القرن الإفريقي على شفا أزمة.. تصاعد التوترات بين إثيوبيا والصومال
يعود الصراع بين الصومال وإثيوبيا إلى قرون من الزمن، متجذرًا في تاريخ معقد من النزاعات الحدودية والعرقية.
بدأت التوترات بين البلدين في الظهور بشكل أوضح في أواخر القرن التاسع عشر عندما بدأ الاستعمار الأوروبي في تقسيم القرن الإفريقي؛ مما أثر على توزع القبائل والجماعات الإثنية بشكل غير متساوٍ على جانبي الحدود.
ومنذ استقلالهما، كانت العلاقات بين البلدين متوترة، خاصة حول إقليم أوجادين، الذي يضم نسبة كبيرة من الصوماليين ويقع داخل إثيوبيا.
في عام 1977، اشتعلت حرب الأوجادين بين البلدين عندما دعمت الصومال محاولة لاستعادة الإقليم؛ إلا أن إثيوبيا وبمساعدة قوى دولية كالاتحاد السوفييتي آنذاك، استطاعت التصدي للهجوم.
فعلى مرِّ السنوات، استمرت العلاقات في حالة من التوتر المدعوم بالتدخلات الإقليمية والدولية، حيث ساهمت النزاعات الداخلية في كلا البلدين في زيادة تعقيد العلاقة.
أسباب الصراع وتداعياته:
تتعدد أسباب التوتر بين الصومال وإثيوبيا، وتشمل:
1. النزاعات الحدودية: يعد إقليم أوجادين في جنوب شرق إثيوبيا المحور الرئيسي للصراع، حيث تسعى الجماعات الصومالية داخل الإقليم للاستقلال أو الانضمام إلى الصومال.
2. التحالفات الإقليمية: تعتبر إثيوبيا فاعلًا رئيسيًّا في سياسة القرن الإفريقي، وتدخلاتها في الصومال عبر دعم الحكومة الفيدرالية ضد الجماعات المتمردة، خاصة حركة الشباب، أضافت إلى التوترات.
3. التنافس على الموارد المائية: يزيد التوتر بين البلدين حول إدارة المياه، حيث تعتمد إثيوبيا بشكل رئيسي على نهر شبيلي الذي يمتد من إثيوبيا إلى الصومال، مما يخلق نزاعات حول حقوق استخدام المياه بين البلدين.
4. التدخلات الدولية: يشهد الصراع تداخلًا مع المصالح الدولية، خاصة مع وجود قوى مثل مصر وتركيا التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما أدى إلى تعقيد الأزمة.
تداعيات هذا الصراع على المنطقة لا تقتصر فقط على البعد الأمني، بل تمتد إلى الأوضاع الإنسانية، حيث تسبب الصراع في تفاقم الأزمات الغذائية وزيادة عدد النازحين، مما أضعف الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار(1).
التدخلات الدولية والموقف منها:
1. التدخل المصري: تسعى مصر إلى تعزيز دورها في القرن الإفريقي، وقد أدى تدخلها في الصومال عبر بعثات حفظ السلام إلى زيادة التوتر مع إثيوبيا التي ترى في هذا التدخل تهديدًا لمصالحها. ويأتي هذا في إطار النزاع الأوسع بين البلدين حول سد النهضة، حيث تعتبر إثيوبيا أن أي تحرك مصري في المنطقة يأتي في سياق الضغط عليها.
2. الدور التركي: تركيا تلعب دورًا متزايدًا في المنطقة، خاصة من خلال دعمها لصومال لاند وبناء قواعد عسكرية هناك، مما يضعها في مواجهة غير مباشرة مع إثيوبيا. التحالف التركي مع صومال لاند يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي من منظور تركي، لكنه يزيد من مخاوف إثيوبيا من تأثير هذا الوجود على نفوذها.
3. الاتحاد الإفريقي: يلعب الاتحاد الإفريقي دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة، وقد أرسل بعثات حفظ سلام إلى الصومال لمحاولة احتواء الصراع. ورغم هذه الجهود؛ إلا أن التوترات المستمرة تعرقل تحقيق أي تسوية دائمة(2).
ما يترتب على هذه التوترات:
تصاعد التوترات بين الصومال وإثيوبيا يحمل معه مجموعة من التداعيات الإقليمية والدولية، من أبرزها:
1. عدم الاستقرار الإقليمي: يؤدي النزاع إلى زعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقي، ويهدد جهود السلام التي تقودها المنظمات الدولية.
2. زيادة تدخل القوى الإقليمية: مع تزايد النزاع، من المرجح أن تتدخل المزيد من القوى الإقليمية مثل مصر وتركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يزيد من تعقيد المشهد.
3. الأزمات الإنسانية: يؤدي استمرار الصراع إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة، حيث تعاني العديد من المجتمعات من النزوح والفقر نتيجة لهذا النزاع(3).
