تقرير الاستخبارات الأمريكية لعام 2024 وسيناريوهات نهاية الأزمة السودانية

تقرير الاستخبارات الأمريكية لعام 2024 وسيناريوهات نهاية الأزمة السودانية

أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية تقريرها السنوي الخاص برصد أهم التهديدات على الولايات المتحدة ومصالحها في العالم، وتقييمها بحسب الأولوية الخاصة بها، وهو تقرير يهتم به مجمع الاستخبارات الأمريكي (IC)، وهو يتكون من 18 مجمعًا استخباريًّا، وقام التقرير بتقييم دور كلٍّ من: الصين وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وتناول الصراع في غزة، والصراع المحتمل بين الدول، مثل: الهند – الصين، والاضطرابات المحتملة داخل الدول، مثل: السودان.

ويذكر أن التقرير دون في مقدمته أنه خلال العام المقبل 2025، ستواجه الولايات المتحدة نظامًا عالميًّا هشًّا بشكل متزايد، وأن المنافسة الإستراتيجية المتسارعة بين القوى الكبرى والتحديات العابرة للحدود والصراعات الإقليمية المتعددة، هي التي زادت من مستوى التوتر(1).

السودان على مفترق طرق ومن الممكن أن يصبح بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية:

وفي الجزء المتعلق بالسودان، ذكر تقرير مجمع الاستخبارات الأمريكي تحت عنوان الاضطرابات المحتملة داخل الدول: يزيد الصراع المطول من مخاطر انتشار الصراع خارج حدود السودان، وانضمام الجهات الفاعلة الخارجية إلى المعركة، ومواجهة المدنيين للموت والنزوح، ولا تزال القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتقاتل؛ لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم، في غياب وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض، ومع وجود السودان على مفترق طرق القرن الإفريقي، ومنطقة الساحل، وشمال إفريقيا، فمن الممكن أن يصبح مرة أخرى بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية.

ربما تتلقى قوات الأمن المتحاربة في السودان المزيد من الدعم العسكري الأجنبي؛ الأمر الذي من المرجح أن يعوق التقدم في أي محادثات سلام مستقبلية، وأي مشاركة متزايدة من جانب جهة خارجية واحدة يمكن أن تدفع الآخرين إلى أن يحذوا حذوها بسرعة(2).

نتائج التقرير المخابرات وانعكاسات التفكير الأمريكي:

وفي ملاحظاتنا الأولية عن الجزء المتعلق بالسودان فانه يلاحظ أولًا: أن التقرير يخشى من خروج الصراع خارج حدود السودان، ودخول فواعل ولاعبين على الخط، وما يمكن قراءته هنا اثنتين:

أ- اهتمام الولايات المتحدة في المحافظة على المصالح الأمريكية في حال تمدد الصراع والاقتتال خارج السودان، ودخول الجهات الفاعلة الحكومية في الصراع، وتتمثل المصالح الأمريكية في الجنود والقواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في بعض الدول العربية والإفريقية، التي لا تبتعد كثيرًا عن حدود السودان.

ب- وقوع السودان تحت مظلة وحماية إحدى الدول الفاعلة، مثل: روسيا أو الصين أو إيران، سيؤدي إلى تعقيد المشهد لدى الإدارة والإستراتيجية الأمريكية، التي كلتا ذراعيها مشغولتين؛ الأولى: تدافع بها عن أوكرانيا، والثانية: عن إسرائيل.

ولم يسهب تقرير المجمع الاستخباري الأمريكي عن بواعث الصراع والنزاع، ومآلاته الجارية على أرض السودان، وأعمال القتل البربرية الوحشية التي قامت بها قوات الدعم السريع المتمردة على العزل والأبرياء، ولم يقدم أي رؤية في حل النزاع، بقدر ما انصب التقرير في شكل مقتضب عن احتمالية تحول الصراع خارج الأراضي السودانية، وما سيمثل ذلك من بؤرة مثالية للشبكات الإرهابية والاجرامية في المنطقة.

ووصف التقرير القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة تتقاتل؛ لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم، في غياب وقف الاعمال العدائية عن طريق التفاوض.

وفي تقديري: أن هذا الاعتقاد لدى قيادة الجيش السوداني وقواته المسلحة النظامية هو اعتقاد صائب وسليم مائة بالمائة، كما وصف التقرير(3).

تعامل المجتمع الدولي مع السودان في 2024:

كثف المجتمع الدولي خلال الأيام الماضية في شهر إبريل 2024 جهوده من أجل الضغط على طرفي الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات ووضع حد للحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 15 ألف وشردت نحو 9 ملايين وخلقت وضعًا إنسانيًّا مأساويًّا دفع بنحو 25 مليون من سكان البلاد البالغ تعدادهم 42 مليونًا إلى حافة الجوع.

وتواترت تقارير عن خطوات يجري الإعداد لها للاتفاق على صيغة تدخل دولي أو إقليمي، وهو الأرجح، في حال فشلت المفاوضات باعتبارها الفرصة الأخيرة، حيث قدم مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي وثيقة لمجلس الأمن الدولي في التاسع عشر من إبريل تضمنت الخطة الإفريقية المكونة من 6 نقاط والتي تشمل إدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين.

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، العالم بالتحرك بشكل منسق لوقف إطلاق النار في السودان، مؤكدًا: أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في الوصول إلى تسوية تقوم على إسكات الأسلحة والدخول في حل سياسي يفضي لعملية سلام شاملة.

وجاءت تصريحات غوتيريش بعد نحو أسبوع من دعوة مجلس الأمن الدولي أطراف الصراع للعودة للمشاركة الكاملة في عملية السلام الموسعة في جدة، بمشاركة الاتحاد الإفريقي و”إيغاد” والدول المجاورة، وحذر المجلس من أن الوضع في السودان يتجه نحو طريق مسدود وصراع طويل الأمد يؤدي إلى انهيار البلاد وتطال تداعياته المنطقة ككل، محملًا قائدي الجيش والدعم السريع مسؤولية تدهور الأوضاع(4).

العوامل الخارجية في السودان:

من ناحية العوامل الخارجية، إقليميًّا ودوليًّا، يعتقد البعض من الخبراء والمحللين: أن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه، هو أن الموقف الخارجي يتنازعه عاملان متكافئان إلى حدٍّ كبير:

 أولهما: تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص على حدِّ وصفه.

والثاني: يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأفق، لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى -كما يقول هارون- عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.

الداخل السوداني أكثر قدرة على أرض الواقع:

لن يكون العامل الخارجي بأي حال أكثر تأثيرًا من العامل الداخلي، ويقول: “انظر مثلًا حالة المقاومة الفلسطينية في حرب طوفان الأقصى الجارية. سيبقى العامل الخارجي مؤثرًا ومهمًّا، لكن الذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير. والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل؛ القوى الرئيسية في حالتنا الراهنة هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية”.

فتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية، منها:

1_ افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة.

 2_ تأثرها بسنوات الحكم العسكري – الإنقاذي الطويلة وبسبب تشظيها.

 3_ نشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد.

4_عدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلًا عن تضعضُع الدولة السودانية.

وهذه الأسباب تنعكس سلبًا على مجمل الأوضاع داخل السودان(5):

السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة السودانية:

1 سيناريو الحرب الأهلية:

تذهب التحليلات إلى أن التقدم العسكري لـ«قوات الدعم السريع» على قوات الجيش، سيودي إلى الحرب الأهلية الفوضوية، حيث تتمتع «الدعم السريع» بإمدادات مستمرة من الأسلحة وتجنيد مقاتلين من داخل السودان وخارجه؛ ما أدى إلى تحقيقها انتصارات عسكرية كبيرة في غرب ووسط البلاد.

2- سيناريو «حارب وفاوض»:

أشارت ملخصات مناقشات «معهد السلام» إلى أن سيناريو «حارب وفاوض»، ومحاولات الطرفين لتأمين امتيازات تفاوضية إستراتيجية، تتمثل في حماية سلاسل التوريد وتعطيل إمدادات العدو، مع الانخراط والتعاطي مع الوساطات الجارية، يقلل من قيمته عدم رغبة الطرفين، أو أحدهما في إنهاء الصراع.

3- سيناريو الاستنزاف:

يشير تقرير «معهد السلام الأميركي» إلى أن الصراع وصل إلى حالة الجمود، وأن أيًّا من الطرفين عاجز عن تحقيق نصر حاسم أو إحراز تقدم ذي مغزى، وأنهما تكبدا خسائر فادحة في الأرواح، إلى جانب الأعباء المالية وخسارة في الأصول الحيوية، واستنزاف القدرات العسكرية، وتراجع الدعم الشعبي؛ ما أدى إلى تقليل القوى الإقليمية دعمها لطرفي القتال، فصارت تهتم بشكل متزايد بالحل السياسي؛ إضافة إلى الضغط الدولي لتقييد الوصول إلى الذخائر والأسلحة والمجندين الجدد؛ ما حد من قدرات الطرفين.

4- التوترات القبلية:

خلصت النقاشات بين الفاعلين السودانيين في ورشة عمل «معهد السلام الأميركي»، التي أقيمت في العاصمة الكينية نيروبي في فبراير (شباط) الماضي، إلى أن تصاعد التوترات القبلية، وبناء تحالفات كل من الجيش و«الدعم السريع» على أساسها، سيؤدي إلى تعميق الانقسام القبلي في البلاد، إزاء الانقسامات في المجموعات المدنية(6).

الخلاصة:

إن واقع الصراعات السياسية الحادة والنزاعات المسلحة في السودان، حتى قبل الاستقلال، يدفع إلى التوجس من المستقبل، وتزداد المخاوف الحالية من قيادة الوطن نحو التمزق والحرب الأهلية، خصوصًا مع الاعتقاد أن تسليح المقاومة الشعبية سيصب مزيدًا من الزيت على النار وتفجير الاقتتال الأهلي.

كما أن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات، ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية، المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.

ولا بد من وجود قوى تدعو إلى توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة؛ لأن هذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد.

المصادر:

1_ الأهرام

2_ المركز المصري للدراسات

3_ المركز الديموقراطي العربي

4_ سكاي نيوز

5_ الجزيرة

6_ الشرق الأوسط

تقرير الاستخبارات الأمريكية لعام 2024 وسيناريوهات نهاية الأزمة السودانية

أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية تقريرها السنوي الخاص برصد أهم التهديدات على الولايات المتحدة ومصالحها في العالم، وتقييمها بحسب الأولوية الخاصة بها، وهو تقرير يهتم به مجمع الاستخبارات الأمريكي (IC)، وهو يتكون من 18 مجمعًا استخباريًّا، وقام التقرير بتقييم دور كلٍّ من: الصين وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وتناول الصراع في غزة، والصراع المحتمل بين الدول، مثل: الهند – الصين، والاضطرابات المحتملة داخل الدول، مثل: السودان.

ويذكر أن التقرير دون في مقدمته أنه خلال العام المقبل 2025، ستواجه الولايات المتحدة نظامًا عالميًّا هشًّا بشكل متزايد، وأن المنافسة الإستراتيجية المتسارعة بين القوى الكبرى والتحديات العابرة للحدود والصراعات الإقليمية المتعددة، هي التي زادت من مستوى التوتر(1).

السودان على مفترق طرق ومن الممكن أن يصبح بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية:

وفي الجزء المتعلق بالسودان، ذكر تقرير مجمع الاستخبارات الأمريكي تحت عنوان الاضطرابات المحتملة داخل الدول: يزيد الصراع المطول من مخاطر انتشار الصراع خارج حدود السودان، وانضمام الجهات الفاعلة الخارجية إلى المعركة، ومواجهة المدنيين للموت والنزوح، ولا تزال القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتقاتل؛ لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم، في غياب وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض، ومع وجود السودان على مفترق طرق القرن الإفريقي، ومنطقة الساحل، وشمال إفريقيا، فمن الممكن أن يصبح مرة أخرى بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية.

ربما تتلقى قوات الأمن المتحاربة في السودان المزيد من الدعم العسكري الأجنبي؛ الأمر الذي من المرجح أن يعوق التقدم في أي محادثات سلام مستقبلية، وأي مشاركة متزايدة من جانب جهة خارجية واحدة يمكن أن تدفع الآخرين إلى أن يحذوا حذوها بسرعة(2).

