أبعاد ودوافع انضمام إيران إلى بريكس وشنغهاي في ظل افتقارها للقدرات الاقتصادية والصناعية

أبعاد ودوافع انضمام إيران إلى بريكس وشنغهاي في ظل افتقارها للقدرات الاقتصادية والصناعية

خلال العقد الأخير، برز الاهتمام الإيراني بالتكتلات الدولية الشرقية الصاعدة؛ مثل: بريكس وشنغهاي، في ظل ما يراه مراقبون في هذه التكتلات ثقلًا موازيًا للتكتلات الغربية؛ إذ تضم العديد من القوى الفاعلة في الاقتصاد العالمي؛ مثل: الصين وروسيا والهند، إلى جانب مساعي قوى الشرق لتوسيع عضوية بريكس وشنغهاي عبر ضم المزيد من الدول الصاعدة وذات التأثير في القضايا الدولية والإقليمية؛ مثل: مصر، والسعودية، والإمارات وغيرها، لتعزيز النفوذ والشراكات الاقتصادية والتجارية، والحد من تأثير القوى الغربية.

ويمثل الاهتمام الشرقي بضم إيران لتلك التكتلات، وفق بعض المراقبين، انعكاسًا للدور الإيراني والتأثير الإقليمي في منطقة محورية من العالم كالشرق الأوسط والعالم العربي، في حين يرى البعض الآخر أن إيران تفتقر إلى المقومات الاقتصادية والبنية التحتية المطلوبة؛ إضافة إلى العلاقات الدولية والإقليمية البناءة للتأثير في فعالية تلك التكتلات عالميًّا؛ كما أن القوى الشرقية لديها مصالحها الخاصة التي تقف وراء قبول عضوية إيران في تلك التكتلات.

فما طبيعة التكتلات الشرقية الصاعدة وواقعية تأثيرها في الاقتصاد والسياسة العالمية؟ وما أسباب ودوافع الاهتمام الإيراني بالانضمام إلى تلك التكتلات؟ وهل تُعد إيران قوة فاعلة في الشرق الأوسط والسياسة والاقتصاد الإقليميين؟ وفي ظل الاقتصاد الإيراني المتردي والبنية التحتية المتهالكة، كيف يمكن قراءة أبعاد ودوافع التكتلات الشرقية لمنح عضويتها لإيران؟ وما تأثير انضمام إيران إلى تلك التكتلات على دورها في الشرق الأوسط والعالم العربي؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على أبعاد ودوافع انضمام إيران إلى بريكس وشنغهاي في ظل افتقارها إلى القدرات الاقتصادية والصناعية المطلوبة، ومصالح قوى الشرق في ضم إيران إلى تكتلاتها في السطور الآتية:

التكتلات الشرقية والنظام العالمي:

منذ تأسيس التكتلات الشرقية الجديدة “مجموعة البريكس الاقتصادية، ومنظمة شنغهاي للتعاون”، خلال العقد الأول من القرن الحالي، أخذت تلك التكتلات الجديدة بالنمو تدريجيًّا وبصورة لافتة، وتضم دول البريكس قوى عالمية كبرى؛ مثل: الصين وروسيا والهند، ودولًا تُعد من الكبرى وذات تأثير في قاراتها؛ مثل: جنوب إفريقيا والبرازيل.

ومع منافستها للتكتلات الغربية مثل: مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، تطلعت تكتلات قوى الشرق إلى التوسع وضم دول جديدة إلى صفوفها؛ خاصة بعد تجاوز اقتصاد مجموعة البريكس اقتصاد مجموعة السبع خلال عام 2023م.

وقد بلغ عدد سكان المجموعة بعد توسعها في يناير الماضي نحو 3.5 مليار نسمة؛ أي: حوالي 45 بالمائة من سكان العالم، وتبلغ قيمة اقتصادياتها مجتمعة أكثر من 28.5 تريليون دولار، أي: حوالي 28 بالمئة من الاقتصاد العالمي. كما تنتج دول البريكس نحو 44 بالمائة من النفط الخام في العالم، مما يجعل مجموعة البريكس محورية في الاقتصاد والتجارة العالمية خلال العقدين الأخيرين. (المعهد الدولي للدراسات الإيرانية).

