التحديات القائمة وفرص نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية (تحليل وتوضيح)
تعد قضية نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية من القضايا المعقدة التي تتداخل فيها العديد من العوامل السياسية والدولية. ففي ختام أعمال الدورة العادية الـ33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في البحرين، التي عُقدت يوم الخميس 16 مايو 2024، أصدرت القمة بيانًا ختاميًّا يتضمن مقترحًا بنشر قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية. ويهدف هذا المقترح إلى حماية المدنيين وضبط الأمن حتى يتم الوصول إلى حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عبر حل الدولتين.
كما وجه القادة العرب دعوة جماعية لعقد مؤتمر سلام دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، مع التأكيد على ضرورة تحديد سقف زمني للعملية السياسية والمفاوضات. وبينما قد يبدو مقترح نشر قوات أممية في الأراضي الفلسطينية حلًّا مثاليًّا للأزمة للوهلة الأولى؛ إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك تحديات عديدة تنتظر تطبيقه على أرض الواقع، إلى جانب الفرص التي قد يتيحها.
إسرائيل تعرض فكرة نشر قوات حفظ السلام:
جددت إسرائيل فكرة نشر قوات حفظ السلام، إذ عرض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هذا الطرح على نظيره الأميركي لويد أوستن، عندما سافر في 2 إبريل 2024 إلى الولايات المتحدة بإذن وتوجيه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ووافقت الولايات المتحدة على نشر قوات لحفظ السلام، واعتبرت أن الخطة الإسرائيلية المقترحة قابلة للتطبيق، وبدأت واشنطن في إجراء اتصالات بشأن الموضوع. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإنها حققت تقدمًا ملحوظًا. وحمل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخطة معه في آخر زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، وعرضها على وزراء خارجية مجموعة الدول العربية الست أثناء اللقاء الذي جمعهم في القاهرة، العاصمة المصرية.
عناصر قوات حفظ السلام المطروحة:
وفقًا للخطة، فإن قوات حفظ السلام التي ستعمل في غزة لن تكون تابعة لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة “يونتسو”، التي تأسست عام 1949 للمساعدة في تنفيذ اتفاقات الهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وكذلك لا تتبع إلى الناتو. وتقترح إسرائيل في خطتها أن تكون قوة حفظ السلام؛ إما من جهات فلسطينية أو قوة تتشكل من قوات ثلاث دول عربية مختلفة لم يتم تسميتها بعد.
سيناريو قوات حفظ السلام من فلسطين أو من الدول العربية:
إذا كانت قوة حفظ السلام من الجهات الفلسطينية، فإنه سيتم اختيار عناصرها من بين 20 ألف موظف عسكري يتبعون للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وسيتم إعادة تأهيلهم ثم نشرهم لأغراض الحفاظ على الأمن؛ أما إذا كانت قوة حفظ السلام من دول عربية، فإن الولايات المتحدة ستتولى تدريب وتمويل وإدارة القوة، وهدفها الحفاظ على القانون والنظام، وستعمل مع سكان غزة الذين ليس لهم أي ارتباط مع “حماس”.
مهام قوات حفظ السلام حسب الخطة الإسرائيلية والأميركية:
وبحسب الخطة، فإن لقوات حفظ السلام ثلاث مهام: الأولى تبدأ حتى في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتتمثل في تأمين قوافل المساعدات وتوزيع الغذاء والدواء على سكان غزة بدلًا من الجيش الإسرائيلي، وكذلك عوضًا عن أمن “حماس” أو المسلحين من العائلات. أما المهمة الثانية، فتتمثل في حفظ القانون وضمان عدم حدوث فراغ أمني وفوضى بعد انتهاء الحرب، وكذلك تمكين حكومة التكنوقراط الفلسطينية من بناء نظام حكومي بديل لنظام “حماس” في غزة.
