38 شركة في طرابلس وبني غازي.. كيف ساهمت مشروعات إعادة الإعمار في توطيد علاقة مصر بالليبيين؟
تقاسم الحدود المشتركة بين مصر وليبيا، وكون الأراضي الليبية تُمثِّل الظهير الحدودي الغربي إلى مصر؛ ضاعف من ضرورة استقرار وهدوء الأوضاع السياسية والاقتصادية الاجتماعية داخل ليبيا، لما له من دور أساسي في استتباب الأمن القومي المصري، وهو ما يُفسِّر جهود القاهرة على كافة المستويات للتضامن مع الأشقاء الليبيين سواء مع حكومة طبرق شرق ليبيا والتي تتخذ شرعيتها من البرلمان الليبي، أو حتى حكومة طرابلس بزعامة الدبيبة المنتهية ولايتها، والتي تحظى بدعم دولي من الغرب، وحتى مع كثير من العشائر والقبائل الليبية.
ولعل أحد نجاحات مصر في دعم استقرار ليبيا وبناء علاقات إيجابية مع الليبيين، تكمن في عقد عشرات الاتفاقيات مع المسئولين الليبيين شرق وغرب ليبيا من أجل تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار بالشركات والأيدي العاملة وحتى المواد الخام المصرية، وهو ما يضمن لمصر روابط سياسية واقتصادية وتجارية كبيرة مع ليبيا، بجانب تقارب شعبي أقوى بين البلدين في ظل مساهمة ملايين العمالة المصرية في مشروعات إعادة الإعمار؛ ولذا في هذا التقرير سوف نوضح تفاصيل اتفاقيات البناء وإعادة الإعمار التي أبرمتها مصر عبر عشرات الشركات الحكومية والخاصة مع المؤسسات الليبية، وتقترب تكلفة إعادة إعمار ليبيا من 570 مليار دولار، ويبلغ حجم اقتصاد ليبيا 51 مليار دولار، وتعد ليبيا خامس أكبر احتياطي نفطي في المنطقة العربية.
جهود مصر:
تنوعت جهود مصر لحل أزمة ليبيا، بدايةً من رفض القاهرة مذكرة التفاهم الموقعة في تركيا بين فايز السراج وأردوغان، وتحديد الخط الأحمر المصري -سرت / الجفرة- للميليشيات المسلحة داخل ليبيا، وتدخل القاهرة عسكريًّا لمنع توغل الميليشيات والمرتزقة الأجنبية نحو شرق ليبيا، وانخراط مصر في مسارات خفض التصعيد بين الأطراف الليبية، واستقبال العديد من الوفود السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، وتنظيم عدة مؤتمرات لدعم سيادة ليبيا على أراضيها وإنهاء الخلاف، كما عقدت مصر مع ليبيا 51 اتفاقية ومذكرة تفاهم صناعية وزراعية واستخدام عمالة وتجارة وخدمات بـ 19 مليار دولار، كما استثنت مصر ليبيا من حظر تصدير المواد الغذائية إلى الخارج، وأرسلت إلى ليبيا آلاف الأطنان من الأرز وزيوت الطعام والخضراوات والفواكه، كما اتفقت مصر مع الليبيين على تصدير الأدوية إليها وتجهيز مستشفياتها ضمن خطة إعادة الإعمار، ووقعت مصر مع حكومة أسامة حماد الشرعية في بني غازي والمدعومة من البرلمان الليبي عدة اتفاقيات لإعادة الإعمار شرق ليبيا، كما أقامت الحكومة المصرية أيضًا اتفاقيات لإعادة الإعمار مع حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها في طرابلس.
وتشارك في إعمار ليبيا 38 شركة مصرية، أبرزهم: السويدي إليكتريك، وأوراسكوم، وحسن علام، والهيئة العربية للتصنيع، وإنفنيتي، والمقاولون العرب، وبتروجيت، وشركات العرجاني، ووادي النيل ونيوم، وغيرها، وتشمل المشروعات قطاعات: الطاقة، والكهرباء، والنفط، ومجالات البنية التحتية، والصحة والتعليم، والإسكان، والإدارة والخدمة والعامة، والطرق، والجسور، وتحلية المياه، والنقل البري، وصيانة وتطوير المنافذ بين مصر وليبيا، والنقل البحري ومكافحة التهريب، ومشروعات صناعية وتجارية وعقارية ضخمة.
