تيسير إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة

تيسير إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة

فلا يزال موضوع تيسير إجراءات التقاضي، وتحقيق العدالة الناجزة، مطلبًا عامًّا مُلِّحًا.

ومِن أهم المحاولات التي تمت لتنفيذه: تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى، برئاسة المستشار عبد الرحمن فرج محسن، والتي اختارت الأستاذ الدكتور محمود نجيب حسنى مُقررًا لها أمام المجلس، بدور الانعقاد العادي الثامن عشر في فبراير عام 1998 ميلادية.

وقد شارك في وضع التقرير قامات ورموز قانونية وقضائية رفيعة.

ورغم أنه قديم نسبيًّا مع جريان مياه كثيرة في بحار العمل القانوني والقضائي منذ 1998: 2021؛ إلا أنه يظل مِن أهم الجهود التي تمت لتحقيق هذا المطلب.

وتتلخص أهم اقتراحات التقرير فيما يلي:

في المجال المدني:

  • إقرار أنظمة تُنهي النزاع دون عرضه على القضاء، وأهمها: الوساطة، والتحكيم الموازي.
  • إدخال نظام النيابة المدنية، الذي يكفل تحضير الدعوى قبل عرضها على القضاء.
  • الحد مِن مجال الطعن في الأحكام.
  • دعم نظام قضاء التنفيذ.

في المجال الجنائي:

  • انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح.
  • انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح.
  • التوسع في نظام الأوامر الجنائية.
  • تقييد الادعاء المدني أمام القضاء الجنائي.
  • إقرار نظام المستشار الفرد.
  • مراجعة القواعد الخاصة بالطعن بطريق النقض.

في المجال الإداري والتأديبي:

  • تيسير إجراءات التقاضي في مجال الإجراءات الإدارية والتأديبية.
  • تيسير إجراءات رفع الدعوى أمام القضاء الإداري والتأديبي.
  • تيسير إجراءات نظر الدعوى والفصل فيها.
  • احترام القوة التنفيذية لأحكام القضاء الإداري والتأديبي.

في مجال الأسرة (الأحوال الشخصية):

– إنشاء محكمة للأسرة.

في مجال الخبراء، والطب الشرعي:

– تطوير العمل بكليهما.

في مجال الإدارة القضائية:

  • زيادة أعداد القضاة.
  • رفع الكفاءة العلمية للقاضي.
  • تحسين مرتبات القضاة.
  • تطوير الجهات المعاونة للقضاة.
  • دعم أبنية المحاكم.
  • الإحصاء القضائي.
  • دور رئيس المحكمة في إدارة المحكمة.

ورغم ترحيب مجلس الشورى بالتقرير؛ إلا أنه لم يتم تفعيله كاملًا.

ولعل أهم أسباب ذلك ترجع إلى:

– وجود وجهات نظر لقامات ورموز قانونية وقضائية رفيعة معارضة لبعض الحلول المطروحة فيه، على سندٍ مِن القول بأن هذه الاقتراحات مجتمعة لن تحل المشكلة عمليًّا، وأن الحل الأمثل هو زيادة عدد القضاة، مع إجراءات أخرى.

– ما يستوجب تدبيره مِن نفقات، ومنشآت، وتعيين قضاة، وخبراء، وموظفين، وأمور لوجستية، قد لا تكون متوفرة في حينه.

– رؤية القيادة السياسية يوم رفع التقرير.

ومِن الجدير بالذكر في هذا المقام: تجربة القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في المنازعات، حيث لم يحقق الغرض منه حتى الآن، فإذا ذهب المدعي إلى المحكمة مباشرة دون العرض على اللجنة تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى، وإذا ذهب إلى اللجنة يُرفض طلبه، عدا موضوعات ضئيلة جدًّا!

