قراءة حول السياسة المصرية الخارجية في ظل إقليم مضطرب.. السودان وغزة أنموذجًا
في ظل الأزمات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وتداعياتها التي طالت جميع دول المنطقة، بل وحتى دول العالم اقتصاديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا؛ برز الدور المصري الخارجي عقب ثورة الـ30 من يونيو 2013م، وما أحدثته من استقرار أمني وسياسي للدولة المصرية، في الملفات والقضايا الإقليمية؛ إذ سعت الدولة المصرية للبحث عن حلول بناءه لوقف موجات العنف الطائفي والقومي والمذهبي المسلح والمنتشرة في منطقة الشرق والأوسط والعالم العربي.
فمن سوريا إلى ليبيَا ولبنان مرورًا بالسودان ومنطقة القرن الإفريقي، تعمل السياسة المصرية الخارجية الساعية لإيجاد حل سلمي للصراعات الإقليمية، انطلاقًا من القانون الدَّوْليّ والإنساني، وفي ظل تمسك أطراف الصراع في السودان بالحسم العسكري كحل وحيد للأزمة السودانية، إلى جانب ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة ضد سكان قطاع غزة العزل؛ تواجه السياسة المصرية الخارجية تحديات بالغة الصعوبة، فمن جهة تعنت أطراف الصراع، ومن جهة أخرى محاولات لدول عدة التدخل سلبًا في الصراعات الإقليمية.
فكيف يمكن قراءة التداعيات الاقتصادية والأمنية للصراعات الإقليمية على الدولة المصرية؟ وكيف أدت الدولة المصرية دورًا محوريًّا في العديد من قضايا وأزمات الإقليم خلال السنوات الأخيرة؟ وكيف تتعامل الدولة المصرية مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ظل التعنت الإسرائيلي إزاء الحل السلمي؟ وكيف يمكن قراءة الموقف المصري إزاء الأزمة السودانية في ظل تعقد الصراع ما بين الجانبين؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوء على السياسية المصرية الخارجية في ظل الصراعات الإقليمية وتداعياتها الاقتصادية والأمنية على الدولة المصرية والمساعي المصرية للتوصل إلى حل إزاء قضايا المنطقة خاصة في السودان وغزة، في هذه السطور الآتية:
تداعيات الصراعات الإقليمية على الدولة المصرية:
تأثرت الدولة المصرية بالنزاعات والعنف المسلح المنتشر في الإقليم؛ فعلى الجانب الاقتصادي، تسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بتداعيات طالت معظم قطاعات الاقتصاد المصري، والتي من أهمها: السياحة والتحويلات المالية وعائدات قناة السويس والديون الخارجية وتدفقات رأس المال، ويأتي هذا في وقت كان من المتوقع فيه بالفعل أن يتباطأ النشاط الاقتصادي في عددًا من دول المنطقة من 5,6% في عام 2022م إلى 2% في عام 2023م نتيجة للأحداث العالمية الأخيرة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصراع التجاري بين القِوَى الصناعية إلى جانب تداعيات فيروس كورونا؛ فجميعها عوامل قد أثرت على الإصلاح الاقتصادي والتنمية في مصر. (مجموعة كاندل للدراسات والأبحاث).
ولا يزال مدى تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، محط أنظار من المراقبين، في ظل المخاوف الدولية من اتساع رقعة الصراع إلى لبنان واليمن، وسيعتمد نطاق التأثير على مدة الصراع وشدته وانتشاره، فحدوث صراع واسع النطاق سيشكل تحديًّا اقتصاديًّا وأمنيًّا جسيمًا أمام المنطقة، وتحديدًا الدولة المصرية؛ نظرًا للدور الهام لقناة السويس المصرية في الاقتصاد العالمي.
ويتوقف احتواء الصراع على نجاح الجهود الدولية في منع امتداد التصعيد إلى المنطقة ككل، غير أن التعنت الإسرائيلي يعرقل كل طرق التوصل إلى حل ممكن؛ هذا إلى جانب التداعيات الأمينة لصراعات المنطقة على الدولة المصرية، في ظل التدفق المستمر للنازحين من مناطق الصراع إلى الدولة المصرية التي وجُد فيها البعض الملاذ الأمن.
