لماذا رفعت أمريكا الحظر عن بيع الأسلحة الهجومية للسعودية؟
في خطوة غير متوقعة، قررت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رفع الحظر الذي فرضته على بيع الأسلحة الهجومية للمملكة العربية السعودية؛ هذا القرار الذي تم الإعلان عنه عبر صحيفة “وول ستريت جورنال”، يعكس تحولًا مهمًّا في سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة.
يتضمن هذا القرار إرسال شحنات من الأسلحة بقيمة تتجاوز 750 مليون دولار، مما يشمل قنابل صغيرة وقنابل من نوع “Paveway IV”.
يأتي هذا التغيير في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توترات متصاعدة، وخاصة في ظل النزاع المستمر في غزة والتهديدات الإيرانية.
في هذا السياق، يستحق هذا القرار تحليلًا دقيقًا لفهم دوافعه وتأثيراته المحتملة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
خلفية القرار الأمريكي بحظر عن بيع الأسلحة الهجومية للسعودية:
1. تاريخ الحظر على بيع الأسلحة للسعودية:
في بداية عام 2021، فرضت إدارة بايدن حظرًا على بيع بعض فئات الأسلحة الهجومية للسعودية كجزء من سياسة لإعادة تقييم العلاقات الدفاعية مع الرياض.
كان هذا القرار جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى الضغط على السعودية لتقليل الأضرار المدنية في النزاع اليمني، وتعزيز حقوق الإنسان.
الحظر كان يشمل الأسلحة الهجومية التي تُستخدم في العمليات العسكرية التي تؤدي إلى خسائر بشرية ومدنية كبيرة.
2. تحسن الأوضاع في اليمن:
منذ توقيع الهدنة التي بُذلت جهود كبيرة للوصول إليها بوساطة الأمم المتحدة في مارس 2022، تحسنت الأوضاع إلى حد كبير.
توقفت الضربات الجوية السعودية بشكل ملحوظ، وانخفضت الهجمات عبر الحدود من اليمن إلى السعودية بشكل كبير.
هذا التحسن في الوضع الأمني ساهم في إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه السعودية، مما أدى إلى قرار رفع الحظر(1).
دوافع رفع الحظر:
1. الأهمية الاستراتيجية للسعودية:
السعودية تُعد شريكًا إستراتيجيًا حيويًّا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والعلاقة بين البلدين تمتد لعقود، وقد كانت الرياض دائمًا عميلًا رئيسيًّا لمبيعات الأسلحة الأمريكية.
في السنوات الأخيرة، بدأ التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية في التقلص، مما دفع الرياض إلى البحث عن بدائل؛ مثل: الصين وروسيا.
هذا التوجه أثار قلق واشنطن من فقدان نفوذها في المنطقة، ودفعت إدارة بايدن إلى اتخاذ خطوات لتعزيز العلاقة مع السعودية وإعادة التأكيد على التزامها بالدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
2. التوترات الإقليمية:
الشرق الأوسط يشهد توترات متزايدة، خاصة في ظل النزاع المستمر بين حماس وإسرائيل، والتهديدات الإيرانية، النزاع في غزة، وتصاعد التهديدات الإيرانية، والتوترات المتزايدة مع روسيا، كلها عوامل تجعل من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة تعزيز تحالفاتها في المنطقة.
السعودية تلعب دورًا حاسمًا في دعم استقرار المنطقة؛ لذا فإن دعمها عسكريًّا قد يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع للتعامل مع التهديدات الإقليمية والحفاظ على الاستقرار.
3. الانتخابات الأمريكية:
القرار يأتي في توقيت حاسم، قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستُجرى في نوفمبر 2024. إدارة بايدن قد تكون تسعى لتحقيق مكاسب سياسية من خلال تعزيز علاقاتها مع السعودية، خاصة في ظل المنافسة مع دونالد ترامب الذي قد يتبنى سياسة مختلفة تجاه الرياض.