قراءة في احتمالات نتائج الصراع:
استمرار التصعيد بين الصومال وإثيوبيا قد يؤدي إلى عدة سيناريوهات محتملة:
1. استمرار التوتر دون حل: إذا استمر الطرفان في تبادل الاتهامات دون الوصول إلى تسوية، فمن المحتمل أن يستمر النزاع على المستوى الحدودي ويزداد تأزم الوضع الإنساني.
2. اندلاع مواجهات مسلحة: في حال فشل الوساطات الدولية والإقليمية، قد يؤدي التصعيد العسكري إلى اندلاع مواجهات مفتوحة بين الطرفين، مما سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
3. التوصل إلى اتفاق: رغم صعوبة هذا السيناريو؛ إلا أن وجود مبادرات دولية وإقليمية قد يؤدي إلى تخفيف حدة التوترات والتوصل إلى تفاهمات مؤقتة حول إدارة الحدود والموارد(4).
الديناميات الجديدة للصراع بين إثيوبيا والصومال:
الصراع بين إثيوبيا والصومال لا يقتصر فقط على الجوانب التاريخية والجغرافية، بل أصبح معقدًا بشكل أكبر بسبب التغيرات السياسية والاقتصادية في القرن الإفريقي.
هذه الديناميات الجديدة تشكل عوامل حاسمة في تحليل وفهم الصراع الحالي بين البلدين، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
الدور الإثيوبي المتغير في القرن الإفريقي:
في السنوات الأخيرة، شهدت إثيوبيا تحولات سياسية كبيرة تحت قيادة رئيس الوزراء آبي أحمد.
هذه التحولات شملت إصلاحات داخلية كبرى؛ مثل: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتوقيع اتفاقيات سلام مع الدول المجاورة، وأهمها إريتريا، لكن في المقابل، لا تزال إثيوبيا تواجه تحديات داخلية من عدة جهات، مما يعقد موقفها الإقليمي.
- الأزمات الداخلية: تعاني إثيوبيا من صراعات داخلية أبرزها: النزاع في إقليم تيغراي؛ حيث أدَّى الصراع إلى نزوح آلاف المدنيين وزعزعة استقرار الحكومة المركزية، فهذا النزاع الداخلي يجعل إثيوبيا أكثر ضعفًا في مواجهة أي تهديد خارجي، بما في ذلك من الصومال.
2. السيطرة الإقليمية: بالرغم من الأزمات الداخلية، لا تزال إثيوبيا تسعى للحفاظ على نفوذها الإقليمي، تدخلها في شؤون الصومال يأتي كجزء من سياستها الإقليمية لمحاربة الجماعات المسلحة مثل: حركة الشباب، التي تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الإثيوبي، وتُعتبر إثيوبيا طرفًا رئيسيًّا في قوات حفظ السلام الإفريقية المنتشرة في الصومال، وهو ما يثير القلق لدى الحكومة الصومالية من محاولة إثيوبيا فرض نفوذها العسكري والسياسي.
الأوضاع الأمنية في الصومال وتحديات الاستقرار:
الصومال، رغم التقدم الذي حققته في السنوات الأخيرة في بناء مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار النسبي، لا تزال تواجه تحديات كبيرة تؤثر على قدرتها على مواجهة الضغوط الخارجية. ومن أبرز هذه التحديات:
1. التوترات الداخلية: لا تزال الصومال تعاني من النزاعات الداخلية بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم المحلية؛ بالإضافة إلى تزايد نفوذ الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب، هذا الوضع الأمني الهش يجعل من الصعب على الحكومة المركزية في مقديشو تحقيق تماسك سياسي قوي، وهو ما قد تستغله إثيوبيا لتعزيز نفوذها.
2. الأزمة الاقتصادية: يعاني الاقتصاد الصومالي من أزمات متتالية، بما في ذلك تراجع النمو الاقتصادي بسبب الاعتماد الكبير على المساعدات الدولية، وتساهم هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية في زيادة الاضطرابات الاجتماعية، مما يُعقد أي جهود لتحقيق الاستقرار الداخلي.
النفوذ الدولي المتصاعد في الصراع:
أصبحت القوى الدولية تلعب دورًا أكبر في توجيه الصراع بين إثيوبيا والصومال، حيث تتصارع عدة قوى للسيطرة على ممرات التجارة والموانئ البحرية المهمة في القرن الإفريقي.
هذا التدخل الدولي له آثار عميقة على مستقبل العلاقات بين البلدين.
- النفوذ الصيني: تدخل الصين بشكل كبير في المنطقة عبر استثماراتها الضخمة في البنية التحتية والموارد الطبيعية. تؤثر هذه الاستثمارات على ديناميات القوة في المنطقة، حيث تمول الصين مشاريع تنموية في كل من إثيوبيا والصومال، قد تجد الدولتان نفسيهما في مواجهة غير مباشرة بسبب تنافسهما على الاستفادة من الاستثمارات الصينية.