ونتيجة لذلك فقد تحركت السياسية المصرية الخارجية منذ انطلاق دوامة العنف في المنطقة، للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، للحد من تداعياتها السلبية والضغط من أجل التوصل لاتفاقات تنهي الصراعات في المنطقة؛ ونجحت الدولة المصرية في عدة ملفات إقليمية؛ إلا أن اصطفاف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جانب إسرائيل في صراعها الدائر في قطاع غزة، قد أطال أمد الصراع وأثر سلبًا على المنطقة.
أبعاد الدور المصري الإقليمي في الحد من أزمات المنطقة:
على مدار العقود الأخيرة، تمارس الدولة المصرية دورًا محوريًّا في حل قضايا وأزمات المنطقة؛ إذ إن مصر قد نجحت من قبل في وقف أربعة حروب في قطاع غزة خلال الأعوام 2009م، 2012م، 2014م، 2021م، فضلًا عن الدور المصري الهام في التوصل لوقف إطلاق النار الشامل في ليبيَا في أكتوبر 2020م.
إلى جانب مشاركة مصر في عملية سلام جوبا في جَنُوب السودان، وإحلال السلام بين السودان وجنوبه قبل الانفصال، وانخرطت الدولة المصرية في السلام في جوبا منذ عام 2013م مع بداية الصراع؛ ولديها رصيد من العلاقات التاريخية في إطار شرق المتوسط لا سيما مع اليونان وقبرص، فضلًا عن الانخراط المصري في جهود تسوية الأزمة السياسية اللبنانية. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).
ونظرًا لأهمية ومحورية الدور المصري إزاء قضايا المنطقة؛ فإن الاتحاد الأوروبي قد عمل مع الدولة المصرية على حلحلة العديد من قضايا وأزمات المنطقة المختلفة، والتي طالت تداعياتها الاتحاد الأوروبي، ومن أبرزها: الأزمة الليبية، وخلافات شرق المتوسط خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى إدراك الساسة الأوروبيين أهمية ومحورية الدور المصري في قضايا المنطقة، إذ بحكم الموقع الجيوسياسي والموارد الطبيعية والبشرية والإرث الحضاري والثقافي، إلى جانب التحرك انطلاقًا من أسس قانونية تضمن سيادة الدول ووحدة أراضيها، رأت العديد من الأطراف في الدولة المصرية طرفًا إيجابيًّا لحل الخلافات المعقدة في المنطقة.
فالمراقب للمشهد يلاحظ أن الدولة المصرية لم تنخرط عسكريًّا في أي من الصراعات الإقليمية، على الرغم من تداعيات تلك الصراعات على الدولة المصرية، ورغم امتلاك مصر واحدة من أكبر القِوَى العسكرية في الإقليم بمعايير التصنيف الدَّوْليّ. وفي المقابل: هناك قِوَى إقليمية تعمدت مبدأ (عسكرة) السياسة الخارجية، وتأجيج الصراعات والعنف المسلح، وحولت الإقليم إلى حِلْبَة صراع شامل.
وهنا تأتي حسابات مصر في إطار القدرة على الإرغام باستثمار القوة العسكرية كأداة للردع الاستراتيجي، وهو ما ظهر في حالة ليبيَا على سبيل المثال، لتحييد القِوَى الخارجية بالمفهوم العسكري، أي احتواء الدور العسكري للقوى المعرقلة للسلام، بالتزامن العمل على إطلاق حُوَار سلمي بناء لوقف دوامة العنف.
أما على مستوى أزمات قطاع غزة، فتتنوع أدوات الدبلوماسية المصرية في إدارة الصراع في القطاع؛ إذ تتحرك السياسة المصرية في إطار التطابق التام مع المطالب الفلسطينية والتي تتماشي مع القانون الدَّوْليّ، فضلًا عن الرغبة الإسرائيلية في عدم افتعال أي أزمات مع الجانب المصري. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).