نتائج التقرير المخابرات وانعكاسات التفكير الأمريكي:

وفي ملاحظاتنا الأولية عن الجزء المتعلق بالسودان فانه يلاحظ أولًا: أن التقرير يخشى من خروج الصراع خارج حدود السودان، ودخول فواعل ولاعبين على الخط، وما يمكن قراءته هنا اثنتين:

أ- اهتمام الولايات المتحدة في المحافظة على المصالح الأمريكية في حال تمدد الصراع والاقتتال خارج السودان، ودخول الجهات الفاعلة الحكومية في الصراع، وتتمثل المصالح الأمريكية في الجنود والقواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في بعض الدول العربية والإفريقية، التي لا تبتعد كثيرًا عن حدود السودان.

ب- وقوع السودان تحت مظلة وحماية إحدى الدول الفاعلة، مثل: روسيا أو الصين أو إيران، سيؤدي إلى تعقيد المشهد لدى الإدارة والإستراتيجية الأمريكية، التي كلتا ذراعيها مشغولتين؛ الأولى: تدافع بها عن أوكرانيا، والثانية: عن إسرائيل.

ولم يسهب تقرير المجمع الاستخباري الأمريكي عن بواعث الصراع والنزاع، ومآلاته الجارية على أرض السودان، وأعمال القتل البربرية الوحشية التي قامت بها قوات الدعم السريع المتمردة على العزل والأبرياء، ولم يقدم أي رؤية في حل النزاع، بقدر ما انصب التقرير في شكل مقتضب عن احتمالية تحول الصراع خارج الأراضي السودانية، وما سيمثل ذلك من بؤرة مثالية للشبكات الإرهابية والاجرامية في المنطقة.

ووصف التقرير القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة تتقاتل؛ لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم، في غياب وقف الاعمال العدائية عن طريق التفاوض.

وفي تقديري: أن هذا الاعتقاد لدى قيادة الجيش السوداني وقواته المسلحة النظامية هو اعتقاد صائب وسليم مائة بالمائة، كما وصف التقرير(3).

تعامل المجتمع الدولي مع السودان في 2024:

كثف المجتمع الدولي خلال الأيام الماضية في شهر إبريل 2024 جهوده من أجل الضغط على طرفي الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات ووضع حد للحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 15 ألف وشردت نحو 9 ملايين وخلقت وضعًا إنسانيًّا مأساويًّا دفع بنحو 25 مليون من سكان البلاد البالغ تعدادهم 42 مليونًا إلى حافة الجوع.

وتواترت تقارير عن خطوات يجري الإعداد لها للاتفاق على صيغة تدخل دولي أو إقليمي، وهو الأرجح، في حال فشلت المفاوضات باعتبارها الفرصة الأخيرة، حيث قدم مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي وثيقة لمجلس الأمن الدولي في التاسع عشر من إبريل تضمنت الخطة الإفريقية المكونة من 6 نقاط والتي تشمل إدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين.

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، العالم بالتحرك بشكل منسق لوقف إطلاق النار في السودان، مؤكدًا: أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في الوصول إلى تسوية تقوم على إسكات الأسلحة والدخول في حل سياسي يفضي لعملية سلام شاملة.

وجاءت تصريحات غوتيريش بعد نحو أسبوع من دعوة مجلس الأمن الدولي أطراف الصراع للعودة للمشاركة الكاملة في عملية السلام الموسعة في جدة، بمشاركة الاتحاد الإفريقي و”إيغاد” والدول المجاورة، وحذر المجلس من أن الوضع في السودان يتجه نحو طريق مسدود وصراع طويل الأمد يؤدي إلى انهيار البلاد وتطال تداعياته المنطقة ككل، محملًا قائدي الجيش والدعم السريع مسؤولية تدهور الأوضاع(4).

العوامل الخارجية في السودان:

من ناحية العوامل الخارجية، إقليميًّا ودوليًّا، يعتقد البعض من الخبراء والمحللين: أن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه، هو أن الموقف الخارجي يتنازعه عاملان متكافئان إلى حدٍّ كبير:

 أولهما: تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص على حدِّ وصفه.

والثاني: يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأفق، لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى -كما يقول هارون- عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.

الداخل السوداني أكثر قدرة على أرض الواقع:

لن يكون العامل الخارجي بأي حال أكثر تأثيرًا من العامل الداخلي، ويقول: “انظر مثلًا حالة المقاومة الفلسطينية في حرب طوفان الأقصى الجارية. سيبقى العامل الخارجي مؤثرًا ومهمًّا، لكن الذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير. والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل؛ القوى الرئيسية في حالتنا الراهنة هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية”.

فتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية، منها:

1_ افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة.

 2_ تأثرها بسنوات الحكم العسكري – الإنقاذي الطويلة وبسبب تشظيها.

 3_ نشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد.

4_عدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلًا عن تضعضُع الدولة السودانية.

وهذه الأسباب تنعكس سلبًا على مجمل الأوضاع داخل السودان(5):

السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة السودانية:

1 سيناريو الحرب الأهلية:

تذهب التحليلات إلى أن التقدم العسكري لـ«قوات الدعم السريع» على قوات الجيش، سيودي إلى الحرب الأهلية الفوضوية، حيث تتمتع «الدعم السريع» بإمدادات مستمرة من الأسلحة وتجنيد مقاتلين من داخل السودان وخارجه؛ ما أدى إلى تحقيقها انتصارات عسكرية كبيرة في غرب ووسط البلاد.

2- سيناريو «حارب وفاوض»:

أشارت ملخصات مناقشات «معهد السلام» إلى أن سيناريو «حارب وفاوض»، ومحاولات الطرفين لتأمين امتيازات تفاوضية إستراتيجية، تتمثل في حماية سلاسل التوريد وتعطيل إمدادات العدو، مع الانخراط والتعاطي مع الوساطات الجارية، يقلل من قيمته عدم رغبة الطرفين، أو أحدهما في إنهاء الصراع.

3- سيناريو الاستنزاف:

يشير تقرير «معهد السلام الأميركي» إلى أن الصراع وصل إلى حالة الجمود، وأن أيًّا من الطرفين عاجز عن تحقيق نصر حاسم أو إحراز تقدم ذي مغزى، وأنهما تكبدا خسائر فادحة في الأرواح، إلى جانب الأعباء المالية وخسارة في الأصول الحيوية، واستنزاف القدرات العسكرية، وتراجع الدعم الشعبي؛ ما أدى إلى تقليل القوى الإقليمية دعمها لطرفي القتال، فصارت تهتم بشكل متزايد بالحل السياسي؛ إضافة إلى الضغط الدولي لتقييد الوصول إلى الذخائر والأسلحة والمجندين الجدد؛ ما حد من قدرات الطرفين.

4- التوترات القبلية:

خلصت النقاشات بين الفاعلين السودانيين في ورشة عمل «معهد السلام الأميركي»، التي أقيمت في العاصمة الكينية نيروبي في فبراير (شباط) الماضي، إلى أن تصاعد التوترات القبلية، وبناء تحالفات كل من الجيش و«الدعم السريع» على أساسها، سيؤدي إلى تعميق الانقسام القبلي في البلاد، إزاء الانقسامات في المجموعات المدنية(6).

الخلاصة:

إن واقع الصراعات السياسية الحادة والنزاعات المسلحة في السودان، حتى قبل الاستقلال، يدفع إلى التوجس من المستقبل، وتزداد المخاوف الحالية من قيادة الوطن نحو التمزق والحرب الأهلية، خصوصًا مع الاعتقاد أن تسليح المقاومة الشعبية سيصب مزيدًا من الزيت على النار وتفجير الاقتتال الأهلي.

كما أن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات، ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية، المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.

ولا بد من وجود قوى تدعو إلى توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة؛ لأن هذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد.

المصادر:

1_ الأهرام

2_ المركز المصري للدراسات

3_ المركز الديموقراطي العربي

4_ سكاي نيوز

5_ الجزيرة

6_ الشرق الأوسط

الدعم السريعالسودانالقرن الإفريقيالولايات المتحدة