مستقبل العلاقات الصينية الأوروبية في ظل الحرب الباردة الجديدة
للمرة الأولى منذ 5 سنوات، وفي ظل ازدياد حدة التنافس الدولي فيما يُعرف بالحرب الباردة الجديدة؛ أجرى الرئيس الصيني “شي جين بينغ” جولة إلى عددٍ من الدول الأوروبية خلال الفترة من 5 إلى 10 من مايو الجاري 2024م، للتباحث في عددٍ من الملفات الحيوية التي تجمع الصين بعددٍ من دول الاتحاد الأوروبي، على رأسها الخلافات التجارية، ومشاريع تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات التي تنفذها الصين في دول الاتحاد والتي تواجه ضغوطاتٍ شديدة في الفترة الأخيرة.
هذا إلى جانب دور الولايات المتحدة في تحديد بوصلة واتجاه العلاقات الأوروبية الصينية، ومحاولات بعض القادة الأوروبيين إلى تقييد وصول المنتجات الصينية إلى أسواق التكتل؛ هذا فضلًا عن القضايا الدولية الأخرى، مثل: دور الصين في الحرب الروسية الأوكرانية، وموقف بكين اتجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ففي ظل الصراعات الدولية المتعددة والحرب الباردة الجديدة التي تزداد سخونةً، ما مستقبل العلاقات الأوروبية الصينية؟ وما أبرز النِّقَاط الخلافية في العلاقات الأوروبية الصينية؟ وهل تلقى الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة بظلالها على العلاقات الصينية الأوروبية؟ وما مخرجات جولة الرئيس الصيني إلى أوروبا؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات عبر دراساته وتحليلاته المختلفة في هذا التقرير الضوء على جولة الرئيس الصيني إلى دول الاتحاد الأوروبي ومستقبل العلاقات الصينية الأوروبية في ظل الحرب الباردة الجديدة والضغوطات الأمريكية على دول التكتل، في هذه السطور الآتية:
الخلافات التجارية بين الصين والدول الأوروبية:
الخلافات التجارية بين دول الاتحاد الأوروبي والصين تشكل جزءًا مهمًّا من المشهد الاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين، ويمكن تحليلها من عدة زوايا لفهم طبيعتها ومصادرها وتأثيراتها المختلفة على الجانبين؛ تلك الخلافات ليست في معظمها تبعيةً لما تشهده العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يمكن أن تتأثر بالديناميكيات العالمية والعلاقات الدولية بين الأطراف المختلفة في الصراع.
فأولًا: يرى الخبراء أن الخلافات التجارية بين أوروبا والصين تستند إلى مشكلاتٍ تجارية حقيقية بمعزل عن العلاقات مع الولايات المتحدة، فالاقتصادات المتقدمة في دول الاتحاد الأوروبي تشعر بضغوطاتٍ متزايدة نتيجة لتباطؤ اقتصاداتها مقارنةً مع معدلات نمو اقتصاد الصين، إضافة إلى المنافسة الشديدة بين الجانبين.
وقد يرى بعض القادة السياسيين الأوروبيين أن الصين تمثل تهديدًا لصناعاتهم المحلية، بسبب تدفق المنتجات الصينية بأسعارٍ رخيصة إلى أسواقهم، مما يؤدي إلى فقدان فرص العمل وتشويه المنافسة العادلة؛ ففي سبتمبر الماضي شهدت العلاقات التجارية ما بين الصين والاتحاد الأوروبي تصاعدًا في حدة التوتر، إثر إعلان الاتحاد الأوروبي عن التحقيق في دعم الصين للسيارات الكهربائية لتقييم إذا ما كان ستفرض رسومًا جمركيةً عقابيةً على واردات السيارات الكهربائية الصينية، ما أثار غضب الحكومة الصينية وتنديدها بأن تؤدي تلك الخطوة إلى إشعال حربٍ تجارية بين الجانبين. (إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية)
حيث تشير المفوضية الأوروبية إلى أن “أسعار السيارات الكهربائية الصينية المبيعة في أوروبا عادةً ما تكون أقل بنسبة 20% من العلامات التجارية المصنوعة في الاتحاد الأوروبي”، وتبلغ حصة الصين من السيارات الكهربائية المبيعة في دول التكتل الأوروبي نحو 8% مع توقعاتٍ بوصولها إلى 15% بحلول عام 2025م.
