كيف نجحت حماس في التماسك والاستمرار رغم الدمار والإبادة؟

كيف نجحت حماس في التماسك والاستمرار رغم الدمار والإبادة؟

رغم حديث بنيامين نتنياهو الدائم عن قضائه بشكل كبير على حركة المقاومة الفلسطينية حماس، واقتراب قضائه عليها كليًّا؛ فلا تزال الدبابات والمدرعات والجرافات الإسرائيلية الثمينة تُحرق، وتستهدف بشكل شبه يومي؛ كما أن نتنياهو وجيشه عاجزون حتى اليوم عن تحرير عشرات الأسرى من يد المقاومة، ولم يعتقلوا أحد أعضائها، بل والأدهى من ذلك إذا كان جيش الاحتلال قضى على قوى المقاومة؛ فكيف قُتل جنوده في جباليا وحي الشجاعية؟

وكيف يفسر نتنياهو بسالة وقوة حماس عندما عاد ودخل شمال غزَّة مرة ثانية في مايو 2024؟

ولذلك في هذا التقرير سوف نشير إلى الدراسات والتقارير الأمنية والإعلامية والبحثية الغربية والإسرائيلية التي تُكذِّب تصريحات نتنياهو، وتؤكد نجاح حركة المقاومة الفلسطينية حماس في بناء نفسها من جديد، أو -على الأقل- نجاحها في التماسك والصلابة في ظل عدوان غاشم وإبادة جماعية لمدينة كاملة عبر القصف بكل أنواع القنابل والصواريخ، منذ أكثر من 300 يوم.

إسرائيل تكذب:

تؤكد شبكة CNN الإخبارية الأمريكية بالتعاون مع مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز “سي تي بي”، ومعهد دراسات الحرب بالولايات المتحدة “آي إس دبليو”، أن تصريحات نتنياهو وجيش الاحتلال الإسرائيلي شهر يوليو بشأن قرب تحقيق نصر كامل على حماس والقضاء على قدراتها العسكرية في قطاع غزة “ادعاء كاذب” في ظل إعادة الحركة بناء قواتها من جديد، وتشير الدراسة التي استندت إلى البيانات العسكرية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي وكذلك عن حركة حماس؛ فضلًا عن مقابلات مع خبراء وشهود عيان ومقاطع مصورة، وكشفت أن الوحدات القتالية لحركة المقاومة الفلسطينية حماس استطاعت استعادة قدراتها القتالية في المناطق التي أعلن الكيان الصهيوني انتهاء عملياته فيها، وأوضحت الدراسة أن الجناح العسكري لحركة حماس يتكون من 24 كتيبة منتشرة في أنحاء قطاع غزة، وأن جيش الاحتلال الإسرائيلي تمكن من تدمير 3 كتائب فقط منها وليس 20 كتيبة كما يزعم.

وأكدت الدراسة التي أعدَّها معهدين بحثيين أمريكيين بجانب شبكة سي إن إن الإخبارية، أنه لا تزال 8 كتائب لحماس فعالة في القتال ضد الجيش الإسرائيلي وقادرة على الدفاع عن الأرض باستخدام أساليب وأسلحة متطورة، مشيرة إلى أن هناك 13 كتيبة انخفضت قدراتها القتالية، لكنها يمكنها تنفيذ هجمات أصغر وأقل نجاحًا على غرار حرب العصابات، ووفق الدراسة فإن كتائب حماس وسط غزة هي الأقل تضررًا، والتي يعتقد أنها تحتجز غالبية الرهائن المتبقين، وبحسب مركز دراسات الحرب والسلام ومعهد دراسات الحرب وشبكة سي إن إن، فإن الكتائب الـ16 وسط وشمال غزة أعادت تشكيل نفسها على أفضل نحو، وأن 7 من هذه الكتائب الـ16 نجحت في إعادة بناء نفسها مرة واحدة على الأقل خلال الأشهر الستة الماضية، ونبَّهت الدراسة إلى أنه هناك 8 كتائب في جنوب غزة غير واضحة بسبب الافتقار للبيانات الموثوقة.

التجنيد مستمر:

بحسب خبراء عسكريين وشهادات حية ومصورة فإن العديد من الأسباب والأدلة تُثبت كذب التصريحات الإسرائيلية حول القضاء على حماس، مؤكدين أن حماس استفادت من سياسة الأرض المحروقة والقصف المتواصل دون خطة أو رؤية، ونوضح هذه الأسباب والأدلة التي فندتها الدراسة كالآتي:

– حملة القصف العنيفة والمتوحشة دون رؤية وغياب خطة الاحتلال في مرحلة ما بعد الحرب ساعدت في تحفيز حماس على الانتعاش وبناء نفسها من جديد تحت الأرض وفوقها أيضًا، وحماس لا تزال تجر الجيش الإسرائيلي إلى قتال مستمر.

