الصراع في شمال مالي والدور الروسي والأوكراني.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات

الصراع في شمال مالي والدور الروسي والأوكراني.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات

تشهد منطقة أزواد في شمال مالي صراعًا بين حكومة باماكو وحركة الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية (الطوارق) المتمردة الساعية للاستقلال عن مالي، والمصنفة كجماعة إرهابية لدى عدد من الدول. فقد فقدت الجماعات الانفصالية المسلحة السيطرة على مناطق عدة في شمال مالي في نهاية 2023م بعد هجوم شنه الجيش، وبلغ ذروته بسيطرته على مدينة كيدال، معقل الانفصاليين، بدعم من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة.

تمكنت حركة الطوارق، أو حركة الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية كما تسمى، من شن هجوم واسع ضد القوات الحكومية المالية وقوات فاغنر الروسية المتحالفة معها، بدعم من مستشارين وخبراء عسكريين أوكرانيين خلال يوليو الماضي، مُوقعة العديد من القتلى والجرحى في صفوف القوات المالية وقوات فاغنر الروسية، مما أثار تساؤلات حول طبيعة الصراع القائم في شمال مالي والدور الروسي والأوكراني في المنطقة وفي إفريقيا ككل.

فما أسباب الصراع في شمال مالي؟ وكيف يؤثر على أمن واستقرار دول المنطقة؟ وكيف تمددت الحرب الروسية الأوكرانية إلى مالي؟ وما أبعاد ودوافع توسع نطاق الصراع الروسي الأوكراني إلى خارج أوروبا؟ وفي ظل نشاط عسكري روسي يعقبه نشاط أوكراني في البلدان الإفريقية، ما هو مستقبل القارة السمراء في ظل احتدام التنافس عليها؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على الصراع في شمال مالي وأبعاد ودوافع الدور الروسي والأوكراني في المنطقة وتداعياته على أمن واستقرار منطقة الساحل والقارة الإفريقية ككل، في هذه السطور الآتية.

صراع الحكومة المالية وحركة الطوارق:

منذ استقلال منطقة الساحل الإفريقي عن الاستعمار الفرنسي، شهدت المنطقة صراعات عرقية وإثنية، كغيرها من البلدان والمناطق والمجتمعات الإفريقية، التي عمل الاستعمار خلال عقود وجوده فيها على تأجيج تلك الصراعات. وتشهد دولة مالي في منطقة الساحل الإفريقي، وتحديدًا المنطقة الشمالية منها (أزواد)، صراعًا محتدمًا وسلسلة من التمردات المتعاقبة والعنف المسلح بين الحكومة المالية وجماعات الطوارق الساعية لاستقلال أزواد عن مالي.

إذ تتألف أزواد من مناطق تمبكتو وكيدال وغاو في مالي، فضلًا عن جزء من منطقة موبتي التي تغطي نحو 60% من إجمالي مساحة مالي. ولدى أزواد حدود مجاورة مع بوركينا فاسو من الجنوب، وموريتانيا من الغرب والشمال الغربي، والجزائر من الشمال والشمال الشرقي، والنيجر من الشرق والجنوب الشرقي، ومالي من الجنوب الغربي. وتمتد المنطقة على جزء من الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل، وتُعد مدينة غاو أكبر مدنها وكانت بمثابة العاصمة المؤقتة لأزواد، في حين أن تمبكتو هي ثاني أكبر مدينة، وكان من المفترض أن تكون عاصمة لقوات الطوارق. (الجزيرة).

ونجحت جماعات الطوارق المسلحة خلال تمرد عام 2012م في تأسيس دولة أزواد غير المعترف بها، التي استمرت لفترة قصيرة من عام 2012م إلى عام 2013م بعد أن طرد تمرد الطوارق القوات المسلحة المالية من المنطقة، وتقدمت باتجاه العاصمة المالية باماكو، مما دفع فرنسا، حليفة نظام باماكو حينها، إلى التدخل العسكري وشن حرب على الجماعات المتمردة في إقليم أزواد لمنعها من التقدم نحو العاصمة المالية باماكو، بعد أن سيطرت هذه الجماعات على مدينة كونا التي تبعد 600 كلم عن العاصمة. وجاء التدخل العسكري الفرنسي بهدف استقرار الأوضاع في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي ككل، وفق التصريحات الرسمية الفرنسية.

لكنَّ مراقبين أشاروا إلى وجود دوافع أخرى للتدخل الفرنسي، منها مناجم اليورانيوم التي تزود فرنسا بثلث حاجاتها من الكهرباء في النيجر التي تعرضت لهجمات من مسلحين؛ علاوة على مصالح أخرى تتعلق بالنفط والغاز والشراكات التجارية مع دول في غرب وشمال إفريقيا؛ مثل: ليبيا ونيجيريا وموريتانيا والجزائر وكوت ديفوار والسنغال.

ومع التطورات التي شهدتها مالي خلال السنوات الأخيرة ومنطقة الساحل الإفريقي ككل، من انقلابات عسكرية ووصول جنرالات معادين لفرنسا إلى الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فقدت باريس تأثيرها على منطقة الساحل الإفريقي، وانحسر النفوذ الفرنسي في العديد من المناطق مع انسحاب القوات الفرنسية من المنطقة.

واستقبلت منطقة الساحل الإفريقي النفوذ الروسي بحفاوة؛ إذ رفعت الأعلام الروسية في التظاهرات الداعمة لانقلابات دول الساحل. ودخلت قوات فاغنر العسكرية الخاصة الروسية إلى المنطقة لدعم وتدريب وتسليح القوات النظامية في مالي والنيجر وغيرها من بلدان الساحل.

وأعاد هجوم الطوارق في يوليو 2024م أزمة الإرهاب في دول الساحل إلى الواجهة من جديد، مع نجاح الجماعات الإرهابية في الإيقاع بعدد من عناصر القوات المالية وقوات فاغنر الروسية الخاصة في هجومها الأخير. وبحسب مراقبين، كان للقوات الأوكرانية دور هام في تنظيم وتنفيذ هجوم الطوارق والجماعات الإرهابية المتحالفة معها ضد القوات المالية وقوات فاغنر الروسية. (العربية).

أبعاد ودوافع الصراع بين الطوارق وحكومة باماكو:

تنحصر دوافع كل من الجيش المالي والمجموعات الانفصالية التي تهيمن عليها الطوارق في عدة أهداف، أهمها مساعي حكومة باماكو للحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها؛ إذ يأتي هجوم الطوارق الإرهابي الأخير في وقت يسعى فيه المجلس العسكري، منذ توليه السلطة عام 2020م، إلى استعادة السيطرة على كامل أراضيه.

ولذلك تمكن المجلس من السيطرة على عدة مناطق في شمال البلاد؛ إذ أعلنت القوات المالية في 22 من يوليو الماضي تمكنها من السيطرة على منطقة إن – أفراك الإستراتيجية الواقعة على بعد 120 كلم شمال غربي تيساليت، في منطقة كيدال التي سيطر عليها الجيش مطلع العام الجاري.

ونظرًا لسعي الطوارق إلى السيطرة على بلدة تينزاوتن شمال شرقي البلاد، آخر معقل للمتمردين، شن الجيش ومجموعة فاغنر الروسية الخاصة هجومًا عنيفًا في 25 من يوليو الماضي ضد ميليشيات الطوارق الإرهابية في البلدة قرب الحدود مع الجزائر. ومع ذلك، لم يتمكن الجيش وفاغنر من السيطرة على البلدة، وانسحبوا بعد تكبدهم خسائر فادحة. (سكاي نيوز عربية).

أما بالنسبة إلى دوافع الطوارق في صراعهم مع حكومة باماكو، فيتمثل في سعي الطوارق لإقامة دولة مستقلة، إذ يرجع الهدف وراء استمرار الجماعات المسلحة المتمردة في شن هجمات مسلحة ضد الجيش المالي إلى مطالبة الطوارق بالانفصال والحكم الذاتي من خلال إقامة دولة مستقلة تحمل اسم “أزواد”، الذين سيطروا على شمال مالي عام 2012م، ولكن استعاد الجيش المالي السيطرة عليها عام 2022م بعد شن هجمات عسكرية واسعة من أجل استعادة وحدة البلاد؛ كما فقدت الجماعات الانفصالية المسلحة السيطرة على عدة مناطق شمالي مالي في نهاية عام 2023م. وازداد الأمر سوءًا بالنسبة للطوارق بسيطرة الجيش على مدينة كيدال، وبالتالي لم تتخلَّ الطوارق عن مدينة “تينزاوتن”، التي تُعد آخر معقل لهم، بل تسعى لاستعادة كيدال والمناطق التي سيطر عليها الجيش في شمال البلاد لتحقيق طموحاتهم بإقامة دولة مستقلة.

وبالتالي، وبعد إعلان الانفصاليين في 28 يوليو الماضي تحقيق انتصار كبير على الجيش المالي، إذ تمكنت الجماعات الانفصالية من تدمير قوات الجيش و”فاغنر” من خلال السيطرة على مركبات مدرعة وشاحنات وناقلات جديدة وأسلحة مهمة وإتلاف أخرى؛ بالإضافة إلى إسقاط طائرات هليكوبتر تابعة لمجموعة “فاغنر” في مدينة كيدال، فضلًا عن مقتل وإصابة عدد من قوات الجيش و”فاغنر”، حيث أكدت وكالة الأنباء الروسية “تاس” نجاة ثلاثة فقط من المقاتلين الروس، ومقتل قائدهم “سيرجي شيفتشينكو”. في حين يؤكد عدد من المدنيين العسكريين الروس مقتل ما لا يقل عن 20 شخصًا من “فاغنر” وأسر آخرين.

وزعمت المجموعة الشاملة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” أن مقاتليها قتلوا 50 من قوات “فاغنر” و10 جنود ماليين؛ الأمر الذي قد يُعد نقطة تحول مهمة في استكمال انتصار الطوارق بتكثيف عملياتها المسلحة ضد الجيش المالي و”فاغنر”، لكي تتمكن من الضغط على الجيش لاسترداد المناطق التي فقدتها، وخاصة مدينة كيدال. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

الأمر الذي قد يمكنها مستقبلًا من إقامة دولة مستقلة، غير أن ذلك مستبعد نظرًا لعلاقات الطوارق بالمنظمات الإرهابية وانخراطهم في تحالفات مع تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، ما دفع عددًا من الدول الكبرى إلى تصنيف الطوارق كجماعات إرهابية على غرار “داعش” و”القاعدة”، وتقديم الدعم الواسع لباماكو في مواجهة الطوارق.

دخول أوكرانيا على خط الصراع في شمال مالي:

عقب نجاح هجوم جماعة الطوارق الإرهابية ضد الجيش المالي وقوات “فاغنر” الروسية الخاصة، دخلت روسيا على خط الجدل الذي أُثير حول تدخل أوكرانيا في معارك منطقة الساحل، واتهمتها بفتح جبهة ثانية للحرب في إفريقيا، وهو ما يؤشر على تصعيد يضاعف المخاوف من تمدد الصراع الروسي الأوكراني إلى منطقة الساحل والصحراء، وما يتضمنه ذلك من مخاطر وتحديات عدة لدول الإقليم كافة، في ظل نشاط القوات الروسية والأوكرانية الملحوظ في الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “بسبب عدم قدرته على هزم روسيا في ميدان المعركة، قرر نظام فولوديمير زيلينسكي الإجرامي فتح جبهة ثانية في إفريقيا ودعم جماعات إرهابية في دول داخل القارة مؤيدة لموسكو”. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

وينقل اتهام روسيا لأوكرانيا بالتدخل في صراعات منطقة الساحل المخاوف الإقليمية من مرحلة الشك والقلق إلى مرحلة الحذر الحقيقي، ويؤكد أن المنطقة باتت قبلة للتدخلات العسكرية الدولية وللانتقام من الفشل في مناطق أخرى. ويبدو أن الصراع في منطقة الساحل يزداد تعقيدًا، في ضوء مؤشرات واضحة على تحوله إلى جبهة صدام بين روسيا من جهة، والغرب ممثلًا في أوكرانيا من جهة أخرى.

إذ إن تأكيد الناطق باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، آندريه يوسوف، “تقديم الاستخبارات الأوكرانية المساعدة للمتمردين الطوارق في نصب كمين لقوات مالية مدعومة بمجموعة فاغنر الروسية أواخر يوليو الماضي، وانتهى بمقتل عشرات الجنود”، يعكس زيادة الدور الأوكراني في إفريقيا.

وفي تقرير أعدته صحيفة “إلباييس” الإسبانية، أشار إلى أن الدعم الأوكراني أكدته مصادر قريبة من المتمردين الطوارق تحدثوا للصحيفة عن تلقي معلومات استخبارية سهلت رصد تحركات رتل قوات “فاغنر”، لكنها أشارت أيضًا إلى حصولها على تدريب على استخدام مسيّرات خفيفة تستطيع حمل كميات صغيرة من المتفجرات. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

كما أن احتفال سفير أوكرانيا لدى السنغال بهجوم الطوارق عبر صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي يؤكد الدعم الأوكراني لجماعات الطوارق الإرهابية في مالي؛ الأمر الذي أثار غضب داكار وحتى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”. ورغم أن هذا التكتل على خلاف عميق مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فقد أصدر بيانًا حذر فيه من أي “تدخل أجنبي في المنطقة يهدد السلام والأمن ويجر المنطقة إلى صراعات جيوسياسية”.

وقطعت مالي والنيجر علاقاتهما بأوكرانيا بعد تصريحات المتحدث باسم الاستخبارات الأوكرانية، ثم طالبتا في رسالة مشتركة مع بوركينا فاسو إلى مجلس الأمن الدولي بالتدخل والضغط من أجل إنهاء “الدعم الأوكراني الرسمي والصريح للإرهاب في إفريقيا، خاصة في الساحل”، وقالت إن هذا الدعم “يخرق سيادتنا.. ويقوي المجموعات الإرهابية”.

وحملت أوكرانيا مالي مسؤولية قطع العلاقات دون تقديم أدلة على ضلوع كييف في هجوم تينزاوتن، لكن رغم نفي كييف دعم “الإرهاب الدولي” وغياب مؤشرات على وجود قوات أوكرانية في مالي، فإن تصريح المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية لا يترك مجالًا للشك في وجود هذا الإسناد.  

أبعاد ودوافع التدخل الأوكراني في صراع شمال مالي:

تشكل التفاعلات السياسية التي تجري بين دول غرب إفريقيا وكل من روسيا وأوكرانيا انعكاسًا مباشرًا للصراع الذي تتصاعد حدته بين الدولتين الأخيرتين، والذي لم يكتف بساحاته الميدانية في منطقة شرق أوروبا، بل يمتد إلى أكثر من نقطة ارتكاز، ربما يكون الأهم والأكثر وضوحًا منها منطقة الساحل الإفريقي الممتد، مضافًا إليها السودان التي تواجه صراعًا عسكريًّا مفتوحًا يؤثر ويتأثر بمنطقة الساحل الإفريقي.

فبعد نجاح الغرب في تأجيج العداء ما بين الروس والأوكرانيين، تستخدم القوى الغربية أوكرانيا بعد نجاحها في الصمود أمام الغزو الروسي الشامل في 24 فبراير 2022م، لفتح جبهات وساحات جديدة للمواجهة في مناطق مختلفة من العالم؛ إذ أثبتت أوكرانيا قدرتها على التصدي للقوات الروسية، بل وشن هجمات مضادة مكّنتها من استعادة أراضٍ كانت القوات الروسية قد سيطرت عليها في بداية الحرب، مثل ما حدث في خاركيف خلال سبتمبر 2022م، وذلك رغم توقعات المراقبين بانهيار سريع للدولة الأوكرانية وسيطرة روسية خاطفة على المقاطعات الأوكرانية.

وترى القوى الغربية في أوكرانيا الأداة الأفضل لمواجهة الاتحاد الروسي؛ إذ خلال سنوات الحرب الباردة السابقة، عملت الولايات المتحدة على التأسيس لوجود لاعبين ووكلاء لها في مناطق مختلفة من العالم، مثل إسرائيل في الشرق الأوسط وكوريا الجنوبية في شرق آسيا وغيرها.

وتُعد أوكرانيا في ظل الحرب الباردة الجديدة وكيل القوى الغربية لمواجهة النفوذ الروسي. وعلى الرغم من أن تطورات صراع شمال مالي والسودان تُعد حرب استنزاف بين الطرفين في الساحات الخارجية، فإنها تفرض، وعلى نحو موازٍ، تغييرات جيوسياسية في منطقة الساحل الإفريقي، حيث تُعد هذه التفاعلات غير بعيدة عن العلاقات الفرنسية الإفريقية المتأزمة في غرب القارة الإفريقية، والتي ألقت بظلالها على العلاقات الإفريقية الغربية ككل.

ومن هنا فمن غير المستغرب أن تمارس فرنسا نوعًا من أنواع التنسيق وربما التحالف مع أوكرانيا في مواجهة روسيا التي يتوسع نفوذها في هذه المنطقة الحساسة للمصالح الغربية بشكل عام والمصالح الفرنسية على وجه الخصوص، في ظل إصرار القيادة الأوكرانية على مواجهة روسيا في كل مكان؛ إذ إن التدخل الأوكراني في القارة الإفريقية لا يقتصر على مالي فقط، بل سبق أن دخلت كييف على خط الصراع الدائر في السودان.

وتتعدد أهداف كييف داخل القارة الإفريقية ما بين تعطيل أنشطة مجموعة فاغنر في القارة ومنع موسكو من الاستفادة من الذهب الإفريقي وإحباط الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا عبر تشتيتها في مسارح متعددة؛ هذا بالطبع إلى جانب تحسين الصورة الدولية لأوكرانيا في أعين حلفائها الغربيين، عبر إثبات قدرة أوكرانيا على مواجهة روسيا على بُعد آلاف الأميال من الصراع المحتدم في شرق أوروبا.

تداعيات الصراع الروسي الأوكراني على القارة الإفريقية:

كان معلومًا بالنسبة إلى المراقبين والمتابعين لتطورات الحرب الباردة الجديدة، محورية القارة الإفريقية بالنسبة إلى القوى الخارجية، في ظل ما تتمتع به القارة من موارد وثروات طبيعية تُشكل عاملًا محوريًا في إدارة عجلة الاقتصاديات الصناعية المتقدمة.

ويبدو أن القوى الخارجية ستعمل خلال العقود القادمة على استقطاب الدول الإفريقية وبناء الشراكات والتأسيس لتحالفات طويلة الأمد، لإدارة صراع القوى الكبرى في ظل الحرب الباردة الجديدة. ما سيكون له العديد من التداعيات على دول وشعوب القارة؛ فمن جهة سيدفع توسيع نفوذ قوى الشرق في القارة الإفريقية القوى الغربية إلى مراجعة سياساتها وعلاقاتها القائمة على الاستغلال والتبعية مع شعوب القارة.

ما قد يكون له تأثير إيجابي، بإقامة المشروعات الاقتصادية وضخ الاستثمارات الغربية، كما حدث خلال السنوات الأخيرة، مع عقد القمة الأمريكية الإفريقية والقمة الأوروبية الإفريقية، والتي نجحت في استقطاب العديد من رؤوس الأموال إلى الدول الإفريقية.

ومن جهة أخرى، فإن نشاط قوات فاغنر الروسية الخاصة والفيلق الروسي الإفريقي الذي كُشف عنه خلال الأشهر الأخيرة الماضية، إلى جانب الوجود العسكري الغربي المنتشر في عدة بلدان إفريقية، واستخدام أوكرانيا كوكيل للقوى الغربية في إفريقيا، قد يخلق سلسلة من الصراعات واسعة النطاق في العديد من بلدان القارة، ويُأجج العنف المسلح القبلي في القارة، ما سيكون له وقع سلبي بل وحتى كارثي على العديد من الدول الإفريقية.

الخلاصة:

– يزداد الصراع احتدامًا ما بين الاتحاد الروسي وما بين أوكرانيا وحلفائها الغربيين، في ظل تجاوزه الحدود الأوكرانية إلى القارة الإفريقية. وبالتالي، فمن غير المرجح على المستوى المنظور، استقرار المجتمعات الإفريقية في منطقة الساحل الإفريقي، على خلفية استمرار ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي يمارس فيها العامل الفرنسي والغربي دورًا مضافًا لعوامل التوتر القائمة، وهو الأمر الذي يجعل دول غرب إفريقيا تواجه تصاعدًا في حدة التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية في توقيت متزامن.

– على الرغم من الهجوم الذي نفذته الجماعات المسلحة في شمال مالي ضد القوات الحكومية وعناصر فاغنر الروسية المتحالفة معها، فإنه لا تجب المبالغة في تقدير حجم وقدرة المتمردين والجماعات الإرهابية والدعم الأوكراني المقدم في تحقيق وفرة لميزان قوتهم خلال الفترة المقبلة؛ وذلك بسبب إستراتيجية الحسم التي تتبعها السلطات المالية وقوات فاغنر في عمليات مكافحة الإرهاب. فعلى النقيض من الإستراتيجية الأمريكية والغربية في استخدام هجمات نوعية مثل توجيه ضربات بالطيران المسيّر أو المداهمات المحدودة، أو بالتركيز على قتل قيادات الجماعات المسلحة، فإن عناصر فاغنر تستخدم تعاملًا شموليًا من أجل استعادة السيطرة الكاملة على الميدان.

المصادر:

الجزيرة

العربية

سكاي نيوز عربية

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

أوكرانياروسيامالي