ويغطي التحقيق الأوروبي بحسب التقارير الإعلامية، السيارات التي تعمل بالبطاريات من الصين وكذلك العلامات التجارية التي تصنع في الصين؛ مثل: “تسلا” و”رينو” و”بي إم دبليو”، كما يشمل أسعار المواد الخام، والبطاريات، والقروض التفضيلية وتوفير الأراضي الرخيصة. (إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية).
ولا يقتصر الخلاف الأوروبي الصيني على سوق السيارات فقط، بل يمتد إلى مختلف القطاعات؛ إذ ترتفع مخاوف الاتحاد الأوروبي من جراء اتساع العجز التجاري مع الصين وتعرض شركاتٍ أوروبية في قطاعاتٍ حيوية للإفلاس بسبب سياسة الصين التجارية التي تحوِّل شركاتها إلى موردٍ حصري، مع إزاحة الشركات المماثلة من الأسواق، فضلًا عن الدعم الصيني للاقتصاد الروسي بعد الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة الاعتماد الأوروبي على الصين.
ووفقًا لأرقام التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي في عام 2023م، فقد بلغت صادرات أوروبا إلى الصين نحو 223.5 مليار دولار، في حين بلغت واردات أوروبا من الصين نحو 514.4 مليار دولار، وهو ما يشير إلى وجود عجزٍ في الميزان التجاري بين الطرفين يقدر بنحو 290.9 مليار دولار لصالح الصين. (الشرق ناو).
ما دفع الدول الأوروبية إلى تجديد إستراتيجيتها نحو الصين لتقليل المخاطر من خلال الدفاع عن صناعتها، والسعي نحو وضع تعريفاتٍ جمركيةٍ على الصادرات الصينية ما سيقابل بردٍّ صيني مماثل ويوسع من نطاق الصراعات التجارية في العالم؛ هذا إلى جانب مساعي بعض الدول الأوروبية إلى حظر استخدام بعض المكونات الصينية في شبكة الجيل الخامس اللاسلكية لديها، وتتخذ ألمانيا موقفًا أكثر تشددًا بشأن البنية التحتية الحيوية للشبكة، بعد أن قالت الحكومة الألمانية في وقتٍ سابق إنها لا تعرف مدى انتشار المُعِدَّات الصينية في أنظمتها المحمولة.
وتأتي هذه الخطوة في حين تراجع الولايات المتحدة التراخيص الحالية لتصدير المُعَدَّات إلى “هواوي” بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي وبالتزامن مع تزايد تركيز الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على المخاطر الأمنية التي تشكلها الشركات الصينية.
وحظرت المفوضية الأوروبية في فبراير 2023م الموظفين من استخدام “تيك توك” على الهواتف الرسمية بعد أن فرض الكونغرس الأميركي قيودًا على استخدام التطبيق على الأجهزة الفيدرالية العام الماضي. (سي إن إن الاقتصادية).
وثانيًا: تلعب السياسة والعلاقات الدولية دورًا كبيرًا في هذه الخلافات، فمن الواضح أن الصراعات الجيوسياسية بين القِوَى الكبرى تؤثر بشكلٍ مباشر على العلاقات الاقتصادية بين الدول، وبالنظر إلى العلاقات بين الصين والولايات المتحدة فإن أي تصعيد في الصراع التجاري بينهما يمكن أن ينتقل إلى علاقات الصين بدول الاتحاد الأوروبي؛ سواء كان ذلك بسبب تغيراتٍ في السياسات التجارية أو بسبب زيادة التوترات الجيوسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب القضايا الجيوسياسية مثل حقوق الإنسان والقضايا البيئية والأمن السيبراني دورًا أيضًا في تشكيل الخلافات التجارية بين أوروبا والصين، فالقيم والمبادئ التي تدافع عنها الدول الأوروبية والتي تُعد جزءًا من السياسية الخارجية للدول الأوروبية، قد تجعلها تتبنى مواقف أكثر صرامة اتجاه الصين في هذه القضايا، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية.
بناءً على ذلك: تميل الكِفّة اتجاه رأي الداعمين لنظرية أن الخلافات التجارية بين أوروبا والصين ليست مجرد تبعية للولايات المتحدة، بل يستند بعضها إلى مشكلاتٍ تجارية حقيقية وتتأثر بالديناميكيات العالمية والعلاقات الدولية، مثل الحرب التجارية والعقوبات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة منذ العام 2018م.