2. التواجد الروسي: مع تصاعد الأزمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدأت روسيا تنظر إلى القرن الإفريقي كمنطقة إستراتيجية لتعزيز نفوذها. العلاقات المتنامية بين روسيا وإثيوبيا، والدعم العسكري الروسي لإثيوبيا في نزاعاتها الداخلية، يزيد من تعقيد الوضع بين إثيوبيا والصومال.
3. الدور الأمريكي: رغم تراجع التدخل الأمريكي المباشر في الصراعات الإفريقية، لا تزال الولايات المتحدة تُعد لاعباً رئيسياً في المنطقة. تواصل واشنطن دعم الصومال بمساعدات عسكرية واقتصادية في إطار مكافحة الإرهاب، بينما تحاول الحفاظ على علاقات قوية مع الحكومة الإثيوبية. قد يؤثر هذا الدور المزدوج على أي محاولة لتحقيق الاستقرار بين البلدين.
المخاوف من تأثير سد النهضة على الصومال:
من بين القضايا التي تزيد من التوترات بين إثيوبيا والصومال هي قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل؛ رغم أن الصومال ليست طرفًا مباشرًا في الصراع حول سد النهضة؛ إلا أن هناك مخاوف متزايدة من تأثيره على الموارد المائية في منطقة القرن الإفريقي بأكملها.
1. تأثيرات بيئية غير مباشرة: قد يؤدي بناء سد النهضة إلى تغييرات في المناخ والموارد المائية في منطقة القرن الإفريقي، مما قد يؤثر على الزراعة والموارد الطبيعية في الصومال. في حال حدوث أي تدهور بيئي ناتج عن مشروع السد، قد تتفاقم الأزمات الإنسانية في الصومال، مما يزيد من التوترات الإقليمية.
2. دور الصومال في الأزمة: قد تسعى بعض القوى الإقليمية مثل مصر إلى استغلال الصومال كورقة ضغط في مفاوضاتها مع إثيوبيا حول سد النهضة. هذا قد يدفع الصومال للعب دور أكبر في الصراع على المياه في المنطقة، مما يزيد من تعقيد العلاقات مع إثيوبيا(6).
سيناريوهات مستقبلية للصراع:
في ظل التطورات الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات للصراع بين إثيوبيا والصومال:
1. تصاعد التوترات الإقليمية: إذا استمرت التدخلات الإقليمية والدولية في التصاعد دون حلول دبلوماسية، فقد نشهد تصاعداً في النزاعات المسلحة بين البلدين، قد يتفاقم الصراع ليشمل تحالفات إقليمية أكبر، مثل دعم مصر للصومال في مواجهة إثيوبيا.
2. التوصل إلى تسوية سياسية: رغم التوترات، هناك إمكانية لتحقيق تسوية سياسية بين البلدين من خلال جهود دبلوماسية إقليمية ودولية، الاتحاد الإفريقي ومنظمات دولية أخرى قد تلعب دورًا في الوساطة بين إثيوبيا والصومال لحل القضايا العالقة، مثل: قضية أوغادين والمشاكل الحدودية.
3. استمرار حالة الجمود: قد يستمر الوضع كما هو عليه حالياً، مع تصاعد التوترات بين الحين والآخر دون الوصول إلى صراع مفتوح، في هذا السيناريو، قد تستمر إثيوبيا في دعم الفصائل المعارضة للحكومة الصومالية، بينما تعمل الصومال على تعزيز تحالفاتها الدولية.
الخاتمة:
– إن التوترات المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا ليست مجرد نزاع على الحدود، بل هي انعكاس لصراع أعمق حول النفوذ الإقليمي والمصالح الاقتصادية والإستراتيجية.
– التدخلات الدولية والإقليمية تزيد من تعقيد الموقف، وتجعل من الصعب تحقيق تسوية دائمة.
– مستقبل القرن الإفريقي يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة هذه التوترات والتدخلات، ومدى قدرة المجتمع الدولي على فرض حلول مستدامة تنهي النزاع وتحفظ استقرار المنطقة.
– الصراع بين إثيوبيا والصومال هو واحد من أكثر الصراعات تعقيدًا في منطقة القرن الإفريقي، حيث تتداخل فيه عوامل داخلية وإقليمية ودولية.
– تطورات الأوضاع في المنطقة، سواء كانت متعلقة بالتحديات الداخلية أو التدخلات الخارجية، تجعل من الضروري العمل على إيجاد حلول سلمية لتجنب تصعيد النزاع.
– في نهاية المطاف، يبقى التعاون بين البلدين وتفعيل الدبلوماسية الإقليمية هو السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار في القرن الإفريقي.
المصادر:
1_ الإندبندت
2_ الشرق الأوسط
3_ المركز الإفريقي للأبحاث والدراسات
4_ الجزيرة
5_ بي بي سي