قمة شنغهاي ومستقبل الأحادية القطبية.. كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة عالميًّا؟

خلال يومي 3 – 4 من يوليو الماضي؛ استضافت العاصمة الكازاخية أستانا القمة 24 لمنظمة شنغهاي للتعاون، بحضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الصيني “شي جين بينغ” والعديد من رؤساء الدول الأعضاء؛ وخلال القمة، سعت كلًّا من روسيا والصين إلى تقديم رؤية عالمية بديلة منفصلة عن الدول الغربية، والحث على توثيق التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء؛ ويُعتبر هذا التجمع بمثابة ثقل موازن للقوى الغربية.

وتأتي القمة في وقت يواجه فيه العالم تحديات وأزمات عدة على كافة الأصعدة؛ ومشاكل سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة ألقت بظلالها على طبيعة وأحداث الأمن والاقتصاد العالميين، وكان أكثرها تأثيرًا المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.

تحظى اجتماعات المنظمة باهتمام دولي وإقليمي كونها تتضمن مناقشة العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ كما تمثل المنظمة إحدى أدوات روسيا والصين لمواجهة الهيمنة الأمريكية، إلى جانب تكتلات روسيا والصين الأخرى كمنظمة البريكس، وغيرها.

فما منظمة شنغهاي وطبيعة أهدافها؟ وما أبرز الدول التي انضمت للمنظمة خلال السنوات الأخيرة؟ وما أبرز الملفات التي جرى تباحثها خلال القمة 24 للمنظمة التي عقدت في كازاخستان؟ وكيف تتكامل المنظمة إلى جانب التكتلات الشرقية الأخرى كالبريكس لمواجهة الهيمنة الأمريكية؟ وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير، عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوء على منظمة شنغهاي وتكتلات قِوَى الشرق الصاعدة، وأبرز القضايا التي جرى تباحثها خلال القمة 24 في كازاخستان، في هذه السطور الآتية:

منظمة شنغهاي للتعاون:

تُعد منظمة شنغهاي للتعاون إحدى أدوات قوى الشرق لموازنة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وتؤدي المنظمة دورًا حيويًّا في العديد من القضايا والملفات العالمية. وتُعد منظمة أوروآسيوية سياسية، واقتصادية، ودفاعية، وأمنية دولية، تأسست في البداية من قبل الصين وروسيا عام 2001م، في مدينة شنغهاي الصينية الواقعة على ساحل بحر الصين الشرقي، التي تعتبر أول ميناء صيني تم افتتاحه أمام التجارة الغربية.

في بداية تأسيسها؛ كان تجمع منظمة شنغهاي يتألف من ستة بلدان: روسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، والصين، وطاجيكستان، وأوزبكستان. وبدءًا من العام 2017م، توسعت المنظمة بضم دول جديدة، حيث انضمت الهند وباكستان إلى الكتلة، بينما انضمت إيران إليها العام الماضي فقط. (الجزيرة).

وتتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن، ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي، والتعاون في المجالات السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والعلمية، والتقنية، والثقافية، وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

وبالرغم من ذلك، توجد العديد من الاختلافات بين أعضاء المنظمة؛ فالهند التي انضمت في عام 2017م لديها علاقات سيئة مع الصين، وكذلك خلاف حدودي متفاقم معها؛ ووسط هذه الخلافات، لم يحضر رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” القمة، وبدلًا من ذلك أرسل وزير الخارجية “سوبرامانيام جيشانكار” الذي ألقى كلمة الهند نيابة عن رئيس وزرائها. (مونت كارلو الدولية).

بالنسبة للهند، فإن منظمة شنغهاي للتعاون تشكل جزءًا من عملية توازن أكبر حتى مع احتفاظها بعلاقاتها مع روسيا، وحتى مع اقترابها من الولايات المتحدة. وكانت الهند، التي توصف بالاستقلال الاستراتيجي، تتبع مصالحها الوطنية، ويغلب على السياسة الهندية الخارجية البراغماتية السياسية؛ وهي بذلك تختلف عن سياسة التحالفات والتكتلات التي تتبعها روسيا والصين لمواجهة الغرب.

وبالرغم من وجود عدة قِوَى داخل منظمة شنغهاي كروسيا والصين والهند؛ إلا أن المنظمة يغلب عليها الهيمنة الصينية إلى حد ما، وقد برز ذلك خلال القمة الحالية في أستانا، حيث تسعى بكين لإعادة ملء منظمة شنغهاي للتعاون وإعادة ثقلها. من المهم أن نفهم المهام التي تحددها بكين لنفسها، وما تتوقعه من المباحثات الحالية في كازاخستان؛ فبكين لديها عدة مهام، المهمة الأولى: الصراع على الأسواق الأوروبية، المهمة الثانية: الانتقال إلى خطوات عملية في آسيا الوسطى، أما المهمة الثالثة، التي ركزت عليها بكين فهي تحديد مواصفات العمل في أفغانستان وما حولها.

توسيع منظمة شنغهاي وتطلعات دول الشرق الأوسط للانضمام إلى المنظمة:

خلال العقد الأخير؛ أبدت العديد من الدول المختلفة رغبتها في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للأمن والتعاون. وشهد العام 2017م انضمام الهند وباكستان، وخلال القمة الـ23 للمنظمة في عام 2023م بالهند، انضمت إيران للمنظمة بعدما كانت لسنوات تحمل صفة مراقب، وتكمن العديد من الدوافع المختلفة للمنظمة في توسيع عضويتها وضم دول جديدة، كما تكمن أيضًا دوافع لعدد من الدول تقف وراء رغبتها في الانضمام إلى المنظمة.