– بحسب الدراسة إن أكثر ما يشير إلى إعادة بناء حماس قواتها هو ما جرى في مخيم جباليا، حيث قصفته إسرائيل لمدة 3 أشهر بداء من أواخر عام 2023، وعندما حاولت اقتحامه في مايو قوبلت بمقاومة عنيفة من 3 كتائب.

– وفق تصريحات العقيد المتقاعد في الجيش الأمريكي بيتر منصور: “إذا تم تدمير كتائب حماس فلماذا تستمر القوات الإسرائيلية في القتال؟ ولماذا يواصل الاحتلال محاولة استئصال كتائب حماس من غزة؟، مما يكشف أن نتنياهو مخطئ”، مضيفًا: أن “قدرة حماس على إعادة تشكيل قواتها لم تتضاءل”.

– سياسة حرب العصابات التي تمارسها حماس بالظهور والقيام بالعمليات ومن ثم الاختفاء تشل قدرة الاحتلال على المواجهة والاستمرار، وتتسبب في نزيف قوات الاحتلال، كما أن المجتمع اليهودي داخل الأراضي المحتل غير مبني لهذا، ولا يستطيع التعايش معه لمدة طويلة.

– تؤكد الدراسة وفق شهادات سكان غزة أن وجود حماس شمالي القطاع أقوى مما يُتخيل، وأن المقاومة منتشرة بين المدنيين، وأن هذا يساعدهم في إعادة بناء قواتهم.

– رغم ادعاءات الجيش الإسرائيلي أنه استطاع شل هيكل قيادة حماس شمال غزة، إلَّا أن هجمات المقاومة شمال غزة مستمرة بجانب تفاخر حماس بتجنيدها آلاف المقاتلين الجدد منذ بدء الحرب، وتقول إميلي هاردينغ مديرة برنامج الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: “حماس ما زالوا موجودين ويقومون بالتجنيد”.

– وفق ضابط إسرائيلي متقاعد رفيع المستوى: “بدأ التجنيد قبل 3 أو 4 أشهر وحصلت حماس على بضعة آلاف من المقاتلين لا أعرف بالضبط كم عددهم”.

– اندماج ألوية حماس لإنشاء كتائب أقوى وأكثر نخبوية، وهي تصنع أسلحة من المواد المتفجرة التي خلفها الجيش الإسرائيلي، بجانب اعتماد تكتيكات حرب العصابات مثل الأفخاخ ونصب الكمائن.

– “الفوضى المتزايدة تبدو مدبرة بشكل متعمد، وتسمح لحماس بالظهور مرة أخرى”، وحماس استطاعت إعادة بناء قوتها شمال ووسط غزة، ونجحت إلى الآن في إعادة بناء نصف هذه الكتائب.

– تمكنت المقاومة من استغلال مواردها المتاحة بشكل فعال واستطاعت استعادة عدة مناطق كانت قد فقدتها سابقا في بداية الحرب.

– ظهر الانتعاش بشكل جلي في مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة، والذي تم تدميره بالكامل تقريبًا باستخدام بعض أثقل الذخائر الإسرائيلية في المرحلة الأولى من الحرب، ورغم إعلان إسرائيل أن الكتائب الثلاث العاملة في مخيم جباليا “تفككت”، فبعد أقل من ستة أشهر قالت: إن الوحدات أعادت تشكيل نفسها، وقال الجيش: إنه واجه “أشرس المعارك” منذ بداية الحرب بأكملها.

– بحسب بريان كارتر مدير محفظة الشرق الأوسط في مشروع التهديدات الحرجة “CTP”، فإن إسرائيل تدعي السيطرة الكاملة على بعض المناطق، ولكن هذه الادعاءات ليست دقيقة، وأن إسرائيل لم تقضي على المقاومة إنما تقضي على المدنيين، وحركة المقاومة حماس ما زالت جاهزة وتواصل القتال مما يبرز انتعاشها في بعض النقاط الساخنة الرئيسية، مؤكدًا أن نشاط المقاومة تجدد بعد أقل من أسبوع من انسحاب إسرائيل من شمال غزة.

– وفق صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية؛ فإن حماس لا تزال قادرة على ترتيب أوراقها في مواجهة العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتمكنت من تجنيد المئات من المقاتلين الجدد مؤخرًا، ودفع الرواتب لهم، وأن فشل عملية الجيش في حي الشجاعية في غزة خير دليل على إعادة ترسيخ وجودها خاصةً شمال ووسط القطاع.

