الغاز العابر للصحراء… مشروع أوروبي لاستبدال الغاز الروسي بالإفريقي

الغاز العابر للصحراء… مشروع أوروبي لاستبدال الغاز الروسي بالإفريقي

مشروع غاز عابر للقارات والصحراء، تنافس عليه المغرب والجزائر، ويجري تنفيذه اليوم بشراكة جزائرية نيجيرية؛ عملاق الغاز الإفريقي الممتد من نيجيريا عبر النيجر والجزائر إلى أوروبا، مشروع عمره 40 عامًا بانتظار أن يرى النور قريبًا، ما هو؟ وكيف انتصرت الجزائر به على المغرب؟ وما مصيره اليوم بعد انقلاب النيجر؟ هذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية.

يركز موقع “رواق” للأبحاث والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته وتوقعاته في بعض النقاط المهمة حول أكبر مشروع لنقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا، لنعرف… هل حقًا إفريقيا باتت قادرة على تعويض احتياجات أوروبا من الغاز الروسي؟

أهمية وإنتاج الغاز في إفريقيا والاحتياجات الأوروبية

تاريخيًّا، تعد روسيا المورد الرئيس للغاز الطبيعي إلى أوروبا، بمتوسط 62% من إجمالي واردات الغاز إلى القارة على مدى العقد الماضي، مقابل متوسط 18% من إفريقيا خلال المدَّة نفسها، ومع ذلك، تواجه مشروعات الغاز في إفريقيا مخاطر متزايدة تتعلق بارتفاع التكاليف والتحديات في الحصول على التمويل، وغيرها من المخاوف المالية والأمنية في بعض الأحيان.

وأمام ذلك، وفي ظل الوضع الراهن لأزمة الإمدادات، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن شركات النفط والغاز الكبرى قد تغيُّر هذه النظرة، وتعاود العمل على مشروعات الغاز في إفريقيا، التي كانت حبيسة الأدراج، استجابة إلى الطلب العالمي المتزايد، وهذا يمكن أن يزيد إنتاج الغاز في إفريقيا أكثر من المتوقع حاليًا عند متوسط 335 مليار متر مكعب بحلول نهاية العقد الحالي، مقارنة مع المستوى المتوقع للعام الجاري عند 260 مليار متر مكعب، بحسب مراقبين، وفي العام 2021م، استوردت أوروبا 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، ما يوفّر أكثر من 31% من إمدادات الغاز في المنطقة.

تاريخ المشروعات المقترحة في القارة السمراء:

من شأن تمويل مشروعات الغاز في إفريقيا، أن تمنح أوروبا -أيضًا- القدرة على تحمل تكاليف الطاقة محليًّا، وفق محللين. وما يساعد على ذلك: أن إفريقيا تمتلك خطوط أنابيب متصلة بشبكة الغاز الأوروبية؛ إذ تمر الصادرات من الدول الإفريقية عبر الجزائر إلى إسبانيا ومن ليبيا إلى إيطاليا، والأبعد من ذلك، أن أوروبا تستورد الغاز المسال أيضًا من إفريقيا، في الغالب من نيجيريا والجزائر؛ فضًلا عن أحجام أصغر من مصر وأنغولا وغينيا الاستوائية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن اكتشافات حقول الغاز البحرية واسعة النطاق في موزمبيق وتنزانيا والسنغال وموريتانيا وجنوب إفريقيا لديها القدرة على تعزيز الإمدادات بمجرد تطويرها، وفي الأشهر الأخيرة، انطلقت المحادثات حول خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، الذي ينقل الغاز من نيجيريا إلى الجزائر، بهدف توصيله إلى أوروبا، وأيضًا خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي.

وكانت نيجيريا قد أعلنت بدء تشغيل مشروع خط أنابيب نقل الغاز “إيه كيه كيه” -الذي تتنافس عليه الجزائر والمغرب- في الربع الأول من 2023م.