وإلى جانب البريكس، تبرز أيضًا منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم حاليًا ثماني دول أعضاء هي: “الصين، والهند، وكازاخستان، وقرغيزستان، وروسيا، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان”، وأربع دول بصفة مراقب ترغب بأن تصبح كاملة العضوية؛ وهي: “أفغانستان، وبيلاروسيا، وإيران، ومنغوليا”؛ كما تقيم المنظمة علاقات مع ست دول أخرى بصفتها شركاء الحوار؛ وهي: “أرمينيا، وأذربيجان، وكمبوديا، ونيبال، وسريلانكا، وتركيا”.

منذ إنشائها في عام 2001م، ركزت المنظمة جهودها بشكل أساسي على قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب الإقليمي العابر للحدود، والحركات الانفصالية القومية والتطرف الديني، وقد باتت التنمية الإقليمية أيضًا من بين أولوياتها خلال السنوات الأخيرة.

تتمتع المنظمة بصفة المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2005م، وفي إبريل 2010م، وقعت أمانتا الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون إعلانًا مشتركًا حول التعاون؛ كما أقامت الأمانة العامة للمنظمة شراكات مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة السياحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة.

إلى جانب تعاونها المستمر مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة، تحافظ إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة، وكذلك مركز الأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى، على اتصالات منتظمة مع مسؤولي منظمة شنغهاي للتعاون. (بي بي سي عربي).

على عكس مجموعة البريكس، فإن التركيز الأكبر لمنظمة شنغهاي للتعاون منصب على التعاون في مجال التطورات الأمنية في المنطقة، والقضايا الرئيسية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف المسلح. وفي عام 2017م، أقامت إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام مكتب اتصال لها مع المنظمة في بكين.

 وبالتالي يمكن القول: إن التكتلات الشرقية تُعد محورية في النظام العالمي الحالي وذات ثقل وتأثير عالمي واسع، كونها تضم أكثر من 3.5 مليار نسمة وتطمح إلى المزيد من التوسع وضم دول إقليمية جديدة في مختلف القارات؛ غير أن التكتلات الشرقية قد وضعت عدة معايير للدول الراغبة في الانضمام لها كي لا تشكل عبئًا اقتصاديًّا عليها، أبرزها: “ضرورة الاستقرار السياسي في الدولة المتقدمة إلى مجموعة بريكس، إلى جانب وجود علاقات ثنائية متنوعة مع دول المجموعة، وتمتع الدولة باقتصاد متنوع ورئيس في منطقته، إلى جانب توافر موقع استراتيجي للتجارة الدولية، والقدرة على النمو السريع، والتي تُعد من أهم الشروط المطلوب تحقيقها”.

التحركات الإيرانية للتقارب مع قوى الشرق:

بدءًا من عام 2021م، ومع التداعيات الكارثية للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد والمجتمع الإيراني ككل، أخذ اهتمام الساسة الإيرانيين بالتطلع نحو تعزيز التعاون مع قوى الشرق، بالرغم من عدم امتلاك الدولة الإيرانية الحد الأدنى من المتطلبات للانضمام إلى التكتلات الشرقية؛ غير أن الرئيس الإيراني الراحل “إبراهيم رئيسي”، ومنذ توليه مقاليد الحكم خلال الفترة من 3 أغسطس 2021م وحتى 19 مايو 2024م، بذل جهودًا وتحركات واسعة وجادة للانضمام إلى التكتلات والاتحادات الاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والدولي.

فبعد توقيع طهران لاتفاقية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في يناير 2022م لإنشاء منطقة تجارة حرة، عززت طهران وجودها في التكتلات الدولية من خلال الحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون مطلع يوليو 2022م، ما رفع عزيمتها للانخراط في مجموعة بريكس، التي وافقت في أغسطس الماضي 2023م على دعوة إيران إلى جانب كل من “الأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، والسعودية، والإمارات” إلى عضويتها في أول يناير 2024م.

