على خطى ترامب … روسيا تستغل المفاوضات النووية الإيرانية لتحقيق مصالحها مع الغرب

على خطى ترامب … روسيا تستغل المفاوضات النووية الإيرانية لتحقيق مصالحها مع الغرب

منذ بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، ونحن نسمع كل يوم عن عقوبات جديدة يوقعها الاتحاد الأوروبي على الدب الروسي؛ إلا أن روسيا مستمرة ولا تلتفت إلى هذه العقوبات، وفي أحيان أخرى ترد على هذه العقوبات بفرض عقوبات مماثلة للتي فرضتها أوروبا عليها، وربما كان لدى المفاوضات النووية الإيرانية إحدى خيارات روسيا في الرد على العقوبات الأمريكية؛ خاصة بعد عودة الأمل من جديد من استئناف إيران المفاوضات في 8 فبراير (2022).

وهذه الجولة هي الثامنة من المفاوضات التي تجري حول الاتفاق النووي في فيينا، ومن المتوقع أن يكون لها دور بارز في تحديد مساراتها المحتملة، حيث قال مسئولون إيرانيون: “إن الاتفاق قد يكون في متناول اليد”.

ورغم أن المؤشرات تكشف أن احتمال الوصول إلى صفقة في فيينا بات مرجحًا؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات لا تبدو ثانوية، ولا يمكن تسويتها بسهولة، على نحو يفرض عدم استبعاد أي من المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها تلك المفاوضات في النهاية.

وقد بات من الواضح أن الخارطة العالمية باتت تلعب على المصالح؛ خاصة وأن روسيا تلوح بمطالبها الخاصة لاستكمال المفاوضات في فيينا، وهذه علامة على تراجع فرص التوصل إلى اتفاق نووي بشأن إيران سببه الرئيس الحرب في أوكرانيا، حيث ضغطت روسيا في مطالبها بإعفائها من العقوبات الأمريكية في أي تعاملات تجارية مستقبلية مع إيران.

الحرب الروسية الأوكرانية:

تقول واشنطن بوست إن اندلاع الحرب في أوكرانيا أدَّى إلى تعقيدات إضافية من خلال قلب علاقات روسيا مع الدول الغربية المشاركة في المفاوضات، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى جانب إيران والصين.

وبسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، فإن المحادثات التي جرت في فيينا كانت بين الأطراف المتبقية، وكان المفاوضون يتنقلون بين المحادثات والوفد الأمريكي المتواجد في فندق مختلف.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لنظيره الإيراني أن روسيا تريد أن يكون إحياء الاتفاق النووي مصاحبًا بضمانات أمريكية بأن العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو ردًّا على غزو أوكرانيا لن يتم تطبيقها على تجارة روسيا أو استثماراتها مع إيران(1).

تقديم روسيا لطلب ضمانات من الولايات المتحدة:

قامت روسيا بتقديم طلب في اللحظة الأخيرة التي سبقت انطلاق المفاوضات، تدعو فيه الولايات المتحدة إلى تقديم “ضمانات مكتوبة” بأن العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو بعد غزوها أوكرانيا لن تضر بالتعاون بين موسكو وطهران بموجب الاتفاق النووي الذي يُعرف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وجاء الطلب على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكد أن بلاده تريد “ضمانات مكتوبة” بأن العقوبات لن تؤثِّر “على حقنا في التعاون الحر والكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري مع إيران”.

طلبات خارج السياق:

لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي إزاء الطلب الروسي؛ حيث جاء الرفض الأمريكي سريعًا، بنفي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وجود “رابط” بين العقوبات ودور روسيا في إطار إحياء الاتفاق النووي.

وقال الوزير الأمريكي: إن المطالب الروسية “خارج السياق”، مضيفًا: “أن من مصلحة روسيا أن تكون إيران غير قادرة على امتلاك سلاح نووي، وسوف يبقى ذلك ساريًا بغض النظر عن علاقتنا بروسيا منذ غزوها لأوكرانيا”.

إيران تطلب تفاصيل:

أما إيران فأعلنت أنها تنتظر الاطلاع على “تفاصيل” الطلب الروسي، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده “سمعنا ورأينا تصريحات السيد لافروف عبر وسائل الإعلام، وننتظر التفاصيل عبر القنوات الدبلوماسية”.

تحذير من الدول المتبقية:

في المقابل: حذرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول التي لا تزال منضوية في الاتفاق النووي؛ بالإضافة إلى روسيا والصين، موسكو من مغبة أي محاولة لإفساد الاتفاق الذي اقتربت الولايات المتحدة وإيران من التوصل إليه؛ خاصة بعد أن بلغت المباحثات غير المباشرة بين البلدين مرحلة متقدمة(2).

إعلان الاتحاد الأوروبي:

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي الذي يتولى مهمة التنسيق في المباحثات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، عن الحاجة إلى «وقفة» في مفاوضات فيينا؛ نظرًا لبروز «عوامل خارجية» استدعت حصولها، ولكي لا تكون «الوقفة» دلالة على وصول المفاوضات إلى حدود الانهيار، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” بعيد الإعلان عنها: “إنها حدثت على الرغم من أن هناك نصًّا نهائيًّا كان جاهزًا تقريبًا ومطروحًا على الطاولة”، لكن بروز “عوامل خارجية مستجدة دفع إلى ضرورة التوقف حاليًا”، من دون أن ينسى التأكيد على آماله بأن يكون فعل التوقف مؤقتاً ولوقت قصير(3).