فإيران على سبيل المثال: قد بدأت مساعيها للانضمام إلى المنظمة منذ عام 2005م، حيث كان الحصول على عضوية هذا التكتل هدفًا رئيسيًّا للتيار السياسي المحافظ في إيران، والذين أصبحوا بعد انتخاب الرئيس الإيراني الراحل “إبراهيم رئيسي” رئيسًا لإيران في يونيو 2021م يسيطرون على كل أدوات السلطة. وفي عام 2021م، تم قبول طلب إيران لتصبح عضوًا كامل العضوية، بينما وقّعت مذكرة التزامات للانضمام كعضو دائم في عام 2022م، وبذلك يصبح عدد أعضاء المنظمة 9 دول. (بي بي سي عربية).

وبالنظر إلى دوافع إيران للانضمام إلى هذا التكتل، فهو يأتي ضمن علاقات إيران المتنامية مع روسيا والصين، حيث عززت الحرب الروسية الأوكرانية من العلاقات ما بين طهران وموسكو. وبرز ذلك من خلال صفقات الطائرات المسيّرة التي حصلت عليها روسيا من إيران.

إلى جانب محافظة طهران على علاقاتها مع بكين وتعزيزها اقتصاديًّا، إذ تُعد الصين أهم مشتري للنفط الإيراني، وهو ما تراه إيران متنفسًا للعقوبات الغربية المفروضة عليها. وترى الحكومة الإيرانية أن منظمة شنغهاي للأمن والتعاون منصة لتوسيع العلاقات مع القوى الأقل مستوى.

فقد أعقبت الموافقة المبدئية على العضوية في العام 2022م سلسلة من التبادلات الدبلوماسية الإيرانية مع طاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان في ربيع وصيف عام 2022م. وفي الواقع، تمنح منظمة شنغهاي للتعاون طهران منتدى دبلوماسيًّا للسعي إلى توطيد العلاقات مع المنطقة، وهي عملية أعاقتها سابقًا القيود المحلية وانعدام الاتساق في السياسات. ومن جانبها، ترى حكومات آسيا الوسطى إيران مركزًا محتملًا للعبور، وبديلًا للاعتماد على روسيا، في ظل تنامي العلاقات الإيرانية مع دول آسيا الوسطى.

وبالنظر إلى أهداف منظمة شنغهاي للتوسع وضم إيران وغيرها من الدول الجديدة، وفي ظل كون الصين تهيمن إلى حد كبير على المنظمة، تسعى بكين إلى تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية داخل المنظمة وتوسيع نطاق نفوذها عالميًّا من خلالها. تعكس مقترحات الرئيس الصيني الأسبق “ون جيا باو” خلال قمة عام 2003م حول الأهداف طويلة الأمد للمنظمة، والمتمثلة في إنشاء منطقة للتجارة الحرة، وتحسين تدفق السلع بين أعضاء المنظمة، وإنشاء اتحاد البنوك المشتركة بين البنوك خلال قمة موسكو 2005م. (العربية).

مساعي بكين طويلة الأمد في تعزيز دور المنظمة في منطقة أوراسيا وتوسيع تحالفاتها وشراكاتها الاقتصادية والتجارية، في ظل كون الصين الاقتصاد الأكبر والقوة التجارية الأولى داخل المنظمة؛ بناتج محلي إجمالي بلغ 18 تريليونًا و536 مليار دولار خلال العام 2024م، يعتمد بشكل رئيسي على التصنيع والصادرات والاستثمار، مع عدم وجود منافس حقيقي داخل المنظمة للقدرات الاقتصادية للصين.

مما سيمكن بكين، بحسب مراقبين غربيين، من النفاذ بشكل أكبر إلى أسواق الدول الأعضاء، في ظل هيمنتها على المنظمة. ومن المحتمل أن تنضم العديد من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط إلى المنظمة؛ أبرزها مصر وتركيا والسعودية والإمارات، إلى جانب أذربيجان، وجميع هذه الدول تحمل صفة “شركاء الحوار” داخل المنظمة في الوقت الحالي.

قمة شنغهاي الـ24.. الأبعاد وقضايا التباحث:

في ظل التطورات الإقليمية والدولية، وفي خضم العديد من الأحداث العالمية المتصاعدة، التي ألقت بظلالها على القمة الـ24 للمنظمة؛ كان هناك حضور ومشاركة واسعة من القادة والمسؤولين. إذ إلى جانب رؤساء الدول الأعضاء بالمنظمة، شارك أيضًا قادة بعض الدول التي تحمل صفة “شركاء الحوار”، وكان من أبرزهم رئيس أذربيجان “إلهام علييف”، وأمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”. (اليوم السابع).

كما حضرت القمة منظمات دولية، من بينها الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، والأمين العام لرابطة الدول المستقلة “سيرغي ليبيديف”، والأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي “إيمان غالي تاسماغامبيتوف”؛ بالإضافة إلى رؤساء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي.

هذه القمة غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين، وتكمن أهميتها كذلك في كونها منصة إضافية لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول المشاركة، في ظل الأوضاع الجيوسياسية الحالية. وتعكس المشاركة الواسعة نمو المنظمة ودورها الصاعد بشكل كبير عالميًّا. وعلى هامش القمة، التقى الرئيسان “شي” و”بوتين”، وأشادا بالتوافق المتنامي بين بلديهما، واصفا العلاقات الثنائية بأنها تشهد أفضل فترة تاريخية، من شأنها أن تعزز الاستقرار العالمي. كما أشادا بدورهما في ترسيخ منظمة شنغهاي التي باتت إحدى أهم الركائز الأساسية للتحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل.