في غضون ذلك، تحتفل طهران بالانضمام إلى التكتلات الدولية إلى جانب توقيع الاتفاقيات الإستراتيجية طويلة المدى مع كل من الصين وروسيا، وتعتبر نجاح دبلوماسيتها في المجالين الجيواقتصادي والجيوإستراتيجي سبيلًا للحد من تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على اقتصادها. وقد جاءت التحركات الإيرانية للانضمام إلى تلك المنظمات والهيئات الاقتصادية الناشئة كرد فعل على فشل المفاوضات النووية ومحاولات التوافق مع الغرب للتخلص من العقوبات الأوروبية والأمريكية. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

وقد كبدت هذه العقوبات الاقتصاد الإيراني الكثير من الخسائر وتسببت في انهيار قيمة العملة المحلية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتأجج الداخل الإيراني الرافض لسياسات النظام. هذا ما دفع إيران لإعادة النظر والتوجه نحو القارة السمراء بشكل خاص وأمريكا اللاتينية بشكل عام، باعتبارهما فرصتين مناسبتين لتوسيع نطاق النفوذ الإيراني ودعمه على الساحة الإقليمية والدولية.

لهذا السبب، وبعد أن نجحت إيران في حل الصدام بينها وبين المملكة العربية السعودية بعد مدة من القطيعة والسجال دامت نحو 7 سنوات، سعت مؤخرًا نحو تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والدبلوماسية مع جنوب أفريقيا. وتلك الخطوة جاءت بعد مصادقة روسيا والصين على الحضور الإيراني هناك.

ويرى العديد من المراقبين أن الاهتمام الإيراني بالتكتلات الشرقية يأتي كثمرة للعلاقات الإيرانية مع روسيا والصين. وفي الآونة الأخيرة، عمقت الحرب الروسية الأوكرانية العلاقة بين طهران وموسكو، في حين حافظت العلاقات مع بكين على مكانتها البارزة في عهد الرئيس “إبراهيم رئيسي”. ومع ذلك، تعتبر الحكومة الإيرانية أيضًا منظمة شنغهاي منصة لتوسيع العلاقات مع قوى أقل مستوى.

فقد أعقبت الموافقة المبدئية على عضوية إيران في منظمة شنغهاي 2022م سلسلة من التبادلات الدبلوماسية الإيرانية مع “طاجيكستان، وكازاخستان، وأوزبكستان” في ربيع وصيف عام 2022م. وفي الواقع، تمنح منظمة شنغهاي للتعاون طهران منتدى دبلوماسيًّا للسعي إلى توطيد العلاقات مع دول المنطقة، وهي عملية أعاقتها سابقًا القيود المحلية وانعدام الاتساق في السياسات. ومن جانبها، ترى حكومات آسيا الوسطى إيران مركزًا محتملًا للعبور وبديلًا للاعتماد على روسيا.

وتعوّل إيران على فوائد الانضمام إلى المنظمة؛ إذ يأمل الساسة الإيرانيون أن يوفر وجود طهران فيها منصة للأمن الجماعي، ويؤدي إلى التنمية المستدامة، ويوسع الروابط والاتصالات، ويعزز الوحدة، ويحترم سيادة الدول. وستحاول إيران تعزيز مسعاها للبحث عن مركز مميز في نظام عالمي متعدد. فقد قال “رئيسي” خلال خطابه أمام قمة قادة شنغهاي: “إن ما يشكل أساس نظام الهيمنة الغربية هو هيمنة الدولار، وبالتالي فإن أية محاولة لتشكيل نظام دولي عادل تتطلب إزالة أداة الهيمنة في العلاقات البينية”.

الأوضاع الاقتصادية والسياسية الإيرانية والانضمام إلى التكتلات الشرقية:

تعاني إيران من عدة أزمات اقتصادية طالت العديد من قطاعات الدولة، وتأتي نتيجةً لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات اقتصادية شاملة على النظام الإيراني، بسبب التدخلات السلبية في منطقة الشرق الأوسط وإشعال الحروب والنزاعات والعنف المسلح في دول الجوار.