ورقة مساومة روسية:

بدوره أشار حميد رضا عزيزي، الخبير في الشأن الإيراني بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية  “SWP، إلى أن هناك مخاوف من أن تلقي الأزمة في أوكرانيا بظلالها على المفاوضات النووية مع إيران، وقال في مقابلة مع DW  منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أثيرت مخاوف من أن التطورات الجديدة خاصة التصادم بين روسيا والدول الغربية سوف تؤثر سلبًا على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني”.

وأضاف: جوهر هذه المخاوف هو: أن روسيا قد تسعى إلى استخدام مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة كورقة مساومة في إطار التوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن أوكرانيا.

وأشار الباحث إلى أن روسيا “تتعرض في الوقت الحالي لضغوط دولية متنامية وغير مسبوقة بشأن مغامرتها في أوكرانيا”، مرجحًا أن يكون الطلب الروسي للحصول على ضمانات من أمريكا مجرد “مناورة سياسية لتذكير واشنطن والعواصم الأوروبية بأنها ما زالت بحاجة إلى التعاون مع موسكو لحل بعض القضايا العالقة”.

وفي هذا السياق أوضح عزيزي: “في إطار هذا السيناريو، قد تُقدِم موسكو على المناورة لبعض الوقت ما يؤخر التوصل إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران، لكن في نهاية المطاف ستدرك أن تحقيق مصالحها الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية سيدفعها إلى المساهمة في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي”(4).

بايدن يواجه ضغوطًا للتخلي عن الاتفاق النووي:

لكن موقف موسكو جاء أيضًا في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطًا متزايدة في واشنطن للتخلي عن الاتفاق، ولطالما عارض الجمهوريون الصفقة، كما أن المخاوف بشأن فعاليتها تتزايد بين زملاء بايدن الديمقراطيين.

في فبراير2022 أخطرت مجموعة من 33 عضوًا جمهوريًّا بمجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس جو بايدن بأنهم سيعملون على إعاقة أي اتفاق نووي جديد مع إيران إذا لم تسمح حكومته للكونغرس بمراجعة شروطه والتصويت عليها.

وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إحياء الاتفاق الذي رفع العقوبات عن طهران مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية.

وأعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015، ونتيجة لذلك بدأت إيران في خرق الكثير من القيود النووية المفروضة عليها بموجب الاتفاق واستمرت في عدم التقيد بها.

هل سيجد بايدن ذريعة للتخلي عن الاتفاق؟

من شأن الموقف الروسي الجديد حيال مسار الاتفاق النووي، أن يدفع بالرئيس الأمريكي جو بايدن لإيجاد ذريعة لحفظ ماء الوجه من خلال الابتعاد عن الاتفاق النووي أو تجميد المفاوضات المرتبطة به.

سيواجه بايدن والديمقراطيون الآخرون مواجهة أقل حدة خلال الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي المقررة في وقت لاحق من هذ العام، وفي حال هاجم المدافعون عن الاتفاق النووي بايدن بالتخلي عن الاتفاق النووي، فإن رد الإدارة الأمريكية سيكون ببساطة من خلال إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

العقوبات الأمريكية ضد روسيا:

من جهتها: حضت الولايات المتحدة كلًّا مِن: إيران وروسيا على اتخاذ “قرارات” ضرورية للتوصل سريعًا إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، معتبرة أن الكرة باتت في ملعبهما لتجاوز المأزق.

وشدد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، على أن العقوبات الأمريكية ضد روسيا لا علاقة لها بالاتفاق الإيراني.

كما هددت إدارة جو بايدن، بإيجاد سبل أخرى لإخراج روسيا من المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي، ومع ذلك قد يؤدي ذلك الإجراء إلى مزيدٍ من التعقيد في مسار المفاوضات؛ ذلك أن أي اتفاق تعاد صياغته بدون روسيا من المحتمل أن يخضع لمراجعة من الكونغرس(5).

أمريكا توافق على المطالب الروسية:

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مشترك في موسكو مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: أن بلاده تلقت الضمانات المطلوبة من واشنطن بأن العقوبات التي تستهدفها بسبب أوكرانيا لن تشمل تعاونها مع طهران.

وقال لافروف: “لقد حصلنا على الضمانات المطلوبة خطيًّا، وتم شمولها في الاتفاقات لإعادة إطلاق خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني”، وتابع: “يحاول الأميركيون القول إننا نؤخر هذا الاتفاق، لكن هذه كذبة”، ومواقف لافروف هذه أكدها عبد اللهيان بالقول: “إن روسيا لن تكون عقبة أمام التوصل إلى اتفاق”.

وأوضح أنه: “لا يمكن لأي عامل أن يترك تأثيره السلبي على اتفاق فيينا، والوصول إلى نقطة النهاية، وأن ما يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في فيينا هو النظرة الواقعية للجانب الأميركي في الأيام والأسابيع الأخيرة للتوصل إلى اتفاق”(6).

الخلاصة:

لا شك أن هناك مصالح كبيرة مشتركة بين الجانبين: الروسي والإيراني، وكذلك رؤيا مشتركة تجاه التغول الأمريكي في الشرق الأوسط، وكذلك التوسع في شرق أوروبا، وتهديد الأمن القومي لكلا البلدين، والعقوبات الغربية على كلٍّ مِن: إيران وروسيا عاملًا لتعزيز التحالف القائم بينهما.

كما أن هناك اتفاقيات بدأت تظهر إلى العلن بين روسيا وإيران، وهي تتمثل في اتفاقيات طويلة الأمد، كذلك التعاون المشترك بينهما في منظمة شانغهاي للتعاون واتحاد أوراسیا الاقتصادي، وكذلك ستستغل إيران حاجة الأسواق الأوروبية للطاقة.

1_ اليوم السابع

2_D.W

3_ الوطن السورية

4_ D.W

5_اير نيوز

6_  الوطن السورية

إيرانالاتفاق النوويترامبروسيافيينا