الهجمات الإرهابية في روسيا والشرق الأوسط.. جماعات نشطة ومصالح أجنبية

الهجمات الإرهابية في روسيا والشرق الأوسط.. جماعات نشطة ومصالح أجنبية

عادت تصريحات الساسة والمراقبين الغربيين من جديد، لتتحدث عن تطور لافت في نشاط الجماعات والمنظمات الإرهابية في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في ظل تصاعد حدة الهجمات الإرهابية في العديد من المناطق المختلفة حول العالم؛ أبرزها: روسيا والقوقاز وغرب إفريقيا وسوريا والعراق وغيرها من المناطق، ما طرح العديد من التساؤلات حول أسباب ذلك النشاط في ظل خسارة التنظيمات الإرهابية للمدن والمناطق التي سيطرت عليها أواسط العقد الحالي في سوريا والعراق.

وفي ظل تركيز الجماعات الإرهابية هجماتها على المناطق العربية والإسلامية والإفريقية تحديدًا، كما حدث خلال السنوات الأخيرة، وما يتبعها من انتشار عسكري أجنبي في تلك المناطق؛ فقد طرحت العديد من التساؤلات والشكوك وفرضيات مختلفة حول احتمالية وجود مصلحة لقوى خارجية في عودة الهجمات الإرهابية في المنطقة في هذا التوقيت.

فما أبرز المنظمات الإرهابية النشطة وهجماتها الأخيرة؟ وكيف تعكس الهجمات الإرهابية في مناطق محددة مصالح قوى خارجية؟ وما أسباب ودوافع هجمات داعش ضد الاتحاد الروسي؟ وكيف يمكن قراءة أبعاد الهجمات الإرهابية في دول الساحل الإفريقي والشرق الأوسط؟ وما هي تداعيات عودة أنشطة الجماعات المسلحة على الدول العربية والإسلامية والإفريقية في ظل ما يعقبها من تدخل عسكري أجنبي في المنطقة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على الهجمات الإرهابية الأخيرة في مناطق مختلفة من العالم والأنشطة اللافتة في الشرق الأوسط وإفريقيا في ظل اهتمام أجنبي بتلك المناطق في هذه السطور الآتية:

أبرز المنظمات الإرهابية النشطة وهجماتها المختلفة:

على الرغم من تعدد التنظيمات الإرهابية في مناطق مختلفة حول العالم، لا يزال تنظيم داعش وفروعه المنتشرة في عدة قارات هو الهاجس الأول الذي يسيطر على مشهد الإرهاب العالمي؛ فعلى الرغم من أفول التنظيم تدريجيًّا عقب انتهاء دولته المزعومة في سوريا والعراق، وسقوط معاقله في ليبيا، إلا أنه تمكن من الصعود مجددًا، وهذه المرة بهجمات كبرى دامية طالت موسكو وداغستان في الاتحاد الروسي، إلى جانب هجمات متفرقة طالت مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ فضلًا عن تسجيل نحو 153 هجومًا إرهابيًّا في سوريا والعراق خلال النصف الأول من العام الحالي؛ ما دفع مراقبين غربيين إلى التحذير من احتمالية سيطرة داعش وفروعه المنتشرة حول العالم على مناطق جديدة وإقامة إمارته من جديد.

داعش خراسان والهجمات في الاتحاد الروسي:

ويُعد داعش خراسان أبرز الأذرع النشطة لتنظيم داعش؛ إذ يطمح “ثناء الله غفاري” زعيم تنظيم داعش خراسان إلى توسيع نطاق عملياته لتتجاوز أفغانستان وإيران، بهجمات عدة طالت مناطق خارج نطاقه الجغرافي. وعلى مدى السنوات الماضية كانت أنظار العالم والدول والمسؤولين الأممين تتجه على نحو كبير إلى سوريا والعراق “ومخيم الهول” الذي يضم عائلات وأبناء مقاتلي داعش الأسرى والقتلى.