إضافة إلى أن السياسة المصرية اتجاه موجات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الساعية إلى التهدئة، قد شكلت عامل استقطاب لباقي الأطراف الدولية، كما لوحظ في تطور العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونظرة الأخيرة لتميز الدور المصري، كذلك استجابة الأطراف الإقليمية للنمط نفسه.
ما أضعف الموقف الإسرائيلي التصعيدي على الصعيد الدَّوْليّ في معظم جولات المواجهة العسكرية ما بين الكيان المحتل وقطاع غزة، وأرغم حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالقبول بالمبادرات المصرية لوقف حروب غزة خلال العقد والنصف المنصرم.
الأزمة السودانية والدور المصري:
تجمع مصر والسودان علاقات تاريخية ممتدة على مدار قرون عدة، فاستقرار السودان يُعد أمن قومي بالنسبة إلى الدولة المصرية؛ ومع تفاقم الوضع في السودان، واشتداد وتيرة الحرب بين الأطراف المتنازعة المتمثلة في الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان”، وقوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، فضلًا عن خرق الهدن أكثر من مرة بين الطرفين منذ بداية الأزمة في منتصف أبريل 2023م، كما ازدادت الأزمة تعقيدًا بعد دخول أطراف إقليمية ودولية فاعلة على خط الصراع في محاولة منهم لأداء أدوار بارزة لإنهاء الصراع.
عملت الدولة المصرية على البحث عن حلول عملية للأزمة السودانية، التي طالت تداعياتها الاقتصادية والأمنية الدولة المصرية، في ظل زيادة حالات نزوح المواطنين السودانيين باتجاه أراضي الدولة المصرية، والتي بدأت مع تدهور الأوضاع أكثر في المدن السودانية.
ونتيجة لما يجمع مصر والسودان من تاريخ وعلاقات ممتدة، فقد أصبح الموقف المصري حرجًا للغاية؛ فعلى الرغم من العلاقات الوطيدة بين مصر ومجلس السيادة الانتقالي بالسودان بقيادة “البرهان”، فإن مصر لم تتدخل تدخلًا مباشرًا بالقوة العسكرية في الأزمة.
وهذا ما أشار إليه الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” مع بداية الأزمة واحتجاز الجنود المصريين من قبل قوات الدعم السريع، إذ أوضح أن مصر تُعد ما يحدث في السودان شأنًا داخليًّا، داعيًّا الأطراف إلى التفاوض لإنهاء الصراع. (الهيئة العامة للاستعلامات).
ويمكن تفسير الموقف المصري بأن القاهرة ترغب في لعب دور سياسي بنَّاء وإيجابي في حل سلمي يتم عبر طاولة المفاوضات، دون الانخراط العسكري في الصراع؛ وذلك على الرغم من محاولات بعض الأطراف جر الجانب المصري إلى دائرة الصراع السوداني، سواء باحتجاز قوات الدعم السريع لجنود من القوات المسلحة المصرية في بداية الأزمة، أو بعد مقتل فرد من أفراد البَعثة الدبلوماسية المصرية في السودان، في ظل تدخل أطراف خارجية لتقديم الدعم لأحد طرفي الصراع، ما أجج الأزمة السودانية أكثر وأطال أمدها وفاقم من معاناة المدنيين.
محددات السياسية المصري تجاه الأزمة السودانية:
تسعى القاهرة إلى التوصل لاتفاق ينهي الأزمة السودانية ويضع حدًا للتدخلات الخارجية التي فاقمت من معاناة المدنيين؛ فبعد تعليق مباحثات جَدَّة، التي أظهرت تعثرًا في حل الأزمة السودانية، دخلت الدولة المصرية على الخط عبر لقاءات ممتدة مع طرفي الصراع، لمحاولة انتزاع موافقة من قادة الجيش وقوات الدعم السريع على مبادرة لقبول الوساطة.
تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار، يمهد لترتيبات أمنية وسياسية طويلة الأمد، تتضمن انسحاب المقاتلين من وَسَط المدن، وإقناعهم بالعودة إلى الثكنات، وبدء رسم المسار السياسي بمشاركة مدنية، أملًا في إحياء الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر 2022م.
