هل هي زيارة خاسرة؟! العجوز الأمريكي يفقد أهم أهدافه من الشرق الأوسط

هل هي زيارة خاسرة؟! العجوز الأمريكي يفقد أهم أهدافه من الشرق الأوسط

يعيش العالم بأسره اليوم حالة من عدم الاستقرار على جميع الأصعدة، وفي كل المجالات، ووسط هذا الزخم العالمي للأحداث المتلاحقة جاءت زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، وبدأت زيارة بايدن إلى الكيان الصهيوني المغتصِب للأراضي الفلسطينية، ليفصح عن النوايا الأمريكية الخبيثة والتي لا تعترف بحقوق الشعوب العربية والاسلامية، كما أنها تؤيد الكيان المغتصب في أحلك الظروف العالمية.

وجاءت الزيارة بعد ما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بالأزمة العالمية في قطاع الطاقة والمواد البترولية، وذلك تأثرًا بالحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي لا بد أن نطلق على هذه الزيارة “زيارة المصالح”، وهذا ما تعامل معه الرؤساء العرب خاصة بعد بدايته الزيارة بإسرائيل.

والمتابع لتسلسل الأحداث ومسببات الزيارة يجد أنها مؤقتة بترقب أمريكي لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر 2022، وبالتالي نجد أن بايدن يحاول بث روح الثقة من جديد في نفوس الشعب الأمريكي؛ خاصة بعد صدور العديد من التقارير والاستفتاءات والنتائج التي تدل على تضاؤل شعبية بايدن وتزايد شعبية الجمهوريين؛ مما يمهِّد الطريق أمام فوزهم بالأغلبية بمجلس النواب والشيوخ الأمريكي، وبجانب هذا نجد أن التضخمَ المتزايد في الاقتصاد العالمي يلقي بظلاله على المهد العالمي.

وكان من المتوقع نجاح الزيارة الأمريكية للشرق الأوسط، إلا أن الاستقبال السعودي والإسرائيلي لا يرسم صورة علاقة جيدة، وهذه دلالة على أن السياسة الأمريكية أصبح غير مرحَّب بها في الشرق الأوسط؛ بالإضافة إلى الإنسحاب الفوضوي من أفغانستان الدولة الإسلامية، وتخاذلها تجاه إيران والتمدد الشيعي في المنطقة؛ علاوة على ذلك كله الوعود الأمريكية المتكررة في فلسطين بحلِّ الدولتين.

هذه السياسات الأمريكية كانت الدافع لبعض دول المنطقة بتغيير سياستها ونقل وجهتها إلى الصين وروسيا؛ لنجد النتيجة التي رسمت في استقبال جو بايدن، والقرارات التي خرجت بها القمة السعودية مما يشكِّل خسارة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية.

أهداف زيارة “بايدن” لـ”تل أبيب”:

أعلن نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات سبقت الزيارة، عن أهداف الزيارة التي يبدأها الرئيس جو بايدن إلى الشرق الأوسط، موضحًا أن الزيارة تهدف إلى التشاور مع شركاء: إسرائيليين، وفلسطينيين، وخليجيين، وإقليميين بشأن:

 1_ مجموعة من الأولويات.

2_ وكذلك تعميق العلاقات الأمريكية عبر المنطقة.

3_ الأمن الإقليمي.

 4_ دعم حل الدولتين.

5_ مواجهة التهديدات المشتركة، بما في ذلك تلك التي تشكلها إيران(1).

وهذه الأهداف المعلن عنها، وبالتالي سيكون هناك أهداف سرية لا يمكن العِلْم بها، ولكن بالنظر إلى المجمل فلا يمكن أن نرى أمامنا إلا مسرحية هزلية ومبتكرها هي الولايات المتحدة الأمريكية والتي لطالما تعد ولا تفي بوعودها تجاه الشرق الأوسط، وأنها لا توجد أمامها دولة صاحبة كيان غير الدولة المحتلة الإسرائيلية، وتنظر إلى الدول العربية على أنها محاظ أمريكية يستخدمونها كما يشاؤون.

نتائج الزيارة:

قد زار بالفعل الرئيس الأمريكي جو بايدن دولة إسرائيل المحتلة، وكان من أهم الأهداف المعلنة، والتي قد استهل بها الرئيس الأميركي هذه الزيارة: تأكيده على دعم بلاده وسعيها لتعزيز الأمن المشترك من خلال العمل على تعميق اندماج إسرائيل بالمنطقة، وتوسيع التعاون الاقتصادي بالشرق الأوسط عبر المزيد من العلاقات التي تضمن الاستقرار لكافة شعوب المنطقة.