في ظل الخلافات الصينية الهندية، التي تسعى كل من بكين ونيودلهي إلى تجاوزها، التقى وزير الخارجية الهندي مع نظيره الصيني على هامش القمة. أكد الجانبان أهمية مضاعفة الجهود لتحقيق الانسحاب الكامل للقوات واستعادة السلام والهدوء على خطوط التماس الحدودية بينهما، من أجل المضي قدمًا نحو تطبيع العلاقات. وقد اتفقا على تعزيز الجهود من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية لحل القضايا الخلافية العالقة. (فرنسا 24).

وكان من اللافت مباحثات توسيع نطاق العضوية، والسعي لضم بيلاروسيا إلى المنظمة بصفة عضو كامل العضوية، في ظل دفع روسيا، حليفة بيلاروسيا، لتحقيق هذا الهدف. فالعقوبات الغربية طالت أيضًا بيلاروسيا، وتستغل روسيا بشكل عقلاني اهتمام الصين المتزايد بتوسيع المنظمة كأحد الطرق للحد من تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، وبالتالي يبرز الاهتمام الروسي بتوطيد العلاقات مع الأعضاء وشركاء الحوار بالمنظمة.

نتائج ومخرجات القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي في أستانا:

أنتجت القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي للتعاون عددًا من القرارات، مع تبني أعضاء المنظمة لسياسات جديدة خلال تلك القمة، وتمثلت في الموافقة على عدد من الوثائق المتعلقة بالقضايا المحورية التي تهم الدول الأعضاء بالمنظمة؛ مثل: الطاقة والأمن والاقتصاد والتجارة وتكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي.

كما تم إقرار “إعلان أستانا” بشأن مبادرة الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية، وكذا استراتيجية التنمية حتى عام 2035م، والتي بموجبها تمت إعادة تحديد المساهمات الجماعية للدول الأعضاء. كما اتفقت الدول الأعضاء على تدشين عدد من المؤسسات الجديدة؛ أهمها: مركز تنسيق المعلومات الإقليمي لآسيا الوسطى، وأمانة منظمة شنغهاي للتعاون لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات؛ بالإضافة إلى تدشين جمعية المستثمرين وبرامج تطوير آليات تمويل أنشطة مشروعات المنظمة بشأن التعاون في المناطق المحمية والسياحة البيئية. (روسيا اليوم).

إضافة إلى ذلك، تم التوافق على تولي الصين رئاسة المنظمة حتى عام 2025م، بعد مضي 7 سنوات على رئاستها الأولى لها، وذلك في إطار التناوب الدوري على رئاسة المنظمة بين الدول الأعضاء. وفي خطوة تأتي متوافقة مع التوجهات الروسية والصينية، أدانت المنظمة آليات فرض عقوبات أحادية على الدول لما يتسبب فيه ذلك من تقويض التجارة العالمية.

يمكن القول: إن القمة الـ24 قد نجحت في تحقيق عدة أهداف؛ أبرزها: فشل سياسة القوى الغربية في إضعاف روسيا والصين وعزلهما عالميًّا، وهو ما يتضح من استمرارية تطور العلاقات بين روسيا والصين ودول المنطقة من جهة، وانضمام بيلاروسيا للمنظمة كعضو كامل العضوية من جهة أخرى. كما تُعد القمة ومخرجاتها تتويجًا لجهود كازاخستان خلال فترة ترؤسها للمنظمة منذ يوليو 2023م؛ مما أسهم في تعزيز دور المنظمة ومكانتها، واتساع نطاق عضويتها، وتوسيع آفاق التعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات.

تعكس المشاركة التركية في القمة الحالية الرغبة في الانضمام كعضو كامل العضوية، وليس مجرد شريك حوار لمنظمة شنغهاي. وقد صرح الرئيس التركي أردوغان في وقت سابق من عام 2016م، حول احتمالية انضمام بلاده للمنظمة كبديل عن الاتحاد الأوروبي.

شنغهاي وبريكس وتكتلات قِوَى الشرق لمواجهة الهيمنة الغربية:

في ظل التطورات التي طرأت على المشهد الدولي خلال العقدين الأخيرين، وصعود الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية اقتصاديًّا وعسكريًّا، ونمو تكتلاتهم الدولية وزيادة توسعها، خاصة منظمة البريكس، التي تجاوزت التكتل الغربي المهيمن على الاقتصاد العالمي منذ ثلاثة عقود “مجموعة السبع”؛ يمكن القول: إن مشهد النظام العالمي بدأ بالتغيير منذ انطلاق الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وما تبعها من عقوبات اقتصادية واتهامات متبادلة حول منشأ فيروس كورونا، سواء كان طبيعيًّا أم مصطنعًا، وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.

ويرى العديد من المراقبين أن تكتلات قِوَى الشرق الصاعدة “بريكس” و”شنغهاي” قد بدأت تلعب دورًا محوريًّا في تشكيل النظام العالمي الجديد؛ فبالنظر إلى منظمة شنغهاي، فهي تُعد تحالفًا لمجموعة من الدول لتعزيز ما تعده مصالح أمنية مشتركة. وتحمل جميع التحالفات التزامًا رسميًّا بتقديم العون العسكري، وربما أنواعًا أخرى من الدعم، إذا تعرض أي عضو في التحالف للهجوم أو واجه احتمالًا مباشرًا للهجوم عليه.

ويمكن أن تتضمن التحالفات تقديم المساعدة، سواء عسكرية أو استخباراتية أو اقتصادية، وإجراء تدريبات مشتركة، وفي الحد الأدنى، بعض التكامل في صنع القرار للاستعداد للطوارئ المحتملة وللمساعدة في ردعها، وتتطلب التحالفات القوة والإرادة والوفاء بالالتزام، ولا يمكن للتحالف أن ينجح إذا غاب أي منها، كما حدث مع حلف وارسو.

الثابت أنه عادةً ما يمثل قرار تشكيل تحالف أو الانضمام إليه تقديرًا أن مزايا العضوية تفوق التكاليف والالتزامات، وأنها أفضل من وقوف الدولة بمفردها. وفي ظل هيمنة الخلافات داخل تكتلات قِوَى الشرق “بريكس” و”شنغهاي” ما بين الهند والصين والهند وباكستان والسعودية وإيران ومصر وإثيوبيا وغيرها، فإن هذه الخلافات تُعد نقاط ضعف في طبيعة التكتلات الشرقية، يستغلها الخصوم بالفعل للحد من تأثير هذا التكتل أو ذاك؛ فالنقاط الخلافية أكبر من نقاط التوافق. وحتى بين روسيا والصين هناك تنافس محتدم على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، ومع ذلك، تنظر القِوَى الغربية إلى التكتلات الشرقية كتحدٍّ لهيمنتها العالمية.

كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة عالميًّا؟

بالنظر إلى تأثير التكتلات الشرقية على الساحة الدولية، فعلى الرغم من أن منظمة شنغهاي، على سبيل المثال، تضم أكثر من 3.5 مليار نسمة واقتصادات كبرى صاعدة؛ إلا أن الخلافات الداخلية بين أعضاء المنظمة تضعف من فعاليتها بشكل كبير. وبالتالي، يمكن القول حاليًّا: إن دور منظمة شنغهاي في المواجهة بين ما يسمى بـ”القِوَى الغربية” و”القِوَى الشرقية” محدود إلى حدٍّ ما.

ذلك يعود إلى طبيعة مكوناتها؛ فمعظم دول المنظمة، باستثناء روسيا والصين، لديها علاقات جيدة مع القِوَى الغربية والولايات المتحدة؛ كما أن غياب الانسجام بين الدول الأعضاء يدفعنا للقول: إن المنظمة بنسختها الحالية لا تشكل تحديًّا محوريًّا للقوى الغربية بقدر ما تُعد وسيلة للتعاون المشترك بين الدول الأعضاء رغم الخلافات.

ومع ذلك، يبقى التحدي قائمًا، وتبرز المخاوف الغربية من جميع تكتلات وتحالفات وتحركات روسيا والصين بوضوح في السياسة الأمريكية الخارجية. يمثل التحرك الأمريكي لضم الهند إلى الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم “كواد”، وهو حوار إستراتيجي غير رسمي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، محاولة للحد من التقارب الهندي مع قِوَى الشرق. (الشرق الأوسط).

والأمر نفسه ينطبق على تكتل البريكس؛ فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعملان على تعزيز علاقاتهم مع أعضاء تكتل البريكس. وقد برز ذلك من خلال القمة المصرية الأوروبية ورفع مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. هذا بالإضافة إلى مساعي الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية دفاعية مع المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع تعزيز علاقاتها مع الهند.

الخلاصة:

تأتي القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي للتعاون في وقت تواجه فيه الصين وروسيا، أبرز اللاعبين في المنظمة، تحديات وصراعًا محتدمًا مع القِوَى الغربية.

يرى البلدان الكبيران: أن المنظمة تُعد أحد الأدوات للحد من تأثير العقوبات والضغوط التي تفرضها القِوَى الغربية عليهما، وهو ما يظهر بوضوح في محاولة روسيا الدفع بانضمام بيلاروسيا إلى المنظمة ومساعي الصين لتوسيع العضوية في ظل هيمنتها الاقتصادية والتجارية على المنظمة؛ كما تحاول البلدان الكبيران، روسيا والصين، كسر حاجز العزلة التي يسعى الغرب جاهدًا لفرضها على قِوَى الشرق.

منذ العام 2022م، ومع انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، تطلعت عدة دول أخرى للانضمام إلى المنظمة على غرار بريكس. توجهت الأنظار إلى أهمية هذه المنظمة وفاعليتها، بوصفها منظومة علاقات سياسية تجمع دولًا تسعى للحد من الهيمنة الأمريكية، وتسعى للحصول على حصة وازنة في النظام الدولي. اكتسبت المنظمة أهمية متزايدة بعد امتداد مساحتها الجغرافية والجيوسياسية من المجال الأوراسي إلى الشرق الأوسط، عقب انضمام إيران. كما تحمل عدة دول في الشرق الأوسط صفة شركاء الحوار بالمنظمة، مما يعكس “سياسة انفتاحية” تركز على توسيع قاعدة المصالح إقليميًّا وعالميًّا.

خلال السنوات الأخيرة، نمت التكتلات الشرقية وتوسعت، وباتت تشكل ثقلًا منافسًا للتكتلات الغربية. ومع ذلك، فإن الخلافات الداخلية بين أعضاء التكتلات الشرقية “بريكس” و”شنغهاي” تشكل عامل ضعف لهذه التكتلات، وهو ما تستغله القِوَى الغربية للحد من دورها عالميًّا.

تدرك روسيا والصين، أبرز الدول الفاعلة في هذه التكتلات، هذه الثغرة؛ لذلك يُطرح دائمًا خلال القمم المختلفة للبريكس وشنغهاي أهمية الحوار المستمر والتفاهمات المتبادلة بين الدول الأعضاء لحل الخلافات العالقة، كما حدث خلال لقاء وزيري خارجية الهند والصين في قمة شنغهاي بأستانا.

