كيف يتعامل ترامب مع ملف أوكرانيا؟ خيارات صعبة في ظل حسابات دولية معقدة
شهدت الأزمة الأوكرانية تطورات متسارعة منذ عام 2014 مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتصاعد النزاع في دونباس، ما جعل الملف الأوكراني اختبارًا حقيقيًّا لسياسات الولايات المتحدة ودورها كقائد للنظام العالمي.
وفي ظل عودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية، يُطرح سؤال جوهري: كيف يمكن لترامب، المعروف بتوجهاته المثيرة للجدل، أن يتعامل مع هذا الملف الشائك؟
ويكتسب هذا النقاش أهمية كبيرة في ظل التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة وروسيا على الهيمنة الدولية، كما أن الأزمة الأوكرانية لم تعد قضية إقليمية، بل أصبحت محورًا لصراع أكبر حول مستقبل النظام العالمي.
ويمثل تعامل ترامب مع هذا الملف اختبارًا جديدًا لسياسة أمريكا الخارجية ولقدرته على تحقيق التوازن بين المصالح الإستراتيجية والقيم الليبرالية التي تتبناها الولايات المتحدة.
ويهدف هذا التحليل إلى تسليط الضوء على خيارات ترامب المحتملة في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، مع استعراض السيناريوهات المختلفة وآثارها على الأوضاع الإقليمية والدولية.
التحركات الميدانية بالتزامن مع فوز ترامب:
تحاول كل من روسيا وأوكرانيا أن تحسن من وضعها الميداني حتى دخول “ترامب” إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، فكلا الطرفين يريد أن يقوي من موقفه التفاوضي قبيل التوصل لاتفاق سلام محتمل، وأن هذا سيتوقف على عدة عوامل منها: تأثير الهجوم الروسي المستمر وما إذا كان سيستولي على أراضٍ إضافية، وإمكانية حدوث اختراق روسي كبير.
فمن المرجح أن تستمر موسكو في شن هجمات على محاور متعددة، مما سيجبر كييف على الالتزام بالقوات والقوة النارية التي تفضل الاحتفاظ بها للهجمات القادمة، وكذلك دور ” الشتاء” في عمليات أوكرانيا في عام 2025.
فالأوكرانيون يواجهون شتاء قاسٍ بسبب تدمير روسيا لنحو 50% من قدرة توليد الطاقة في البلاد اللازمة لأشهر الشتاء. وسوف يكون لهذا تأثير سياسي على نظرة الأوكرانيين لحكومتهم والحرب، وسوف يكون الشتاء أيضًا تأثير ميداني على الجيوش الأوكرانية والروسية من خلال إجراء عمليات الضربات بعيدة المدى وإجراء التقييمات النهائية والخطط والتخزين اللوجستي للعمليات البرية .
ومع ذلك، في حين تحاول عملية كورسك الأوكرانية تغيير الوضع الراهن في الحرب، فإن التأثير الأكبر على ديناميكيات الصراع قد يكون عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض(1).
أين يقف ترامب من أوكرانيا وروسيا؟
في المقابل: قال ترمب مرارًا إنه يتمتع بعلاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسخر من الرئيس الأوكراني بوصفه «أعظم بائع في التاريخ».
ومع ذلك، فقد زعم أيضًا أنه أخبر بوتين بأن الولايات المتحدة ستقصف موسكو إذا حاولت مهاجمة أوكرانيا، وقال: إنه يريد مساعدة زيلينسكي.
لم يشرح ترمب حتى الآن بالتفصيل نوع الصفقة التي يعتقد أنها يمكن أن تنهي الحرب، رغم أن الحلفاء قدّموا خططًا مختلفة تنطلق من فكرة تجميد خط المواجهة الحالي، ولكن صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت عن 3 من أعضاء فريق ترمب، أن خطته تقترح إقامة منطقة عازلة بعمق 1300 كيلومتر، بين روسيا وأوكرانيا، تُشرف عليها بريطانيا وكذلك الأوروبيون من دون مساهمة الولايات المتحدة فيها أو تمويلها.
كما تقترح تجميد خط المواجهة الحالي حيث هو الآن، وموافقة أوكرانيا على تأجيل طموحها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لمدة 20 عامًا.
في المقابل: ستضخّ الولايات المتحدة في أوكرانيا أسلحة لردع روسيا عن إعادة بدء الحرب.
وقال أحد أعضاء الفريق: «يمكننا القيام بالتدريب وغير ذلك من الدعم، ولكن فوهة البندقية ستكون أوروبية». وأضاف: «نحن لا نرسل رجالًا ونساء أميركيين للحفاظ على السلام في أوكرانيا. ونحن لا ندفع ثمن ذلك. على البولنديين والألمان والبريطانيين والفرنسيين فعل ذلك».
