن.
غير أن الحوثيين الآن صار لديهم اشتباك مع إسرائيل، وهذه حالة مفيدة ومثالية للحوثي من ناحية الشعارات وانعكاسات؛ هذا الوضع على مستوى السيطرة الداخلية والنفوذ الإقليمي والكلفة المحدودة عليه كجماعة”، وفقًا لمراقبين.
كما أن اشتباك إسرائيلي حوثي قد يعزز الرصيد السياسي للمليشيات الانقلابية؛ إلا أنه لن يخلو من الضربات القاصمة بدليل أن استهداف ميناء الحديدة كان بعد تحوله لشريان للأسلحة والأموال المهربة، هو ما مثل ضربة قوية”.
وكذلك الهجمات الحوثية المماثلة لقصف ميناء الحديدة والمتمثلة بقصف ميناء الضبة وميناء النشيمة، وحرمان الحكومة اليمنية الشرعية من مواردها ثم محاربة ميناء عدن وإجبار التجار على تحويل شحناتهم البحرية إلى الحديدة بالقوة.
إن الحوثي لن يحقق سياسيًّا أكثر مما حققه “حزب الله” الذي جر لبنان للحرب مع إسرائيل من قبل ومن المحتمل أن يجرها لذلك مجددا، والمشكلة أن المكاسب هي مكاسب تخص الأطماع الشيعية لا تفيد الإسلام بشيء(5).
مكاسب اقتصادية متمثلة في الوجود البحري المزعوم:
في 18 أكتوبر الماضي، أصدر البنك المركزي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين في صنعاء، تعميمًا إلى كافة شركات الصرافة المشغلة لشبكات الحوالات المالية المحلية في مناطق سيطرتهم، بتدشين حملة شعبية باسم “حملة دعم الشعب الفلسطيني” عبر شبكات الحوالات المالية المحلية.
وشدد التعميم على أن يتم تقييد أي حوالات مالية باسم “حملة دعم الشعب الفلسطيني” في حساب باسم الحملة، وأن يتم ترحيل إجمالي رصيد التبرعات في بداية يوم العمل التالي إلى حساب الحملة طرف البنك المركزي بصنعاء رقم (60000) مع الاحتفاظ بإشعارات توريد المبالغ المرحلة إلى الحساب.
وجمع الحوثيون خلال أسابيع قليلة مبالغ تجاوزت مليار ونصف مليون ريال يمني قالوا إنها لدعم الفصائل الفلسطينية. ففي 20 نوفمبر 2024، أعلنت هيئة الزكاة في صنعاء تدشين حملة دعم لفلسطين بمبلغ 1.390 مليار ريال يمني بتوجيهات من زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي.
قبلها في 29 أكتوبر 2024، أعلنت ألوية النصر الحوثية أنها قدمت 132.5 مليون ريال يمني للفصائل الفلسطينية كتبرعات من أفرادها، بالإضافة لنحو 50 مليون ريال يمني تم تجميعها من تبرعات أفراد القوات الخاصة في صنعاء في 27 نوفمبر 2024، و40 مليون ريال يمني في 30 نوفمبر 2024 قُدمت من الهيئة النسائية الثقافية العامة في مناطق سيطرة الحوثيين. وتحدث إعلام الجماعة عن قيام النساء ببيع الحلي والذهب لتوفير هذه النقود.
فقد وظّف الحوثيون حرب غزة لتحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية وفي 11 أكتوبر 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي قامت به الفصائل الفلسطينية، أصدر الحوثيون قرارا يسمح لوزارة المالية في حكومتهم ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس السياسي بفرض ضرائب جديدة وجمارك”.
وهذا القانون يحتوي أيضاً على سلسلة من الضرائب على القطاع التجاري والصناعي، على مستوى المبيعات والأرباح والدخل، تصل إلى 20%.
ويبدو أن مكاسب الحوثيين الاقتصادية لا تتوقف عند هذا الحد، فقد كشفت عقوبات الخزانة الأمريكية على أفراد وكيانات على صلة بإيران وتمول الحوثيين، التي كان آخرها اليوم، عن دعم متزايد تقدمه الجمهورية الإسلامية للمليشيا اليمنية لاستمرار هجماتها البحرية(6).
المكاسب المعنوية والدعائية:
نظرًا للشعبية الجارفة التي تحظى بها القضية الفلسطينية عند اليمنيين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام، استغل الحوثيون الحرب الأخيرة في غزة لتعزيز شعبيتهم التي كانت تمر بمرحلة حرجة في صنعاء ومدن الشمال الأخرى قبل الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة كما أشارت صحف عالمية.
فإن الحوثيين استطاعوا بمكر شديد استغلال ما يحدث في غزّة لمصلحتهم، وتمكنوا من وضع أنفسهم في صدارة المدافعين عن فلسطين وصرف الأنظار إليهم”.