فتعزيز العلاقة مع السعودية قد يكون محاولة لزيادة الدعم السياسي الداخلي وتعزيز موقف بايدن في الانتخابات القادمة.
4. التزام السعودية بتحسين عملياتها العسكرية:
تحسن الأوضاع في اليمن وانخفاض الأضرار المدنية نتيجة للهدنة ساهم في إعادة تقييم السياسة الأمريكية، السعودية أظهرت التزامًا بتحسين عملياتها العسكرية، مما ساعد على تخفيف حدة التوترات والضغوط الدولية.
رفع الحظر قد يكون بمثابة استجابة لهذا التحسن والتزامًا أمريكيًّا بالوفاء بالتزاماتها السابقة(2).
تأثيرات القرار:
1. تأثيرات على الصراع في اليمن:
رفع الحظر عن الأسلحة الهجومية قد يكون له تأثيرات متعددة على الصراع في اليمن، بينما قد يعزز قدرة السعودية على مواجهة الحوثيين، فإن هذا القرار ليس بالضرورة سيؤدي إلى تغيير جذري في موازين القوى.
الحوثيون، رغم تزايد الضغوط العسكرية قد يواصلون إستراتيجيتهم في استخدام التصعيد كتكتيك في المفاوضات.
من جهة أخرى: قد يوفر الدعم العسكري الأمريكي للسعودية أدوات جديدة لدعم عملية السلام والحفاظ على الهدنة، ولكن تبقى احتمالية التصعيد قائمة.
1. التأثير على العلاقات الأمريكية السعودية:
رفع الحظر قد يسهم في تعزيز العلاقات بين واشنطن والرياض، بعد فترة من التوترات.
هذا القرار يعكس التزام أمريكا بالشراكة الدفاعية مع السعودية ويعزز التعاون بين البلدين في مجالات الأمن والدفاع.
تحسين العلاقة قد يعزز الثقة المتبادلة ويعزز التعاون الإستراتيجي في مواجهة التهديدات الإقليمية.
2. تأثيرات على التوترات الإقليمية:
تعزيز قدرات السعودية العسكرية قد يؤثر على التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، في ظل التهديدات الإيرانية وتصاعد النزاعات الإقليمية، فإن دعم الولايات المتحدة للسعودية يعكس إستراتيجية لتقوية التحالفات وتعزيز الاستقرار.
هذا الدعم قد يساعد في تعزيز موقف السعودية في مواجهة التهديدات الإقليمية وحماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
3. تأثيرات على الانتخابات الأمريكية:
قرار رفع الحظر قد يكون له تأثير على المشهد الانتخابي الأمريكي، خاصة في ظل التحديات الدولية المحيطة، تعزيز العلاقات مع السعودية قد يعزز من موقف بايدن في الانتخابات، بينما الانتقادات الموجهة لسياسات الإدارة قد تؤثر على نتائج الانتخابات.
هذا القرار قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتحسين موقف بايدن وتعزيز سياساته الخارجية(3).
تحليل عميق للدوافع والآثار:
1. التحليل الإستراتيجي للعلاقة الأمريكية السعودية:
العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تتجاوز بكثير مجرد التجارة العسكرية؛ فهي تشمل التعاون في مجالات الطاقة، والأمن، والاستثمار، فالسعودية تعتبر حليفًا رئيسيًّا في إستراتيجيات واشنطن تجاه الشرق الأوسط، خصوصًا في إطار مواجهة النفوذ الإيراني والتهديدات الأخرى.
لذلك، فإن تعزيز القدرات العسكرية السعودية يعتبر جزءًا من إستراتيجية أوسع للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأمن.
2. التأثيرات الاقتصادية:
بيع الأسلحة يعزز أيضًا العلاقات الاقتصادية بين البلدين. السعودية كأحد أكبر المشترين للأسلحة الأمريكية، تلعب دورًا مهمًّا في دعم الصناعة الدفاعية الأمريكية.
هذا يعكس فوائد اقتصادية للولايات المتحدة ويعزز التعاون التجاري بين البلدين، في الوقت نفسه، قد تثير صفقات الأسلحة الكبيرة تساؤلات حول الآثار الإنسانية في المناطق المتأثرة بالنزاعات.
3. تأثيرات على الديناميات الإقليمية:
رفع الحظر عن بيع الأسلحة الهجومية قد يكون له تأثير على الديناميات الإقليمية في الشرق الأوسط، فتعزيز القدرات العسكرية للسعودية قد يؤدي إلى زيادة الاستقرار في بعض المناطق، ولكنه قد أيضًا يؤدي إلى تصعيد التوترات مع دول أخرى مثل إيران.
فالتصعيد العسكري قد يخلق بيئة متوترة تؤثر على عملية السلام والمفاوضات الإقليمية.
4. تحليل تأثيرات الانتخابات:
الانتخابات الأمريكية تؤثر بشكل كبير على السياسات الخارجية، فتعزيز العلاقات مع السعودية قد يكون جزءًا من محاولة لتحسين صورة الإدارة الحالية في مواجهة التحديات الدولية.
القرارات السياسية في هذا التوقيت قد تؤثر على الرأي العام وتعزز من موقف بايدن في الانتخابات القادمة(4).
مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية:
1. الآفاق المستقبلية للتعاون العسكري:
التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والسعودية قد يشهد مزيدًا من التوسع في المستقبل، فتعزيز قدرات السعودية العسكرية قد يفتح المجال لفرص جديدة في التعاون الدفاعي والتدريب العسكري.
العلاقات العسكرية قد تتطور لتشمل تقنيات متقدمة وتعاون أعمق في المجالات الأمنية.
2. استراتيجيات السلام في اليمن:
التحول في السياسة الأمريكية قد يؤثر على استراتيجيات السلام في اليمن. دعم السعودية عسكريًا قد يكون له تأثير على المفاوضات ويعزز من موقف الرياض في المحادثات.
ولكن يجب على المجتمع الدولي أيضًا التركيز على تحقيق حل سياسي شامل يدعم الاستقرار في اليمن.
3. تأثيرات على السياسة الإقليمية:
تعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قد يؤثر على السياسات الإقليمية في الشرق الأوسط، التعاون الوثيق بين البلدين قد يساهم في مواجهة التهديدات الإقليمية وتحقيق الاستقرار.
في ذات الوقت، يجب متابعة تأثيرات هذا التعاون على التوازنات الإقليمية وعلاقاته مع دول أخرى(5).
الخلاصة:
– قرار إدارة بايدن برفع الحظر عن بيع الأسلحة الهجومية للسعودية يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
– هذا القرار يعكس مجموعة من العوامل المعقدة التي تشمل الأهمية الاستراتيجية للسعودية، التوترات الإقليمية، والاعتبارات السياسية الداخلية.
– بينما يسعى القرار إلى تعزيز العلاقات بين واشنطن والرياض، فإن تأثيراته على الصراع في اليمن، والاستقرار الإقليمي، والمشهد الانتخابي الأمريكي تظل قضايا ذات أهمية كبيرة.
– كما يأتي التراجع الأمريكي برفْع الحظر عن تصدير الأسلحة الهجومية للسعودية، في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة إلى عقْد اتفاقات دفاعية وأمنية مع السعودية تشمل ضمانات رسمية أمريكية للدفاع عنها وحصولها على أسلحة أمريكية متقدمة.
– كذلك يعكس هذا القرار مجموعةً من العوامل التي تؤثر في السياسة الإقليمية، من أهمها؛ أن الاضطرابات الجيوسياسية التي يشهدُها الشرق الأوسط قد أسهمت في تغيير الأولويات الأمريكية، لذا يمكن القول: بأن الصفقة تأتي استجابةً لاحتياجات الأمن السعودي المستقبلية، والتأخير في تقديم المساعدة قد يُعقِّدُ جهود البحث عن حلٍّ للحفاظ على الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
المصادر:
1_ تحيا مصر