شهدت الآونة الأخيرة تحركات برلمانية ووزارية لدعم السياحة العلاجية وتعظيم دورها في مصر، بهدف جعلها أحد موارد الاقتصاد المصري؛ خاصة أن مصر تمتلك أكثر من 3000 مكان يمكن استغلالها في السياحة العلاجية؛ وفقًا لما جاء على لسان سهام مصطفى كمال عضو مجلس النواب المنشورة(1).
والسياحة العلاجية هي أحد أنواع السياحة، والمقصود بها هي تنقل الشخص من مكان لآخر بهدف الاستشفاء، ومنها ما يعتمد على ما يسمونه: بـ”الطب البديل”، ومنها ما يعتمد على مدى تطور الطب الحديث.
موارد مصر من السياحة العلاجية:
مصر هي واحدة من الدول التي لا تضع فرقًا بين السياحة الاستشفائية والعلاجية، وتطلق على جميعها: “السياحة العلاجية”؛ على الرغم من أنها تتميز بالاستشفائية أكثر من غيرها، بل وتضم مصر مواقع طبيعية عديدة تميزها في هذا الشق عن غيرها من مختلف دول العالم.
ووفقًا لما جاء على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، فإن أشهر المواقع المصرية التي تشتهر بالسياحة الاستشفائية هي على الترتيب: حلوان، الواحات البحرية، سيوة، الوادي الجديد، الخارجة، الداخلة، الفرافرة، أسوان، الغردقة، سفاجا، سيناء.
ومَن يطلع على بيان الهيئة؛ يكتشف أن مصر تضم العديد من العيون الكبريتية والمعدنية التى تمتاز بتركيبها الكيميائي الفريد، والذي يفوق فى نسبته جميع العيون الكبريتية والمعدنية في العالم.
موارد مصر من هذا النوع السياحي لا تتوقف عند هذا الحد، بل هي تضم أيضًا العديد من العيون التي تحتوي على الرمال والطمي بخواص علاجية يمكنها معالجة العديد من الأمراض: كأمراض العظام، الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، الأمراض الجلدية وغيرها من الأمراض؛ بالإضافة إلى مداواة مرضى الروماتيزم المفصلي عن طريق الدفن في الرمال، وفقًا لبيان الهيئة العامة للاستعلامات(2).
مصر على خريطة السياحة العلاجية:
مَن يرى موارد مصر من السياحة العلاجية ويطلع عليها، يعتقد أن مصر تحتل مرتبة متقدمة على الخريطة العالمية في هذا المجال؛ إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، إذ تحتل مصر مرتبة متأخرة لا تليق بالمحروسة؛ وتسلتزم مزيدًا من الجهود لدعم هذه الصناعة.
وهو ما تؤيده تصريحات الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، الذي أعرب عن أسفه من ترتيب مصر الدولي في السياحة العلاجية، موضحًا: أن مصر تحتل مصر المرتبة 26 من أصل الـ 40 دولة التي تتواجد على الخريطة العالمية في مجال السياحة العلاجية.
تصريحات وزير الصحة التي أدلى بها تحت قبة البرلمان، ونشرتها أكثر من صحيفة: أكدت أهمية وضرورة التعاون المشترك بين مختلف الوزارات وبعضها البعض من أجل دعم السياحة العلاجية(3).
إعادة تصحيح المسار:
والملفت في تصريحات الوزير أنها حذَّرت من التعامل غير الصحيح مع ملف السياحة العلاجية، مؤكدة: أن هذه الأزمة تُدار بطريقة خاطئة على مدار ما يزيد من 30 عامًا، ومشيرة إلى أن الأزمة ستبقى قائمة طالما لم تشهد تطورًا على مستوى الإدارة، وطالما تم الاكتفاء بنفس التفكير وبنفس الطريقة القديمة التي كانت من قبل.
ومن يدقق النظر في تلك التصريحات: يدرك أن القيادة السياسية تعلم أهمية تلك الصناعة، كما تعلم تمامًا أن مصر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود، ومزيد من الخطط الإستراتيجية؛ للارتقاء بالسياحة العلاجية والاستفادة منها بشكل أفضل.