وللحد من الإرهاب الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، عملت دول الإقليم على فرض ضغوط وعقوبات اقتصادية هي الأخرى على الاقتصاد الإيراني والحد من علاقاتها السياسية والاقتصادية مع طهران؛ ما وضع الدولة الإيرانية في وضع صعب، وفاقم من أزماتها الاقتصادية والسياسية والإدارية.

ورغم حرص المسؤولين الإيرانيين على تأكيد فشل إستراتيجية الضغوط القصوى التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، بل والعقوبات الاقتصادية بشكل عام؛ إلا أنه اتضح أن العقوبات كان لها تأثير كبير وواسع النطاق على المستوى السياسي من جوانب عدة؛ فقد زادت وتيرة الاحتجاجات داخل إيران بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي بشكل غير مسبوق، على نحو بدا جليًّا في تظاهرات نوفمبر 2019م التي اندلعت على خلفية قرار مجلس التنسيق الاقتصادي برفع أسعار الوقود والمحروقات، حيث انطلقت هذه التظاهرات من مدينة مشهد وخوزستان وبالتحديد في الأحواز. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

ثم تلت ذلك الاحتجاجات التي اندلعت من مدينة الأحواز في منتصف يوليو 2021م اعتراضًا على شروع الحكومة الإيرانية في تحويل مياه الأنهار إلى المحافظات الوسطى، الأمر الذي تسبب في تدمير المحاصيل الزراعية؛ ما يعكس سوء الإدارة الإيرانية لموارد وثروات البلاد، واتخاذ إجراءات فاقمت من الأزمة؛ كما يمكن استنتاج أن السلطات الإيرانية كانت تهدف من خلال ذلك إلى تهجير قاطني هذه المناطق من العرب.

كما شهدت أكثر من 200 مقاطعة ومدينة احتجاجات للمعلمين في منتصف ديسمبر من العام 2021م والتي تتجدد بين حين وآخر، وتطالب من خلالها نقابة المعلمين البرلمان الإيراني بتنفيذ مشروع قانون تصنيف المعلمين والمساواة في حقوقهم. (مركز الفرات للدراسات).

ويعتبر تدهور وضع الاقتصاد الإيراني بسبب عوامل عدة؛ في مقدمتها: العقوبات الأمريكية وهو العامل الأكثر تأثيرًا فيما يتعلق بتصاعد معدل الاستياء العام في إيران، إلى جانب سوء الإدارة والقمع السياسي، وسوء علاقات النظام الإيراني مع دول الجوار؛ رغم أن التقديرات الإيرانية تكشف عن ارتفاع معدل الصادرات النفطية من خلال عمليات التهريب التي تتم إلى الصين؛ إلا أن طهران تعاني من بعض القيود الهيكلية في هذا الإطار؛ مثل: ضعف البنية التحتية اللازمة لتأمين الصادرات النفطية في سياق التغيرات الهيكلية في سوق الطاقة العالمي، تحت تأثير التغيرات التكنولوجية لزيادة الإنتاج وتقليل الاستهلاك.

كما تسببت حملة الضغوط القصوى الأمريكية التي تم فرضها في عهد ترامب، في خروج إيران من سوق النفط العالمية، وفقدان دورها في السلسلة الاقتصادية العالمية.ومن ناحية أخرى؛ أدى ظهور بعض التقنيات الحديثة مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي إلى تعزيز قدرة بعض القوى الكبرى؛ مثل: الولايات المتحدة الأمريكية على تأمين احتياجاتها من الطاقة عن طريق النفط الصخري؛ فضلًا عن أن المدة الطويلة من العقوبات التي فرضت وما زالت مفروضة على إيران، أدَّت إلى فقدانها ثقة المستثمرين على المدى الطويل، مع أن العقوبات الاقتصادية أدت إلى اتجاه إيران نحو التفكير في سبل بديلة للصادرات النفطية التي تعتبر المصدر الرئيسي للدخل القومي؛ إلا أنها أسفرت عن انخفاض معدل الصادرات السلعية الأخرى بالنظر إلى الجزاءات الاقتصادية التي فرضت على المعادن الصناعية الإيرانية وقطاع البتروكيماويات.