وبعد خروج شركة بي بي البريطانية من السوق الروسية إثر الحرب الروسية الأوكرانية، تتجه الشركة البريطانية إلى مشروعات الغاز في إفريقيا، لاغتنام الفرصة وتزويد الأسواق الأوروبية بإمدادات الغاز، وتمتلك الشركة البريطانية مشروع تورتو أحميم للغاز المسال في السنغال وموريتانيا، بقدرة إنتاجية للمرحلة الأولى تبلغ 2.5 مليون طن سنويًّا والكمية نفسها في المرحلة الثانية، وكان من المتوقع بدء الإنتاج في العام 2022م، لكن قررت بي بي حينها تأجيل الموعد حتى عام 2023، بسبب تداعيات وباء كورونا، بينما تمتلك بي بي أيضًا مشروع ياكار – تيرانغا في السنغال، ومشروع “بئر الله” في موريتانيا، بقدرة إجمالية متوقعة 10 ملايين طن من الغاز المسال.

كما أعلنت شركة إيني الإيطالية قدرتها على تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي إلى حدٍّ ما من خلال الإمداد من مشروعاتها الإفريقية، بما في ذلك في الجزائر ومصر ونيجيريا وأنغولا والكونغو برازافيل.

في الشهر الماضي، وقعت إيطاليا، بالاشتراك مع إيني، اتفاقيات لتعزيز واردات الغاز من دول شمال إفريقيا الجزائر ومصر، فضلًا عن اتفاقيتين إضافيتين لتوريد الغاز مع الكونغو برازافيل وأنغولا؛ فضًلا عن بي بي وإيني، فإن تخارج شركات النفط الأخرى، إكوينور وشل وإكسون موبيل من أعمالها في روسيا، سيجعلها تعيد التركيز على أصول الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق وتنزانيا.

التنافس الأوروبي على الغاز الإفريقي:

بالطبع، لم يكن مستغربًا أن تتجه الأنظار العالمية بصفة عامة والأوروبية على وجه الخصوص صوب القارة الإفريقية لتقديم البديل المناسب لسد فجوة الاحتياجات الأوروبية من الطاقة بصفة عامة والغاز على وجه الخصوص، وذلك مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.

حيث سعت بلدان الاتحاد الأوروبي إلى محاولة تجنب إلحاق الضرر باقتصاداتها من خلال البحث قُدمًا عن حلول لاستبدال احتياجاتها من الغاز الروسي، والذى يمثل نسبة 45 في المائة من إجمالي الاستهلاك السنوي للغاز في الاتحاد الأوروبي، فكانت القارة الإفريقية واحدة من أهم البدائل المطروحة في ضوء التقديرات العالمية التي تشير إلى امتلاك القارة لاحتياطيات مؤكدة من الغاز تصل إلى ما يقرب من 148.6 تريليون متر مكعب، أي: ما يمثل أكثر من 7 في المائة من الاحتياطيات العالمية من الغاز طبقا لتقديرات عام 2017.

وأشارت تقارير عالمية إلى أنه في عام 2019، استورد الاتحاد الأوروبي حوالي 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من دول القارة الإفريقية. ولفت مراقبون إلى أن: “القارة الإفريقية مستعدة لملء فراغ الغاز والنفط الروسي في أوروبا، وأن الهدف الذي حدده القادة الأوروبيون بإنهاء اعتمادهم على النفط والغاز الروسي قبل 2030، قد يؤدي إلى مكاسب جديدة في سوق الغاز الطبيعي المُسال لنيجيريا وأنغولا وليبيا والجزائر”، ليتفق بذلك مع ما أوردته وثيقة مسودة إستراتيجية الطاقة للاتحاد الأوروبي التي نُشرت في أوائل مايو الماضي (2022).

وذكر مراقبون: “سعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف التعاون مع الدول الإفريقية للمساعدة في استبدال واردات الغاز الطبيعي الروسي، حيث توفر دول إفريقية، وخاصة في الجزء الغربي من القارة، مثل: نيجيريا والسنغال وأنغولا، إمكانات غير مستغلة إلى حدٍّ كبير للغاز الطبيعي المسال”.

تاريخ مشروع الغاز العابر للصحراء والتنافس المغربي الجزائري:

في 6 من نوفمبر 2022م، الملك المغربي محمد السادس يتحدث للمرة الأولى في خطاب رسمي، عن مشروع أنبوب غاز المغرب – نيجيريا؛ صباح اليوم نفسه، كان حديثًا مشابه يدور في الجارة الجزائر، أثناء استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لجيوفري أُنييما وزير الشئون الخارجية النيجيري، وبين الجارتين المتنافستين على الدوام تقف نيجيريا حاملة أنبوبي الغاز التي تريد أن يربطا بينها وبين القارة الأوروبية.