ومن خلال أعمال القرصنة وقطع شريان الملاحة في مضيق باب المندب بدعوى حصار إسرائيل، بالإضافة إلى مزاعم قصف إيلات الإسرائيلية بصواريخ وطائرات مسيرة، استطاع الحوثيون حقيقة كسب تعاطف وتأييد العامة، ليس داخليًّا فقط، بل خارجيًّا أيضًا”.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، يبدو أن مكاسب الحوثيين في اليمن سوف تستمر على كل المستويات.
على الأرجح، يزن الحوثيون هذه المكاسب فيجدونها أثمن مقارنة بالمخاطر المتوقعة لنهجهم الراهن مثل احتمالية شن ضربات أمريكية ضدهم، أو حتى إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة، علاوة على التداعيات الاقتصادية التي ستضرب اليمن بأسرها نتيجة لارتفاع تكاليف الشحن في الموانئ(7).
ردود أفعال الشعب اليمني والسياسيين:
سخر البرلماني اليمني عبد الرحمن معزب من خطاب عبد الملك الحوثي متسائلًا: «هل وجدتم أميركا في مأرب وتعز، لكنكم لم تجدوها في فلسطين وسواحل غزة؟!»، مستغربًا من أن الحوثي لم يرَ في تحريك حاملة طائرات أميركية في مياه البحر المتوسط لمساندة إسرائيل، وتقديم ثمانية مليارات دولار تدخلًا مباشرًا.
السياسي اليمني كامل الخوداني سخر من موقف الحوثي الذي تنصل من كل مواقفه السابقة، وكأن المطلوب من أعيان قطاع غزة إفادته بمشاركة الولايات المتحدة في الأحداث، بعد تسعة أعوام قاد فيها أبناء القبائل إلى المحارق بزعم مواجهة أميركا وإسرائيل.
وأضاف «لنفترض أن أميركا لا تشارك في الحرب؛ أين ذهب شعار الموت لإسرائيل ومزاعم العدوان الصهيو – أميركي على الجماعة؟!».
أما الكاتب والباحث اليمني همدان العليي فرأى أن الحوثيين قتلوا مئات الآلاف من اليمنيين بذريعة العمالة لأميركا وإسرائيل، ودمروا وارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق أبناء شعبهم باستخدام الطائرات والصواريخ والدبابات وجميع أنواع الأسلحة، مستخدمين شعارات مواجهة أميركا وإسرائيل بوصفها مبررات، وعندما طُلب منهم اتخاذ موقف مما يجري في غزة؛ دسوا رؤوسهم في التراب، وتحججوا أنهم ينتظرون تدخلاً مباشراً من أميركا.
تبرز مخاوف من استغلال الحوثيين أحداث غزة لممارسة اعتداءات وأعمال قرصنة في البحر الأحمر (أ.ف.ب).
ونوه العليي إلى أن الحوثيين كانوا يعاقبون اليمنيين لعدم المشاركة في أنشطتهم المتعلقة بفلسطين، والتي يهدفون من خلفها لتحقيق أهداف خاصة لسلالتهم، ووصل بهم الحال لوصف اليمنيين بأنهم صهاينة عرب، والآن «أصبحت خطابات الحوثي محل سخرية واستهزاء اليمنيين»، ولا يوجد حاليًا من يصدق هذه الخطابات إلا المتعصبون لجماعة الحوثي، أو أصحاب المصالح الشخصية أو المغفلون وفق قوله.
فرصة لمغامرة جديدة:
يذهب مسؤولون ومتابعون إلى أن وراء خطاب الحوثي ومواقفه ما هو أكثر من مجرد إلهاء الرأي العام ومغالطاته؛ فهذه الجماعة ترى نفسها مؤثرة بشكل عميق في الأحداث، وتسعى إلى الاستفادة من الأحداث الجارية الآن واستغلال معاناة أهالي غزة مثلما استغلت المأساة الإنسانية في اليمن لصالح مشروعها.
يؤكد فياض النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية لـ«الشرق الأوسط» أن الأحداث الجارية في قطاع غزة كشفت الصورة الحقيقية للشعارات الكاذبة والزائفة للجماعات الإرهابية التي تاجرت بالقضية الفلسطينية، ومنها ميليشيات الحوثي الإرهابية التي أصبح مشروعها أكثر وضوحاً لدى الرأي العام اليمني بعد خداع استمر أكثر من عقد من الزمن.
وتابع: كانت القضية الفلسطينية حاضرة وبشكل مستمر في الخطاب السياسي والإعلامي للميليشيات الإرهابية الحوثية، ليس من أجل مناصرة ودعم الشعب الفلسطيني؛ بل هي استراتيجية لتضليل الرأي العام وحشد المغرر بهم إلى الجبهات وخداعهم بمواجهة إسرائيل في تعز ومأرب وعموم المناطق المحررة.
وعدّ النعمان خطاب زعيم المتمردين الحوثيين محاولة بائسة وخاسرة لتجميل صورة المشروع السلالي العنصري الذي يتاجر بالقضايا الإنسانية خدمة لداعميه في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، في حين أن هناك انسجامًا وتطابقًا وتحالفًا بين أدوات إيران في المنطقة، ومنها جماعة الحوثي الإرهابية، وإسرائيل في الأهداف والاستعلاء العنصري والاستراتيجية الإرهابية المعادية للشعوب في المنطقة.
