إثر الانتخابات الرئاسية … ما الأقطاب المهيمنة على المشهد السياسي الفرنسي؟

إثر الانتخابات الرئاسية … ما الأقطاب المهيمنة على المشهد السياسي الفرنسي؟

أصبح إيمانويل ماكرون أول رئيس يفوز للمرة الثانية على التوالي برئاسة لفرنسا منذ عام 2002، عقب انتصاره على منافسته اليمينية مارين لوبان بهامش مريح نسبيًّا، بلغ 58.5٪ مقابل 41.5٪.

فوز ماكرون يجعل أبرز حلفاء فرنسا، وعلى الأخص في بروكسل، موطن الاتحاد الأوروبي، يتنفسون الصعداء، في حين كان ماكرون دائمًا هو المرشح الأوفر حظًّا للفوز بهذا السباق، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا بالنسبة للكثيرين سلَّط الضوء على الحاجة إلى الوحدة الغربية في مواجهة عدوان من طرف متحارب يسعى إلى تقويضها بين حلفاء الناتو والاتحاد الأوروبي؛ هذه الوحدة ستبقى بطريقة أو أخرى خلال الأزمة، لكن المسؤولين كانوا يخشون من أن فوز لوبان قد يهز العلاقات عبر الأطلسي.

فرنسا عضو في الناتو والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، لها مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي قوة نووية، ومع ذلك على الرغم من ترسيخها العميق في ركائز النظام الغربي هذه، فإن فرنسا تفضل أيضًا تاريخيًّا سياسة خارجية مستقلة، مما يعني أنها يمكن أن تعمل كوسيط بين النظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ودول مثل: إيران، والصين، وروسيا.

الجولة الأولى:

طوت الانتخابات الرئاسية الفرنسية دورتها الأولى بتأهل كل من الرئيس إيمانويل ماكرون أولًا بحصوله على 27.84 بالمائة من الأصوات، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حلَّت بالمركز الثاني بنيلها 23.15 بالمائة، وَفْق النتائج الرسمية النهائية(1).

حصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على 56,54% من الأصوات بعد فرز 90% من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وَفْق ما أظهرته بيانات التصويت الأولية على موقع وزارة الداخلية الفرنسية يوم الأحد(2).

بطاقات تعريفية:

إيمانويل ماكرون:

حزب الجمهورية إلى الأمام/ وسط.

وصل ماكرون إلى السلطة كشخصية غير معروفة، حيث كان وزير اقتصاد سابق يتمتع بشخصية كاريزمية، ولم يسبق له أن ترشح لمنصب بالانتخاب من قبل، وقد عرض رؤية أكثر وسطية لفرنسا.

لقد نحى ماكرون بصفته تلميذًا للرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند بخلفية في الخدمات المصرفية الاستثمارية، جانبًا الولاءات السياسية القديمة، وهذا بالنسبة للكثيرين هو ما ميزه عن الطبقة الحاكمة، على الرغم من أنه يتقاسم معها خلفية النخبة السياسية في فرنسا.

ويعيش الاشتراكيون والجمهوريون الذين حكموا فرنسا لفترة طويلة جدًّا حالة يُرثى لها الآن.

الغزو الروسي لأوكرانيا يزيد من فرص فوز ماكرون بالانتخابات:

لقد بدا صعوده إلى السلطة هينًا، لكنه كان عليه أن يبحر في المياه السياسية المتقلبة من أجل تمرير إصلاحاته المثيرة للجدل التي وعد بها الناخبين.

مارين لوبان:

حزب التجمع الوطني/ أقصى اليمين.

تعد هذه ثالث محاولة من مارين لوبان للوصول إلى السلطة.

لقد جعلت هذه الانتخابات خيارًا حول مستقبل المجتمع والحضارة في بلادها، ووعدت بـ “إعادة السيادة الفرنسية”.

كان اسم عائلتها مرادفًا لتيار أقصى اليمين في فرنسا طوال عقود، ولكن عندما تولت في عام 2011 منصب زعيمة أقصى اليمين من والدها جان، ماري لوبان انطلقت في إصلاح حزبه القديم الجبهة الوطنية وجعلته حزبها.