ولم تكن نيجيريا حينها قد حسمت بعد أي أنبوب ستعتمد، وأي مشروع ستُفعل في النهاية، ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء الجواب في يوم 28 من يوليو 2022م، أعُلن الشروع في تجسيد مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا والنيجر. (مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).

لكن الصادم في الأمر أن ولادة فكرة المشروع كانت منذ أكثر من 40 عامًا وتحديدًا عام 1982م، أما عام 2003م فقد جرى توقيع اتفاق مبدئي بين الدول الثلاث، بقي على الورق ولم يشهد أي تقدم، حتى تم إنعاش الفكرة والمشروع بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وفي الذكرى 40 لأول اتفاق مبدئي بين البلدين.

مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء المار بالمغرب:

وقيل حينها: إن الجزائر خضت خطواتها العملية في هذا المشروع، حين أوشكت الجارة المغرب على سحب البساط من مشروعها، بعقد اتفاق مشابه، لكن صلة الوصل فيه بين أوروبا ونيجيريا كانت المغرب؛ الذي كان مشروعها يقوم على مد خط أنابيب غاز يمر عبر 13 دولة إفريقية، وتنخرط فيه أكبر الشركات العالمية في الدول الأوروبية والإفريقية.

لكن الرئيس النيجيري أعلن حينها أن الخطوات العملية بدأت فعلًا في تنفيذ مشروع بناء أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، الذي سيمر من نيجيريا الي الجزائر مرورًا بالنيجر، ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي، ويستهدف نقل 30 مليار متر من الغاز النيجيري نحو أوروبا.

وأكملت نيجيريا نحو 70% من خط أنابيب أية كية كية العملاق الذى من المفترض أن ينقل الغاز المنتج في جنوب البلاد إلى الشمال المحروم من الكهرباء، ويُعد خط الأنابيب أية كية كية الجزء الأول من مشروع الطموح الجزائري النيجيري، المعروف باسم أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، والممتد من الصحراء إلى أوروبا، ومن خلاله تريد نيجيريا توريد غازها إلى القارة الأوروبية. (مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).

مستوى التقدم في إنجاز المشروع:

وبحسب تصريحات العضو المنتدب لشركة الغاز التابعة لشركة النفط الوطنية النيجيرية، فإن الخط الرئيسي الداخلي اُنجز منه 70%، بينما أنُجز 50% من المشروع الإجمالي، حيث أنجزت 3 محطات للكهرباء سيغذيها خط الأنابيب؛ وبحسب القائمين على المشروع، فإنه رغم تأخره كثيرًا عن موعده المحدد؛ إلا أن العمل عليه ما زال جاريًا، فقد تم تحديد الربع الثالث من العام الجاري 2023م، كموعد أقصى للانتهاء من المشروع كاملًا، أي أنه مع مطلع العام 2024م، سيكون الخط قيد التشغيل؛ خاصة أن العمل يجري على قدم وساق، في أكثر من 30 موقعًا نشطًا في المشروع.

ومع انتهاء العمل عليه، سيكون جاهزًا لنقل ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا، ويعمل على توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء، ودعم الصناعات القائمة على الغاز، إذ يُعد خطوة مهمة من أجل تحقيق حلم اكتمال خط أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، الذى يمد أوروبا بالغاز مرورًا بالنيجر، ويُعد خط الأنابيب قيد التنفيذ أكبر مشروع غاز منفرد في نيجيريا؛ إذ يعمل على تحفيز تطوير البنية التحتية للغاز والتصنيع في البلاد؛ كما يهدف إلى تعزيز قطاعي الزراعة، والتصنيع، وخفض انبعاثات الكربون.

أما الجزء الأكبر من المشروع، الذي أطلق علية خط الغاز العابر للصحراء؛ والذى يتجاوز طوله 4000 كيلومتر، وتقدر تكلفته بنحو 13 مليار دولار، لنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًّا نحو أوروبا عبر النيجر والجزائر، حيث ينطلق من أبوجا بنيجيريا، مرورًا بنيامي، ومنها إلى الجزائر، تمهيدًا لتصديره إلى دول الاتحاد الأوروبي، والمعروف باسم: أنبوب الغاز الجزائري النيجيري إلى جوس.