وبينما كانت تصدر التحذيرات من صعود داعش في الشمال الشرقي لسوريا، واحتمالية إعادة تأسيس إمارته من جديد بالصحراء السورية؛ لم يكن متوقعًا جرائم داعش في الاتحاد الروسي بالسياق المفاجئ الذي جاءت فيه هجمات موسكو وداغستان.حيث في 22 من مارس الماضي نفذ التنظيم هجومًا داميًّا في كروكوس سيتي هول بالعاصمة الروسية موسكو، أسفر عن مقتل قرابة 139 شخصًا وإصابة أكثر من 145 آخرين، مما يجعله الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في روسيا منذ عام 2004م، إلى جانب تنفيذ التنظيم لسلسلة من الهجمات المتزامنة في جمهورية داغستان الروسية في 23 من يونيو الماضي، طالت معبدين يهوديين وكنيستين أرثوذكسية شرقية ومركز لشرطة المرور، ما أسفر عن مقتل 21 وإصابة 26 شخصًا.

دوافع وأبعاد هجمات داعش على الاتحاد الروسي:

وبالنظر إلى دوافع وأبعاد هجمات تنظيم داعش خراسان على الاتحاد الروسي يمكن استنتاج أن التنظيم يسعى من خلال هجماته إلى زيادة حالة التوتر بين موسكو والقوى الغربية وتأجيج الصراعات بينهم؛ فالسلطات الروسية عقب هجوم كروكوس في موسكو وداغستان ألمحت إلى وجود دور أوكراني في تلك الهجمات، في ظل الصراع المستعر ما بين موسكو وكييف والدعم الغربي المقدم للأخيرة.

كما تأتي هجمات داعش على الاتحاد الروسي في هذا التوقيت؛ في ظل تنافس التنظيم مع منظمات إرهابية أخرى على استقطاب المقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز، حيث نجح تنظيم أجناد القوقاز في استقطاب المقاتلين من المناطق الجغرافية المحيطة بروسيا وداخل روسيا نفسها، وانتقالهم من سوريا إلى أوكرانيا وفقًا لصحيفة الشرق الأوسط.ويُعد تنظيم أجناد القوقاز أحد الجماعات التي كانت موالية للقاعدة وتتبع إمارة القوقاز الإسلامية خلال تسعينيات القرن الماضي، وانقسم عناصرها ما بين مواليين لداعش ومواليين للقاعدة، ويتنافس التنظيمان على استقطاب المقاتلين الناقمين على الاتحاد الروسي في الجمهوريات الروسية ذات الأغلبية المسلمة عبر محاولة إشعال الصراعات الطائفية ما بين المسلمين وغيرهم من الطوائف والأديان الأخرى داخل الاتحاد الروسي.

وتبرز احتمالية الدعم الأوكراني والغربي لتلك المنظمات الإرهابية، من خلال محاولة فرار عناصر داعش خراسان عقب تنفيذ هجوم كروكوس في موسكو أواخر مارس الماضي إلى الأراضي الأوكرانية قبل نجاح الأجهزة الأمنية الروسية في القبض عليهم.

 الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي وأبعادها المختلفة:

وفي منطقة الساحل الإفريقي؛ كثف تنظيم داعش وأذرعه المنتشرة في المنطقة من عملياته الإرهابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم على جيش النيجر قال إنه أدى إلى مقتل 30 جنديًّا خلال مارس الماضي، وذكر التنظيم في بيان نقلته وكالة أعماق التابعة له ونشره على قناته على تليغرام أن “الجنود قُتلوا في كمين استهدف قافلة بالقرب من بلدة تيغوي في منطقة تيلابيري غربي البلاد”.وفي أحدث الهجمات؛ شن التنظيم هجومًا داميًّا في بوركينا فاسو على قرية بارسالوغو الواقعة في المنطقة الوسطى الشمالية في صباح السبت 24 من أغسطس الجاري، أسفر عن مقتل 200 شخص وإصابة أكثر من 300 بجراح متفاوتة الخطورة.

ويبدو أن التنظيم يستغل الأوضاع غير المستقرة والتنافس المحتدم ما بين فرنسا وروسيا، التي باتت تحتل مكانها في دول الساحل الإفريقي، لإعادة إنتاج نفسه وليصبح لاعبًا أساسيًّا في المعادلات ليحظى بمساحة للتمدد وحيازة النفوذ والسلاح والثروة، وجزء من كعكة الموارد التي تتنافس عليها القوى والمحاور الخارجية.