وأصبحت مارين لوبان اللاعبة السياسية في فرنسا منذ سنوات، عضوة في البرلمان الأوروبي قبل أن تتحرك لتحقيق طموحاتها الرئاسية، وبعد أن هُزمت من جانب إيمانويل ماكرون في جولة الإعادة من انتخابات 2017، أعادت تسمية حزبها باسم: “حزب التجمع الوطني”.

ولم يعد بوسعها أن تدعي احتكارها لأصوات اليمين المتشدد، لكن في هذه الانتخابات هذا جعلها تبدو أكثر اعتدالًا، فقد جذب منافسها الأكثر تشددًا إريك زمور المنشقين عن معسكرها، ومن بينهم ابنة شقيقها، وبينما جعلها تبدو أقل تطرفًا فيما يتعلق بالإسلام والهجرة، فإنها الآن مرشحة لأن تكسب الحصة التي حصدها من الأصوات والبالغة 7 في المائة.

لقد صاغت رسالة متماسكة مناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي، ووصف إيمانويل ماكرون سياساتها بأنها عنصرية.

وكانت لوبان قد أعربت في السابق عن إعجابها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واعتمدت على قرض من بنك روسي لتمويل حملتها الرئاسية في 2017، وهي تدين الآن الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما تحذر من خطر العقوبات على الاقتصاد الفرنسي(3).

ثلاث كتل سياسية:

يقول عالم السياسة “غاييل بروستييه” في مقال افتتاحي في “سلايت”: إن “الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية تؤكِّد انقسام الناخبين إلى ثلاث فئات مع تشكل ثلاثة أقطاب متوازية تقريبًا بحجمها النسبي”، متحدثًا عن “ركائز المشهد السياسي الفرنسي الجديد”.

ويكشف برنار بوانيان، رئيس بلدية كامبير (الغرب) سابقًا الذي انتقل من الاشتراكية إلى الماكرونية في مقابلة مع صحيفة “أويست فرانس” أن “المشهد السياسي الفرنسي بات يتمحور حول ثلاث قوى سياسية، مع كتلة أولى تجمع بين الوسط اليساري والوسط اليميني يجسّدها ماكرون ويسار راديكالي (بزعامة ميلانشون)، ويمين متطرّف (بقيادة مارين لوبن).

وهو رأي يتشاركه أيضًا عالم الاجتماع إروان لوكور الذي تكلَّم عن “ميدان سياسي ثلاثي الأقطاب” عبر أثير “فرانسانفو”(4).

اختزال المشهد ليس دقيق:

غير أن اختزال المشهد السياسي الفرنسي بثلاث كتل مختلفة من الناحية السوسيولوجية ليس دقيقًا.

ويدحض عالم السياسة جيروم سانت – ماري من “بولينغفوكس” فكرة “الكتل الثلاث من اليسار والوسط واليمين”، ويرى بالأحرى مواجهة بين “كتلة نخبوية” من الفئات الميسورة المحتشدة وراء ماكرون و”كتلة شعبوية” مزدوجة.

ويقول: إن معادلات التصويت السوسيولوجية لا تزال قائمة، لا بل إنها اشتدّت، وقد اتَّحدت الفئات العليا حول ماكرون في سياق ما أسميه: الكتلة النخبوية المؤلّفة من الكوادر والمتقاعدين.

وفي المقابل: “تتجلَّى الكتلة الشعبوية بصورتين، وهي أكثر تنوّعًا مع فئات شعبية من القطاع الخاص مناصرة للوبان، في حين يحشد جان – لوك ميلانشون حوله موظفي القطاع العام والفئات المتحدّرة من الهجرة”(5).

اعتبارات للمشهد الانتخابي:

كانت علاقات لوبان السابقة مع روسيا، والنظرة غير المتحمسة لحلف الناتو والنظرة العدائية للاتحاد الأوروبي، تعني أن فوزها كان سيثير قلقًا في جميع أنحاء العالم.

لكن بعيدًا عن فوز ماكرون في عام 2017، حيث هزم لوبان بشكل مريح بنسبة 66٪ من الأصوات، أصبح هذا الهامش الآن أصغر بكثير.

على الرغم من أن هزيمة اليمين المتطرف للمرة الثانية هي انتصار كبير لماكرون، فإن حلفاء فرنسا سيكونون متيقظين جدًّا لحقيقة أن ما يقرب من 42٪ من الناخبين الفرنسيين يدعمون شخصًا يقف ضد الكثير مما يؤيدونه.

بالنسبة للناتو كان الغزو الروسي لأوكرانيا أول اختبار حقيقي لوحدة الحلف منذ سنوات، في حين أثارت بعض القرارات التي اتخذها ماكرون الدهشة خلال الأزمة، كان الناتو إلى حد كبير على الصفحة نفسها.

استنادًا إلى علاقة لوبان السابقة ببوتين وازدرائها لحلف شمال الأطلسي، اعتقد القليلون أن هذا لن يخلق مشكلة ليس فقط في الناتو، ولكن أيضًا في مجلس الأمن الدولي.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه على الرغم من أن بوتين ربما لم يحصل على مرشحه المفضل في الإليزيه؛ إلا أن لوبان ستظل شخصية مؤثرة في فرنسا تتمتع بقدرٍ كبيرٍ من الدعم.

عندما يتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي، لم يخجل ماكرون من رغبته في أن تصبح أوروبا أقوى وأكثر اتحادًّا فيما يتعلق بالأمن والسياسة الخارجية.

تثير رؤيته للوحدة الأوروبية في بعض الأحيان غضب العديد من نظرائه، الذين يعتقدون أنه يحاول فرض رؤية فرنسية لأوروبا، على الرغم من أن التزامه بالمشروع لا يمكن التشكيك فيه.

من ناحية أخرى: تعتبر لوبان أكثر خطورة من أي شخص يريد أن تترك فرنسا الاتحاد الأوروبي: ستكون قادرة على قيادة مجموعة المشككين في أوروبا الذين يريدون السيطرة على الكتلة من الداخل؛ هناك عدد كبير من هؤلاء الأشخاص ممثلين بالفعل في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

في البرلمان يتم تمثيل الأحزاب اليمينية المتطرفة، في عدد من البلدان تزداد الأمور فوضوية عندما يتعلق الأمر بالقيادة الوطنية لأوروبا.

هناك دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأبرزها: المجر وبولندا، يقودها أشخاص تعتبر رؤيتهم للاتحاد الأوروبي قريبة جدًّا من وجهة نظر لوبان.

تم التأكيد على هذا العام الماضي عندما انضمت إلى العديد من قادة اليمين الآخرين، بما في ذلك القادة الوطنيون في رسالة مفتوحة تعارض العديد من الأفكار التقدمية التي تم اقتراحها على مدى العقود الماضية من قِبَل بروكسل.

لذلك بينما سارع العديد من قادة أوروبا إلى تهنئة ماكرون، فإنهم سيدركون تمامًا أن هذه المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي والغرب لا تزال حية في فرنسا.

بالنسبة للغرب التقليدي، تعتبر فترة ولاية ماكرون الثانية لحظة ارتياح كبير، ولكنها أيضًا لحظة تحذير، إذا استمر اليمين المتطرف في تحقيق مكاسب، فقد تكون هناك نتيجة مختلفة تمامًا بعد 5 سنوات من الآن(8).

الخلاصة:

نبذ سياسة مارين لوبان كان أحد الأسباب الرئيسية لفوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الذي فقد الكثير من شعبيته في الآونة الأخيرة؛ بالإضافة إلى أن كل المرشحين الخارجين من السباق الرئاسي دعوا إلى عدم انتخاب مرشحة اليمين مارين لوبن، والتي تقدَّمت للمرة الثانية في الجولة الرئاسية، متفوقة على باقي المرشحين من اليسار واليمين.

كما  أن هذا الفوز سيعقبه العديد من الملفات الشائكة التي سيضطر الرئيس المنتخب للتعامل معها في فترته الرئاسية القادمة.

1_ فرانس 24

2_ روسيا اليوم

3_بي بي سي

4_ يورو نيوز

5_ العين

6_ تي آر تي عربي

7_سكاي نيوز

8_ سي إن إن