المصادر:

الجزيرة

مونت كارلو الدولية

بي بي سي عربي

العربية

اليوم السابع

فرنسا 24

روسيا اليوم

الشرق الأوسط

قمة شنغهاي ومستقبل الأحادية القطبية.. كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة عالميًّا؟

خلال يومي 3 – 4 من يوليو الماضي؛ استضافت العاصمة الكازاخية أستانا القمة 24 لمنظمة شنغهاي للتعاون، بحضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الصيني “شي جين بينغ” والعديد من رؤساء الدول الأعضاء؛ وخلال القمة، سعت كلًّا من روسيا والصين إلى تقديم رؤية عالمية بديلة منفصلة عن الدول الغربية، والحث على توثيق التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء؛ ويُعتبر هذا التجمع بمثابة ثقل موازن للقوى الغربية.

وتأتي القمة في وقت يواجه فيه العالم تحديات وأزمات عدة على كافة الأصعدة؛ ومشاكل سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة ألقت بظلالها على طبيعة وأحداث الأمن والاقتصاد العالميين، وكان أكثرها تأثيرًا المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.

تحظى اجتماعات المنظمة باهتمام دولي وإقليمي كونها تتضمن مناقشة العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ كما تمثل المنظمة إحدى أدوات روسيا والصين لمواجهة الهيمنة الأمريكية، إلى جانب تكتلات روسيا والصين الأخرى كمنظمة البريكس، وغيرها.

فما منظمة شنغهاي وطبيعة أهدافها؟ وما أبرز الدول التي انضمت للمنظمة خلال السنوات الأخيرة؟ وما أبرز الملفات التي جرى تباحثها خلال القمة 24 للمنظمة التي عقدت في كازاخستان؟ وكيف تتكامل المنظمة إلى جانب التكتلات الشرقية الأخرى كالبريكس لمواجهة الهيمنة الأمريكية؟ وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير، عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوء على منظمة شنغهاي وتكتلات قِوَى الشرق الصاعدة، وأبرز القضايا التي جرى تباحثها خلال القمة 24 في كازاخستان، في هذه السطور الآتية:

منظمة شنغهاي للتعاون:

تُعد منظمة شنغهاي للتعاون إحدى أدوات قوى الشرق لموازنة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وتؤدي المنظمة دورًا حيويًّا في العديد من القضايا والملفات العالمية. وتُعد منظمة أوروآسيوية سياسية، واقتصادية، ودفاعية، وأمنية دولية، تأسست في البداية من قبل الصين وروسيا عام 2001م، في مدينة شنغهاي الصينية الواقعة على ساحل بحر الصين الشرقي، التي تعتبر أول ميناء صيني تم افتتاحه أمام التجارة الغربية.

في بداية تأسيسها؛ كان تجمع منظمة شنغهاي يتألف من ستة بلدان: روسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، والصين، وطاجيكستان، وأوزبكستان. وبدءًا من العام 2017م، توسعت المنظمة بضم دول جديدة، حيث انضمت الهند وباكستان إلى الكتلة، بينما انضمت إيران إليها العام الماضي فقط. (الجزيرة).

وتتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن، ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي، والتعاون في المجالات السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والعلمية، والتقنية، والثقافية، وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

وبالرغم من ذلك، توجد العديد من الاختلافات بين أعضاء المنظمة؛ فالهند التي انضمت في عام 2017م لديها علاقات سيئة مع الصين، وكذلك خلاف حدودي متفاقم معها؛ ووسط هذه الخلافات، لم يحضر رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” القمة، وبدلًا من ذلك أرسل وزير الخارجية “سوبرامانيام جيشانكار” الذي ألقى كلمة الهند نيابة عن رئيس وزرائها. (مونت كارلو الدولية).

بالنسبة للهند، فإن منظمة شنغهاي للتعاون تشكل جزءًا من عملية توازن أكبر حتى مع احتفاظها بعلاقاتها مع روسيا، وحتى مع اقترابها من الولايات المتحدة. وكانت الهند، التي توصف بالاستقلال الاستراتيجي، تتبع مصالحها الوطنية، ويغلب على السياسة الهندية الخارجية البراغماتية السياسية؛ وهي بذلك تختلف عن سياسة التحالفات والتكتلات التي تتبعها روسيا والصين لمواجهة الغرب.

وبالرغم من وجود عدة قِوَى داخل منظمة شنغهاي كروسيا والصين والهند؛ إلا أن المنظمة يغلب عليها الهيمنة الصينية إلى حد ما، وقد برز ذلك خلال القمة الحالية في أستانا، حيث تسعى بكين لإعادة ملء منظمة شنغهاي للتعاون وإعادة ثقلها. من المهم أن نفهم المهام التي تحددها بكين لنفسها، وما تتوقعه من المباحثات الحالية في كازاخستان؛ فبكين لديها عدة مهام، المهمة الأولى: الصراع على الأسواق الأوروبية، المهمة الثانية: الانتقال إلى خطوات عملية في آسيا الوسطى، أما المهمة الثالثة، التي ركزت عليها بكين فهي تحديد مواصفات العمل في أفغانستان وما حولها.

توسيع منظمة شنغهاي وتطلعات دول الشرق الأوسط للانضمام إلى المنظمة:

خلال العقد الأخير؛ أبدت العديد من الدول المختلفة رغبتها في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للأمن والتعاون. وشهد العام 2017م انضمام الهند وباكستان، وخلال القمة الـ23 للمنظمة في عام 2023م بالهند، انضمت إيران للمنظمة بعدما كانت لسنوات تحمل صفة مراقب، وتكمن العديد من الدوافع المختلفة للمنظمة في توسيع عضويتها وضم دول جديدة، كما تكمن أيضًا دوافع لعدد من الدول تقف وراء رغبتها في الانضمام إلى المنظمة.

فإيران على سبيل المثال: قد بدأت مساعيها للانضمام إلى المنظمة منذ عام 2005م، حيث كان الحصول على عضوية هذا التكتل هدفًا رئيسيًّا للتيار السياسي المحافظ في إيران، والذين أصبحوا بعد انتخاب الرئيس الإيراني الراحل “إبراهيم رئيسي” رئيسًا لإيران في يونيو 2021م يسيطرون على كل أدوات السلطة. وفي عام 2021م، تم قبول طلب إيران لتصبح عضوًا كامل العضوية، بينما وقّعت مذكرة التزامات للانضمام كعضو دائم في عام 2022م، وبذلك يصبح عدد أعضاء المنظمة 9 دول. (بي بي سي عربية).

وبالنظر إلى دوافع إيران للانضمام إلى هذا التكتل، فهو يأتي ضمن علاقات إيران المتنامية مع روسيا والصين، حيث عززت الحرب الروسية الأوكرانية من العلاقات ما بين طهران وموسكو. وبرز ذلك من خلال صفقات الطائرات المسيّرة التي حصلت عليها روسيا من إيران.

إلى جانب محافظة طهران على علاقاتها مع بكين وتعزيزها اقتصاديًّا، إذ تُعد الصين أهم مشتري للنفط الإيراني، وهو ما تراه إيران متنفسًا للعقوبات الغربية المفروضة عليها. وترى الحكومة الإيرانية أن منظمة شنغهاي للأمن والتعاون منصة لتوسيع العلاقات مع القوى الأقل مستوى.

فقد أعقبت الموافقة المبدئية على العضوية في العام 2022م سلسلة من التبادلات الدبلوماسية الإيرانية مع طاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان في ربيع وصيف عام 2022م. وفي الواقع، تمنح منظمة شنغهاي للتعاون طهران منتدى دبلوماسيًّا للسعي إلى توطيد العلاقات مع المنطقة، وهي عملية أعاقتها سابقًا القيود المحلية وانعدام الاتساق في السياسات. ومن جانبها، ترى حكومات آسيا الوسطى إيران مركزًا محتملًا للعبور، وبديلًا للاعتماد على روسيا، في ظل تنامي العلاقات الإيرانية مع دول آسيا الوسطى.

وبالنظر إلى أهداف منظمة شنغهاي للتوسع وضم إيران وغيرها من الدول الجديدة، وفي ظل كون الصين تهيمن إلى حد كبير على المنظمة، تسعى بكين إلى تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية داخل المنظمة وتوسيع نطاق نفوذها عالميًّا من خلالها. تعكس مقترحات الرئيس الصيني الأسبق “ون جيا باو” خلال قمة عام 2003م حول الأهداف طويلة الأمد للمنظمة، والمتمثلة في إنشاء منطقة للتجارة الحرة، وتحسين تدفق السلع بين أعضاء المنظمة، وإنشاء اتحاد البنوك المشتركة بين البنوك خلال قمة موسكو 2005م. (العربية).

مساعي بكين طويلة الأمد في تعزيز دور المنظمة في منطقة أوراسيا وتوسيع تحالفاتها وشراكاتها الاقتصادية والتجارية، في ظل كون الصين الاقتصاد الأكبر والقوة التجارية الأولى داخل المنظمة؛ بناتج محلي إجمالي بلغ 18 تريليونًا و536 مليار دولار خلال العام 2024م، يعتمد بشكل رئيسي على التصنيع والصادرات والاستثمار، مع عدم وجود منافس حقيقي داخل المنظمة للقدرات الاقتصادية للصين.

مما سيمكن بكين، بحسب مراقبين غربيين، من النفاذ بشكل أكبر إلى أسواق الدول الأعضاء، في ظل هيمنتها على المنظمة. ومن المحتمل أن تنضم العديد من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط إلى المنظمة؛ أبرزها مصر وتركيا والسعودية والإمارات، إلى جانب أذربيجان، وجميع هذه الدول تحمل صفة “شركاء الحوار” داخل المنظمة في الوقت الحالي.

قمة شنغهاي الـ24.. الأبعاد وقضايا التباحث:

في ظل التطورات الإقليمية والدولية، وفي خضم العديد من الأحداث العالمية المتصاعدة، التي ألقت بظلالها على القمة الـ24 للمنظمة؛ كان هناك حضور ومشاركة واسعة من القادة والمسؤولين. إذ إلى جانب رؤساء الدول الأعضاء بالمنظمة، شارك أيضًا قادة بعض الدول التي تحمل صفة “شركاء الحوار”، وكان من أبرزهم رئيس أذربيجان “إلهام علييف”، وأمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”. (اليوم السابع).

كما حضرت القمة منظمات دولية، من بينها الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، والأمين العام لرابطة الدول المستقلة “سيرغي ليبيديف”، والأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي “إيمان غالي تاسماغامبيتوف”؛ بالإضافة إلى رؤساء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي.

هذه القمة غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين، وتكمن أهميتها كذلك في كونها منصة إضافية لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول المشاركة، في ظل الأوضاع الجيوسياسية الحالية. وتعكس المشاركة الواسعة نمو المنظمة ودورها الصاعد بشكل كبير عالميًّا. وعلى هامش القمة، التقى الرئيسان “شي” و”بوتين”، وأشادا بالتوافق المتنامي بين بلديهما، واصفا العلاقات الثنائية بأنها تشهد أفضل فترة تاريخية، من شأنها أن تعزز الاستقرار العالمي. كما أشادا بدورهما في ترسيخ منظمة شنغهاي التي باتت إحدى أهم الركائز الأساسية للتحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل.

في ظل الخلافات الصينية الهندية، التي تسعى كل من بكين ونيودلهي إلى تجاوزها، التقى وزير الخارجية الهندي مع نظيره الصيني على هامش القمة. أكد الجانبان أهمية مضاعفة الجهود لتحقيق الانسحاب الكامل للقوات واستعادة السلام والهدوء على خطوط التماس الحدودية بينهما، من أجل المضي قدمًا نحو تطبيع العلاقات. وقد اتفقا على تعزيز الجهود من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية لحل القضايا الخلافية العالقة. (فرنسا 24).

وكان من اللافت مباحثات توسيع نطاق العضوية، والسعي لضم بيلاروسيا إلى المنظمة بصفة عضو كامل العضوية، في ظل دفع روسيا، حليفة بيلاروسيا، لتحقيق هذا الهدف. فالعقوبات الغربية طالت أيضًا بيلاروسيا، وتستغل روسيا بشكل عقلاني اهتمام الصين المتزايد بتوسيع المنظمة كأحد الطرق للحد من تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، وبالتالي يبرز الاهتمام الروسي بتوطيد العلاقات مع الأعضاء وشركاء الحوار بالمنظمة.

نتائج ومخرجات القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي في أستانا:

أنتجت القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي للتعاون عددًا من القرارات، مع تبني أعضاء المنظمة لسياسات جديدة خلال تلك القمة، وتمثلت في الموافقة على عدد من الوثائق المتعلقة بالقضايا المحورية التي تهم الدول الأعضاء بالمنظمة؛ مثل: الطاقة والأمن والاقتصاد والتجارة وتكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي.

كما تم إقرار “إعلان أستانا” بشأن مبادرة الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية، وكذا استراتيجية التنمية حتى عام 2035م، والتي بموجبها تمت إعادة تحديد المساهمات الجماعية للدول الأعضاء. كما اتفقت الدول الأعضاء على تدشين عدد من المؤسسات الجديدة؛ أهمها: مركز تنسيق المعلومات الإقليمي لآسيا الوسطى، وأمانة منظمة شنغهاي للتعاون لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات؛ بالإضافة إلى تدشين جمعية المستثمرين وبرامج تطوير آليات تمويل أنشطة مشروعات المنظمة بشأن التعاون في المناطق المحمية والسياحة البيئية. (روسيا اليوم).

إضافة إلى ذلك، تم التوافق على تولي الصين رئاسة المنظمة حتى عام 2025م، بعد مضي 7 سنوات على رئاستها الأولى لها، وذلك في إطار التناوب الدوري على رئاسة المنظمة بين الدول الأعضاء. وفي خطوة تأتي متوافقة مع التوجهات الروسية والصينية، أدانت المنظمة آليات فرض عقوبات أحادية على الدول لما يتسبب فيه ذلك من تقويض التجارة العالمية.

يمكن القول: إن القمة الـ24 قد نجحت في تحقيق عدة أهداف؛ أبرزها: فشل سياسة القوى الغربية في إضعاف روسيا والصين وعزلهما عالميًّا، وهو ما يتضح من استمرارية تطور العلاقات بين روسيا والصين ودول المنطقة من جهة، وانضمام بيلاروسيا للمنظمة كعضو كامل العضوية من جهة أخرى. كما تُعد القمة ومخرجاتها تتويجًا لجهود كازاخستان خلال فترة ترؤسها للمنظمة منذ يوليو 2023م؛ مما أسهم في تعزيز دور المنظمة ومكانتها، واتساع نطاق عضويتها، وتوسيع آفاق التعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات.

تعكس المشاركة التركية في القمة الحالية الرغبة في الانضمام كعضو كامل العضوية، وليس مجرد شريك حوار لمنظمة شنغهاي. وقد صرح الرئيس التركي أردوغان في وقت سابق من عام 2016م، حول احتمالية انضمام بلاده للمنظمة كبديل عن الاتحاد الأوروبي.

شنغهاي وبريكس وتكتلات قِوَى الشرق لمواجهة الهيمنة الغربية:

في ظل التطورات التي طرأت على المشهد الدولي خلال العقدين الأخيرين، وصعود الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية اقتصاديًّا وعسكريًّا، ونمو تكتلاتهم الدولية وزيادة توسعها، خاصة منظمة البريكس، التي تجاوزت التكتل الغربي المهيمن على الاقتصاد العالمي منذ ثلاثة عقود “مجموعة السبع”؛ يمكن القول: إن مشهد النظام العالمي بدأ بالتغيير منذ انطلاق الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وما تبعها من عقوبات اقتصادية واتهامات متبادلة حول منشأ فيروس كورونا، سواء كان طبيعيًّا أم مصطنعًا، وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.

ويرى العديد من المراقبين أن تكتلات قِوَى الشرق الصاعدة “بريكس” و”شنغهاي” قد بدأت تلعب دورًا محوريًّا في تشكيل النظام العالمي الجديد؛ فبالنظر إلى منظمة شنغهاي، فهي تُعد تحالفًا لمجموعة من الدول لتعزيز ما تعده مصالح أمنية مشتركة. وتحمل جميع التحالفات التزامًا رسميًّا بتقديم العون العسكري، وربما أنواعًا أخرى من الدعم، إذا تعرض أي عضو في التحالف للهجوم أو واجه احتمالًا مباشرًا للهجوم عليه.

ويمكن أن تتضمن التحالفات تقديم المساعدة، سواء عسكرية أو استخباراتية أو اقتصادية، وإجراء تدريبات مشتركة، وفي الحد الأدنى، بعض التكامل في صنع القرار للاستعداد للطوارئ المحتملة وللمساعدة في ردعها، وتتطلب التحالفات القوة والإرادة والوفاء بالالتزام، ولا يمكن للتحالف أن ينجح إذا غاب أي منها، كما حدث مع حلف وارسو.