ويتوازى ذلك مع انفصال إيران عن الشبكات المصرفية العالمية، بل ويتم تحويل الأموال إليها على شكل حقائب أو من خلال مكاتب الصرافة نتيجة دخولها إلى القائمة السوداء بعد رفض البرلمان الإيراني المصادقة على توقيع اتفاقية مجموعة العمل المالي لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال.وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني يفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات الانضمام إلى التكتلات الشرقية “مجموعة البريكس الاقتصادية، ومنظمة شنغهاي للتعاون”؛ كما أن الاقتصاد الإيراني لا يُعد من الاقتصادات الأسرع نموًّا.

إلى جانب أن التأثير الإيراني في الإقليم يُعد تأثيرًا سلبيًّا يفاقم من حدة الصراعات والعنف المسلح وأزمات المنطقة، ما طرح العديد من التساؤلات حول أسباب قبول إيران في التكتلات الشرقية.

أبعاد ودوافع منح التكتلات الشرقية عضويتها إلى إيران:

توجد العديد من الدول داخل التكتلات الشرقية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المطلوبة للانضمام إلى تلك التكتلات؛ فدول آسيا الوسطى على سبيل المثال، لا تُعد من الاقتصادات الأسرع نموًّا عالميًّا، إلا أنها تتميز بموقع جغرافي ترى فيه التكتلات الشرقية ذا أهمية في مشاريعها الاقتصادية طويلة الأمد المستقبلية؛ إلى جانب باكستان وإثيوبيا، فتلك البلاد تمتلك اقتصادات متواضعة ولا تتمتع بتأثير اقتصادي وتجاري واسع في أقاليمها، ما دفع مراقبين غربيين إلى القول بأن التكتلات الشرقية أداة روسيا والصين لتحقيق أهداف أخرى طويلة الأمد مستقبلًا. (الجزيرة).

فبالنظر إلى ما ستجنيه روسيا والصين من ضم إيران إلى تكتلاتهم الشرقية؛ فإلى جانب موقع إيران الجغرافي، وإطلالها على مضيق هرمز ومنطقة الشرق الأوسط ككل، تكمن أيضًا رؤية روسيا والصين في قرب إيران الجغرافي من آسيا الوسطى والقوقاز، مما سيسهل ربط الأسواق الأوراسية ببعضها البعض عبر إيران لتصريف ونقل البضائع والمنتجات الصينية الفائضة.

وترى روسيا في إيران ممرًا محوريًّا لمشروعها العملاق “ممر الشمال الجنوب” للربط بين مدينة سانت بطرسبورغ وميناء مومباي بالهند عبر آسيا الوسطى وإيران، بعد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، التي أثرت على حجم التبادل التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي؛ ففي ظل نمو وزيادة القدرات الإنتاجية والصناعية والاقتصادية ككل في الصين وروسيا والهند، تسعى تلك الدول إلى استحداث سوق عالمي واسع في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، للالتفاف على العقوبات والضغوطات الغربية عبر مشاريعها العملاقة “ممر الشمال الجنوب”، و”مبادرة الحزام والطريق”، فالصين تعمد إلى إغراق الدول بالديون والأسواق بالمنتجات الصينية.

أما روسيا: فلديها هدف مختلف من التكتلات الشرقية يتمثل في الالتفاف على العقوبات الغربية وتعزيز التعاون مع أعداء الغرب مثل إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية. من جهتها، تُعد الهند بلدًا محايدًا في سياساته الخارجية؛ غير أنها تمكنت من تحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال العقود الأخيرة؛ ما دفع نيودلهي للتطلع لتعزيز التعاون والشراكات مع الدول المختلفة حول العالم. ويُعد النفط الإيراني الرخيص نسبيًّا محوريًّا بالنسبة إلى الصين والهند لاستمرار عجلة الإنتاج الصناعي، وهو أحد العوامل التي دفعت روسيا والصين والهند إلى ضم إيران لتكتلاتها إلى جانب الموقع الجغرافي.