وأعلن اتحاد الصناعات المصرية دعم نشاط العمالة المصرية الفنية الماهرة في إطار إعادة إعمار ليبيا، وسافر إلى ليبيا وفد مصري من اتحاد الصناعات يضم 38 شركة إلى مدينتي: طرابلس وبني غازي، والتقوا وزير الاقتصاد والغرف التجارية والصناعية، وبعض المستوردين والشركات المسئولة عن إعادة إعمار ليبيا، وبحسب اتحاد الصناعات فإن إعمار ليبيا ستوفر فرص عمل لنحو 3 ملايين مصري خلال 3 سنوات، وآلاف الأطنان من مواد البناء المصرية؛ مثل: حديد التسليح والإسمنت والطوب.
والتقى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية الشرعية في بني غازي أغسطس الماضي، برفقة بلقاسم حفتر مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وحاتم العريبي رئيس لجنة الإعمار والاستقرار ومدير جهاز الإمداد الطبي والخدمات العلاجية بالحكومة الليبية، وذلك بعد ما عقدت حكومة مدبولي عشرات الاتفاقيات مع الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة – لدكو- التي يمتلكها الدبيبة وأسرته من أجل إعادة الإعمار.
طرابلس وبني غازي:
حافظت مصر على علاقات جيدة مع حكومة طرابلس غرب ليبيا، وآخرها حكومة عبد الحميد الدبيبة الحالية رغم انتهاء ولايتها، واستضافت القاهرة عبد الحميد الدبيبة عقب اختياره على رأس السلطة السياسية في طرابلس وتعاونت معه اقتصاديًا في عدد من المشروعات التي تستهدف بالأساس إعادة إعمار ليبيا، وكان أخرها زيارة وفد مصري مكون من 43 رجل أعمال ومستثمر مصري إلى ليبيا أكتوبر الماضي، وتم فيها توقيع العديد من الاتفاقيات الاستثمارية وبروتوكولات التعاون الاقتصادي مع اتحاد الغرف التجارية في طرابلس، وبحسب محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ورئيس لجنة التعاون العربي، اتفقت شركتان مصريتان على إنشاء مصنعين في ليبيا، الأول لتصنيع الثلج طويل الأمد والثاني للمسابك المعدنية، كما وضعت شركات إبراهيم العرجاني العرجاني رجل الأعمال المصري أقدامها غرب ليبيا 5 أغسطس 2023 من أجل المشاركة في أعمال إعادة الإعمار، وأقام العرجاني شراكة مع رجل الأعمال الليبي إبراهيم الدبيبة، وبلغت قيمة التعاقدات بين إبراهيم الدبيبة والشركات المصرية بما فيها شركات إبراهيم العرجاني ووادي النيل ونيوم قرابة 4 مليار دولار.
وزار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حكومة الدبيبة في يناير 2022 وعقد معها 11 اتفاقًا للتعاون في مجالات البنية التحتية والصحة والكهرباء، والعمالة المصرية والنقل والمواصلات، ووقع الدبيبة عقود مع ائتلاف شركات مصرية لتنفيذ مشروعي صيانة وتوسعة طريقي أوباري غات – غرب، وأجدابيا جالو -شرق، وأقام عبد الحميد الدبيبة مع شركات مصرية اتفاقيات لاستكمال مشروع الطريق الدائري الثالث بطرابلس، ومشروعات الكهرباء والصرف الصحي والطرق في جنوب وغرب وشرق البلاد، وتولى المشروعات الأخيرة عدة شركات مصرية منها أوراسكوم للمقاولات وأبناء حسن علام ورواد الهندسة، كما ساهمت شركة قاصد خير للمقاولات والاستثمار العقاري بمشروعات في طرابلس بعد اتفاقيات مع حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وفي بني غازي كان نشاط الشركات المصرية من أجل إعادة الأعمار أكثر وأكبر انتشارًا من طرابلس، حيث وقعت عشرات الشركات المصرية كثير من الاتفاقيات من أجل إعادة الإعمار شرق ليبيا في بني غازي، ونفذت عدة مشروعات بالفعل بأيادٍ وآلات ومواد خام مصرية، حيث أبرمت شركات العرجاني ونيوم ووادي النيل المصرية في يناير ويوليو 2024، العديد من اتفاقيات لمشروعات إعادة الإعمار مع حكومة خليفة حفتر، مع هيئة إعادة إعمار ليبيا برئاسة بلقاسم خليفة حفتر وحكومة أسامة حماد ولجنة إعادة الإعمار والاستقرار وصندوق إعادة إعمار درنة، عقود لتنفيذ مشاريع إنشاء 11 جسر جديد في درنة وبني غازي وأجدابيا والجبل الأخضر والبيضاء، ووقع بلقاسم حفتر مع رئيس شركة المقاولون العرب عدد من العقود لتنفيذ مشروعات في البنية التحتية والطرق والإنشاءات في عدة مدن ليبية منها درنة وطبرق، كما تقوم شركة قاصد خير برصف الطرق الدولية في طبرق ومساعد، وتورد شركة قاصد خير الآلات والإنشاءات المدنية والأعمال البحرية والخدمات الصناعية إلى ليبيا، وتقود شركات السويدي إليكتريك وأوراسكوم وحسن علام، والهيئة العربية للتصنيع، وغيرها، مشروعات أخرى في البنية التحتية والكهرباء والنقل والاتصالات وغيرها.
كما قامت شركات مصرية بعدد من مشروعات إعادة الإعمار في درنة وبني غازي والبيضاء والمرج وسوسة بعد أضرار سيول وفيضانات عاصفة دانيال، وبحسب بلقاسم حفتر فإن 12 شركة مصرية عملت ولا زالت في عمليات إعمار درنة، وتحديدًا في بناء الطرق، والصرف الصحي، وشبكات الإنارة.
إحصاءات رسمية:
بلغ حجم مشروعات شركات البناء المصرية في ليبيا حوالي 15 مليار دولار، وفق تقديرات إحصاء مشروعات إعادة الإعمار، ووفق الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء، تجاوز إجمالي عدد العاملين المصريين في ليبيا عام 2011 مليوني عامل، وساهمت مشروعات إعادة الإعمار المصرية في ليبيا بعودة آلاف العمال ليصل عدد العمال المصريين في ليبيا اليوم إلى قرابة مليون عامل، ووفق تصريحات مكررة لمسئولين غرب وشرق ليبيا، فإن المساعي الليبية المصرية تهدف إلى إرسال أكثر من مليوني عامل مصري إلى ليبيا، وبحسب المجلس التصديري لمواد البناء في مصر، فإن اتفاقيات إعادة الإعمار مع ليبيا أدت إلى قفزة هائلة في صادرات مواد البناء إلى السوق الليبية، وتحديدًا منتجات الحديد والإسمنت والرخام وكافَّة المواد الخام المرتبطة بمشروعات البناء والتشييد، كما تصدرت السوق الليبية قائمة الدول المستوردة لمنتجات الإسمنت المصرية، كما ارتفعت صادرات مصر من الرخام والجرانيت والأدوات الصحية إلى ليبيا.
علاقات وطيدة:
نجحت الخطوات المصرية على جميع المستويات خاصةً السياسي والإنساني منها في دعم علاقة مصر بالأشقاء في ليبيا، وكما ساهمت دبلوماسية الحكومة المصرية وسياستها في الدفاع عن سيادة الأراضي الليبية وعقد المؤتمرات الإقليمية والدولية من أجل دعم استقرار ليبيا، فإن مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا عبر عشرات الشركات المصرية كان لها دور كبير في توطيد علاقة القاهرة بكلٍّ من: طرابلس وبني غازي، ورغم بعض التوتر العابر بين مصر وحكومة طرابلس والذي يُعد مُتوقع ومقبول بسبب استقبال القاهرة لأسامة حماَّد رئيس وزراء الحكومة المكلفة من البرلمان في بني غازي، وهنا جاء دور المشروعات الضخمة التي تنفذها الشركات المصرية في طرابلس مع شركات تمتلكها عائلة الدبيبة نفسه، وفي بني غازي ساعد الدعم المصري للبرلمان الليبي وقوات الجيش والحكومة الشرعية في طبرق على تصاعد العلاقة بين القاهرة وبني غازي بشكل كبير، وساهمت مشروع إعادة الإعمار الضخمة التي تتولى مصر تنفيذها شرق ليبيا في توطيد هذه العلاقة بشكل أكبر، وظهر ذلك في لقاءات الرئيس السيسي وقادة الجيش والمخابرات المصرية المتكررة مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ومسئولي شرق ليبيا حتى وصلت العلاقات فيما بين الجانبين إلى مرحلة الشراكة والتنسيق فيما يخص مستقبل الأوضاع الليبية.
الخلاصة:
منذ انهيار الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، كان هدف مصر الرئيسي هو عودة الاستقرار داخل ليبيا وبسط الليبيين نفوذهم وسيادتهم على أراضيهم، وخروج كافَّة القوى الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، حيث إن استقرار ليبيا يصب في صالح الأمن القومي المصري، وبالفعل دعمت مصر شقيقتها ليبيا على كافة الأصعدة إقليميًّا ودوليًّا بجميع أدواتها السياسية والدبلوماسية؛ إلا أن التعاون الاقتصادي والمتمثل بالأساس في اتفاقيات ومشروعات إعادة الإعمار ضاعف بشكل كبير العلاقات بين القاهرة، وكلٍّ من الحكومتين الليبيتين في طرابلس وبني غازي.
وبحسب محمد الحويج وزير الاقتصاد والتجارة الليبي، وصلت اتفاقيات إعادة الإعمار إلى 51 اتفاقية ومذكرة تفاهم، في مجالات الصناعة والزراعة والعمالة والتجارة والخدمات، والبنية التحتية، وغيرها، وهو ما يوضح متانة العلاقات بين البلدين، ويشير إلى جهود مصر من أجل إرساء الهدوء والاستقرار، وسيادة الليبيين على أراضيهم.
المصادر:
الجزيرة- 3 ملايين عامل مصري يشاركون في إعادة إعمار ليبيا- 14 يوليو 2021.
سكاي نيوز- إعمار ليبيا.. مساع مصرية لمحو آثار الصراع والدمار- 5 أبريل 2024.
الشروق- مصر ترسل قائمة تضم نحو 50 شركة إلى صندوق إعمار ليبيا للمشاركة في إعادة الإعمار- 2 نوفمبر 2024.
روسيا اليوم- صندوق “إعادة إعمار ليبيا” يوقع عقودًا مع شركة مصرية لإنشاء مشاريع جديدة في عدة مدن ليبية- 17 أغسطس 2024.
العربية- صندوق “إعادة إعمار ليبيا” يوقع عقود تنفيذ مشروعات مع “نيوم” المصرية- 7 يوليو 2024.
Independent عربية- 11 اتفاقًا بين القاهرة وطرابلس على طريق إعادة إعمار ليبيا- 22 إبريل 2022.
عربي بوست- حصل على المشروعات بالأمر المباشر.. “عربي بوست” يتتبع استثمارات العرجاني في ليبيا بين حفتر والدبيبة- 13 يوليو 2024.
اليوم السابع- صندوق إعمار ليبيا يوقع عقود إنشاء 11 كوبري في درنة وبني غازي وأجدابيا مع شركات مصرية- 22 يناير 2024.
الهيئة العربية للتصنيع- العربية للتصنيع تشارك في أول معرض مصري لإعادة إعمار ليبيا الأسبوع المقبل.
عين ليبيا- خطة مصرية لإعادة الإعمار في ليبيا- 25 مايو 2021.
روسيا اليوم- بمليارات الدولارات.. 4 شركات مصرية كبرى تشارك في إعادة إعمار ليبيا- 11 يوليو 2024.