كيف تستفيد الولايات المتحدة الأمريكية من استمرار حرب روسيا – أوكرانيا؟

كيف تستفيد الولايات المتحدة الأمريكية من استمرار حرب روسيا – أوكرانيا؟

الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر تحقيقًا للأرباح من الحرب، وهي الأكثر استفادة من استمرارها، وستكون هي الخاسر الأكبر والوحيد مِن توقفها، أو توقيع اتفاق سلام أو انتصار روسيا، وستوضح السطور المقبلة هذه الفرضية التي باتت واقعًا يشهده الجميع؛ حيث تحقق واشنطن منذ بداية الحرب أكبر مبيعات في تاريخها تقريبًا مِن: الأسلحة، والنفط والغاز بأسعار خيالية على حساب اقتصاد أوروبا والعالم، والمشتري الأول للسلاح والنفط والغاز الأمريكي وَفْقًا للجزيرة هي القارة الأوروبية التي هرولت وراء واشنطن في إعلان الحرب الاقتصادية على موسكو، حيث تؤكد: أن أوروبا تضطر لدفع مبالغ كبيرة لأمريكا لشراء مختلف الأسلحة المتطورة التي تقدمها بدورها للجيش الأوكراني.

كما تنفق على تحديث جيوشها ومنظومات السلاح والترسانة العسكرية بعد ما أظهرت الحرب لأوروبا غفلتهم نحو سباق التسلح، والتقدم العسكري والحربي، وأن الحرب الأوكرانية أعطت حيوية للاقتصاد العسكري الأمريكي وقطاع الطاقة، وتؤكد فايننشال تايمز: أن الولايات المتحدة تحقق مكاسب كبيرة على المدى الطويل من الحرب؛ حيث تجاوزت روسيا لتكون أكبر مصدر لمنتجات الطاقة عالميًّا رغم المعاناة التي يعيشها المستهلك الأمريكي نفسه والأوروبي من ارتفاع أسعار الطاقة، وأمست الارتفاعات الأخيرة في أسعار الطاقة عمودًا فقريًّا لقطاع استخراج النفط الصخري الأمريكي، وأن الولايات المتحدة تحولت إلى مصدر للطاقة على حساب الاقتصاد الأوروبي المهدد بالانهيار، وأن واشنطن تجني ثروة من الحرب، بينما تعاني دول الاتحاد الأوروبي.

عودة إلى الماضي:

بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عزلتها ومشاركتها في الحرب العالمية الثانية بقصف هيروشيما ونجازاكي، وهي منذ ذلك الحين تسعى بكلِّ ما أوتيت من قوة أن تتحكم في السياسة الدولية، وتبسط قراراتها على الجميع، وتتحكم في خيوط المسرح الدولي؛ سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وسمحت لها قوتها العسكرية النووية، وكذلك الاقتصادية أن تنجح في ذلك، وحتى بعد بروز قطب آخر يشاركها الهيمنة والقوة، وهو: الاتحاد السوفيتي؛ إلَّا أنه ما لبث أن انهار، وكان لواشنطن كثير من اليد في ذلك.

ومنذ ذلك السقوط الكبير للاتحاد السوفيتي عام 1991، وأمريكا تستغل كل حدث وكل أزمة لتصنع منها فوائد ومكاسب لنفسها؛ حتى وإن اضطرت لصناعة الأزمة إن كانت ستعود عليها بالنفع، ولنا هنا أمثلة عديدة: كتحكمها في اليابان، واستغلالها لكوريا حتى باتت كوريتين، وتقف عائقًا أمام وحدتهما، وما بعد سقوط السوفييت وإنشائها لحلف الناتو والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية التي أضحت اليوم إحدى العرائس في يدها، وتخدم مصالحها، وغيرها الكثير.

ولنا في حرب أوكرانيا خير مثال؛ فبدلًا من الابتعاد عن الحدود الأوكرانية، ورفض دخولها حلف الناتو، فعلت العكس وأجَّجت مساعي كييف في الانضمام للحلف – كما فعلت مع العراق ليغزو الكويت-؛ لتعطي روسيا “بوتين” -التي استعادت كثيرًا من قوة السوفييت الاقتصادية السنوات الماضية- مبررًا لشن الحرب على جارتها الغربية، وتشيع في مدنها وشعبها القتل والتدمير، وعلى مدار عام كامل من الحرب والمعاناة ترفض واشنطن كل فرصة للسلام، وكل ضوء أخضر يمهد الطريق لوقف آلة الحرب، وجاءت التسريبات الأخيرة لتوضح: أن أوكرانيا تعاني، وأنها فقدت أكثر من مائة ألف من قواتها بخلاف المصابين، وهذا لأنها تحقق مكاسب جمَّة من الحرب المستعرة، وهذا ما سنراه عبر التقرير الحالي.

أمريكا وتحقيق المصالح على حساب الحليف الأوروبي:

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فتحت واشنطن الباب أمام دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى حلف الناتو، ولم يعد لحلف وارسو الذي أسسه الاتحاد السوفيتي وضم فيه دول أوروبا الشرقية وجود أو أهمية تذكر، وهنا وفقًا لبوابة عرب جورنال: كانت أول وأكبر فوائد واشنطن بوقوع دول أوروبا الغربية والشرقية رهينة التبعية والانسياق وراء السياسة الأمريكية، وبدأت سلسلة تأسيس القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأوروبية غربًا وشرقًا، وتحديدًا جوار حدود روسيا البيضاء الوريث الوحيد للقوة والإرث السوفيتي، ورغم أن أوروبا باتت حليف رئيسي للكيان الأمريكي؛ إلَّا أن واشنطن لا تتورع في تقديم مصالحها على مصالح الحليف الأوروبي، وتبرز بوابة عرب جورنال مثالين على الأنانية الأمريكية: الأول: إيقاف واشنطن صفقة شراء أستراليا الغواصات النووية من فرنسا، وأبرمت أمريكا الصفقة لحسابها مع أستراليا. والمثال الثاني: توقيع عقوبات الطاقة على روسيا التي تمد أوروبا بأكثر من نصف طاقتها من النفط والغاز دون مراعاة لمصالح روسيا، والمعاناة التي ستقع فيها.

آثار الحرب السلبية على اقتصاد أوروبا:

لم تلتفت واشنطن لمصالح أوروبا الكبيرة مع روسيا، وخطوط النفط والغاز الممتدة من الحدود الروسية وحتى قلب أوروبا، وجرت القارة التي تواجه ضغوطًا اقتصادية واجتماعية كبيرة بسبب تلك الحرب والعقوبات إلى دعم أوكرانيا، وإعلان القطيعة مع روسيا، وفرض مزيدٍ من العقوبات بين الحين والآخر، وبدأت الخسائر وفقًا للعربي الجديد بارتفاع أسعار الطاقة، ومعها معدلات التضخم وانخفاض النمو السنوي في دول أوروبا، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ونزوح ملايين اللاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وانقطاع سلاسل الإمداد، وإبطاء التعافي من الجائحة، وارتفاع تكاليف التمويل، وزيادة الإنفاق على تأمين مصادر الطاقة، وميزانيات الدفاع، والبحث عن مصادر متنوعة لشراء الطاقة، وصعوبة توفير إمدادات الحبوب، وزيادة التوترات الاجتماعية.

مكاسب أمريكا:

إجمالي المساعدات الأمريكية لأوكرانيا:

وفقًا لتقارير trt بالعربي، والجزيرة نت، وSputnik عربي؛ فإن حجم إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وصل إلى حوالي 50 مليار دولار؛ بخلاف الدعم العسكري من أسلحة وذخائر، وتدريبات على استخدام عددٍ من الأسلحة والمعدات، والذخيرة والمدفعية، ورادارات، وألغام وأسلحة مضادة للأفراد وللدبابات، ومنظومات مدفعية متطورة بعيدة المدى مضادة للطائرات، ودبابات قتالية، ومنظومات صواريخ دفاعية من طراز “هيمارس”، وبطارية “باتريوت” للدفاع الجوي، ومنظومتَي دفاع جوي من طراز “هوك”، و12 منصة دفاع جوي من طراز “أفنجر”، وـ109 عربات مشاة قتالية من طراز “برادلي”، و45 دبابة من طراز “T-72B”، وأكثر من 640 ناقلة جنود مدرعة، و31 دبابة طراز “أبرامز”.

وصرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف: كل ذلك من أمريكا وحدها، بجانب المساعدات الأوروبية، وقال نائب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف في مقال في مجلة “الدفاع الوطني”: إن حجم الشحنات الغربية من الأسلحة الفتاكة لنظام كييف قد وصل إلى كميات هائلة من 2014 إلى 25 يناير2023، وفقًا لبيانات الكونجرس الأمريكي نفسه.

وفي تقرير لمؤسسة راند الأمريكية -Rand research and Development–: أن واشنطن تريد وضع حدٍّ للصعود الروسي منذ سنوات بقيادة بوتين، ووقف التمدد الروسي سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وتسعى لتحجيم الخصم الروسي، ولفتت الدراسات: أن حرب أوكرانيا أحد الخطط التي وضعتها أمريكا لضرب موسكو في نقطة الضعف الرئيسة، وهي الاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط والغاز، وبالتالي لتدميرها يتوجب تقليص إمكاناتها الاقتصادية من خلال: فرض عقوبات مالية وتجارية قوية عليها بكافة المستويات الثنائية والدولية، وزيادة حجم الإنتاج الأمريكي من الطاقة، ودفع حلفاء أمريكا الأوروبيين لتخفيض استيراد الطاقة منها، وتشجيع هجرة الموارد البشرية الروسية المؤهلة إلى الغرب، وتحطيم صورتها بالخارج، وإبعادها عن المشاركة بالمنظمات الدولية غير الحكومية والفعاليات الدولية بكافة أنواعها: اجتماعية، ورياضية، وتجارية، وثقافية، وغيرها، وحجب إمكانية استفادتها من المؤسسات والتنظيمات الاقتصادية والمالية الدولية، واستمرار الإنفاق العسكري في أمريكا، ووضعت واشنطن عدة أدوات وسبل للضغط على موسكو كما فعلت في العراق كالآتي:

– تسليح أوكرانيا وتقديم المشورة والخبرات العسكرية إليها، ودفعها للتحرر من النفوذ الروسي والتوجه نحو الغرب.

– دعم التظاهرات الداخلية وكافة أشكال المعارضة الأخرى في روسيا لتهديد الاستقرار والأمن الداخلي لديها.

– تشجيع عمليات التحرر بدول الجوار لها كروسيا البيضاء (بيلاروسيا)، والسعي نحو تخفيض مستوى التأثير الروسي في آسيا الوسطى.

مكاسب إستراتيجية لواشنطن من حرب كييف:

– أكدت دراسة مؤسسة راند: أن تلك الخطط الأمريكية تساهم في استمرار تدفق الميزانيات الضخمة للتسلح والأبحاث والتطوير العسكري الأمريكي، الذي وصل لــ ٧٧٠ مليار دولار، وهو يساوي تقريبًا ضعف إنفاق الصين وروسيا مجتمعتين -٢٥٠ مليارًا للصين و١٥٤ مليارًا لروسيا-، وفقًا لما ورد في تصنيف ترتيب القوة العسكرية عام ٢٠٢٢ لموقع غلوبال فاير باور، الخاص بنشر الإحصاءات الدورية المتعلقة بالجوانب العسكرية.

– إشغال الرأي العام في الداخل الأمريكي عن الأخطاء التي ترتكبها الإدارة المنتخبة في السياسة الخارجية، والاقتصاد، والأمن الداخلي، وغيرها.

– بقاء فرض الهيمنة الأمريكية الدولية المسيطرة؛ مما يمكِّنها من الاستمرار في تمويل العجز المالي الهائل والمتنامي في ميزانياتها.

– رفع أسعار الفائدة على الدولار؛ لتقليل التضخم بسبب الحرب في أوكرانيا، أدَّى إلى تراجع بعض العملات لدول العالم، التي تتمتع باقتصادات قوية ومتدنية ويشهد العالم أزمة ديون وركود وتضخم.

– ارتفاع صادرات أمريكا من الغاز والنفط رغم ارتفاع أسعارها، وهي من الدول الغنية بالطاقة.

– إعادة توحيد الغرب تحت راية واشنطن رغم الخلافات الداخلية.

– انتعاش الصناعات العسكرية الأمريكية بعد حالة كبيرة من الكساد العسكري، حيث يحتاج القطاع العسكري الأمريكي إلى حروب وصراعات دولية حتى يستمر في الحياة والانتعاش واستيعاب مزيد من قوة العمل المحلية الأمريكية.

– استمرار الحرب يعني مزيدًا من استنزاف القوة العسكرية الروسية، وكذلك المادية.

– استمرار معاناة شركاء واشنطن الأوروبيين نتيجة العواقب الاقتصادية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وبالتالي استمرار حاجتهم لواشنطن.

 – تعزيز قوة الدولار حول العالم عن أوروبا، واعتباره ملاذًا ماليًّا مضمونًا.

– تجديد دماء حلف الناتو، وإظهار ضرورته الإستراتيجية لأمن أوروبا في مواجهة روسيا والصين.

– تحجيم الصين؛ لأنها ستفكر أكثر من مرة لغزو تايوان إذا فقدت قوة الحليف الروسي.

– ضم الولايات المتحدة التجمع الغربي الذي يضم: أمريكا الشمالية، وأوروبا، وأستراليا، ونيوزيلندا واليابان، وكوريا الجنوبية وسنغافورة، من أجل احتواء روسيا والصين.

 الخلاصة:

وفقًا للتقارير والدراسات الدولية والواقع الذي يراه الجميع؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تغذي آلة الحرب الروسية الأوكرانية، ولا تريد توقف الحرب أبدًا، وتعارض أي اتفاق للسلام يتم طرحه في الأرجاء؛ لأنها المستفيد الأول والأكبر على جميع الأوجه منها، كما أنها توجِّه رسالة لأوروبا ودول آسيا والعالم العربي: أن الشراكة، أو -بمعنى أدق- التبعية الأمريكية: فرض على الجميع؛ حتى لا يكون وحيدًا في مواجهة سيناريو كييف، وتريد واشنطن أكبر استنزاف لروسيا من القتال المستمر، كما أن الدعم المفرض لأوكرانيا تأخذه مباشرة من مبيعات الطاقة والسلاح، وتحقق منه فوائض كبيرة، وفي النهاية: فإن واشنطن تحقق هدف القطبية الأحادية الدائمة من استمرار ذلك الصراع، ولا يعنيها العالم مِن بعدها؛ سواء حلفاء أو أعداء.

مصادر:

– عرب جورنال / الحرب الروسية الأوكرانية… خسائر على (أوروبا) فوائد لـ(أمريكا) / 2 يناير  2023.

-Trt  عربي / بعد عام على الحرب… كم بلغت قيمة المساعدات الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا؟ / 24 فبراير 2023.

– العربي الجديد / خسائر أوروبا من الحرب الروسية بأوكرانيا تتجاوز تريليوني دولار / ٩ مايو 2022.

– ميدل إيست / بوتين يراهن على بذور الخلافات بين الأوروبيين لتفتيت اتحادهم / 9 أغسطس 2022.

– مركز shaf للدراسات / عــام عــلــى الــحــرب الــروســيــة الأوكــرانــيــة: كــيــف ألــقــت بــظــلالــهــا عــلــى مــخــتــلــف مــنــاطــق الــعــالــم؟/ 2 مارس 2023.

– BBC عربي / هل ستكون الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من أزمة الطاقة الحالية؟ / ٢٨ يونيو 2022.

– العربية نت/ غضب أوروبي مكبوت من بايدن… أكبر مستفيد من الحرب / ٢٦ نوفمبر 2022.

– Sputnik عربي / ميدفيديف: إجمالي المساعدات الأمريكية العسكرية لكييف يصل قريبًا إلى نحو 50 مليار دولار 24 فبراير 2023.

– عكاظ / إستراتيجية الهيمنة الأمريكية وفخ أوكرانيا / 16 مارس 2022. 

– سكاي نيوز/ هل استفادت أميركا من حرب أوكرانيا؟ / 29 نوفمبر 2022.

– الجزيرة / اقتصاديًّا… هل تستفيد أميركا من استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا؟ / 29 ديسمبر 2022.