الثابت أنه عادةً ما يمثل قرار تشكيل تحالف أو الانضمام إليه تقديرًا أن مزايا العضوية تفوق التكاليف والالتزامات، وأنها أفضل من وقوف الدولة بمفردها. وفي ظل هيمنة الخلافات داخل تكتلات قِوَى الشرق “بريكس” و”شنغهاي” ما بين الهند والصين والهند وباكستان والسعودية وإيران ومصر وإثيوبيا وغيرها، فإن هذه الخلافات تُعد نقاط ضعف في طبيعة التكتلات الشرقية، يستغلها الخصوم بالفعل للحد من تأثير هذا التكتل أو ذاك؛ فالنقاط الخلافية أكبر من نقاط التوافق. وحتى بين روسيا والصين هناك تنافس محتدم على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، ومع ذلك، تنظر القِوَى الغربية إلى التكتلات الشرقية كتحدٍّ لهيمنتها العالمية.

كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع تكتلات روسيا والصين الصاعدة عالميًّا؟

بالنظر إلى تأثير التكتلات الشرقية على الساحة الدولية، فعلى الرغم من أن منظمة شنغهاي، على سبيل المثال، تضم أكثر من 3.5 مليار نسمة واقتصادات كبرى صاعدة؛ إلا أن الخلافات الداخلية بين أعضاء المنظمة تضعف من فعاليتها بشكل كبير. وبالتالي، يمكن القول حاليًّا: إن دور منظمة شنغهاي في المواجهة بين ما يسمى بـ”القِوَى الغربية” و”القِوَى الشرقية” محدود إلى حدٍّ ما.

ذلك يعود إلى طبيعة مكوناتها؛ فمعظم دول المنظمة، باستثناء روسيا والصين، لديها علاقات جيدة مع القِوَى الغربية والولايات المتحدة؛ كما أن غياب الانسجام بين الدول الأعضاء يدفعنا للقول: إن المنظمة بنسختها الحالية لا تشكل تحديًّا محوريًّا للقوى الغربية بقدر ما تُعد وسيلة للتعاون المشترك بين الدول الأعضاء رغم الخلافات.

ومع ذلك، يبقى التحدي قائمًا، وتبرز المخاوف الغربية من جميع تكتلات وتحالفات وتحركات روسيا والصين بوضوح في السياسة الأمريكية الخارجية. يمثل التحرك الأمريكي لضم الهند إلى الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم “كواد”، وهو حوار إستراتيجي غير رسمي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، محاولة للحد من التقارب الهندي مع قِوَى الشرق. (الشرق الأوسط).

والأمر نفسه ينطبق على تكتل البريكس؛ فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعملان على تعزيز علاقاتهم مع أعضاء تكتل البريكس. وقد برز ذلك من خلال القمة المصرية الأوروبية ورفع مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. هذا بالإضافة إلى مساعي الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية دفاعية مع المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع تعزيز علاقاتها مع الهند.

الخلاصة:

تأتي القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي للتعاون في وقت تواجه فيه الصين وروسيا، أبرز اللاعبين في المنظمة، تحديات وصراعًا محتدمًا مع القِوَى الغربية.

يرى البلدان الكبيران: أن المنظمة تُعد أحد الأدوات للحد من تأثير العقوبات والضغوط التي تفرضها القِوَى الغربية عليهما، وهو ما يظهر بوضوح في محاولة روسيا الدفع بانضمام بيلاروسيا إلى المنظمة ومساعي الصين لتوسيع العضوية في ظل هيمنتها الاقتصادية والتجارية على المنظمة؛ كما تحاول البلدان الكبيران، روسيا والصين، كسر حاجز العزلة التي يسعى الغرب جاهدًا لفرضها على قِوَى الشرق.

منذ العام 2022م، ومع انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، تطلعت عدة دول أخرى للانضمام إلى المنظمة على غرار بريكس. توجهت الأنظار إلى أهمية هذه المنظمة وفاعليتها، بوصفها منظومة علاقات سياسية تجمع دولًا تسعى للحد من الهيمنة الأمريكية، وتسعى للحصول على حصة وازنة في النظام الدولي. اكتسبت المنظمة أهمية متزايدة بعد امتداد مساحتها الجغرافية والجيوسياسية من المجال الأوراسي إلى الشرق الأوسط، عقب انضمام إيران. كما تحمل عدة دول في الشرق الأوسط صفة شركاء الحوار بالمنظمة، مما يعكس “سياسة انفتاحية” تركز على توسيع قاعدة المصالح إقليميًّا وعالميًّا.

خلال السنوات الأخيرة، نمت التكتلات الشرقية وتوسعت، وباتت تشكل ثقلًا منافسًا للتكتلات الغربية. ومع ذلك، فإن الخلافات الداخلية بين أعضاء التكتلات الشرقية “بريكس” و”شنغهاي” تشكل عامل ضعف لهذه التكتلات، وهو ما تستغله القِوَى الغربية للحد من دورها عالميًّا.

تدرك روسيا والصين، أبرز الدول الفاعلة في هذه التكتلات، هذه الثغرة؛ لذلك يُطرح دائمًا خلال القمم المختلفة للبريكس وشنغهاي أهمية الحوار المستمر والتفاهمات المتبادلة بين الدول الأعضاء لحل الخلافات العالقة، كما حدث خلال لقاء وزيري خارجية الهند والصين في قمة شنغهاي بأستانا.

المصادر:

الجزيرة

مونت كارلو الدولية

بي بي سي عربي

العربية

اليوم السابع

فرنسا 24

روسيا اليوم

الشرق الأوسط

البريكسالصينالولايات المتحدةروسياقمة شنغهاي
Comments (0)
Add Comment