عراقيل مستمرة تواجه المشروع أوقفت العمل لسنوات:

منذ ولادة فكرته عام 1982م، شهد خط الغاز الجزائري النيجيري عراقيل كثيرة؛ ولم يكن يخرج عن إطار الاتفاق الورقي، حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أحدثت فوضى في أسواق الغاز والطاقة الأوروبية والعالمية، ولكنها ما لبثت أن تحولت الى دافع إيجابي لإتمام المشروع، نظرًا لحاجة أوروبا إلى سوق بديل عن السوق الروسية، لمدها بالغاز وتعويضها عن الغاز الروسي، الذى بات محرمًا لفترة، حينها بدأت الجهود الحثيثة لإتمام مشروع لاجوس الجزائري النيجيري، وبالفعل أُنشأت مراحل متعددة منه، حيث بات المسؤولون الجزائريون، لا يتركون مناسبة إلا ويؤكدون فيها حرصهم على إتمام هذا المشروع، الذي وصفة الرئيس الجزائري بنفسه بأنه عمل إفريقي عملاق.

مصادر تمويل المشروع:

أيضًا من ضمن العراقيل والعقبات التي تعرَّض لها هذا المشروع العملاق الإفريقي، قلة مصادر التمويل؛ حيث إن مشروع ضخم كهذا في حاجة إلى ميزانية كبيرة، وجدت نيجيريا صعوبة في الحصول عليها، وقد لجأت في سعيها للحصول على تمويل للمشروع إلى مصر وإيطاليا والصين، حيث صرحت وزيرة المالية النيجيرية زينب أحمد في سبتمبر 2022م، بأن بلادها تبحث عن تمويل منخفض التكلفة لإكمال مشروع الغاز، خاصة في ظل العجز الذى تعانيه بلادها في الكهرباء.

لكن بعد فترة، أعلنت نيجيريا أن المشروع في تقدم، وأن شركات النفط النيجيرية والجزائرية والإيطالية أيضًا ستنفذ العملاق الإفريقي، حيث أطلقت أبوجا مبادرة “عقد من الغاز” وحددتُه بالفترة بين 2020م و 2030م، باستغلال مواردها الهائلة من الطاقة، والغاز لتنمية الاقتصاد، ودفع عجلة التصنيع.

وبعد الإعلان والاتفاق على المضي قدمًا في تنفيذ المشروع، الذى بلغت تكلفته 13 مليار دولار، والذى يعتبر فرصة لأوروبا لتنويع مصادرها من الغاز، في ظل الأزمة الكبيرة التي تعيشها، بات خط أنبوب غاز لاجوس العملاق حقيقة بعد أكثر من 40 عامًا من الحلم، وكانت الجزائر ذات دور كبيرًا وفعال، بالدفع نحو إنجازه خاصة مع انطلاق خط موازٍ له، وهو خط المغرب نيجيريا، فوضعته الحكومة الجزائرية ضمن أولويات مشاريعها. (سكاي نيوز عربية).

مصير مشروع الغاز العابر للصحراء بعد انقلاب النيجر:

يبرز اليوم عائق ثالث هو انقلاب النيجر؛ الذي يبدو أنه سيحدث فوضى في المنطقة، وسيؤثر مرة أخرى في إنجاز خط لاجوس؛ خاصة وأن النيجر أحد الدول الرئيسية الثلاث المسؤولة عن المشروع، مع نيجيريا والجزائر؛ ولذا أثار الوضع الأمني المتأزم في النيجر، منذ أسابيع، عدة تساؤلات حول مصير مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، الرابط بين أبوجا ونيامي، ثم الجزائر.

وألقى انقلاب النيجر بظلاله على مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الهادف إلى نقل نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًّا إلى أوروبا عبر الجزائر، ويُعد الاستقرار السياسي أحد العوامل الرئيسة للمضي قدمًا في تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، الذي من المقرر أن يبلغ طوله نحو 4 آلاف و128 كيلومترًا، وفق الخطط الزمنية.