صحف الاحتلال:

وفق موقع “والا” الإسرائيلي فإن حركة المقاوم الفلسطينية حماس لديها قدرات صاروخية بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى القدس وتل أبيب، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في تحديد عدد الأنفاق التابعة لحماس في قطاع غزة، وأن عملية تحديد مواقع الأنفاق ستكون طويلة الأمد بسبب المقاومة للأنفاق كقواعد عسكرية وترسانات، وتعتمد عليها لتحريك قواتها، وتؤكد صحيفة “جيروزاليم بوست” أن هناك إحباط شعبي كبير في إسرائيل يتعلق بعدم قدرتها على هزيمة المقاومة رغم مرور عدة أشهر على بدء الحرب في غزة، ورغم كل القصف والتدمير فإن حماس لا تزال واقفة على قدميها.

وأجابت الصحيفة على سؤال المستوطنين المتكرر: “لماذا لم نهزم حماس حتى الآن؟” قائلة: “يسكن التنظيم في الأنفاق ويجري مناورات فيها ويحافظ على تسلسل قيادي ويحشد القوات ويحتجز رهائن تحت الأرض، وفي الوقت نفسه يستخدم الأنفاق كقلعة، ويستمر في حفر أنفاق جديدة أثناء القتال وهذا هو مصدر قوته وسبب بقائه”، وأكدت الصحيفة أن الكيان الصهيوني لم يكن مستعد بشكل كبير للحرب تحت الأرض سواء وهزيمة قوات متمركزة تحت الأرض من حيث الأسلحة المخصصة والأفراد المدربين أو العقيدة القتالية؛ وأنها لا تملك ناقلات جند مدرعة تحت الأرض ولا قوة أنفاق.

تغيير التكتيكات:

في بداية العدوان الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى كانت المقاومة تواجه الاحتلال أكثر وجهًا لوجه بأعداد كبيرة ويشتبكون معه ويطلقون النار عليه بمجرد توغله في مناطقهم تزامنًا مع القصف الصاروخي على أراضي المستوطنين المحتلة، وبعد الأشهر الأولى تغيرت تكتيكات مقاتلو المقاومة أكثر من مرة وتحول أسلوب عملياتهم إلى الانتشار ثم نصب الكمائن والفخاخ المتفجرة وشن الهجمات”، وهو ما ساعد حماس على مواصلة القتال عبر الأنفاق، بجانب إعادة استخدام ذخائر الاحتلال التي لم تنفجر أو التي تم الاستيلاء عليها من القوات الإسرائيلية بعد القضاء عليها، ويصف جيش الاحتلال طول شبكة الأنفاق أو “مترو غزة” كما يطلقون عليها نحو نصف طول شبكة مترو أنفاق نيويورك، مؤكدًا: أن الشبكة مجهزة بإمدادات الطعام والمياه والكهرباء والتهوية ومراكز القيادة والتحكم ومخازن الأسلحة والذخيرة.

المقاومة وسكان غزَّة:

تؤكد “سي إن إن” أن المقاومة لا زالت تُشرف على الأسواق المدمرة وتُعيد استخدام المباني المحترقة وتحويلها إلى مواقع لمواجهة الاحتلال، وبحسب شهادات سكان القطاع للشبكة فإن وجود حماس في المنطقة “أقوى مما يتخيل أحد”، ويقول روبرت بيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، إنّ المقاومة بأفرادها ومقاتليها وقادتها وأنصارها مندمجة بعمق داخل السكان”.

موضحًا أنها بنت روابط مع السكان تعود إلى عقود من الزمن، ويرى بيب أن إسرائيل تعمل على توليد الغضب السياسي والحزن والعاطفة الإضافية التي من شأنها أن “تدفع المزيد من الناس إلى أن ينضموا إلى المقاومة”.

مضيفا: أن “القوة الإستراتيجية الفعلية لحماس آخذة في النمو، وأن قوة حماس تكمن في قدرتها على التجنيد”، وشبَّه ضابط عسكري إسرائيلي الحرب في قطاع غزة بـعدَّاء الماراثون الذي لا يعرف أين يقع الإستاد ويركض ولا يعرف ما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح”.