واقترح جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب، في سبتمبر 2024 أن روسيا يجب أن تتمسك بمكاسبها الحالية شرطًا للسلام.
وقال: إن بقية أوكرانيا ستظل دولة مستقلة ذات سيادة، وسيتم تحصين جانبها من الخط بشكل كبير لمنع هجوم روسي ثانٍ. وفي المقابل، ستحصل روسيا على وعد بالحياد الأوكراني.
وقال فانس: «إنها لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، ولن تنضم إلى بعض هذه المؤسسات المتحالفة. أعتقد أن هذا هو الشكل النهائي لهذا الأمر»(2).
خيارات ترامب.. مقاربة معقدة لملف حساس:
1. التفاوض المباشر مع روسيا: بين البراغماتية والمخاطرة:
ترامب المعروف بإعجابه ببوتين، قد يختار إستراتيجية التفاوض المباشر مع روسيا لإيجاد تسوية للأزمة الأوكرانية.
الإيجابيات:
إمكانية تقليل التوتر بين القوتين العظميين.
تقليل الإنفاق الأمريكي على الدعم العسكري لأوكرانيا.
المخاطر:
اتهامات بتقديم تنازلات قد تؤدي إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها.
تشجيع روسيا على التوسع في مناطق أخرى إذا شعرت بعدم وجود ردع كافٍ.
2. دعم أوكرانيا عسكريًّا استمرارية للنهج التقليدي:
ترامب قد يختار الاستمرار في تسليح أوكرانيا وتعزيز وجود الناتو في المنطقة كوسيلة للضغط على روسيا.
الإيجابيات:
ردع روسيا عن تصعيد أكبر في أوكرانيا أو دول البلطيق.
الحفاظ على التحالفات الأوروبية ودورها في النظام العالمي.
المخاطر:
تصعيد التوتر وتحول النزاع إلى حرب شاملة.
تحميل الميزانية الأمريكية أعباء إضافية.
3. تقليص الالتزامات الأمريكية.. التركيز على الداخل:
يُعرف ترامب بشعاره “أمريكا أولًا”، ما قد يدفعه إلى تقليص تدخل الولايات المتحدة في الأزمة الأوكرانية.
الإيجابيات:
توجيه الموارد لحل المشكلات الداخلية الأمريكية.
تقليل فرص مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.
المخاطر:
تدهور الوضع في أوكرانيا وتعزيز النفوذ الروسي.
فقدان الثقة الأوروبية في الالتزامات الأمريكية(3).
الرؤيا الروسية.. إشارات إيجابية:
وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر قولها: إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب في أوكرانيا خلال مكالمة هاتفية بعد إعلان فوزه، بينما أعلن الكرملين أن هناك إشارات إيجابية في موقف ترامب بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.
ونقلت واشنطن بوست عن مصادر مطلعة على المحادثة قولها: إن ترامب حث بوتين على عدم التصعيد في أوكرانيا.
وكانت تقارير إعلامية أفادت بأن ترامب تحدث أيضًا إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضًا فور فوزه، وقال إنه سيدعم كييف.
من جانبه قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: إن موسكو ترى إشارات إيجابية في موقف ترامب بشأن أوكرانيا، لافتًا إلى أنه من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه سلوكه عند توليه منصب الرئاسة.
وأوضح بيسكوف أن ترامب تحدث خلال حملته الانتخابية، عن قدرته على إبرام صفقة تفضي إلى السلام.
وقال: “على الأقل هو يتحدث عن السلام. إنه لا يتحدث عن مواجهة، ولا يتحدث عن الرغبة في تكبيد روسيا هزيمة إستراتيجية. وهذا يميزه بطريقة إيجابية عن الإدارة الحالية”.
وحذر بيسكوف من أن ترامب يصعب التنبؤ بسياساته، وهو ما يستدعي الانتظار لرؤية ما إذا كان سينفذ ما أعلنه خلال الحملة الانتخابية، وفق تعبير المسؤول الروسي.
وكان الرئيس الروسي قال خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية: إن الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس أفضل بالنسبة لروسيا، حيث إنهما ينتهجان سياسات يمكن التنبؤ بها(4).
بوتين يضع ترامب أمام خيارات صعبة؟
وفي خطوة استباقية وبعيدة عن الكلمات السياسية والمفاوضات الدبلوماسية يلعب بوتين على الضغط عبر الساحات، حيث أنه وفي خطوة تصعيدية جديدة، أرسلت روسيا صواريخ مجنحة عابرة للقارات إلى الأراضي الأوكرانية، في رسالة قوية إلى الغرب بعد استخدام كييف لصواريخ أميركية وبريطانية استهدفت العمق الروسي.