وتعهدت وزارة الصحة بإعادة تصحيح المسار، وبوضع مصر في مكانتها التي تستحقها على الخريطة العالمية في مجال السياحة العلاجية، مؤكدة: أن هناك دولًا عديدة إمكانياتها أقل بكثير مما تملكه مصر؛ إلا أنها نجحت من خلال الإدارة الصحيحة للملف أن تضع في مكانة متقدمة عنا، مؤكدة: أن مصر تعمل على تدارك الأمر مستقبلًا.
مصدر دخل قومي:
تعظيم مصادر الدخل القومي دفع بالجهات المعنية إلى النظر لمجال السياحة العلاجية نظرة مختلفة، حيث تعددت التوجيهات الرئاسية والمطالب البرلمانية بدعم السياحة العلاجية باعتبارها أحد أهم مصادر الدخل القومي، ووسيلة إلى توفير العملة الصعبة، لا سيما في ظل أزمة الدولار الطاحنة التي تعانيها مصر خلال الوقت الراهن؛ خاصة أن جميع المراقبون أكدوا أن مصر تمتلك كافة المقومات والعوامل التي تؤهلها لتكون وجهة عالمية مميزة في مجال السياحة العلاجية.
وقبل شهرين أو أكثر، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهات رسمية بالعمل على تعظيم الاستفادة من موارد السياحة العلاجية التي تتميز بها مصر، لا سيما تلك الموجودة في محافظة جنوب سيناء، كما أصدرت مؤسسة الرئاسة تعليمات واضحة للمسؤولين المعنيين -وعلى رأسهم كل من: اللواء أمير سيد أحمد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء أ.ح هشام السويفي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة- بوضع خطة لإقامة مراكز علاجية واستشفائية متكاملة.
وفي هذا الصدد: شددت مؤسسة الرئاسة على مراعاة المعايير الدولية في إنشاء المراكز العلاجية في محافظة جنوب سيناء ضمن خطة تطوير السياحة العلاجية هناك، فضلًا عن ضرورة التعاقد مع الشركاء والخبراء الأوروبيين المتميزين في هذه السياحة؛ لتطوير الأمر في كافة نواحي الجمهورية، موضحة: أن هذه التحركات من شأنها تحقيق أفضل استفادة ممكنة من الثروات التي تمتلكها مصر.
وتركزت التوجيهات الرئاسية على الاهتمام بمحافظة جنوب سيناء؛ لما تحويه هذه المحافظة من مميزات عدة على مستوى السياحة العلاجية؛ خاصة أنها تمتلك العديد من المناطق المتميزة في هذا المجال كالعيون الكبريتية، حمام فرعون، منطقة عيون موسى، وغيرها من المناطق(4).
تشكيل لجنة عليا:
الاهتمام بملف السياحة العلاجية باعتباره أحد مصادر دخل القومي، دفع بالحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر جدية، حيث كلف مجلس الوزراء بتشكيل لجنة عليا تجمع بين وزارتي: الصحة والسياحة، وعددٍ من الجهات المعنية.
وبحسب المعلومات الأولية عن هذه اللجنة؛ فإن اللجنة معنية بتقديم كافة التسهيلات الخاصة بهذه المنظومة وتعظيم دورها باعتبارها مصدر دخل قوي مهم وقوي جدًّا(5).
التحركات الحكومية -المتأخرة- لدعم قطاع السياحة العلاجية لم تتوقف عند تشكيل اللجنة العليا فقط، بل قررت وزارة الصحة تعيين مستشار للوزير للسياحة العلاجية، بهدف دعم هذا القطاع فضلًا عن تكليفه بتشكيل مجموعة عمل للتنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية بالسياحة العلاجية.