وقد أجَّلت القاهرة دورها في الدخول على خط الحل السياسي منعًا لحدوث انقسام في الصف العربي بعد المبادرة السُّعُودية؛ لكن بعد إعلان فشل مباحثات جَدَّة رسميًّا، مضت القاهرة في خطواتها على الفور، واستضافت قمة دول جوار السودان؛ وعلى الرغم من كثرة الوساطات والمبادرات المطروحة من الدول العربية وإثيوبيا وكينيا وغيرها، لحل الأزمة السودانية؛ إلا أنه من غير المرجح أن تؤتي ثمارها، وعلى رأسها: وساطة جَنُوب السودان ذات العِلاقة المتوترة بالخرطوم.
بسبب استقبال جوبا لمستشار قائد قوات الدعم السريع في يونيو 2023م؛ بالإضافة إلى مشكلاتها الداخلية السياسية والاقتصادية الكبيرة، ثم هناك كينيا التي باتت خارج المعادلة تمامًا هي الأخرى، بعد رفض الحكومة السودانية رئاستها قمة “إيغاد” لحل الأزمة، وحتى وجودها ضمن الوسطاء، بسبب ما وصفته بعدم حياد الرئيس الكيني، وصداقته مع قائد قوات الدعم السريع الذي زاره في يناير 2023م، حيث سبق وحاول الرئيس الكيني إحضار حميدتي إلى قمة “إيغاد”، لكن تحركات وزارة الخارجية السودانية حالت دون ذلك بحسب تقارير إعلامية. (الشرق الأوسط).
وبالنظر إلى القِوَى الفاعلة حاليًّا في الأزمة السودانية، والتي تملك قدرة على التأثير في طرفي النزاع؛ فإلى جانب الدولة المصرية، يبرز أيضًا دور لإثيوبيا، غير أن حيادية الدولة المصرية، وعدم انحيازها لأي طرف ومساعيها للحد من تفاقم الأزمة، إلى جانب استقبال مصر وفدًا من تنسيقية تقدم برئاسة “عبد الله حمدوك” في 8 مارس 2024، والتي تضمنت الزيارة عقد لقاءات مع قيادات رسمية ومفكرين ومسؤولين بالجامعة العربية، ومكونات المجتمع السوداني بمصر، في محاولة لإيجاد حلول للأزمة السودانية، قد جعل الدور المصري مرحبًا به من قبل العديد من السودانيين؛ إذ تتحرك الدبلوماسية المصرية اتجاه الأزمة السودانية في إطار عدم الانحياز لأي من أطراف الصراع، وتقديم المبادرات وعقد المؤتمرات التي تتركز على وقف دائرة الحرب في السودان؛ ففي يونيو الماضي، استضافت الدولة المصرية مؤتمر للقوى السياسية المدنية السودانية، بحضور ممثلين إقليميين ودوليين معنيين بالأزمة.
ورحبت الخارجية السودانية بدعوة القاهرة لعقد المؤتمر، مؤكدة حرص مصر على أمن واستقرار السودان، ورغم تحفظ بعض القِوَى السودانية على مخرجات المؤتمر؛ إلا أن العديد من المراقبين عدّوا المؤتمر خطوة إيجابية في مسار الحل، في وقت أكدت فيه مصر حرصها على بناء التوافق بين الأطراف المتنازعة. (مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتحديات الوضع الراهن:
واجهت القضية الفلسطينية منعطفًا خطرًا وغير مسبوق، مع إطلاق الكيان المحتل حربًا شاملة على القطاع بهدف احتلاله وتفريغه من سكانه، كجزء من مشروع صهيوني طويل الأمد اتجاه الأراضي العربية لتصفية القضية الفلسطينية وإنشاء قناة بن غوريون والسيطرة على المياه الإقليمية وموارد القطاع الطاقية.