لكن الجميع يتفق على أهمية توجيه الجهود نحو البحث عن حلولٍ تعزز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الأطراف المعنية، وتحقيق المصالح المشتركة مع مراعاة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تشكل جوهر هذه الخلافات، وهو ما كان يأمل مراقبون في تحقيقه مع جولة الرئيس الصيني إلى دول الاتحاد الأوروبي والمباحثات المشتركة للتهدئة من حدة التنافس والاستقطاب والخلافات القائمة بين الصين وأوروبا.
محاولات حل الخلافات التجارية بين الصين ودول التكتل الأوروبي:
استحوذت الخلافات التجارية بين الصين والدول الأوروبية على جزءٍ ليس بالهين من المباحثات بين الجانبين خلال جولة الرئيس الصيني إلى دول التكتل، إذ سعت الصين والاتحاد الأوروبي إلى محاولة التوصل إلى حلولٍ لعلاج الخلافات التجارية بين الجانبين، ولاسيما فيما يتصل بالاختلال الكبير في الميزان التجاري لصالح الصين؛ إذ دعت باريس وبروكسل بكين إلى ضمان تجارةٍ أكثر توازنًا مع أوروبا وتقليص الخلل التجاري بين الجانبين. ومن هنا، تطالب أوروبا الصين بضرورة تحسين إمكانية وصول الشركات الأوروبية إلى الأسواق الصينية وتقليل إعانات الدعم للمصدرين الصينيين. (القاهرة الإخبارية).
وردًّا على المخاوف الغربية بشأن احتمال التخلص من السلع الصينية المدعومة، رفضت بكين ما يدعيه الاتحاد الأوروبي بشأن ما يُطلق عليه مشكلة الطاقة الفائضة في الصين، إذ أكد الرئيس “شي” خلال اللقاء أن إنتاج بكين الضخم من السلع الخضراء عالية التقنية سيساعد العديد من الدول حول العالم على الوفاء بالتزاماته المناخية.
وخلال المباحثات، كانت لهجة “أورسولا فون دير لاين” رئيسة المفوضية الأوروبية في لقائها الثلاثي مع ماكرون وشي في باريس أكثر حدة، حيث ركزت على القضايا الخلافية أكثر من قضايا التوافق سواء أكانت جيوسياسية أو اقتصادية أو حتى ما تعلق منها بقضايا التغير المناخي. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).
وقد تكثفت الأحاديث الأوروبية عن درجة الاعتماد الكبيرة على الصين أو بتعبيراتٍ أخرى الانكشاف الأوروبي في ظل التعامل مع أزمة وباء كورونا، وكما هو معلوم تحذر الصين من استخدام هذه الحجج للسير قدمًا فيما يسمى بفك الارتباط الاقتصادي معها، وما يرتبط بذلك من قضايا من قبيل القدرة الإنتاجية المفرطة بالنسبة لها.
وبالنظر إلى تمسك بكين بمواقفها فيما يتعلق بالخلافات التجارية مع العديد من الدول حول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، فمن المستبعد أن يلجأ الرئيس الصيني إلى تغيير موقفه إزاء مسألة اختلال التوازن التجاري المتفاقم بين الصين والاتحاد الأوروبي.
وذلك نتيجة للطاقات الإنتاجية الكبرى الفائضة في الصين، والتي تعمل الصين من خلالها على إغراق العديد من الأسواق حول العالم للهيمنة على التجارة والصناعة العالمية، وخاصةً فيما يتعلق بصناعات السيارات الكهربائية والتكنولوجيا الخضراء، في ظل تركيز بكين على مضاعفة النمو القائم على التصدير إلى الخارج، وفرض بكين لرسومٍ جمركيةٍ مؤخرًا على بعض الواردات الأوروبية ردًا على الإجراءات الأوروبية المماثلة ضد منتجاتها.
وهو ما يعني أن قيام أوروبا بفرض رسومٍ جمركيةٍ على المنتجات الصينية سيقابله رد فعلٍ قوي من جانب الصين، إذ يمكن لبكين أن تفرض قيودًا على تصدير المواد اللازمة لصنع الرقائق الدقيقة وعلى الصادرات الفرنسية إلى الصين والعديد من العناصر الأخرى، ما سيزيد أكثر من حدة الصراعات التجارية الدولية المشتعلة بين الدول الكبرى وسيكون له تداعياته السلبية على العديد من الاقتصادات حول العالم.
وعلى الرغم من تأكيد “أورسولا فون دير لاين” على أهمية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، إلا أنها هاجمت ما اعتبرته فائض الإنتاج الصيني وأكدت أن التكتل الأوروبي “لن يتردد في اتخاذ قراراتٍ حازمة” لحماية اقتصاده وأمنه بالاستفادة من “أدوات الدفاع التجاري إذا كان ذلك ضروريًا”. (بوابة الوسط).
