ردود الفعل الروسية بعد استهداف الداخل بين التحذيرات وإمكانية تسليح أعداء واشنطن

ردود الفعل الروسية بعد استهداف الداخل بين التحذيرات وإمكانية تسليح أعداء واشنطن

وصلت الحرب الروسية الأوكرانية ومن ورائها صراع روسيا والغرب العالمي إلى مرحلة شديدة الخطورة، وبات العالم أقرب إلى حرب عالمية ثالثة ستكون نووية هذه المرة؛ حيث تتصاعد حدة التوترات باستمرار في الحرب الروسية الأوكرانية، مع تطورات جديدة تزيد تعقيد المشهد الدولي أكثر؛ وفي خطوة تُعد تصعيدًا كبيرًا، منحت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو، الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام الأسلحة الغربية لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية.

وهذا التحول النوعي في إستراتيجية الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا؛ ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة، خاصة مع إعلان الرئيس الروسي خلال مؤتمر منتدى بطرسبرغ الاقتصادي، أن لدى روسيا خيارات عدة للرد على الغرب، أبرزها: احتمال تزويد أعداء واشنطن بتقنيات صاروخية وأسلحة تعزز قدراتهم في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة، هذا التلويح هو الثاني لبوتين خلال أسبوعين الذي حمل استعدادًا مباشرًا لتوسيع نطاق المعركة الدائرة على الأراضي الأوكرانية، بعد ما كان الرئيس الروسي لوح إلى قدرات بلاده النووية التكتيكية، وأمر بإجراء تدريبات على استخدام طارئ للأسلحة التكتيكية في حال تعرضت البلاد لخطر داهم أو تهديد على مستوى سيادتها وسلامة أراضيها.

فكيف يمكن فهم دوافع الموافقة الأمريكية والغربية الأخيرة لأوكرانيا على ضرب العمق الروسي؟ وكيف ستكون تداعياتها على مجريات مسرح الأحداث في أوكرانيا؟ وما خيارات روسيا المختلفة للرد على القرار الأمريكي والغربي الجديد؟ وفي ظل تصريحات بوتين الأخيرة عن تسليح أعداء واشنطن هل دخلت منطقة الشرق الأوسط إلى دائرة الحرب الأوكرانية؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على الموافقة الغربية لكييف بضرب العمق الروسي، وتداعيات ذلك على الأمن العالمي، في ظل تلويح بوتين بتسليح أعداء واشنطن في هذه السطور الآتية:

أبعاد ودوافع الموافقة الغربية لأوكرانيا على ضرب العمق الروسي:

أعلنت الإدارة الأمريكية يوم 30 مايو 2024م، عن رفع الرئيس “بايدن” بعض القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا الأسلحة الأمريكية في هجماتها ضد الأراضي الروسية، بحيث يتم السماح باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب أهداف روسية بالقرب من منطقة خاركيف فقط. (بي بي سي عربية).

وقد جاء القرار في ضوء المتغيرات الجديدة المتمثلة في فشل الهجوم الأوكراني المضاد في الصيف الماضي، والتقدم السريع للقوات الروسية في خاركيف، وأكد وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي عقده على هامش مشاركته في اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية دول حلف الناتو في براج، يوم 31 مايو 2024م، سماح الرئيس “بايدن” لأوكرانيا باستخدام أسلحة أمريكية لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية.

وقد جاءت تصريحات “بلينكن” بعد ما تداولت تقارير صحفية أخبارًا تفيد ببدء إدارة “بايدن” إعادة تقييم سياساتها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية؛ خاصةً قضية استخدام الأسلحة الأمريكية في مهاجمة الأراضي الروسية، وكشفت صحيفة “بوليتيكو” عن القرار يوم 30 مايو 2024م. (بي بي سي عربية).

وبالنظر إلى ما تواجهه إدارة الرئيس الأمريكي بايدن من تحديات داخلية وخارجية؛ أبرزها: الانتخابات الأمريكية وحرب غزة، وغيرها، فيمكن الربط بين قرار إدارة “بايدن” والانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، خاصةً مع إدانة “ترامب” في قضية تزويره عددًا من الوثائق المالية وغيرها، وعودة حكومة “نتنياهو” إلى المناورة ورفض التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

هذا بجانب استغلال موسكو تراجع إنتاج آلة الحرب الأوروبية، وتردد الكونجرس الأمريكي في منح المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا؛ فجميع هذه العوامل والتحديات المختلفة دفعت “بايدن” نحو اتخاذ قرارات جريئة على الساحة الخارجية، مع التعويل على نجاحها ودفعها نحو التهدئة بصورة أو بأخرى من الانتقادات الواسعة التي طالت تعامل حكومته مع عدد من الملفات، وعلى رأسها: مِلَفّ الحرب في أوكرانيا.

والرد الروسي المتوقع على هذا التصعيد الأمريكي الأخير لا يمكن الاستهانة به؛ حيث إن موسكو قد تتخذ خطوات انتقامية تشمل تكثيف العمليات العسكرية ضد أوكرانيا، وتعزيز تحالفاتها مع دول أخرى لمواجهة التحالف الغربي.

في هذا السياق تعبر التحليلات السياسية المختلفة عن مخاوف حقيقية من أن يؤدي هذا التصعيد إلى نزاع أوسع يتجاوز حدود أوكرانيا، مع تداعيات كارثية على الاستقرار الدولي.

وقد شكلت تصريحات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تعليقًا على موافقة الغرب لأوكرانيا بضرب العمق الروسي، مفاجأة تصعيدية أخرى؛ حيث جاء تلويح بوتين باحتمال تزويد أعداء واشنطن بتقنيات صاروخية وأسلحة تعزز قدراتهم في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة، ليشكل نقلة خطيرة للغاية في آليات إدارة المواجهة بين روسيا والغرب، وليضع سيناريو الانزلاق نحو توسيع الاشتباك الروسي الغربي على سكة التنفيذ العملي، مع كل ما يمكن أن يحمل ذلك من تداعيات. (مركز الدراسات العربية الأوراسية).

وهذا التلويح هو الثاني لبوتين خلال أسبوعين؛ الذي حمل استعدادًا مباشرًا لتوسيع نطاق المعركة الدائرة على الأراضي الأوكرانية، بعد ما كان الرئيس الروسي لوح إلى قدرات بلاده النووية التكتيكية، وأمر بإجراء تدريبات على استخدام طارئ للأسلحة النووية التكتيكية في حال تعرضت البلاد لخطر داهم، أو تهديد على مستوى سيادتها وسلامة أراضيها.

لتشكل تصريحات روسيا والغرب نقلة تصعيدية خطيرة سيكون لها تداعياتها على الأمن العالمي، ولدى روسيا والغرب العديد من الأوراق في صراعهم الحاد والمتصاعد، فمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وإفريقيا تقع في صُلْب الأوراق الروسية والغربية، في ظل وجود جماعات مسلحة تتعارض أيديولوجياتها مع المصالح الأمريكية في المنطقة، أبرزها: الحوثيون في اليمن ما قد يدفع بوتين إلى دعم هذه الجماعات لاستهداف المصالح الأمريكية ردًّا على استمرار الدعم الأمريكي المقدم لأوكرانيا.

الشرق الأوسط وخيارات الاتحاد الروسي للرد على التصعيد الأمريكي الجديد في أوكرانيا:

خلال سنوات الصراع الروسي الأمريكي الأخيرة، وقبل قيام الحرب الروسية الأوكرانية، كانت منطقة الشرق الأوسط إحدى ساحات المواجهة ما بين روسيا والولايات المتحدة، إذ وعقب الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر من عام 1973م، وما أعقبها من تقارب مصري أمريكي وانفتاح عربي على الغرب، ثم حرب الخليج الثانية 1991م وانهيار الاتحاد السوفيتي.

أخذت الولايات المتحدة في توسيع وترسيخ نفوذها طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط، وقد بدا ذلك واضحًا خلال الغزو الأمريكي للعراق 2003م، وقصف الناتو لليبيا 2011م، ومثل التدخل الروسي في سوريَا العام 2015م، والتقارب الروسي الإيراني تحديًا للهيمنة الأمريكية، وأحد النِّقَاط الخلافية المحورية في العلاقات الروسية الأمريكية.

وبالنظر إلى الانتشار الأمريكي في الشرق الأوسط عبر قواعد عسكرية في العديد من دول المنطقة، ووجود جماعات مسلحة مختلفة تعمل لخدمة المصالح الإيرانية، أبرزها ما يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق، والتي نفذت هجوم عسكري في يناير 2024م، طال قاعدة البرج 22 العسكرية الأمريكية في الأرْدُنّ. (إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية).

إضافة إلى جماعة الحوثيين الإرهابية في اليمن، والتي تنفذ الولايات المتحدة الأمريكية ضدها سلسلة من الضربات العسكرية الجوية والصاروخية في البحر الأحمر، وأخذًا بعين الاعتبار ادعاءات إيران بعدم تبعية تلك الجماعات المسلحة الإرهابية لها تجنبًا للمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة.

فيمكن القول: إن الرئيس الروسي قد يقدم خلال الأشهر القليلة القادمة على تزويد تلك الجماعات بالأسلحة الروسية المتطورة، لاستخدامها ضد القوات والقواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ما سيفاقم حدة المواجهة ما بين الولايات المتحدة وتلك الجماعات دون أن تتأثر إيران بذلك، وخلال الأشهر الأخيرة ومع بَدْء الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، أثير في الداخل الروسي قضية تزويد الحوثيين بالأسلحة الروسية المتطورة، ردًّا على تزويد الولايات المتحدة لأوكرانيا بالأسلحة.

وأبرز تلك التصريحات، كانت للإعلامي “فلاديمير سولوفيوف” الداعم للكرملين وأحد أبرز مناصري الرئيس الروسي بوتين؛ حيث قال: “إنه يجب على روسيا تسليح الحوثيين المتمردين في اليمن بأحدث الأسلحة الروسية، لاستخدامها في هجمات على السفن البريطانية والأمريكية”، مؤكدًا أن ذلك سيُعد انتقامًا من بريطانيا والولايات المتحدة. (موطني نيوز).

ويبدو أن تسليح الحوثيين والجماعات الإرهابية المسلحة التي تنشط في منطقة الشرق الأوسط، بات الآن أحد أبرز خيارات الرئيس بوتين في صراعه مع الغرب، ولكن نظرًا لتبعية تلك الجماعات لإيران، كونها جزءًا من المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، وبالنظر إلى كونها جماعات إرهابية تهدد الأمن العربي والإقليمي.

فإن أي دعم روسي محتمل لتلك الجماعات سيكون له وقعة السلبي على العلاقات الروسية العربية، والتي شهدت قفزة كبيرة في شتى المجالات الصناعية والطاقية وغيرها، خلال السنوات الأخيرة.

وبالتالي فإن الرئيس بوتين، سيعمد إلى دراسة التداعيات المختلفة على العلاقات الروسية العربية لأي تقارب متوقع بين روسيا والجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط؛ كون العلاقات الروسية العربية، تُعد إحدى أهم علاقات روسيا الخارجية في تنويع الشراكات الروسية الخارجية، في ظل حزم العقوبات المنهمرة على الاقتصاد الروسي.

مستقبل الأمن العالمي في ظل ازدياد حدة الصراع الروسي الأمريكي:

يتجه عالمنا المعاصر إلى مستقبل بات غير واضح في ظل مساعي روسيا وحلفائها إلى تأسيس نظام عالمي متعدد الأقطاب، وسعي الولايات المتحدة إلى استمرار هيمنتها المطلقة على النظام العالمي، وبالنظر إلى التصعيد والتصعيد المضاد، فيمكن القول إن العلاقات الروسية الأمريكية بعد القرارات والتصريحات الأخيرة، قد دخلت إلى مرحلة اللا عودة، خاصة أن هذه المرة هي الأولى التي يسمح فيها رئيس أمريكي بتوجيه ضربات عسكرية محدودة ضد المدفعية وقواعد الصواريخ ومراكز القيادة داخل حدود دولة مسلحة نوويًّا.

كما أن هذا القرار، لا يعد المؤشر الأوحد على تغير نمط التعاطي الأمريكي مع الحرب الروسية الأوكرانية، وتخلي الإدارة الأمريكية الحالية عن تحفظاتها السابقة على دخول الولايات المتحدة ودول حلف الناتو في مواجهة مباشرة ضد روسيا، وذلك عبر استخدام القوات الأوكرانية المُعَدَّات والمعونات العسكرية المقدمة من قبل قوات التحالف خارج أراضيها.

فخلال وقت مبكر من العام 2023م، وافقت واشنطن على نشر صواريخ بعيدة المدى من فئة “اتكاماز” عبر الأراضي الأوكرانية، لمضاعفة قدرة كييف على التصدي للصواريخ الروسية عبر مساحات واسعة، وقد جاء القرار الأمريكي الأخير ليؤكد التغير المستمر في توجهات إدارة “بايدن” تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، والأدوات التي ستلجأ إليها واشنطن للتعاطي مع موسكو في هذه المرحلة من الحرب. (الشرق الأوسط).

ويبدو أن قرار الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، يمثل خروجًا عن السياسات الأمريكية السابقة الرامية إلى عدم تصعيد الصراع أكثر، ما يعكس الاستياء الغربي من عدم فعالية العقوبات الغربية، وتعكس تصريحات المسؤولين الروس؛ أبرزهم: نائب رئيس مجلس الأمن الروسي “دميتري ميدفيديف” بأن روسيا لن تتوانى في استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا، وأن صراعها مع الغرب قد يصل إلى حد الحرب شاملة، احتمالية خروج الحرب الروسية الأوكرانية وصراع روسيا والغرب عن السيطرة، ووضع العالم أمام حرب نووية كارثية. (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).

فلطالما كانت الأسلحة النووية التكتيكية يتردد صداها طوال العامين الماضيين، مع كل حزمة مساعدات أمريكية وغربية جديدة إلى أوكرانيا، ويبدو أن القرار الأمريكي الأخير مرتبط بالتحضير لهجوم أوكراني مضاد جديد، قد ينفذ مع تزويد أوكرانيا بمقاتلات (إف – 16) هذا الصيف.

الخلاصة:

– يعكس قرار إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” تخفيف القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا الأسلحة الأمريكية، حسابات معقدة متعلقة بتطورات الصراع الأوكراني وخطوط الجبهات المختلفة؛ إذ باتت أوكرانيا في اللحظة الراهنة أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط العسكرية الروسية المتواصلة؛ لا سيما مع هجمات موسكو المستمرة على خاركيف، ونجاح القوات الروسية في السيطرة على العديد من المناطق والبلدات في المقاطعة، كما يستهدف بايدن من وراء تخفيف القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية، التماشي مع المطالب الغربية والأوكرانية المتصاعدة بالسماح لكييف باستخدام الأسلحة الأمريكية في مهاجمة روسيا، ولكن يظل مدى تأثير هذا القرار على مسار الحرب موضع شكوك هائلة، في ظل التقدم الروسي المستمر حتى اللحظة.

– إن تلويح الرئيس الروسي بوتين، بإمكانية تسليح أعداء واشنطن ردًا على السماح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية يشير وبوضوح إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي تنشط فيها جماعات مسلحة تشن هجمات مختلفة بين حين وآخر ضد القوات الأمريكية؛ أبرزها: جماعة الحوثيين والمقاومة الإسلامية بالعراق، وهي جماعات إرهابية مسلحة موالية لإيران، وتتدعي إيران عدم تبعية تلك الجماعات لها، ولكن إن إقدام روسيا على تسليح تلك الجماعات، سيؤثر سلبًا على العلاقات الروسية العربية، ومع ذلك يبقى خِيار تسليح تلك الجماعات واحدًا من بين خيارات عدة تمتلكها موسكو.

– تؤكد المعطيات على الأرض، والسياق العالمي والداخلي الذي تمر به عدد من الدول الغربية، أن الصيف الحالي سيشهد تسارعًا في مستوى العمليات العسكرية الروسية والأوكرانية، مع إقدام كل طرف على اختبار استراتيجيات دفاعية وهجومية جديدة؛ خاصة مع وصول الأسلحة الأمريكية الجديدة إلى أوكرانيا، أبرزها مقاتلات (إف – 16) ومن هذا المنطلق، يظل احتمال استمرار الهجمات الروسية الواسعة والتقدم الروسي في خاركيف قائمًا.

المصادر:

مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية.

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

بي بي سي عربية.

مركز الدراسات العربية الأوراسية.

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

موطني نيوز.

الشرق الأوسط.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

أوكرانيابوتينروسياواشنطن