مطالب برلمانية:
بدوره، طالب النائب أحمد حمدي، عضو مجلس النواب عن حزب النور، الحكومة ببذل مزيد من الاهتمام بالسياحة العلاجية باعتبارها رافدًا من روافد الدخل القومي، مؤكدًا: أن مصر تمتلك الإمكانيات، متسائلًا: أين نصيب مصر من الدخل العالمي الكبير للسياحة العلاجية؟
وقال حمدي في كلمة ألقاها في الجلسة العامة للبرلمان: إن معظم السياح كانوا يأتوا إلينا من روسيا وأوكرانيا، وبسبب الأزمة العالمية بينهما تأثر قطاع السياحة المصري، ومِن ثَمَّ نحن بحاجة إلى أن نبحث عن أنواع أخرى من السياحة، كالسياحة التعليمية، مشيرًا إلى أن مصر لديها الجامعات الأهلية التي تفتح أبوابها، ولذا يجب العمل على تشجيع العرب والأفارقة أن يدرسوا عندنا.
كما طالب حمدي بأن تتبنى وزارة السياحة أفكارًا أخرى وأنواعًا أخرى من السياحة، كسياحة المؤتمرات والمعارض باعتبارها رافدًا جديدً، مؤكدًا: أننا نحتاج إلى روافد جديدة ونحاول أن نستغني عن سياسة القروض والديون ببدائل جديدة وبفرص عمل.
وطالب نائب النور وزارة السياحة بالعمل على تطوير السياحة العلاجية، متسائلًا: هل لدى الوزارة مندوب أو مسؤول عن السياحة العلاجية والاستشفائية؟! كما تساءل: أين نصيب مصر من الدخل العالمي الكبير للسياحة العلاجية؟
ويرى حمدي: أن السياحة العلاجية يجب أن تستند لـ 4 أركان، موضحًا: أن الركن الأول يتمثل في البنية التحتية، مؤكدًا أن مصر لديها الآن الطرق والمطارات، بينما يتمثَّل الركن الثاني في المؤسسات العلاجية الحكومية والخاصة، أما الركن الثالث فهو الدعاية التسويقية، فيما يتمثَّل الركن الرابع في رؤية الحكومة.
وأشار نائب النور: أن السياحة العلاجية تحقق سنويًّا ما يزيد عن 104 مليار دولار؛ فضلًا عن النمو المتوقع بحلول عام 2027، مطالبًا بأن تكون لمصر حصة في هذه السياحة؛ خاصة وأننا نمتلك الإمكانيات ولدينا أماكن مهمة، مثل: عيون موسى، والواحات البحرية، ووادي النطرون، وغيرها من الأماكن التي تقصد لعلاج العديد من الأمراض المختلفة، فضلًا عن أننا نمتلك العديد من مراكز ومستشفيات الكلى، وغيرها من المؤسسات العلاجية.
الخلاصة:
تحتاج مصر إلى مزيد من التحركات التي يمكن من خلالها استغلال السياحة العلاجية بشكل أفضل؛ خاصة أن مصر تستهدف مضاعفة إيراداتها من السياحة عمومًا لتصل إلى 30 مليار دولار سنويًّا خلال الفترة القادمة، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال تقديم دعم أكبر للسياحة العلاجية(6).
ويجب ألا تكتفي مصر بالتحركات الأخيرة التي تمثلت في تشكيل لجنة عليا لتطوير السياحة العلاجية، بل يجب عليها أن تستجيب لمطالب البرلمان والخبراء، وأن تعمل على تدشين مجمعات ومراكز طبية بأعلى المعايير الحديثة، دون أن تركن إلى ما تمتلكه مصر من عيون ومن بقاع يتم استخدامها في الاستشفاء.
ويمكن لمصر من خلال هذه التحركات: أن تحقق طفرة كبيرة في دعم الاقتصاد بمدخلات دولارية بأرقام مرتفعة؛ خاصة إذا كانت التوقعات تشير إلى أن حجم سوق السياحة العلاجية العالمي سيصل إلى 273.72 مليار دولار أميركي بحلول عام 2027م(7).
مصادر تم الاستعانة بها:
3 – صدى البلد
5- اليوم السابع
7- الجزيرة