وهو ما يعكس الإصرار الأوروبي على المضي قدمًا في سياسته الهادفة إلى تقييد الواردات الصينية إلى أسواقه، الأمر الذي يعني أن الفترة المقبلة قد تشهد مزيدًا من الخلافات والاحتكاكات التجارية بين الجانبين.
الحرب في أوكرانيا والمباحثات الصينية الأوروبية:
لم تغب الصراعات والحروب المشتعلة في عدة مناطق حول العالم عن جدول أعمال المباحثات الصينية الأوروبية، ففيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وبينما يواصل الرئيس الصيني إظهار دعمه لنظيره الروسي “فلاديمير بوتين”، تحرص باريس على مطالبة بكين بالضغط على موسكو لوقف عملياتها في أوكرانيا، ولم تحقق تقدمًا يذكر حتى الآن باستثناء قرار الرئيس الصيني الاتصال بنظيره الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” للمرة الأولى بعد وقتٍ قصير من زيارة ماكرون لبكين العام الماضي.
وقال مستشار في الإليزيه: “نظرًا لأن الصين أحد شركاء روسيا الرئيسيين فإن هدفنا هو استخدام نفوذها على موسكو لتغيير حسابات روسيا والمساعدة في المساهمة في حل الصراع”، وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي “إذا كان الصينيون يسعون إلى تعميق العلاقات مع الشركاء الأوروبيين فمن المهم حقًا أن يستمعوا إلى وجهة نظرنا ويبدأوا في أخذها على محمل الجد”. (الجزيرة).
أما بالنسبة للصين، فقد مثلت الزيارة فرصةً للرئيس “شي” لتوضيح موقفه من دعم روسيا وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين موسكو وبكين، حيث صرح خلال مؤتمره الصحفي مع نظيره الفرنسي “الصين لم تكن البادئة بالأزمة الأوكرانية كما أنها ليست طرفًا فيها أو مشاركة فيها”، مضيفًا “تعارض الصين محاولات استخدام الأزمة الأوكرانية لجعل دولة ثالثة كبش فداء أو تشويهها أو إشعال حربٍ باردة جديدة”. (الجزيرة).
داعيًا كافة الأطراف للمشاركة والحوار لبناء الثقة المتبادلة لحل الصراعات، كما أعرب عن تأييده عقد مؤتمرٍ دَوْلِيٍّ للسلام في الوقت المناسب تعترف به كل من روسيا وأوكرانيا ويضمن المشاركة المتساوية لجميع الأطراف وإجراء مناقشاتٍ عادلة حول جميع خطط السلام، مشددًا على دعم بلاده إقامة هيكل أمني متوازن وفعال ومستدام في أوروبا.
في المقابل: تُعد المجر من القِوَى الأوروبية الأكثر براغماتية والتي تحاول الاستفادة من كافة الأطراف، وقد تجلى ذلك من خلال موقفها من فرض العقوبات على روسيا، فضلًا عن استمرار علاقاتها مع موسكو لتأمين إمداداتها من الطاقة الروسية.
وهو ما انعكس على موقفها من أوكرانيا وتمثل في تصريحات رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس “شي” قائلًا “اليوم أوروبا تقف إلى جانب الحرب، والاستثناء الوحيد هو المجر التي تدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار وإجراء مفاوضات سلام وتدعم كل الجهود الدولية التي تشير إلى السلام.. كما ندعم مبادرة السلام الصينية التي قدمها شي جين بينج”. (مركز الإمارات للسياسات).
ويمكن القول: إن مخرجات القمة فيما يتعلق بالموقف من الأزمة الأوكرانية كانت رمزيةً إلى حدٍ ما، فالصين لديها حساباتها الخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا، واستفادت بشكلٍ كبير من العقوبات الغربية وتأزم العلاقات الروسية الغربية، في حين تعمل المجر على تحقيق منافعها الخاصة هي الأخرى من روسيا وتحديدًا فيما يتعلق بمجال الطاقة.
أما أوروبا فتسير خلف الولايات المتحدة التي ترى روسيا والصين تهديدًا لمكانتها الدولية وتسعى إلى الحد من (نموهم) الاقتصادي وتطورهم التقني، وتتمثل الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية اتجاه روسيا في إضعافها وتفكيكها كما تشير مراكز الدراسات الغربية المختلفة.