يتباهى قادة الجماعة الحوثية بجمع الأموال للتبرع لمناصرة «حماس» و«حزب الله» على حساب المأساة الإنسانية في اليمن (إعلام حوثي).
الباحث السياسي صلاح علي صلاح نظر إلى الأمور بجدية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، متوقعًا: أن الجماعة الحوثية تتحين الفرصة فعلًا في محاولة لتوسعة قاعدتها الشعبية من خلال التصعيد الخطابي ضد إسرائيل والولايات المتحدة، خصوصاً بعد ما واجهت تحديات وانتفاضة شعبية خلال توقف العمليات العسكرية، ومطالب الموظفين برواتبهم، والغضب الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية.
ورأى صلاح أن مزاعم الجماعة الحوثية بامتلاكها صواريخ بعيدة المدى بإمكانها استهداف إسرائيل قد تُختبر الآن، وقد تسعى لعمل مثل هذا لتحقيق انتصارات إعلامية، وكسب تأييد شعبي داخلي وخارجي، إضافة إلى فرض نفسها لاعباً إقليمياً.
لكن ما هو أخطر من ذلك، برأي صلاح؛ أن تتوجه الجماعة إلى استهداف طرق التجارة في البحر الأحمر، وهو ما سيكون وسيلة أكثر قوة لفرض وجودها، فالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة تحقق انتصارات إعلامية وإرباكًا محدودًا، لكن استهداف الملاحة الدولية قد يعطي الجماعة أدواراً أكثر خطورة، خصوصاً وأن الأحداث الحالية قد تفرض واقعًا جديدًا في المنطقة(8).
كيف استفادت اسرائيل من تصريحات الحوثيين؟
وتستفيد إسرائيل من هجمات جماعة الحوثي عليها من خلال عدة نقاط إستراتيجية:
1. تعزيز التعاون الإقليمي: أي هجمات من الحوثيين يمكن أن تدفع إسرائيل إلى تعزيز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع بعض الدول، هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى اتفاقيات دفاعية وأمنية جديدة وتقوية العلاقات الدبلوماسية، مع بعض الدول.
2. تأييد دولي: الهجمات الحوثية قد تزيد من الدعم الدولي لإسرائيل في حربها ضد الجماعات المسلحة التي تهددها بحسب الإعلام العالمي، حيث يمكن أن تُصور إسرائيل كضحية للإرهاب، مما يعزز موقفها في المحافل الدولية.
3. تشتيت الانتباه: الهجمات الحوثية قد تشغل الرأي العام العربي والدولي بقضايا إقليمية أخرى، مثل دور إيران في دعم الجماعات المسلحة بالمنطقة، مما يتيح لإسرائيل تنفيذ سياسات داخلية أو خارجية دون ضغط كبير من المجتمع الدولي.
4. تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة: إذا تسببت هجمات الحوثيين في إحداث تصعيد كبير، فقد تستفيد إسرائيل من ذلك في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي قد ترى ضرورة في دعم إسرائيل بشكل أكبر لضمان أمنها في مواجهة التهديدات الإيرانية وأذرعها.
5. تحقيق أهداف استخباراتية: قد تستغل إسرائيل الهجمات الحوثية لزيادة جمع المعلومات الاستخباراتية عن قدرات الحوثيين وتحديد قنوات الدعم الإيراني لهم، مما يساعدها في شن ضربات استباقية أو ردود فعل محسوبة.
فهذه النقاط توضح كيف يمكن لإسرائيل أن توظف الهجمات الحوثية لمصلحتها في إطار إستراتيجيات أوسع تتعلق بأمنها القومي والعلاقات الإقليمية والدولية.
الخلاصة:
قد تجد جماعة الحوثيين في مجموعة من الظروف المحلية والإقليمية والدولية فرصة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه خلال السنوات الماضية، أو ما كان مشروعًا مؤجلًا بالنسبة إليها، ونقصد هنا توسيع دائرة النفوذ شمالًا وجنوبًا.
ربما تعتقد الجماعة أنها ومن خلال قصفها لأهداف أمريكية وإسرائيلية في البحر الأحمر، وتعرضها لقصف جوي أمريكي وبريطاني غير مؤثر، قد نجحت في إيصال رسائل عسكرية غير مباشرة لدول الخليج من شأنها تحييد هذه الدول عن المشاركة في أية معارك محلية يمنية قادمة ما قد يعزز هذا الاعتقاد لديها هو الموقف السعودي من عمليات البحر الأحمر، وأيضًا تعاطي الرياض الجديد مع ملف اتفاق السلام في اليمن.
يبقى ما تقدم مجرد حسابات لجماعة الحوثيين قد تقع في فخ التقدير الخاطئ، خصوصًا للموقف الشعبي الذي تجاوب بدرجة رئيسية مع القضية الفلسطينية وليس مع مشروع الجماعة.
المصادر:
1_ أفكار
2_ مركز سوث 24
3_ آي 24 نيوز
5_ العين
7_ سي إن إن
8_ الشرق الأوسط
9_ بلقيس