ووقَّعت الجزائر في يوليو 2022 مذكرة تفاهم مع نيجيريا والنيجر، لإنجاز دراسة الجدوى وتعميق الدراسات لإنجاز مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، الذي ينطلق من أبوجا، مرورًا بنيامي، ومنها إلى الجزائر تمهيدًا لتصديره إلى أوروبا، وأكد عدد من الخبراء والمحللون، أن انقلاب النيجر من شأنه أن يُعطّل تنفيذ المشروع العملاق، في ظل غياب الضمانات؛ خاصة في ظل عداء أوروبا للقادة الجدد في النيجر.

هل بات مشروع الصحراء بديلًا عن الغاز الروسي؟

في هذا السياق، يرى نواب في البوندستاغ الألماني (مجلس النواب)، بأنه من الصعب أن يفي باحتياجات أوروبا نت الغاز أو أن يكون بديلًا عن للغاز الروسي في أوروبا؛ لا من ناحية السعر ولا موثوقية التوريدات.

ولفت نواب في البوندستاغ الألماني بالقول: “لا يمكن استبدال الغاز الروسي، لا من ناحية السعر المنخفض ولا من ناحية موثوقية التوريدات”، مضيفًا: أنه “من المستحيل بناء علاقات مستقرة طويلة الأمد مع الموردين من منطقة الصحراء غير المستقرة أو من دول إفريقية أخرى”.

يأتي ذلك ضمن خطة ونيَّة الاتحاد الأوروبي في استيراد الغاز من نيجيريا عبر خط الأنابيب العابر للصحراء.

ولكن يرى النواب في الوقت نفسه، أن السعي الجدي إلى ذلك يدل على طفولية السياسة الأوروبية التي تتجاهل حقيقة الواقع، مؤكدين أن فكرة بناء هذا الأنبوب لم تحقق بعد على الرغم من مرور سنوات طويلة على ظهورها.

كما أضاف سياسيون ألمان: أن الغاز الإفريقي يجب أن يبقى في إفريقيا؛ لأن الدول الإفريقية الأخرى تحتاج إليه أكثر.

ويشار إلى أن الاتفاقية لبناء أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر بطول 4 آلاف كلم وبقيمة 10 مليارات دولار، تم توقيعها في عام 2009، لكن إطلاق المشروع تم تأجيله عدة مرات.

سلبيات التوترات السياسية في الغرب الإفريقي على مشروع الغاز العابر للصحراء:

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ورقلة الجزائرية الدكتور مبروك كاهي: “إنه لا يمكن نجاح الاستثمار في غياب الأمن، مضيفًا: أن انعدام الاستقرار السياسي يطرد رؤوس الأموال وتغيب معه الضمانات.

وأضاف في تصريحات إلى وسائل إعلام -: “لا يمكن مباشرة إشغال أنبوب الغاز الجزائري النيجيري العابر لأراضي دولة النيجر أمام غياب سلطة شرعية دستورية”.

وأوضح أن السلطات الانتقالية مهمتها تسيير المرحلة فقط، هذا في حال ما لم تنفذ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) وعيدها بالتدخل العسكري.

وأشار إلى أن الخلاف الواضح بين الجزائر الرافضة للتدخل العسكري ونيجيريا في ظل قيادة بولا تينيبو المتحمسة أكثر للتدخل، من شأنه أن يؤثر في التفاهمات المستقبلية وخطط التعاون المشتركة.

وأكد مبروك كاهي: أن الاتفاق الموقع من جميع الأطراف، والتراجع تترتب عليه تبعات قانونية ومالية الجميع في غنى عنها، إلا أن الأوضاع الحالية تؤثر في موعد تنفيذ المشروع، إذ يفرض انتظار عودة الطابع الدستوري والاستقرار السياسي وتوفير الموارد المالية الكافية لتجسيد المشروع على أرض الواقع؛ شكل التكلفة النهائية له المرشحة للارتفاع.

وأشار إلى التوازنات الدولية والبدائل الأوروبية للغاز الروسي الذي يطرح نفسه بديلًا للغاز القادم من القارة الإفريقية (نيجيريا، والنيجر، والجزائر)، إما بالعودة إلى التهدئة مع روسيا وإما ببدائل أخرى، وإما بالضغط الأوروبي عن طريق عودة النظام الدستوري للنيجر ومباشرة تنفيذ أنبوب الغاز الجزائري النيجيري في أقرب وقت ممكن.