ولم تمثل هذه الأحداث تحديًّا للقضية الفلسطينية فحسب؛ بل للدور المصري في ظل ارتباط قطاع غزة بالأمن القومي المصري المباشر وسيادته على شبه جزيرة سيناء؛ ولذا فقد تطلب الوضع الراهن من الدولة المصرية رسم سياسات جديدة اتجاه الكيان المحتل والقضية الفلسطينية في إطار مبدأ حل الدولتين الذي يمثل محددًا ثابتًا في السياسة الخارجية المصرية ومحددات أمنها القومي، في ظل توجه الكيان المحتل خلال الحرب الحالية على قطاع غزة، إلى فرض واقع جديد سياسيًّا وعسكريًّا على المنطقة. (مركز الدراسات العربية الأوراسية).
إذ عمل على عزل قطاع غزة وتفتيت الأراضي الفلسطينية، وتمثلت الإستراتيجية الإسرائيلية المبدئية في غزة على أن قطاع غزة لن يعود كما كان، بل إنه سيقع تحت ترتيبات أمنية إسرائيلية مشددة تجعل من الصعوبة أن يتم ربط القطاع بالضفة الغربية، هذا إلى جانب انتهاج الكيان المحتل على مدار عقود لسياسة إضعاف السلطة الفلسطينية والحد من فعاليتها عالميًّا؛ بالإضافة إلى مجهودات إسرائيلية غير مسبوقة تقوم على رفض وجود أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة، وتقليص دورها الأمني في الضفة الغربية.
فوفق لوائح منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية؛ فإن الممثل الشرعي والوحيد للشعب والفصائل الفلسطينية هو منظمة التحرير، ويتمثل الوضع الأخطر حاليًّا في المجازر وعمليات الإبادة الجماعية في أنحاء مختلفة من القطاع، إلى جانب اختزال القضية الفلسطينية في الدور الإنساني فقط، وتراجع مفهوم حل الدولتين.
فالواقع الحالي في قطاع غزة، وما تعانيه القضية الفلسطينية ككل؛ يندرج في إطار الإستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط اتجاه الأراضي الفلسطينية، وإنما اتجاه دول المنطقة العربية للسيطرة على حقوق النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لقطاع غزة، وربما لبنان أيضًا؛ فضلًا عن إنشاء قناة بن غوروين للربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، وهذا كله لن يتحقق إلا باحتلال كامل قطاع غزة وتهجير جميع السكان الفلسطينيين إلى خارج القطاع.
السياسة المصرية اتجاه الحرب الدائرة في قطاع غزة:
وفي ظل إدراك القيادة السياسية المصرية لمخططات الكيان المحتل والقوى الغربية؛ عملت الدولة المصرية على تطوير مجموعة من السياسات تجاه القضية الفلسطينية، مع إطلاق الكيان المحتل حربة الجديدة ضد القطاع؛ إذ سعت مصر إلى استقطاب أبرز الداعمين للكيان المحتل من دول الاتحاد الأوروبي لإحداث خرق في البروباغندا الإعلامية الإسرائيلية، وإظهار حقيقة ما يحدث على أراضي القطاع للرأي العام العالمي.
فزيارات قادة الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة، بالتزامن مع تمسك الدولة المصرية بالرفض القاطع لمخططات الكيان المحتل اتجاه قطاع غزة والتي تمس الدولة المصرية، فضلًا عن التعنت الإسرائيلي اتجاه أي حلول سلمية تطرحها الدولة المصرية؛ قد دفع الرئيس السيسي إلى انتهاج سياسات أكثر حدة اتجاه الكيان المحتل، مع التلويح بحرب جديدة بين مصر وإسرائيل، وذلك لمنع التهجير القسري للفلسطينيين إلى أراضي سيناء للحيلولة دون خلق نكبة ثانية تقوم على تصفية الشعب الفلسطيني باعتباره الذخر الاستراتيجي للقضية. (روسيا اليوم).
