بين ترامب وبايدن… هل ستتغير السياسات؟

بين ترامب وبايدن… هل ستتغير السياسات؟

 

فيواجه الرئيس الديمقراطي “جو بايدن” تحديًّا كبيرًا على الصعيد السياسي والاقتصادي والدولي للولايات المتحدة الأمريكية، على إثر تركة –ترامبية- ثقيلة تركها سلفه الجمهوري “دونالد ترامب” بعد ولايته التي استمرت لمدة 4 سنين، فشل بعدها في الحصول على فترة ثانية (20/1/2017-20/1/ 2021) ليرحل عن البيت الأبيض تاركًا خلفه لوحة ممتلئة بمشاكل السياسة الخارجية الملحة، وتداعيات سياسية واقتصادية في الداخل والخارج، فضلاً عن منظومة صحية مهترئة؛ بسبب الجائحة التي حصدت أرواح أكثر من 600 ألف أمريكي، وتهدد بمزيدٍ مِن الضحايا.

شُغلت إدارة الرئيس السابق ترامب منذ مجيئة إلى سُدة الحكم في البيت الأبيض بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية مع العديد من القوى، أبرزها: الصين، وإيران، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، وغيرها.

وفي المقابل: أعطت إدارة ترامب “السابقة” تل أبيب الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لمزيدٍ من التوسع والمصادرة للأراضي وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، وغور الأردن، واستفز الجميع بإعلانه بصفة رسمية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى بيت المقدس على حساب الشعب العربي الفلسطيني، كما مارست أمريكا ضغوطًا كبيرة على قادة وحكام عرب من أجل التطبيع مع تل أبيب، ولعبت كذلك على أوتار أزمة القرم مع الروس، وكأنهما يتقاسمان توزيع النفوذ والسيطرة على مقدرات الشعوب والأوطان!

وفي هذه الأثناء استغلت موسكو التقارب مع واشنطن لاقتناص الثروات وانتهاك القوانين والأعراف الدولية في كلٍّ مِن: سوريا، وليبيا، والعراق، وفلسطين، ودول أخرى حول العالم نظير مصالح مشتركة، حتى وإن بدا للعيان أنه بحصول تركيا على منظومة  S400الروسية ستُصبح دولة مارقة! لكن عند استخدام الأسلحة المحرمة والمجرَّمة دوليًّا ضد العرب والمسلمين فلا غرو في ذلك، ورغم ذلك تدعم أمريكا الجماعات الإرهابية وداعش سرًّا، وبعيدًا عن الأضواء، وعند المساءلة نفاجأ بالرد أن الطائرات أسقطت الأسلحة لداعش عن طريق الخطأ.

وعلى المستوى الخارجي؛ فقد تضررت العلاقات الدولية مع الحلفاء لسلف بايدن الذي تقارب مع فلاديمير بوتين بدرجة ملحوظة، كما فعل شيئًا مشابهًا مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون حينما تقابل معه وجهًا لوجه على خطوط التماس الحدودية بين الكوريتين: الجنوبية والشمالية، وزاد من خطر التهديد النووي لبيونج يانج، كما زادت إيران من طموحاتها لتخصيب اليورونيوم 20% بعد فشل المفاوضات “5+1” مع توجهات ترامب، تاركًا الكثيرين في إدارته والعالم يتساءلون عما وافق عليه الرئيس ، وتتطلع إدارة الرئيس الأمريكي إعادة فتح هذه الملفات وقيادة العالم من جديد لوقف الطموح الصيني والروسي.

تركة ثقيلة تنتظر الرئيس الـ”46″، فمِن أين سيبدأ جو بايدن لترميم وجه الولايات المتحدة؟ وماذا عن إجراءات الإغلاق، وارتداء الكمامة؟ وكيف سيتعامل بايدن مع عزل أو محاكمة سلفه “ترامب”؟ فالهوّة بين لجمهوريين والديمقراطيين اتسعت في الأيام الأخيرة من حكم ترامب وتبدو مخيفة، في ظل تنامي أنصار الجماعات المسلحة، وصعود اليمين المتشدد.

إدارة بايدن ستواجه مشاكل وأزمات عديدة، مِن بينها: قمة المناخ، ومعاهدة الصواريخ متوسطة المدى؛ فضلاً عن انسحاب أو خفض القوات الأمريكية في كلٍّ من: العراق، وأفغانستان، وما يتعلق بشأن الاتفاق النووي مع طالبان، لكن مواجهة التنين الصيني يعد الملف الأخطر، وهذا ما ألمح إليه أنتوني بلينكن وزير الخارجية بالإدارة الجديدة أمام الكونجرس من أن التحدي الأكبر الذي يواجه اختبار قوة بلاده هي الصين.

وهذا أكبر تحدٍّ تمثِّله أي دولة للولايات المتحدة، وأحد الأدلة على ذلك جاء عقب تسلم “بايدن” مهامه في البيت الأبيض؛ إذ فرضت بكين عقوبات شملت 28 من الأعضاء وعائلات المسئولين السابقين في إدارة ترامب طالت وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وبيترنافارو، وروبرت سي أوبراين؛ بالإضافة إلى 25 شخصية أخرى، ويمنع هؤلاء الأفراد وعائلاتهم المباشرين من دخول البر الرئيسي، وهونج كونج، وماكاو الصينية، كما يحظر للشركات التابعة لهم من التعامل أو دخول الأراضي الصينية.

أما فيما يخص الشأن الفلسطيني؛ فلا يستطيع البيت الأبيض الابتعاد أو التخلي عن العلاقات الوثيقة أو الدافئة مع تل أبيب؛ خاصة وأن جرائم الاحتلال شاهد عيان أمام عجز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي منذ أن وطئت أقدام الاحتلال الأراضي العربية الفلسطينية، فالاحتلال لم يدخِّر جهدًا في تنفيذ سيناريوهات الاقتحام بصفةٍ دائمةٍ ومستمرةٍ لباحات المسجد الأقصى؛ فضلًا عن مصادرة الأراضي والمنازل، وآلاف الدونمات الزراعية، وبناء المستوطنات في الضفة والقطاع، واستهداف المقاومة في ربوع فلسطين المحتلة.

تحديات يراها البعض هي الأقوى؛ خاصة بعد صعود اليمين المتطرف، فيما يرى آخرون أن سياسة الإدارة الأمريكية ثابتة لا تغيير بتداول السلطة بين الغريمين: الجمهوري والديمقراطي، فالسيناريوهات موجودة منذ سنواتٍ، وما على إدارة البيت الأبيض سوى قيادة الدفة، وربما توجيهها يمينًا أو يسارًا.

وعلى الصعيد الاقتصادي؛ فتمثل جائحة كورونا مصدر قلق للإدارة الأمريكية، فخطة التعافي تضمنت ضخ 1.9 تريليون دولار كمرحلة أولى، وشيكات تحفيزية، ومساعدة العاطلين، وإنقاذ 12 مليون شخص من دائرة الفقر، فالكثيرين يواجهون خطر الإخلاء أو الانتظار وهو ما أدَّى إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولار لساعة العمل.

بايدن، وفي أول خطاباته تعهد بالتخلي عن السياسات الأحادية التي اتبعتها الرئيس المنتهية ولايته، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، ومحاولة النهوض بالقطاع الصحي’، وفرض ارتداء الكمامة الإجباري على المواطين؛ فضلًا عن تلقيح 100 مليون أمريكي خلال الـ100 يوم القادمة.

وبموجب خطة بايدن يأمل الشعب الأمريكي وقف نزيف الخسائر أمام حرب كوفيد – 19 التي أصابت 100,228,084، فيما تعافى 72,212,556 مليون حالة، بينما توفي ما يزيد عن  2,148,036 حالة، بينهم 600 ألف حالة على الأقل من الشعب الأمريكي.

يأتي هذا فيما يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب عدة احتماليات بشأن المساءلة القانونية والعزل السياسي على إثر اللائحة التي قدَّمتها نانسي بيلوسي إلى مجلس الشيوخ لاتهام ترامب بالتحريض على التمرد، وتقويض نزاهة الديمقراطية بعد اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس، وسيمُنح ترامب الوقت الكافي للدفاع عن نفسه.

وفي المقابل: يعارض عدد من الأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ محاكمة ترامب، التي قد تعزله سياسيًّا، وتفضي إلى منعه من الترشح للرئاسة مجددًا.

وإذا خضع ترامب للمحاكمة، فسيكون  أول رئيس أميركي يخضع للمساءلة بالكونجرس مرتين بعد موافقة مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية، وبدعم من 10 جمهوريين على اتهامه بالتحريض على تمرد مسلح بعد كلمته الحماسية لأنصاره في السادس من يناير وما أعقبه من اقتحامهم مبنى الكونجرس في هجوم أسفر عن سقوط قتلى وجرحى “بحسب CNN”.

وختامًا: فإن بايدن مؤيد ومساند قوي لسياسة الاحتلال الصهيوني في فلسطين؛ إذ لا ينبغي أن نعول على أمريكا لحل أزمات الشرق الأوسط، فالسياسة الخارجية لا تتغير بتغيير الأشخاص، لكنه يمتاز عن سلفه بخبراته الواسعة في العمل السياسي التي تزيد عن نصف قرن “50 عامًا”، ومتواصل جيد مع وسائل الإعلام، وينتمي إلى الطبقة المتوسطة، فعلاج كورونا، والنهوض بالصناعة وتحسين الاقتصاد، والمصالحة بين فئات الشعب الأمريكي، ربما ستأخذ الاهتمام الأكبر له خلال المائة يوم الأولى من حكمة في البيت الأبيض؛ إذ يتمنى الديمقراطي عودة الولايات المتحدة لسابق عهدها وقيادة العالم، وإن كان من الصعب الحكم بذلك على المدى القريب وربما المتوسط، لكن عليه أن يتعلم من دروس الماضي وألا يُكرر تجارب الماضي بإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط كما حدث من قبل في العراق وأفغانستان.

الإدارة الأمريكيةالصهاينةبايدنترامبقمة المناخ