ويقول كوبي ميشائيل المحلل العسكري في مركز الأبحاث الإسرائيلي “معهد دراسات الأمن القومي”: إنه رغم ما دمره الاحتلال الإسرائيلي من أهداف إستراتيجية ومصانع أسلحة تابعة لحماس، لكن المقاومة لا تزال قادرة على تجديد نفسها بقدرات محدودة، ولا تزال المقاومة تستطيع أن تؤذي القوات الإسرائيلية”.

ويتوقع ميشائيل ميلشتاين الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية والباحث في مركز موشي دايان بجامعة تل أبيب -تل الربيع المحتلة- أن حركة حماس تستطيع سد العجز في المقاتلين بسرعة؛ لأن أغلب شباب غزَّة يريدون الالتحاق بصفوف حركة المقاومة”.

ووفقًا للمخابرات الإسرائيلية يمكن أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة لفترة طويلة، وهذا سيمكن حماس من الاختباء والتعافي ومفاجأة القوات الإسرائيلية من جديد، وبحسب مدير ملف الشرق الأوسط في معهد “سي تي بي” بريان كارتر: إسرائيل لم تهزم مقاتلي المقاومة على الإطلاق، وحماس مستعدة للقتال وتريده”، ويسخر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو روبرت بيب قائلًا: “تطلب إسرائيل من السكان الذهاب إلى الوسط أو إلى الجنوب، يحركون الناس وخمنوا من يتحرك مع السكان؟ كل مقاتلي حماس تقريبًا”.

الخلاصة:

بعد مرور أكثر من 300 يوم على العدوان المميت والإبادة الإسرائيلية المقصودة للبنية التحتية والمدنيين داخل قطاع غزة، فإن الاحتلال الصهيوني فشل في تحقيق كل أهدافه التي أعلن عنها، ولم يعد بيده سوى الاستمرار في قتل النساء والأطفال واغتيال السياسيين الفلسطينيين، وإطلاق التصريحات الزائفة مرارًا وتكرارًا على لسان نتنياهو وقادة جيش الاحتلال أنهم اقتربوا من القضاء على المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالكامل، وهو ما يُكذبه الإسرائيليون أنفسهم على المستوى السياسي والعسكري والإعلامي وحتى على لسان المستوطنين الذين يؤكدون كذب نتنياهو ورفاقه.

كما أن المعاهد الأمريكية البحثية العسكرية والوكالات الإخبارية أكدت أن تصريحات نتنياهو والجيش الإسرائيلي بالقضاء على المقاومة الفلسطينية كاذبة، وأن حماس استفادت من طول فترة العدوان والقصف، وأعادت بناء نفسها أكثر من مرة، وجنَّدت ألاف المقاتلين وصنعت سلاح وذخيرة مجددًا من السلاح والقنابل الإسرائيلية، وجددت عدة كتائب بالكامل ودمجت فصائل وألوية لتقويتها.

كما أن المقاومة تواصل استخدام الأنفاق وتستمر في حفر المزيد أثناء الحرب، كما أشار الخبراء إلى أن أحد أهم أسباب نجاح حماس في تجديد نفسها وإعادة بناء قوتها، أو على الأقل تماسكها ونجاحها في الاستمرار، هو اندماجها داخل السكان، وبالتالي فإن حماس قادرة على البقاء لمدة زمنية طويلة تواجه الاحتلال من تحت الأرض بأقل الأضرار بعد ما غيَّرت تكتيكاتها أكثر من مرة.

مصادر:

سكاي نيوز- دراسة: حماس تعيد بناء نفسها.. و”ادعاء القضاء عليها كاذب”- 5 أغسطس 2024.

روسيا اليوم- سي إن إن: حماس تعيد بناء نصف كتائبها في شمال ووسط غزة رغم ادعاءات نتنياهو بتحقيق النصر- 5 أغسطس 2024.

سكاي نيوز-قوة حماس.. تقرير يكشف “قدرات” تطال القدس وتل أبيب- 17 يوليو 2024.

سكاي نيوز- لماذا فشلت إسرائيل في هزيمة حماس حتى الآن؟- 24 يوينو 2024.

DW- هدف إسرائيل “القضاء” على حماس.. فماذا بقي من قوتها العسكرية؟- 27 إبريل 2024.

العربية- رغم الدمار وآلاف القتلى.. 5 دلائل على تمسك حماس بغزة- 6 مايو 2024.

سكاي نيوز- مصادر إسرائيلية: حماس قادرة على تجنيد المئات ودفع الرواتب- 30 يونيو 2024.

الميادين- بعد “زعمه هزيمة حماس”… تحقيقٌ أميركي يكذّب نتنياهو- 5 أغسطس 2024.

السنوارالكيان المحتلحماسغزةفلسطين
Comments (0)
Add Comment