وقد تحركت الدولة المصرية على كافة الأصعدة؛ إذ حرصت مصر على توحيد الموقف العربي خاصة بين دول السُّعُودية والإمارات والأردن وقطر، لما لها من ثقل ودور فعال في السياسة العربية؛ بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية؛ بهدف قطع الطريق أمام الكيان المحتل للذهاب في خطط تقضي بتصفية القضية الفلسطينية، مثل وضع قوات دولية أو تحييد دور السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
كما عملت الدولة المصرية على توحيد الصف الفلسطيني لتعزيز دور السلطة الفلسطينية على الساحة العالمية؛ إذ تسعى مصر جاهدة لخلق مناخ وأفق سياسي مستقر للشعب الفلسطيني، في إطار المصالحة بين فتح وحماس؛ هذا فضلًا عن محاولة الدولة المصرية منع وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة، بسبب احتلال إسرائيل للجزء الفلسطيني من معبر رفح.
فبالإضافة إلى اعتبار مطار العريش نقطة استقبال للمساعدات التي يتم إرسالها إلى مصر من جميع دول العالم، عملت مصر على فتح مسار جديد يربط مصر بقطاع غزة من خلال معبري العوجة وكرم أبو سالم، لزيادة كميات القوافل النافذة إلى القطاع؛ ووحدت مصر أيضًا جهودها بالتعاون مع الأرْدُنّ والإمارات والولايات المتحدة في تنفيذ عمليات إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة، وبالتحديد في منطقة شمال غزة التي يقبع بها أكثر من 300 ألف فلسطيني يواجهون خطر المجاعة. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).
وفي ظل الإصرار المصري على منع تهجير سكان القطاع؛ بالإضافة إلى التحرك السياسي على كافة المستويات؛ فيمكن القول إن الدولة المصرية قد نجحت بشكل كبير في إفشال الجزء الأكبر من الحرب الإسرائيلية على قطاع، والمتمثلة في فرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، فقد تبين أن الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة لن تتحقق في ظل الموقف المصري الثابت.
الخلاصة:
– نتيجة للثقل الإقليمي للدولة المصرية، والدور التاريخي والحضاري، والروابط الدينية واللغوية التي تجمع الدولة المصرية بدول الإقليم؛ بالإضافة إلى رصيد التدخل الإيجابي والمبادرات البناءة للدولة المصرية في الأزمات التي تعانيها دول المنطقة، مع حيادها وعدم انحيازها لأي من أطراف الصراعات في المنطقة؛ تنظر العديد من الدول في الإقليم إلى الدولة المصرية، باعتبارها لاعبًا إقليميًّا فعالًا لحل الأزمات ودوامة الصراعات في الإقليم، وهو ما أتضح في الدور المصري الإيجابي في التوصل لوقف إطلاق النار في ليبيَا، إلى جانب التحركات المصرية لحل الخلافات السياسية في لبنان وشرق المتوسط وقطاع غزة غيرها.
– مع انطلاق دوامة العنف المسلح والاقتتال في السودان؛ تحركت الدولة المصرية لجمع الأشقاء السودانيين على طاولة المفاوضات، في ظل ما تحظى به مصر من رصيد إيجابي لدى العديد من السودانيين، فإطلاق مؤتمر القِوَى السياسية المدنية السودانية، والترحيب الذي لاقاه من قبل النخب السودانية، يُعد خطوة إيجابية نحو الحل السلمي للأزمة السودانية الراهنة؛ ويأتي المؤتمر في إطار حرص الدولة المصرية واهتمامها البالغ، بوقف دوامة العنف والاقتتال الدائر في السودان، والتي وصلت تداعياتها إلى الدولة المصرية.
– بالنظر إلى ما تواجهه القضية الفلسطينية من مخطط إسرائيلي لفرض واقع جديد في المنطقة؛ فقد دفعت المتغيرات والمستجدات التي يسعى الكيان المحتل لفرضها الدولة المصرية، إلى التحرك في إطار مجموعة جديدة من السياسات المصرية تجاه القضية الفلسطينية، كان من أهمها منع تصفية القضية، وإحباط المخططات الإسرائيلية الساعية لإبادة الشعب الفلسطيني، إما عن طريق الحرب أو تهجيرهم في نكبة جديدة إلى أراضي دول أخرى.
المصادر:
مجموعة كاندل للدراسات والأبحاث
مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية
مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات