وقفة مع العلاقات الإخوانية الإيرانية

وقفة مع العلاقات الإخوانية الإيرانية

 

فقد ظهرت خلال القرن الماضي حركتان في العالم الإسلامي: إحداهما سنية، والأخرى شيعية، هما على الترتيب: حركة الإخوان المسلمين في مصر، والحركة الخمينية في إيران.

وتلاقت الحركتان في كثيرٍ مِن الأفكار والأساليب، وكذلك في المنهج في بعض الأحيان؛ مما أدَّى إلى وجود مناطق سياسية، ومواقف مشتركة بينهما استمرت لعشرات السنوات.

وقد استطاعت الحركة الشيعية أن تسيطر على الحكم في إيران –بعد حكم الشاه- وتمثِّل الشيعة هناك، بينما فشلت حركة الإخوان في ذلك ولم تستطع الوصول إلى سدة الحكم في مصر سوى عام واحد كان كفيلًا بإظهار مساوئ إدارتهم للدولة.

ومنذ عهد حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان في أربعينيات القرن الماضي – والجماعة تحاول الابتعاد عن كل ما يعكر صفو العلاقة بينها وبين شيعة إيران، على الرغم من محاولات إيران اختراق المجتمعات العربية لنشر المذهب الشيعي وتكوين أذرع لها فيها، بل على العكس، فقد يشيد الإخوان بإيران كلما سنحت فرصة لذلك.

كما كانت المواقف تتشابه وتتعاون فيما يخص قضايا العالم الإسلامي لا سيما بين قيادات الطرفين أمثال: آية الله القمي، ونواب صفوي، وجمال الدين الأسد آبادي، وآية الله الكاشاني من جهة إيران، وحسن البنا وعمر التلمساني وشلتوت من جهة الإخوان، والذي أسهم في زيادة التقارب بين الحركتين في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فقد بدأت هذه العلاقة بينهما قبل ثورة 1952م في مصر واستمرت حتى يومنا هذا، ولم تتأثر بزعامة عبد الناصر وأصدائها في العالم العربي([1])، بل قام “الإخوان” بتهنئة الخميني بنجاح ثورته عبر استئجار طائرة خاصة ضمّت قيادات الجماعة من عدة دول.

ويُذكر أن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا –رحمه الله- قد التقى آية الله الكاشاني، أثناء حج عام 1948، واتفقا على عدة نقاط أسست للعلاقات بين الجانبين.  

كما نزل ضيفًا على قيادات الإخوان في القاهرة عام 1954م القيادي البارز بحركة “فدائيان إسلام” الإيرانية: نوال صفوي، الذي كان على صلة قوية بآية الله الكاشاني، وأجرى معهم مباحثات ساهمت في تطور العلاقة بين الطرفين، بل كان الإخوان في مصر عام 1957 في طليعة المحتجين ضد إعدام نوال صفوي على يد نظام الشاه([2]).

وقد كانت هناك تبادلات فكرية بين الطرفين، حيث ترجم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي لبعض كتابات سيد قطب، مثل: “الإسلام ومشكلات الحضارة”، و”المستقبل لهذا الدين”، وأثمرت هذه التبادلات الفكرية والمواقف المتشابهة عن تحالف إستراتيجي استفادت منه إيران بشكل كبير لدعم مشروعها التوسعي في المنطقة وتقويته، مقابل دعم بعض الحركات السنية الإخوانية، كما قامت بعض التيارات الشيعية بالاستفادة من هيكلة تنظيم الإخوان لتأسيس أحزابٍ أصولية([3]).

وفي عهد مرشد الجماعة الثالث عمر التلمسانى الذي تبين من كتاباته عمق العلاقة بين الإخوان والشيعة، حيث كتب -عام 1985 بعنوان: “شيعة وسنّة”- قائلاً: “إنّ التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن، وبعيدًا عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين([4]).

وقال زعيم حركة النهضة التونسية -راشد الغنوشي- المحسوب على جماعة الإخوان في كتاب: (الحركة الإسلامية والتحديث): “إنّ المفهوم (أي: الإسلام الشامل) يستهدف إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران”.

ويتفق طرح الإخوان في لبنان مع نظرائهم في تونس، فقد ذكر زعيم إخوان لبنان فتحي يكن –وهو الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية فيها-: “أن مدارس الصحوة الإسلامية تنحصر في ثلاث: مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب، ومدرسة الإمام الخميني”([5]).

وفي العراق، وتحديدًا في برلمانها، شارك القيادي بجماعة الإخوان المسلمين ورئيس البرلمان سليم الجبوري، فيما يسمَّى بمؤتمر: “الصحوة الإسلامية” في بغداد المدعوم من النظام الإيراني([6]).

ولعل من أهم مناطق التعاون بين الإخوان وإيران هي ما بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وطهران، حيث بدأت العلاقة بينهما خلال مؤتمر لدعم الانتفاضة الفلسطينية أقامته طهران عام 1990، وذلك بعد نحو 3 سنوات من تأسيس (حماس).

وتطورت العلاقة بين الطرفين عندما افتتحت حماس مكتبًا لها في طهران سنة 1991، وقد صرَّح ممثل حماس في طهران عماد العلمي سنة 1993، بأن حماس تعتبر إيران حليفًا إستراتيجيًّا لها.

وعلى الرغم من توتر العلاقات بينهما في 2011م بسبب الأزمة السورية؛ إلا أنها ما لبثت أن عادت على نحو أفضل، وهو ما تجلى في التصريحات الصحفية لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي أكَّد أن إيران هي الداعم الأكبر للجناح العسكري، وأن الدعم الإيراني العسكري هو دعم “إستراتيجي”، والعلاقة بينهما أصبحت ممتازة بعد زيارة وفد حماس لإيران([7]).

ويرى بعض المحللين السياسيين أن العلاقة بين حماس وإيران تتجاوز التوصيف المصلحي؛ لأنها قائمة على بُعد أيديولوجي([8])، كما أن تصريحات رئيس المكتب السياسي –صالح العاروري– الأخيرة منذ أشهر قليلة تؤكد على عمق العلاقة بينهما حيث قال: “إن حركته تقف في الخط الأمامي للدفاع عن إيران ضد أي اعتداء أميركي أو صهيوني”(([9].

وبالعودة إلى موقف إخوان مصر “وعلى رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي”، فقد تباينت مواقفه ما بين تبني فكرة التقارب بين المذاهب الإسلامية من خلال المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وزيارته لإيران ولقائه لكثير من المراجع الشيعية لديهم([10])، بل والتصريح  حديثًا بوقوفه ضد مَن يحاول الاعتداء على إيران والقتال دونها، دفاعًا عن حقها في امتلاك سلاحٍ نووي، وبين هجومه على حزب الله اللبناني (لموقفه الأخير من القضية السورية)، ووصفه بحزب الشيطان وحزب الطاغوت، وخطئه في دفاعه عنهم ضد بعض مشايخ أهل السنة، ووصفهم أيضًا بأنهم ليسوا ناصحين للمسلمين، بل هم كذَبة في قولهم: إننا نعمل لنصرة المسلمين!

وحديثًا، فإن موقف الرئيس الراحل “محمد مرسي” –رحمه الله-، كان به نوع من المقاربة معهم ومحاولة لفتح المجال السياحي مع مصر، ونتج عن ذلك زيارة الرئيس الإيراني (نجاد) إلى مصر والأزهر([11]).

وختامًا: فإن علاقة الإخوان بإيران ممتدة من أيام مرشدها الأول وحتى يومنا هذا([12])، ويعتبر تاريخ الحركات الدينية المتشددة في إيران وحكم ولاية الفقيه، مرتبطين بتنظيم الإخوان المسلمين، الذي ما يفتأ النظام الإيراني رفض تصنيفه بالجماعة الإرهابية([13]).

([1]) وثيقة الاجتماع السري… {الإخوان} وإيران

([2]) “الإخوان” والرقص الخطير مع إيران

([3]) علاقة الإخوان بإيران.. ما الجديد؟!

([4]) بعد فضح السلفيين لهم..نكشف تاريخ العلاقة بين الإخوان والشيعة

([5]) علاقة الإخوان المسلمين بإيران: تنسيق أمني وسياسي ودعم مالي

([6]) الإخواني سليم الجبوري يشارك بفاعليات مؤتمر “الصحوة الإيراني” في بغداد

([7]) نظرة إلى الوراء.. علاقات حماس وإيران عبر التاريخ

([8]) تَقرُّب حماس وإيران.. علاقة استراتيجية أم أنها لا تتعدى لغة المصالح

([9]) طهران تضخ أموالاً بشرايين حماس.. والحركة “تفدي” إيران

([10]) اهتمام بالغ من علماء الإسلام بزيارة القرضاوي لإيران

([11]) شبهات حول “الشيعة – التشييع – التشيع”

([12]) علاقة الإخوان المسلمين بإيران: تنسيق أمني وسياسي ودعم مالي

([13]) الإخوان وإيران.. الأهداف المشتركة والتقارب الفكري

إيرانالإخوانالتشيعالتنظيم الخاصالحرس الثوريالشيعةالقرضاويتركياحسن البناسيد قطب