القمة الصينية الأوروبية والحرب الإسرائيلية على غزة:
بالتزامن مع جولة الرئيس الصيني للدول الأوروبية، دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها السابع والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 35 ألف وجرح 75 ألف آخرين، وقد كانت هذه الحرب حاضرةً بقوة في المباحثات الصينية الأوروبية وتحديدًا في المحطة الفرنسية.
التي نتج عنها بيانٌ فرنسي صيني مشترك حمل عدة نِقَاط، استهلت هذه النِّقَاط بالتأكيد على مسئولية البلدين في سياق المحافظة على السلم والأمن الدوليين باعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدَّوْلِيّ، واختتمت بالحث على الالتزام بالهدنة الأولمبية الشاملة وقت عقد دورتي الألعاب الأولمبية والبارالمبية الصيفيتين في باريس بعد شهرين من قمة الرئيسين. (سكاي نيوز عربية).
وتضمن البند الثالث من البيان إدانة كل ما يخالف القانون الدولي الإنساني، وكان هناك اعتراضٌ صريح على عمليةٍ عسكريةٍ في رفح لما سيحدثه ذلك من كارثةٍ إنسانيةٍ مضاعفة، إضافة إلى الاعتراض على التهجير القسري للفلسطينيين، واشتمل هذا البند على مجموعةٍ من النِّقَاط الفرعية، على رأسها الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار حتى يمكن للمساعدات الإنسانية أن تصل على نطاقٍ واسع، وحتى يمكن حماية المدنيين في القطاع.
بالإضافة إلى الدعوة إلى الإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح جميع الرهائن، مع ضرورة “احترام القانون الدَّوْلِيّ فيما يتعلق بجميع المعتقلين”، والدعوة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة المعنية بالحرب.
وتنتهج الصين سياسةً مختلفة عن السياسات الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط، فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يقدمون الدعم المستمر للكيان المحتل، في حين أن السياسة الصينية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصراعات المنطقة تختلف جذريًّا.
كما وتنظر بكين إلى الشرق الأوسط باعتباره منطقة شراكةٍ مستقبلية وأحد المناطق الحيوية في مشروع الحزام والطريق الصيني، وقد عملت بكين على توطين علاقاتها بدول منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، وتكمن الرؤية الصينية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والعمل على حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم التدخل في شؤون الدول.
الخلاصة:
شهدت العلاقات الأوروبية الصينية في الآونة الأخيرة حالةً من الشد والجذب، نتيجة للتغيرات العالمية الجارية وزيادة حدة التنافس الدَّوْلِيّ بين الولايات المتحدة والصين، ما ألقى بظلاله بشكلٍ كبير على العلاقات الصينية الأوروبية؛ هذا إلى جانب الخلافات التجارية والتي تتفاقم أكثر وتزداد حدةً حتى بلغت مستوى غير مسبوق في سبتمبر الماضي، مع تصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى اللجوء لفرض رسومٍ جمركيةٍ جديدة، في مواجهة ما يراه القادة الأوروبيين فائض الإنتاج الضخم في الصين، والتي تحاول بكين من خلاله إغراق العديد من الأسواق حول العالم، ومن بينها السوق الأوروبية.
تأتي جولة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى الاتحاد الأوروبي في وقتٍ لا تقتصر الخلافات بين الجانبين على القضايا الاقتصادية والتجارية فقط، بل إن الأمر تعداه إلى توجيه اتهاماتٍ لبكين باستغلال تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات في تنفيذ عمليات قرصنة وتجسس، هذا إلى جانب ما تراه أوروبا دعمًا صينيًا مستمرًا لروسيا وانتهاك العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، إلا أن الرئيس الصيني كان واضحًا بشأن العلاقات الروسية الصينية، وحيادية بكين اتجاه الأزمة الأوكرانية، هذا إلى جانب نفي الصين الاتهامات الموجهة من قبل الغرب لها بممارسة أعمال تجسس وقرصنة.
نتيجةً لما تحظى به الصين من مكانةٍ كبرى على الصعيد العالمي، ودورها الفعال في العديد من القضايا الدولية حول العالم؛ تناولت المباحثات الصينية الأوروبية الصراعات الدولية المشتعلة في أوكرانيا وقطاع غزة، إذ سعى القادة الأوروبيون إلى استغلال العلاقات الصينية الروسية للضغط على روسيا، والتأثير في مجريات الصراع الأوكراني، إلا أن بكين لديها سياساتها الخاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية وعلاقاتها مع موسكو، كما وترى بكين أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
المصادر:
إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية