انعقاد القمة العادية الـ 30 للاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والاجتماع الثلاثي للقمة الأفريقية (مصر – السودان – إثيوبيا)

انعقدت القمة الأفريقية بأديس أبابا يوم 28 يناير 2018 تحت عنوان “الانتصار في معركة مكافحة الفساد” نهج مستدام نحو تحول أفريقيا.

وقد شاركت مصر في هذه القمة بوفد مصري على أعلى مستوى، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو ما يمثِّل إشارة واضحة إلى التغيّر في السياسة الخارجية المصرية -خصوصًا تجاه أفريقيا بعد سنوات من التجاهل والإهمال- التي انتهجها الرئيس الأسبق مبارك سيما بعد محاولة اغتياله بأديس أبابا.

وقد أدّت السياسية السابقة إلى تفاقم العديد والعديد من المشكلات وإلى تردي وضع مصر في بعض الأزمات الحالية مثل قضايا السودان المختلفة (انفصال الجنوب وأزمة دارفور وحلايب وشلاتين) وأزمة سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى العديد من المشكلات الأمنية في القرن الأفريقي من نزاعات مسلحة وما نشأ عنها من قرصنة، وهو ما شكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري ولحركة الملاحة بقناة السويس.

وكانت مفاجأة القمة هي اتفاق القادة الأفارقة على أن تترأَّس مصر الاتحاد الأفريقي لعام 2019 وهو ما يشكّل علامة جديدة للسياسة المصرية الخارجية تجاه أفريقيا فبعد تجميد العضوية بمجلس السلم والأمن الأفريقي بعد أحداث 30 يونيو 2013 استطاعت مصر -من خلال إعادة تقييم العلاقات والتوجه لأفريقيا- أن تحصل على عضوية مجلس الأمن والسلم الأفريقي لمدة 3 سنوات تنتهي في 2019 ممثلة عن إقليم الشمال، بموافقة 47 عضوًا وهو المجلس المكوَّن من 15 عضوًا.

وعلى هامش القمة الأفريقية عقد اجتماع هام بين زعماء مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة بعض القضايا العالقة بين البلدين، ومحاولة التوصل إلى تفهمات بخصوصها، وحلحلة الموقف الحالي، خصوصًا فيما يتعلق بملف سد النهضة؛ وهو ما أسفر عن أن الرؤساء حددوا مهلة تنتهي خلال شهر لإيجاد مخرج لحالة الجمود التي تعرفها المفاوضات بشأن سد النهضة الذي تشيّده إثيوبيا على نهر النيل.

وأصدر القادة الثلاثة تعليماتهم لوزراء المياه والطاقة بوضع تقرير خلال شهر يحدد السبل الكفيلة بحل كل الخلافات المتعلقة بالسد، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال مشاركة الرؤساء لرؤية واحدة إزاء مسألة السد؛ تقوم على أساس اتفاق إعلان المبادئ الموقع في الخرطوم، وإعلاء مبدأ عدم الإضرار بمصالح الدول الثلاث في إطار المنفعة المشتركة.

وأضاف المُتحدث المصري أنه تم الاتفاق خلال القمة على عقد اجتماع مشترك يضم وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث واللجنة الوطنية الثلاثية، ورفع تقارير نهائية خلال شهر تتضمن حلولًا لكل المسائل الفنية العالقة، بما يضمن التنفيذ الكامل لأحكام اتفاق إعلان المبادئ وعدم التأثير سلبًا على مصالح مصر والسودان المائية. كما تم الاتفاق على تبادل الدراسات الوطنية والمعلومات الفنية بين الدول الثلاث.

وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي خلال المباحثات على أن المزارعين في مصر والسودان لن يتأثروا سلبًا بسد النهضة، كما شدد على أن عدم الإضرار بمصالح شعوب الدول الثلاث هو الأساس الذي تنطلق منه المفاوضات.

من جانبه، أعرب الرئيس السوداني عن عزم بلاده العمل في إطار اللجنة الوطنية الثلاثية من أجل التوصل إلى توافق حول كل المسائل الفنية العالقة، مؤكدًا في هذا الإطار على ما يجمع الدول الثلاث من مصالح مشتركة ومصير واحد. (جريدة الشرق الأوسط)

كما اتفق الرؤساء الثلاث على عقد اجتماعات على مستوى الرؤساء بشكل سنوي، وإنشاء لجنة سياسية عليا دائمة تتألف من وزراء الخارجية ورؤساء الاستخبارات للنهوض بالعلاقات بين البلدان الثلاثة، وتعقد اجتماعاتها بشكل دوري، وأيضًا إنشاء لجنة سياسية فنية تشمل وزراء المياه والطاقة في البلدان الثلاثة، من أجل السهر على حل أزمة سد النهضة.