وهي تعني أن الكرملين أظهر استعداده لتوسيع الحرب عبر تهديدات مباشرة ليس فقط للولايات المتحدة، بل لكافة دول الغرب، فالصواريخ التي تم إطلاقها، والتي وصلت إلى مسافات كبيرة تصل إلى نحو 5500 كيلومتر، تعتبر بمثابة رسالة حاسمة.
ورغم أن موسكو تصر على أن الصواريخ المستخدمة تعتبر “متوسطة المدى”، إلا أن مداهما الفعلي يسمح لهما بالوصول إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، وهي تعكس جدية روسيا في تهديداتها، لا سيما أن دقتها وقدرتها على حمل رؤوس نووية تجعلهما أسلحة إستراتيجية.
كما أن التصعيد الروسي قد يكون خطوة إستراتيجية لرفع سقف المفاوضات في ظل القرب من تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه، خاصة وأن ترامب كان قد وعد في حملته الانتخابية بالسعي لحل الصراع الأوكراني عبر المفاوضات، مما قد يتيح لروسيا تعزيز موقفها التفاوضي قبيل المحادثات المستقبلية.
فروسيا تلعب على كل الجبهات، فهي لا تقتصر على التصعيد العسكري، بل تشن حربًا نفسية ودبلوماسية لإضعاف الإجماع الغربي، وترى في التصعيد وسيلة لتحفيز الغرب على تغيير استراتيجيته في التعامل مع الأزمة الأوكرانية(5).
تداعيات محتملة لأي خيار:
– على العلاقة مع أوروبا:
تعامل ترامب مع الأزمة سيحدد مستقبل الشراكة الأمريكية الأوروبية، أي انسحاب أو تنازل أمام روسيا قد يؤدي إلى انقسامات داخل الناتو وتراجع الدور الأمريكي في القارة.
– على الأمن الدولي:
الطريقة التي سيختارها ترامب للتعامل مع الأزمة ستعيد تشكيل قواعد اللعبة الدولية، فإما أن تعزز من سياسة الردع ضد روسيا أو تقوض النظام العالمي القائم على القوانين.
– على الداخل الأمريكي:
ترامب يواجه ضغوطًا داخلية تتعلق بالميزانية والانتخابات المقبلة، أي خطأ في إدارة الأزمة قد يؤثر على شعبيته ويعزز انتقادات المعارضة.(6).
الخلاصة:
حاول البيت الأبيض في عهد بايدن “حماية” بعض أولوياته من “ترامب” إذا قرر خفض المساعدات لأوكرانيا، فلقد اتخذ الرئيس بايدن خطوات “لحماية” أوكرانيا من ترامب قبل مغادرته منصبه، كما أعلن بايدن أن الأموال المتبقية لأوكرانيا سيتم تخصيصها بحلول نهاية ولايته، مما لا يترك أي أموال لتقدير الرئيس القادم.
فالولايات المتحدة هي أيضًا جزء من خطة لمجموعة الدول السبع الرائدة في الاقتصادات لتقديم قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا باستخدام الفائدة من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة كجزء من العقوبات، حيث ستوفر الولايات المتحدة 20 مليار دولار من هذا الإجمالي، وستخرج الأموال قبل تنصيب ترامب.
وأخيرًا، فإن الرئيس ترامب يصعب توقع خطواته وحتى نائب الرئيس الذي اختاره يمكن أن يقع بينهما خلاف على غرار ما حدث في ولايته الأولى التي شهدت خلافات مع معظم فريق عمله الذين اختارهم بنفسه.
ولكن المؤكد: أن هناك تغيرات ستحدث فيما يتعلق بنظرته لحرب أوكرانيا والتي سينظر إليها على أنها تحدٍ شخصي له، فإما من خلالها يمكن وضع حد للحرب عن طريق الضغط على أوكرانيا – وهو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب- حيث لا يمكن لترامب أن يضغط على بوتين لوقف الحرب.
وإذا فشلت ضغوطه لوقف الحرب فلن يكون أمامه إلا أن يتحول إلى غريم لبوتين الذي طالما ما عبر عن إعجابه به.
فيتعين على ترامب، في حال توليه مسؤولية الملف الأوكراني، الموازنة بين تحقيق مصالح الأمن القومي الأمريكي، والحفاظ على التزامات واشنطن تجاه حلفائها، وتجنب صدام مباشر مع روسيا.
التعامل مع الأزمة الأوكرانية ليس فقط اختبارًا لإستراتيجيته الخارجية، بل لرؤيته حول مكانة أمريكا في النظام العالمي.
السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب تحقيق هذه المعادلة الصعبة دون أن يدفع العالم نحو تصعيد خطير؟ الإجابة ستحدد مسار الأزمة ومستقبل السياسة الدولية لعقود قادمة.
المصادر:
2_ الشرق الأوسط
3_ بي بي سي
4_ الجزيرة
5_ سكاي نيوز
6_ الحرة