وبالتالي فإن التنظيم، يرى في التحولات والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، وتردي الأوضاع الاقتصادية وانسحاب القوات الغربية والفرنسية من المنطقة، فرصة للقيام بعمليات نوعية في أكثر من مكان، لإحداث صدى إعلامي واسع يجعل اسم التنظيم حاضرًا بقوة في المشهد الإعلامي، وهو ما يستخدمه التنظيم الإرهابي في دعايته على منصاته.فالأوضاع في منطقة الساحل أصبحت أكثر خطورة بعد الانقلابات والتغييرات التي جرت في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث يشكل المثلث الحدودي بين هذه الدول الثلاث حديقة خلفية للجماعات الإرهابية في المنطقة لزيادة نفوذها، وتقوم بتنفيذ هجمات شبه يومية ضد القوات الحكومية والسكان في محيط مثلث تيلابيري.

وبالنظر إلى أن التدخل الفرنسي العسكري الواسع قد بدأ منذ عام 2013م، تحت شعار الحرب على الإرهاب، فقد تكون هجمات داعش في الساحل الإفريقي بداية لانخراط أجنبي واسع النطاق في المنطقة. إذ يبدو أن الاتحاد الروسي ومع تأسيسه للفيلق الإفريقي الروسي، يسعى إلى فرض وجود دائم وطويل الأمد في القارة السمراء لإنهاء الوجود الغربي فيها، ما سيعقد الأوضاع أكثر ويدفع الغرب للتدخل أيضًا تحت شعار الحرب على الإرهاب؛ ففي ظل التنافس والحرب الباردة الجديدة أصبح شعار الحرب على الإرهاب جزءًا من السياسة الدولية الحالية للسيطرة على الموارد والثروات التي تزخر بها القارة السمراء.

هجمات داعش في سوريا والعراق:

وفي ظل تنويع عمليات التنظيم ما بين داعش خراسان في أفغانستان الذي يقود العمليات الخارجية، وسيطرة لبعض الأذرع الأخرى على مناطق محدودة في إفريقيا وسوريا؛ يعمل التنظيم حاليًّا في سوريا والعراق على توسيع مناطق نفوذه في منطقة البادية السورية مترامية الأطراف، ويأخذ شكل الخلايا في العراق المكونة من أعداد محدودة وشرسة في ذات الوقت تُنفذ عمليات متفرقة في عدة مناطق، متبعًا إستراتيجية هجومية جديدة تقوم على إعادة تجميع صفوفه من جديد عبر ضربات سريعة ومفاجئة على مواقع القوات الكردية والجيشين العراقي والسوري، يعقبها عمليات اختطاف خاصة في مناطق الشمال السوري.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن في الـ9 من يناير الماضي أن عناصر داعش شنوا هجومًا داميًّا على حافلة عسكرية في بادية تدمر بريف حمص الشرقي، أسفر عن مقتل 14 عنصرًا من القوات السورية وإصابة آخرين.

ورغم التقدم المطرد الذي أحرزته الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الحد من القدرات العملياتية للتنظيم؛ إلا أنه لا يزال لديه القدرة على شن هجمات تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانية وفق تقرير أصدره الأمين العام للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من سيطرة القوات الكردية والسورية والعراقية على جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش.إلا أن سقوط التنظيم في عام 2019م وتصفية قياداته كان سقوطًا جغرافيًّا وسياسيًّا لكيانه المزعوم، ولم يكن هزيمة كاملة؛ حيث إن الجماعات الإرهابية منذ الحرب الأفغانية السوفيتية في ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن تتبع تكتيكات وأساليب تجمع ما بين عمل عسكري تكتيكي وعمليات خطف وتصفية وهجمات متفرقة عبر أذرع وفروع منتشرة في مناطق عدة تعمل بشكل لا مركزي من جهة، إلى جانب هجمات واسعة النطاق ومتزامنة تخضع لقيادة وإشراف أمير التنظيم من جهة أخرى، ما يمكن تلك المنظمات الإرهابية من إعادة بناء نفسها من جديد وخوض معارك جديدة.

فالتنظيم قد نفذ ما يقارب من 336 هجومًا إرهابيًّا في سوريا على مناطق متفرقة أودت بحياة 700 شخص خلال العام 2023م، برغم فقدانه لمعظم مناطق سيطرته الجغرافية في سوريا؛ ولا يزال التنظيم يعمل على حشد المقاتلين وتنظيم الهجمات المتفرقة والمتزامنة لتشتيت القوات المحلية.

ويبدو أن التنظيم باتت فروعه أقوى مقابل ضعفه في المركز (سوريا والعراق)، فالعمليات الكبيرة التي تتجاوز الحدود لها ترتيب ودعم لوجستي ومالي وترتيب آخر على صعيد اختيار الأهداف، وهو ما يقود إلى أن ما يحصل بعيدًا عن أي قرار لمجموعة فردية على مستوى العمليات الكبرى العابرة للحدود.وبالنظر إلى وصول الأزمة السورية إلى طريق مسدود وتقاسم السيطرة على الأراضي السورية ما بين الحكومة السورية والقوات الكردية والجماعات المسلحة المعارضة وانتشار الميلشيات والجماعات المسلحة المدعومة إيرانيًّا والمرفوضة من قبل القبائل والعشائر في مناطق مختلفة من البادية السورية، هذا فضلًا عن التقارب العربي والإقليمي مع حكومة دمشق.يبدو أن هجمات داعش في سوريا تحديدًا تعكس نجاح التنظيم في استقطاب التمويل والعتاد والمقاتلين من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومحاولة إقامة إمارة جديدة في المنطقة. فالتنظيم وعلى الرغم من تراجع عملياته نسبيًّا في العراق؛ إلا أنه بات يتبع إستراتيجيات وتكتيكات ويتحرك في إطار هجمات محدودة إلى واسعة النطاق.

وبالتالي يصبح من الصعب مواجهته أو تفكيكه على هذا النحو، ما سيؤدي إلى تعزيز انتشار القوات الأمريكية في مناطق الشمال السوري وإطلاق عمليات عسكرية جديدة للقوات الكردية لملاحقة خلايا التنظيم؛ فالوجود الأمريكي في سوريا والذي يحقق عدة أهداف لواشنطن منها مراقبة أي نشاطات معادية لإسرائيل ومتابعة الجماعات الموالية لإيران من العراق إلى سوريا والعكس.

فإنه أيضًا يأتي في إطار تعزيز النفوذ والسيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط؛ فمناطق الشمال السوري تضم العديد من الموارد الطبيعية الطاقية والتي تتنافس عليها عدة جماعات مسلحة تنشط في المنطقة ومن بينها القوات الأمريكية، وبالتالي فإن احتمالية سيطرة التنظيم على مناطق جديدة وإعلان إمارة في سوريا بات واردًا جدًا كونه يخدم مصالح القوات الأمريكية.

مصالح الولايات المتحدة من وراء ظهور الجماعات الإرهابية:

لطالما ارتبطت الجماعات والمنظمات الإرهابية، بل وحتى عصابات الجريمة المنظمة، بمصالح قوى أجنبية واستخدمت كأداة لتنفيذ مشروعات جيوسياسية في مناطق مختلفة حول العالم؛ فتنظيمي داعش والقاعدة وأفرعهم المختلفة في العديد من المناطق حول العالم، تربطهم علاقة بقوى خارجية، ويبرز ذلك بوضوح فيما يعقب ظهور التنظيم في منطقة جغرافية محددة من العالم، من انتشار عسكري أجنبي وفرض ما يشبه الوصاية الأجنبية على تلك المنطقة، للسيطرة على مواردها والتأثير في قرارها السياسي.

فبالنظر إلى أفغانستان على سبيل المثال؛ فقد أدى تنظيم القاعدة دورًا محوريًّا في الحرب الباردة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إذ عملت واشنطن على تدريب وتسليح عناصر التنظيم خلال سنوات الحرب ضد الجيش السوفيتي الأحمر، ومثل تنظيم القاعدة عقب انتهاء الحرب الباردة الأداة الأساسية والورقة الرابحة في يد الولايات المتحدة، لاتهام الدول بدعم الإرهاب وفرض عقوبات اقتصادية وحصار شامل مثلما حدث مع ليبيا وسوريا والسودان، بل ووصل الأمر حد الغزو الشامل وإسقاط الحكومات المعادية للمصالح الأمريكية كما حدث مع العراق.فهجمات الـ11 من سبتمبر 2001م والتي تبناها تنظيم القاعدة فيما بعد، مثلت مفتاح التموضع العسكري الأمريكي في عدة مناطق مختلفة حول العالم ضمن إستراتيجية الانتشار والتطويق والمراقبة للقوى الصاعدة (روسيا والصين والهند)، ففي أفغانستان؛ مثل الغزو الأمريكي للبلاد الطريق للحصول على موطئ قدم في منطقة جغرافية محورية قريبة من الصين والهند وروسيا، والتأثير على القرارات السياسية لدول أخرى؛ مثل: باكستان والجمهوريات السوفيتية السابقة.

كما عملت واشنطن على تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط عبر الغزو الذي حدث للعراق عام 2003م، لتخلق صراع ديني طائفي قومي ما بين شعوب منطقة الشرق الأوسط؛ وعقب الأفول التدريجي لتنظيم القاعدة، وبروز داعش في العراق وتمدده إلى سوريا في ظل موجة الحروب الأهلية في الدول العربية.

المصالح الإيرانية والتركية من وراء ظهور التنظيمات الإرهابية:

استخدمت هذه المرة عدة دول إلى جانب الولايات المتحدة، ومن بينها دول إقليمية، تنظيم داعش لتنفيذ تطلعاتها اتجاه المنطقة العربية؛ فإيران قد شكلت تنظيمات إرهابية لمحاربة داعش مثل حزب الله العراقي وحركة النجباء وغيرها فيما يمكن تسميته محاربة الإرهاب بإرهاب آخر يتبع مرجعية خامنئي. كما وعملت تركيا هي الأخرى على استغلال التنظيمات الإرهابية كأداة للتدخل في الشأن العربي واحتلال مناطق من سوريا والعراق.فوجود التنظيمات الإرهابية والجماعات والمليشيات المنتشرة في سوريا والعراق وليبيا؛ قد أعطى إيران وتركيا (بحسب منظور سياسيهم) الحق في التدخل في الشأن الداخلي لتلك الدول، بل وحتى التأسيس لوجود عسكري على أراضيهم؛ سواء بشكل مباشر كما تفعل تركيا في الشمال السوري والعراقي، أو عبر وكلاء وأذرع كما تفعل إيران باستخدام ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية في العراق وميليشيات شيعية أفغانية وباكستانية أخرى استقطبتهم إيران إلى سوريا.

روسيا والقوى الأوروبية والحرب على الإرهاب:

هذا إلى جانب الانتشار العسكري الأمريكي في سوريا والعراق ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ومساعي التموضع العسكري طويل الأمد في البحر الأحمر؛ ومثل تنظيم داعش أيضًا أداة الاتحاد الروسي للتدخل في سوريا ومن ثم تعزيز العلاقات مع دول الإقليم؛ كما أن القوى الأوروبية -وتحديدًا فرنسا- قد انخرطت في صراع أزواد ضد الجماعات الإرهابية الموالية للقاعدة عام 2013م، في منطقة الساحل الإفريقي بدولة مالي لتعزز من نفوذها في إفريقيا.

وقياسًا على ما سبق: فإن هجمات المنظمات الإرهابية الأخيرة وتحديدًا داعش تقف وراءها قوى أجنبية تطمح لإعادة ترتيب أوراقها في ظل المتغيرات الدولية خلال السنوات الأخيرة. فصعود الدور الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والمصالحة الخليجية الإيرانية والتقارب العربي مع دمشق؛ فضلًا عن تصفية الخلافات ما بين تركيا والدول الإقليمية وفقدان الغرب لمناطق نفوذه في إفريقيا لصالح الصين وروسيا، جميعها عوامل قد أثارت استياء القوى الغربية ودفعت الغرب إلى العودة لورقة الحرب على الإرهاب من جديد لاستخدامها للتدخل في المنطقة.

تداعيات عودة التنظيمات الإرهابية على العالم العربي والإسلامي والإفريقي:

منذ انطلاق الحرب على الإرهاب مع تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش الابن” عام 2001م عقب هجمات الـ11 من سبتمبر، بهدف القضاء على الإرهاب والدول التي تدعمه؛ شكلت هذه الحرب انعطافة وصفها العديد بالخطيرة وغير المسبوقة في التاريخ، لكونها حربًا غير واضحة المعالم، وتختلف عن الحروب التقليدية بكونها متعددة الأبعاد والأهداف، وكان لها تداعياتها الكارثية على العالم العربي والإسلامي والإفريقي.فكلمة الإرهاب بحد ذاتها هي كلمة مثيرة للجدل؛ إذ إن للكلمة معاني عديدة ولا يوجد تعريف دولي واضح لمعنى الإرهاب؛ إذ ترى تركيا على سبيل المثال أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، في حين ترى بعض الدول الأخرى أن الحزب حركة للاستقلال الكردي وتندرج ضمن القانون الدولي (حق الشعوب في تقرير مصيرها).

كما أن الكيان المحتل والولايات المتحدة يرون في فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منظمات إرهابية، بينما تندرج فصائل المقاومة والكفاح المسلح ضد الاحتلال أيضًا ضمن القانون الدولي وتحظى السلطة والمقاومة الفلسطينية بدعم سياسي من أكثر من 100 دولة؛ وبالتالي فإن مصطلح الحرب على الإرهاب يستخدم لخدمة المصالح الجيوستراتيجية للقوى الكبرى.

وبالنظر إلى المناطق التي شنت بها الحرب على الإرهاب منذ العام 2001م وحتى الآن، فكانت البلدان العربية والإسلامية والإفريقية هي من أكثر مناطق العالم التي تزخر بالموارد والثروات الطبيعية، والتي تُعد المحرك الأساسي للعالم الصناعي الغربي.

وفي ظل التحذيرات الدولية من عودة الإرهاب من جديد؛ يمكن القول إن شعار الحرب على الإرهاب سيستخدم على نطاق واسع من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية والاتحاد الروسي والصين والهند، في ظل الحرب الباردة الجديدة وصراع النفوذ والهيمنة واسع النطاق للسيطرة على موارد المنطقة.

الخلاصة:

  • خلال الأشهر الأخيرة؛ ازدادت هجمات داعش وطالت العديد من المناطق حول العالم أبرزها الاتحاد الروسي ومنطقة الساحل الإفريقي والشرق الأوسط، في ظل عمل تنظيم داعش على تغيير إستراتيجية المواجهة بالاعتماد على تكتيكات وهجمات نوعية يعقبها هجمات واسعة النطاق في سوريا والعراق، والاستفادة من الأوضاع الدولية غير المستقرة وعلى رأسها الصراع الروسي الأوكراني والتنافس الدولي المحتدم ما بين قوى الشرق والغرب والانقلابات العسكرية الأخيرة في دول الساحل الإفريقي.
  • تشهد منطقة الساحل الإفريقي تفاعلات معقدة وتقاربًا للتهديدات الأمنية من خلال تنامي التحالفات بين الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية والجماعات المتمردة. ويُفاقم هذا المشهد الأمني المركب من مخاطر انعدام الأمن الإقليمي والدولي، في ظل التحولات الجيوسياسية في معادلة توازنات القوى الإقليمية والدولية ودخول الاتحاد الروسي والصين بقوة على خط تطورات القارة السمراء لطرد فرنسا والقوى الغربية من المنطقة.
  • بقراءة الأوضاع في الدول التي تتمزق بفعل الصراعات الداخلية مثل سوريا ودول الساحل الإفريقي؛ نجد المشهد يتكرر بكل تداعياته ومقاسيه ونتائجه، هناك دول تسقط وتتفتت ولا تعود ومليشيات وجماعات إرهابية تسيطر على المشهد وأطراف خارجية تتدخل في سيادة الدول الممزقة لتستفيد سياسيًّا واقتصاديًّا من الوضع المتأزم تحت شعار الحرب على الإرهاب. الضحية دائمًا هي الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية كما يحدث حاليًّا في الشرق الأوسط وإفريقيا.

المصادر:

روسيا اليوم

العربية

الحدث

الشرق الأوسط

الجزيرة

الإرهابالشرق الأوسطالعراقروسياسوريا
Comments (0)
Add Comment