وتتمثل المهمة الثالثة لقوات حفظ السلام في تسهيل دخول السلطة الفلسطينية المتجددة بعد تجهيزها إلى قطاع غزة، والمساعدة في عملية إعادة الإعمار، وتقديم المساعدات المتعلقة بالأمن، وكذلك تقديم المشورة في ذلك الملف من خلال منسق الأمن الأميركي(1).
وهذه المهام التي وضعتها واشنطن وتل أبيب ورسم الخطة نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ إلا أن هناك العديد من التحديات والعقبات أمام هذه الخطة؛ خاصة أن الوضع لم يُحسم وهناك تقدم كبير على الأرض لصالح الفصائل الفلسطينية.
موقف حماس من القوات الأممية لحفظ الأمن والسلام:
واجه المقترح رفضًا مسبقًا من قبل “حماس”، حيث أكدت على هذا الرفض مهما كانت الذرائع والأسباب، فتعتبر أي قوات دولية في القطاع بمثابة “عدو لها”. وقد أكد قياديون بالحركة على أن الفلسطينيين يريدون إنهاء الاحتلال ولا داعي لقوات عسكرية لحمايته وتقنين وجوده على الأراضي الفلسطينية؛ فمن وجهة نظر الحركة، تتمثل الأولوية في أن يسعى العالم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بدلًا من السعي وراء نشر قوات أممية فيها توفر الحماية للإسرائيليين؛ فلا يوجد لـ”حماس” أي تحفظ بهذا الشأن بعد انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار مع التوجه لتسوية نهائية تنتهي بإقامة الدولة، ولكن ليس قبل ذلك(2).
الموقف الأممي لقوات حفظ السلام:
أكد مدير عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة جان بيار لاكروا أنه من غير الواقعي تصور إرسال جنود دوليين لوقف حرب ما في غزة أو في أي مكان آخر؛ فقوات حفظ السلام لها حدود ولا يكون الأمر مجديًّا إلا بهدف دعم اتفاق بين أطراف مثل وقف إطلاق النار، وليس السعي لوقف حرب ما. وبالتالي، فإن نشر قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية وفق ما طالبت به الجامعة العربية هو أمر “افتراضي جدًّا” في هذه المرحلة، على حد تعبيره، ولكن من الممكن أن تؤدي بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة دورًا مهمًّا في اليوم التالي للحرب، ومن ثم فإن الحديث عن نشر قوات أممية في غزة سابق لأوانه، فالوضع بعد الحرب غير واضح، فلا أحد يعرف كيف سيبدو اليوم التالي للحرب على غزة. وعليه؛ أكد لاكروا أنه “لا تخطيط في هذه المرحلة” لاحتمال تدخل قوات الأمم المتحدة في غزة، فهم أينما ينتشرون لا ينص تفويضهم على “فرض السلام”.
وعليه نجد أن إرسال بعثة أممية إلى الأراضي الفلسطينية قد لا يحظى بفرصة كبيرة للنجاح في الوقت الراهن؛ فالتدخل لحماية المدنيين يكون ممكنًا في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وإنهاء الحصار، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن ثم نشر قوات حفظ السلام الأممية لتحقيق حل الدولتين، ولكن الحديث عن نشر تلك القوات قبل الوصول إلى اتفاق بين الطرفين لم يكن مجديًّا. فعلى الرغم من تواجد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” التي تساعد منذ عام 1978 في الحفاظ على السلام على الحدود بين إسرائيل ولبنان؛ إلا أن تواجدها لم يمنع الاشتباكات المسلحة شبه اليومية بين “حزب الله” وجيش الاحتلال منذ بداية أحداث غزة الأخيرة.
إلى جانب تأكيد بعض المحللين صعوبة أن تكون هناك قوات أممية في فلسطين المحتلة؛ لأن وجود مثل هذه القوات يعني إقرارًا بوجود دولة فلسطين، وبالتالي ليس من الممكن الحديث عن موافقة الجانب الإسرائيلي على نشر مثل هذه القوات داخل الأراضي الفلسطينية قبل وضع حل للصراع والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودون ضغوط أمريكية(3).
التحديات السياسية أمام قوات حفظ السلام:
أ. المعارضة الإسرائيلية:
تعد إسرائيل من أكبر المعارضين لفكرة نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية بعد تفاقم الأزمة بين غالانت ونتنياهو. وتخشى إسرائيل من فقدان السيطرة على الأمن بحسب نظرتها في المناطق المحتلة ومن احتمالية تدخل دولي يمكن أن يقيد حرية عملها العسكري الغاشم والإجرامي المتطرف والإرهابي للأسباب التالية:
- السيادة والأمن: تعتبر إسرائيل نشر قوات أممية تهديدًا لسيادتها وقدرتها على حماية أمنها.
- الضغط الدولي: نشر قوات أممية قد يؤدي إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل فيما يخص حقوق الإنسان والالتزامات القانونية.
ب. الانقسامات الفلسطينية الداخلية:
تعاني الساحة الفلسطينية من انقسامات سياسية بين حركتي فتح وحماس، مما يعقد من إمكانية توافق الأطراف على قبول نشر قوات أممية للأسباب التالية:
- التنسيق والتعاون: قد يكون من الصعب تنسيق الجهود بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وقوات حفظ السلام.
- الشرعية والمشروعية: ترى بعض الفصائل في نشر القوات الأممية انتقاصًا من سيادتها وشرعيتها.
ج. المواقف الدولية المتباينة:
تتباين مواقف الدول الكبرى والمؤثرة في الساحة الدولية تجاه نشر قوات أممية في فلسطين للتالي:
- التوازن بين القوى: تفضل بعض الدول؛ مثل: الولايات المتحدة، الحفاظ على التوازن الحالي وعدم التدخل المباشر.
- التأثيرات الإقليمية: بعض الدول الإقليمية؛ مثل: إيران وتركيا، قد تعارض أي تدخل دولي في القضية الفلسطينية(4).
التحديات اللوجستية والأمنية:
أ. التضاريس والوضع الجغرافي:
تتميز الأراضي الفلسطينية بتضاريس معقدة ووضع جغرافي حساس؛ مما يشكل تحديًّا كبيرًا أمام نشر قوات حفظ السلام للآتي:
- التضاريس الجبلية: تجعل من الصعب على قوات حفظ السلام التحرك بحرية وضمان الأمان.
- المناطق الحضرية الكثيفة: تحتاج إلى ترتيبات أمنية خاصة لتجنب الاشتباكات مع المدنيين.
ب. تهديدات الفصائل الفلسطينية المسلحة:
وجود جماعات مسلحة في المنطقة الفلسطينية يشكل خطرًا على أمن قوات حفظ السلام:
- التفجيرات والكمائن: تزيد من صعوبة تنفيذ المهام الأمنية.
التحديات القانونية والدبلوماسية:
أ. الإطار القانوني الدولي:
يتطلب نشر قوات أممية إطارًا قانونيًّا واضحًا يحدد صلاحيات ومهام هذه القوات:
- قوانين الأمم المتحدة: يجب أن تتوافق عملية النشر مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
- الاتفاقات الثنائية: الحاجة إلى اتفاقات ثنائية بين الأطراف المعنية لضمان قبول القوات الأممية.
ب. المفاوضات الدبلوماسية:
تحتاج عملية نشر القوات إلى دعم دبلوماسي واسع من المجتمع الدولي، ويتمثل في التالي:
- التوافق الدولي: ضرورة حصول توافق بين الدول الكبرى في مجلس الأمن.
- الدعم المالي: تأمين التمويل اللازم لعمليات حفظ السلام(5).
دول عربية ترحب بـ”قوة حفظ سلام” في غزة:
أفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية بأن دولًا عربية بدأت تؤيد فكرة إنشاء “قوة حفظ سلام” متعددة الجنسيات في غزة والضفة الغربية المحتلة، في الوقت الذي تسعى فيه تلك الدول جاهدة إلى إعداد خطة قابلة للتطبيق لمرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع. وأشارت الصحيفة البريطانية في تقرير إلى أن مسودة المقترحات، التي نُقلت إلى الولايات المتحدة، تعد من بين خيارات متعددة تجري مناقشتها في الوقت الذي تتطلع دول عربية وغربية لإنهاء الصراع، وتكافح من أجل تمهيد مسار يقود إلى استقرار إقليمي وإقامة دولة فلسطينية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين عرب سبق أن قالوا إنهم لن يؤيدوا دخول قوة دولية أو إقليمية إلى غزة، مشددين على أنها ينبغي أن تكون تحت إدارة فلسطينية. وكانت العديد من العواصم العربية تشعر بالقلق من اتهامها بالمشاركة في الحرب الإسرائيلية والتورط في عمليات عسكرية، وفقًا للتقرير.
ووفقًا للصحيفة، يتركز مطلب الدول العربية الرئيسي على أن يتخذ الغرب وإسرائيل خطوات “لا رجعة فيها” باتجاه حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، فضلًا عن اعتراف الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالدولة الفلسطينية، ودعم عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، معتبرين أن ذلك ينبغي أن يكون “جزءًا من العملية، وليس نتيجة”؛ كما أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين؛ مثل: وزير الدفاع يوآف غالانت، عن دعمهم لفكرة الوجود الدولي في غزة بعد الحرب، لكن حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة من المرجح أن ترفض أي خطوة من هذا القبيل في الضفة الغربية، حيث يعيش مئات الآلاف من المستوطنين(6).
سيناريوهات متعددة للأوضاع في الفترة القادمة:
وتجدر الإشارة إلى أنه كان قد تم طرح العديد من التصورات لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، في الأوساط الدولية، كان من بينها عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع مع تعديلات عليها، أو تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى إشراف مصري مع قوة سلام دولية لحفظ الأمن على الأرض. غير أن أي من تلك التصورات لم يحظَ بتوافق دولي وإقليمي حتى الآن، في وقت يضع الكثيرون علامات استفهام أمام لماذا لا تكون القوة المقترحة من قبل إسرائيل تحت قيادة أمريكية؟ وتتضمن قوات من دول غربية عدة؟ وهل يعكس ذلك مخاوف من تلك الدول من استهداف جنودها على الأرض؟ ومن ثم فهي تسعى إلى أن توكل المهمة لقوات من دول عربية، مع ما يتضمنه ذلك من مخاطر على تلك القوات(7).
الخلاصة:
إن مقترح نشر قوات أممية داخل الأراضي الفلسطينية في ظل استمرار الحرب وعدم الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المعنية يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي وكذلك قبول الأطراف المعنية بالحرب لوجود مثل هذه القوات؛ الأمر الذي يقف أمامه عراقيل وتحديات عديدة من أجل تحقيقه، خاصة في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي وعدم الاستجابة لأي ضغوطات دولية لوقف الحرب؛ كذلك لا بد من التوصل أولًا إلى اتفاق سياسي محدد بين كافة الأطراف لإنهاء الصراع، ومن ثم إمكانية نشر مثل هذه القوات داخل الأراضي الفلسطينية للإشراف على إتمام خطوات تنفيذ هذا الاتفاق.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه فكرة نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية؛ إلا أن الفرص المتاحة قد تسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ويتطلب الأمر جهودًا دبلوماسية كبيرة وتوافقًا دوليًّا واسعًا لضمان نجاح هذه الخطوة وتحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
المصادر:
1_ إندبندت
2_ مركز رع للدراسات الإستراتيجية
3_ مونت كارلو
4_ الحرة
6_الشرق
7_بي بي سي