عدالة مصر الرقمية:

يُعد مشروع عدالة مصر الرقمية، أحد أهم وسائل تيسير إجراءات التقاضي، وتحقيق العدالة الناجزة في الوقت الحالي، وذلك عن طريق تطوير آليات التقاضي أمام المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها، وتعظيم الاستفادة من الأدوات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات؛ حيث توفِّر هذه المنظومة القدرة على تسجيل الدعاوى منذ بدايتها، وما يطرأ عليها من إجراءات حتى صدور الحكم.

ويتسق هذا المشروع مع سياسة التحول الرقمي التي تنتهجها الدولة، ويمنع الازدحام بالمحاكم، كما يمنع تأخر الفصل في القضايا؛ الذي يُضر بأصحاب الحقوق.

وقد أعلنت «وزارة العدل» بالتعاون مع “وزارة الاتصالات” عن تسعة مشروعات تكنولوجية ضمن مشروع «عدالة مصر الرقمية»؛ للارتقاء بالمنظومة القضائية، وهي:

– ميكنة عملية التقاضي في محاكم الجنح، وإقامة الدعوى عن بُعد “مشروع إنفاذ القانون”، وإتاحة تسجيل المحامين إلكترونيًّا.

– خدمة التقاضي عن بعد في المحاكم المدنية والاقتصادية؛ مما يتيح تحويل إجراءات إقامة الدعوى ومباشرتها أون لاين.

– نظام إدارة المحاكم الإلكتروني جَرَى تطبيقه في مائة وستة وثلاثين محكمة، ويتيح إيداع صحف الدعاوى بالمحاكم المدنية، ومحاكم الأسرة، والمحاكم الاقتصادية.

– خدمة الأرشيف الإلكتروني بغرض حفظ ملفات القضايا الورقية إلكترونيًا، وحفظ الوثائق من التلف والعبث، والحد من الفساد الإداري، وقد تم حفظ مائة وخمسين ألف قضية بواقع عشرة ملايين ورقة.

– تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد عَبْر شبكات تليفزيونية مغلقة بين المحاكم والسجون؛ مما يسمح بنظر المحاكم تجديد حبس المتهمين المحبوسين احتياطيًّا عبر فيديو كنفرانس مربوط بقاعات مخصصة بالسجون العمومية والمركزية.

– إطلاق تطبيق على الموبايل “أرغب في عمل توكيل”، يتيح خدمات للمواطنين، وتحديد مدى كثافة مكاتب الشهر العقاري والتوثيق، وحجز موعد للتوجه الى إحدى المكاتب لإنهاء معاملة، وتحديد المستندات المطلوبة ورسوم الخدمة.

– الإصدارات المؤمنة للوثائق ودور المحاكم، وتطوير ورقمنة كل المحررات الصادرة من المحاكم، ومصلحة الشهر العقاري، وشهادات الزواج والطلاق.

– منظومة السجل العيني الإلكتروني من ربط قواعد البيانات العقارية بخرائط جغرافية، وعمل رقم قومي لكل عقار في مصر.

– خدمات الشهر العقاري والتوثيق أونلاين باستحداث نظام مميكن عبر منصة مصر الرقمية تسمح للمواطنين بإجراء معاملات بمكاتب الشهر العقاري، والتوثيق، وسداد الرسوم إلكترونيًّا.

تطوير منظومة التقاضي الإلكتروني:

في أكتوبر 2020، أُطلِقت خدمة إقامة الدعاوى المدنية عن بُعد في ست محاكم ابتدائية، هي محاكم: «القاهرة الجديدة، وبورسعيد، وشمال القاهرة، وجنوب القاهرة، وجنوب الجيزة، وشمال الجيزة»، وتتمثَّل تلك الخدمة في إمكانية إقامة الدعاوى المدنية، وسداد الرسوم، وتحديد الجلسات والإخطار بمواعيدها، دون التوجُّه للمحكمة.

المحاكم الاقتصادية:

تم تفعيل التعديلات التشريعية الخاصة بتعديل قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادرة بالقانون رقم: 146 لسنة 2019، حيث نظَّم التعديل المذكور إجراءات رفع الدعوى ومباشرتها عن بعد أمام المحاكم الاقتصادية.