واتفق القادة الثلاثة أيضًا على إنشاء صندوق مشترك بمساهمات متساوية بهدف تمويل مشاريع بنية تحتية مثل خط للسكك الحديد يربط الدول الثلاث، وشق طرق وجسور لتنمية المبادلات ونقل الأشخاص.

وهذه التفاهمات تشكل منعطفًا جيدًا في إدارة ملف العلاقات الأفريقية ومحاولة لاستعادة مصر دورها في أفريقيا بما يحقق لها أهدافها التنموية والأمن القومي المصري.

والحقيقة أنه لا ينبغي قراءة هذه التفاهمات الكبيرة بمعزل عن التحرك المصري العسكري الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا، فقد كشفت مصادر عسكرية مصرية عن قيام القاهرة بمشروع ضخم في جنوب السودان، يحدث تحولًا كبيرًا في قضية “سد النهضة”؛ حيث ستقوم مصر بحفر قناة في جنوب السودان، تسمى مشروع قناة “جونجلي”، وستوفر 30 مليار متر مكعب من المياه سنويا. وتهدف هذه القناة لاستقطاب جزء من مياه المستنقعات ما سيفيد السودان ومصر أيضًا.

وكانت مصر قد بدأت العمل به فعليًا في سبعينيات القرن الماضي، حيث تم حفر 260 كيلومترًا بواسطة الشركة الفرنسية التي فازت بعطاء تنفيذ الحفر، لكنها توقفت عند قرية “الكونقر” نتيجة نشوب الحرب الأهلية عام 1983 بين الحركة الشعبية بقيادة قرنق، والحكومة المركزية في السودان آنذاك.

كذلك لا بد من استحضار التفاهمات العسكرية بين مصر وإريتريا (العدو التاريخي لإثيوبيا)، وكذلك التواصل مع جنوب السودان (العدو الحالي للسودان)، فالظاهر أن هذه التحركات السريعة للجانب المصري أسهمت في إبداء الجانب الإثيوبي والسوداني درجة أكبر من المطواعية، وعّجلت من رغبتهم في تخفيض حدة التوترات الإعلامية التي وصلت إلى درجة استدعاء السودان لسفيرها في القاهرة.

وعلى الجانب الآخر ينبغي الانتباه إلى أن قضية سد النهضة لم تصبح شأنًا إثيوبيًا خاصًا، ولا حتى قضية إفريقية فحسب، ولكنها شبكة معقدة من المصالح لبعض الدول الكبرى، والتي يهمها مصلحتها في المقام الأول، وبعض هذه الدول غرضها الإضرار بالمصالح المصرية بشكل خاص.

ويبقى أن الجانب الآخر قد استفاد من تدهور السياسة الخارجية للدولة المصرية بسبب أحداث الثورة في 2011 وما تلاها من تعاقب عدة حكومات ورؤساء مما أسهم فعليًا في إهمال هذا الملف، بينما الطرف الآخر يتمم أعماله بأريحية ووفق جدوله الطبيعي.

هذا وما تزال المعلومات شحيحة فيما يتعلق بالتفاهمات والاتفاقات التي تمت بالغرف المغلقة بين رؤساء الدول الثلاث التي ساهمت في خفض التوتر وحدة المشاحنات والتراشقات بينهم وتهدئة الأوضاع، وأن الأيام القادمة ستوضح طبيعة وحجم التفاهمات المتفق عليها، وإن كان يمكن التكهن ببعضها من خلال تفاهمات حول استثمارات ودعم مصر فيما يتعلق ببعض المحاصيل الاستراتيجية ووسائل توفير دعم مائي بديل بصورة مؤقتة حتى انتهاء فترة ملء خزان سد النهضة في 3 أعوام مع التأكيد على حق مصر في حصتها كاملة بعد تلك الفترة، وقد يشمل وعودًا بزيادة ما في حصتها مقابل تحمل أعباء فترة ملء الخزان.

السوداناللجنة الوطنية الثلاثيةجونجليسد النهضةمصر