كما أكَّد الرئيس الأمريكي على حرص بلاده على مواصلة المفاوضات مع الجانب الإيراني للحدِّ من أنشطتها النووية، قائلًا: “أعتقد أنه كان خطأ فادحًا بالنسبة للرئيس السابق الخروج من الاتفاق، إنهم قريبون من صنع سلاح نووي الآن أكثر مما كانوا عليه من قبل، إنهم مستمرون في الانخراط في الأنشطة. يمكننا أن نتحرك ضدهم ولا يزال لدينا اتفاق معهم للحد من برنامجهم النووي؛ ولذا ما زلت أعتقد أنه من المنطقي ان نستمر بالمفاوضات، والأمر متروك لإيران الآن”.

وفي اليوم الثاني لزيارة بايدن للمنطقة أشار مسؤولو البيت الأبيض إلى أن البلدين سيوقعان على اتفاق مشترك يتعهدان فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي(2).

القِبْلَة الثانية لـ “بايدن”:

بعد زيارة جو بايدن للكيان المحتل وتوجهه للضفة الغربية، كانت القبلة الثانية له إلى السعودية، وهذه الزيارة كان معدًّا لها مسبقًا حتى إن الصحف والمسئولين قد أعلنوا عن الأهداف وسط مناقاشات كثيرة، وكان من أهم الأهداف المعلن عنها الآتي:

1- تصحيح العلاقات بين الرياض وواشنطن.

2- دفع السعودية إلى ضخِّ المزيد من النفط لكبح الأسعار في السوق المضطرب، وتحجيم مصدِّر آخر للطاقة، وهو روسيا.

3- تقريب وجهات النظر حول تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل وبحث الملف الإيراني.

وهذه الأهداف ترسم لنا صورة واضحة عن عمق الخلاف بين البلدين؛ إلا أن غطرسة الأمريكي جو بادين تجاه الدول العربية لا تنازل عنها، وبالتالي لن يستطع المسئولون الأمريكان تحقيق أهدافهم؛ لأن الفجوة أعمق مما كان يعتقده الجانب الأمريكي، فالسياسة الأمريكية ارتكبت العديد من الأخطاء السياسية الفادحة على مستوى العالم؛ مما أثر ذلك بالسلب على دورها العالمي.

نتائج الزيارة الأمريكية للسعودية:

بعد قيام زيارة بايدن للسعودية لا يمكننا تقسيم الأهداف إلا إلى جزئين: جزء اقتصادي، وجزء سياسي، وبالتالي يسمح لنا أن نقول: إن الزيارة حققت جزءًا من الهدف الاقتصادي لها، وعلى الصعيد السياسي فنجد أنها أخفقت بشدة في تحقيق أهدافها، ويمكننا رؤية ذلك خلال المقارنة بين الرئيس الأسبق “ترامب” وزيارته للمملكة، وبين زيارة “بايدنا” الحالية؛ فنجد أن هناك فجوة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها.

وعلى الرغم من ذلك نجد من المكاسب التي حصدها الجانب الأمريكي أنه وقَّع مع الطرف السعودي نحو 18 اتفاقية للتعاون والشراكة في مجال الطاقة والأمن، والاستثمار والفضاء والاتصالات.

وبالرغم من هذه الاتفاقيات نجد أن الطرفين لم يتطرقا إلى مسألة صفقات السلاح بعد أن قالت مصادر أميركية سابقًا: إن إدارة بايدن تدرس استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، أو دعم صفقة سلاح بين إسرائيل والرياض.

علاوة على ذلك: وجدنا عجوز البيت الأبيض يصرِّح بأن الولايات المتحدة “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط حيث تلعب منذ عقود دورًا سياسيًّا وعسكريًّا محوريًّا، وأنّها لن تسمح بوجود فراغ تملؤه قوى أخرى، مثل: الصين، أو روسيا، أو إيران؛ مما يدل على أن العجوز الأمريكي أصابه الوهن، وأن الفراغ موجود بالفعل ولا يمكن أن يتجاهله أحدٌ؛ خاصة بعد الانسحاب الفاشل والمرير من أفغانستان، ولكن على ما يبدو: أن الغرور يملأ الفراغات الموجودة، وليست الصين أو روسيا التي بالفعل تلعب دورًا محوريًّا وفعليًّا بالشرق الأوسط حاليًا.