تداعيات انضمام إيران إلى التكتلات الشرقية على دول الشرق الأوسط:

تكمن العديد من النقاط الإيجابية في انضمام إيران إلى “مجموعة البريكس الاقتصادية” و”منظمة شنغهاي للتعاون”؛ فوجود دول من منطقة الشرق الأوسط داخل تلك التكتلات مثل “إيران ومصر والسعودية والإمارات” سيعزز من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول الإقليم، مما سيحد من الدور السلبي الإيراني في دول الشرق الأوسط.

الدول الكبرى داخل التكتلات الشرقية تطمح إلى تعزيز نهضتها الاقتصادية والتنموية بفتح أسواق جديدة في الشرق الأوسط الذي يتميز بمواد وثروات طبيعية متنوعة وذات طلب عالمي، إلى جانب الموارد البشرية والكثافة السكانية. وبالتالي، فإن استقرار المنطقة والعمل على تصفية الخلافات والبحث عن نقاط التقاء في القضايا العالقة يُعد هدفًا للدول الكبرى في الشرق الأوسط لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتعزيز التبادل التجاري والتنمية الشاملة مع دول الإقليم.

هذا ما بدا جليًّا في اتفاق المصالحة الإيرانية الخليجية الذي تم برعاية الصين؛ كما أن إيران قد عانت من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية بالغة خلال العقود الأخيرة، وقد يثمر انضمامها إلى التكتلات الشرقية عن تركيز طهران على تحقيق تنمية شاملة في الداخل الإيراني، وهو ما سيتطلب بالتأكيد تعاونًا مع دول الإقليم. وقد نشهد خلال السنوات القادمة تغييرًا ولو محدودًا في السياسة الإيرانية تجاه دول المنطقة.

الخلاصة:

أدت سياسات إيران وتدخلاتها في الشأن الداخلي لدول الجوار إلى عقوبات اقتصادية وعزلة سياسية كان لها أثر سلبي على الاقتصاد والمجتمع الإيراني؛ فالداخل الإيراني يعاني من أزمات ومشاكل عدة منذ عام 1979م، وغياب مشاريع التطوير والتنمية للبنية التحتية؛ كما مثل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وانتهاج سياسات الضغوط القصوى، إلى جانب انهيار العلاقات الإيرانية العربية، عاملًا حاسمًا لطهران لمراجعة سياساتها الخارجية، وإصلاح علاقاتها بدول الجوار، والتقارب مع التكتلات الشرقية الصاعدة؛ مثل: “مجموعة بريكس الاقتصادية” و”منظمة شنغهاي للتعاون”.

تعكس التحركات الإيرانية الأخيرة، مثل المصالحة مع دول الخليج والتقارب مع الدول العربية ودول الإقليم، إلى جانب الانضمام لمجموعة البريكس الاقتصادية ومنظمة شنغهاي للتعاون، بداية جديدة في علاقات إيران الخارجية، لإصلاح اقتصاد البلاد المتردي والحد من تداعيات العقوبات الغربية. ومع ذلك، فإن انضمام إيران إلى التكتلات الشرقية، رغم عدم تحقيقها الحد الأدنى من معايير الانضمام المطلوبة، قد أظهر تطلعات روسيا والصين المستقبلية تجاه منطقة الشرق الأوسط في مشاريعها الاقتصادية خلال السنوات القادمة، مثل “مبادرة الحزام والطريق”، و”ممر الشمال الجنوب”، التي تتطلب استقرارًا سياسيًّا وأمنيًّا في المنطقة، والحد من المشاحنات بين إيران ودول المنطقة.

المصادر:

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية

بي بي سي عربي

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

مركز الفرات للدراسات

الجزيرة

إيرانالصينبريكسشنغهايمصر
Comments (0)
Add Comment