منظومة فرض وإنفاذ القانون:

مِن خلال ميكنة محاكم محافظات بورسعيد، والقاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والإسماعيلية، والسويس، ومرسى مطروح، وربطها إلكترونيًّا بعددٍ من الوزارات والجهات المعنية ذات الصلة؛ لتحقيق العدالة الناجزة.

ومن أجل تطبيق المنظومة تم إعداد نظام إلكتروني يسمح بتداول الدعوى الجنائية بعد قيد المحضر بقسم الشرطة مرورًا بالنيابة العامة ثُمَّ محكمة الجنح ومحكمة الجنح المستأنفة على نحو يُمكِّن من رصد الأحكام الجنائية الصادرة من المحاكم، وييسر تنفيذها من قِبل جهات الضبط، وإنشاء قاعدة بيانات للأحكام القضائية، وربطها بالنيابة العامة، وقطاعات وزارة الداخلية ذات الصلة.

وتهدف المنظومة إلى زيادة القدرة على متابعة تنفيذ الأحكام الجنائية، وزيادة الثقة في سرعة وفاعلية المنظومة القضائية، وسرعة الفصل في الدعاوى.

تجديد حبس المتهمين عن بُعد:

يُعد مشروع مثول المتهمين المحبوسين احتياطيًّا بالسجون العمومية والمركزية عن بُعد من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال تيسير وتحسين إجراءات التقاضي من المشروعات التي تبنتها وزارة العدل، والذى من خلاله يمكن للقضاة داخل قاعة مجهزة بالمحكمة نظر تجديد حبس المتهمين الذين يتواجدون داخل السجون في قاعات أيضًا مجهزة بحضور المحامين من خلال تلك الشبكة التليفزيونية المغلقة والمؤمَّنة وبين المحاكم والسجون دون إخلال بضمانات المتهم المقررة في الدستور والقانون، ويهدف المشروع إلى نظر تجديد حبس المتهمين دون الحاجة إلى نقل المتهمين من مقار حبسهم، بهدف الحد من المخاطر الأمنية أثناء نقل المتهمين، وتوفير نفقات نقل المتهمين.

إطلاق خدمة العرائض الإلكترونية الموحَّدة:

أطلقت «إدارة التحول الرقمي ومركز معلومات النيابة العامة» بمكتب النائب العام في سبتمبر 2020 خدمةَ «منظومة العرائض الإلكترونية الموحدة للنائب العام» عبر الموقع الرسمي «للنيابة العامة»؛ وذلك في إطار تفعيل سياسة التحوُّل الرقمي بـ«النيابة العامة» وميكنة أعمالها، إذ تتيح تلك الخدمة لذوي الشأن أو وكلائهم داخل الجمهورية وخارجها -إلكترونيًّا عن بُعد- تقديمَ عرائضهم وشكاواهم وبلاغاتهم.

كما تكفل الخدمةُ تسهيلَ متابعة العرائض المقدمة وما آلت إليه إلكترونيًّا عن بُعد برسائل نصيَّة ترسلها «النيابة العامة» إلى مقدمي العرائض عبر الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني، إذ كفلت تلك المنظومة ترابطًا إلكترونيًّا ناجزًا داخل «النيابة العامة»؛ تسهيلًا على المواطنين وحفظًا لأوقاتهم، وحرصًا على تحقيق العدالة الناجزة.

وفى الختام: لا يمكننا التعجل في تقييم هذه الجهود، مع التأكيد على أهمية الدعم اللوجيستي اللازم لنجاحها، وضرورة نشر الثقافة الإلكترونية، وعدم السماح بسقوط الشبكة المستمر في بعض الجهات المميكنة.

كما لا يسعنا إلا أن نذكِّر بأن تطوير التشريعات بما يتفق مع المادة الثانية مِن الدستور، سيؤدي بلا شك إلى التيسير في الإجراءات، وتحقيق العدالة الناجزة.

التحول الرقميالحكومة الإلكترونيةالسلطة القضائيةالعدالةالقضاء