النفط السعودي قمة الأهداف الأمريكية:

لا يخفى على أحدٍ: أن أهم الأهداف الأمريكية في ظلِّ الظروف العالمية والحرب الموجودة بين روسيا وأوكرانيا، وأزمة الطاقة، هو: توفير مصدر طاقة لأوروبا بديلًا عن الغاز الروسي، وكذلك

معالجة ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية؛ إلا أن ابن سلمان أكَّد أن السعودية سبق وأن أعلنت عن زيادة القدرة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًّا بحلول 2027، ولكنه أضاف أنه: “لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية للزيادة” بعد ذلك.

وهذه ترسم خيبة أمل جديدة للأهداف الأمريكية، وتدفعنا للقول بأن زيارة العجوز الأمريكي خاسرة من كل النواحي، وأن السعودية تخطو نحو أهدافها، وتغرد خارج السرب الأمريكي.

تعليقات على الزيارة:

قال السيد زهرة في صحيفة أخبار الخليج البحرينية: “إن بايدن أتى إلى القمة حاملًا في جعبته مقترح إقامة تحالف عسكري وأمني بين الدول العربية وإسرائيل، وفكرة ما أسماه دمج إسرائيل في المنطقة”.

وأضاف الكاتب: “الموقف العربي في قمة جدة والرفض القاطع الحاسم المعلن لأفكار بايدن هذه كان أبلغ ردٍّ على موقفه”.

كما تقول صحيفة القدس العربي اللندنية في افتتاحيتها: “إن هناك عوامل عديدة أدَّت إلى هذه النتائج المتواضعة [للزيارة] أهمها بالتأكيد هو: التوتر الذي ساد العلاقات الأمريكية ـ السعودية منذ تقلد الرئيس الأمريكي لمنصبه”.

وترى الصحيفة: أن هذا التوتر “لا يمكن حصره فقط بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بل يتعلَّق أيضًا بمجمل سياسات الحزب الديمقراطي المناهضة لسياسات الجمهوريين، والرئيس السابق دونالد ترامب”.

وحول فكرة إنشاء حلف عسكري عربي على غرار الناتو، تؤكد الصحيفة: “أن قطار مشروع الناتو قد توقف في منتصف السكة، وأن ما كانت إسرائيل تأمله مِن تزعّمها للعالم العربي عسكريًّا، أمر غير قابل للتحقق… في الوقت الراهن، على الأقل”.

ويتساءل محمد الساعد في صحيفة عكاظ السعودية: “هل وصل بايدن للمنطقة متأخرًا عامًا ونصف العام؟ الإجابة على السؤل تقول: نعم، لقد وصل متأخرًا جدًّا، وكان بإمكانه ردم الهوة السحيقة ليس بينه وبين الرياض فقط، بل وبين القاهرة وأبو ظبي -أهم عواصم عربية فاعلة وقادرة على مساعدة أمريكا في أزمتها السياسية والاقتصادية الحالية-؛ لو أنه جاء بعد أسابيع من توليه السلطة بدلًا من ترك سواتر الدخان تفصل الرؤية وتعيق التواصل”.

وأضاف الكاتب: “كان يتوقَّع أن يفرد الجميع صدورهم احتفاءً بعودة القائد المظفَّر الجنرال بايدن إلى الشرق الأوسط، لكن النفوس لم تعد نفس النفوس، ولا الناس نفس الناس، ولا الأجواء نفس الأجواء”(3).

الخلاصة:

لا بد وأن يعلم العالمُ بأسره: أن القمة العربية موجودة مهما أصابها من وهن، ولكن لا يمكن التغافل عن دورها الحقيقي، والدور الأمريكي أصبح يتقلص أكثر من الماضي، وفي تراجع؛ خاصة بعد الفجوة التي تسبب فيها في أفغانستان، وكذلك مع بروز الدور الصيني والروسي؛ نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية ترقص على أطلال الماضي، وبالتالي السعودية والدول العربية تغرد خارج السرب؛ لأن الدور الأمريكي أصبح عديم الفائدة.

1_ روسيا اليوم

2_ CNBC

3_ BBC

البترواالشرق الأوسطالطاقةبايدنمحمد بن سلمان