وقال الدكتور كاهي: إن الحلول المتوفرة لدى الجزائر هي رفض الانقلاب وتأكيد أهمية العودة سريعًا إلى النظام الدستوري، ورفض التدخل العسكري لـ”إكواس”، بل ومنع المجموعة من الحصول على تفويض من الاتحاد الإفريقي، على اعتبار أن هذا العمل يتناقض مع مبادئه، إذ يؤكد الحلول السلمية وتشجيع الحوار والحفاظ على ما تبقى من مقدرات هذا البلد.

وأضاف: أن الجزائر يمكنها القيام بدور وسيط حقيقي وجدي ومقبول من جميع الأطراف لحل الأزمة، وإنهاء حالة احتجاز الرئيس المخلوع محمد بازوم، وتنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية العام، لإنهاء الحالة غير الدستورية، وبالتالي العمل على استتباب حالة الأمن في المنطقة مجددًا، وبالتالي إعادة بعث الاستثمارات والمشروعات المعطّلة.

تغيير مسار مشروع الغاز العابر للصحراء بعد انقلاب النيجر:

وأشار باحثون جزائريون، إلى “أهمية إيجاد الحلول من أجل تمويل تنفيذ الأنبوب وتأمينه في جزئه العابر إلى حدود دولة النيجر الذي يزداد صعوبة في هذه الظروف، خاصة إذا تطوّرت الأزمة ووصلت الأمور إلى حد الفوضى، لا سيما أنّ منطقة الساحل تعرف مشكلات كبيرة منذ مدة، خاصة نقص الأمن وانتشار المنظمات الإرهابية الدولية ومنظومات التهريب”.

وأوضحوا أن الجزائر ودولًا أخرى، مثل: روسيا والصين تدفع إلى إيجاد حل بالطرق السلمية؛ لأن الاستقرار وحده هو ما سيؤدي إلى التنمية، وطبعًا تنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء. (الجزيرة)

وقال الباحث في الشأن الإفريقي عمار الأسعد لوسائل إعلام: “لا أعتقد أن التفكير في تغيير مسار الأنبوب عبر دولة أخرى مطروح حاليًا لدى الجزائر أو نيجيريا”، خاصة بالنظر إلى مجموعة المعطيات المرتبطة بالتكلفة وقصر مسافة للمشروع.

وشدد على أن مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري يُعد من المشروعات العملاقة الإستراتيجية التي ستعرفها القارة الإفريقية؛ فبالإضافة إلى طوله الذي يناهز 4 آلاف كيلومتر وميزانيته الضخمة التي تصل إلى أكثر من 13 مليار دولار، يُعد الأنبوب فرصة لتنمية الدول الثلاث، خاصة المناطق التي سيمر بها الأنبوب لنقل الغاز، وحتى دول مجاورة مثل مالي وتشاد من خلال إنشاء خطوط أنابيب فرعية تنقل الغاز لهذه الدول.

كما بيَّن أن إنشاء خط الأنابيب سيترافق أيضًا مع إنشاء بنية تحتية مهمة، موازية مع توفير عدد مهم من الوظائف لصالح مواطني تلك المناطق، بالإضافة إلى تزويد البلدان والمناطق المذكورة بالغاز الطبيعي مصدرًا نظيفًا للطاقة، أقل ثمنًا مما يُسهم في التنمية الاقتصادية المحلية لكل المناطق المحيطة بأنبوب الغاز العابر للصحراء.

ويرى مراقبون: أنه على الرغم من أن مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري يهم الدول الثلاث، وأنها ستستفيد من تصدير ما يقارب من 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا إلى أوروبا، فإنّ النيجر تُعد الحلقة الأضعف فيه؛ إذ إن كلًا من الجزائر ونيجيريا تملكان الإمكانات والخبرة في الإنشاءات والبنية التحتية، من خلال شركة سوناطراك الجزائرية والشركة الوطنية للنفط النيجيرية وفرعها للغاز، اللتين من المتوقع أن تملكا 90% من خطوط الأنابيب بينهما، في حين تفتقر النيجر إلى الإمكانات.

وأشار مراقبون إلى أنه بالإضافة إلى ضعف الإمكانات التقنية والمالية لدولة النيجر بالمقارنة بالجزائر ونيجيريا، فإن عدم استقرار الوضع الأمني وحالة الانقلاب تؤثر في تنفيذ المشروع إذا لم يتم احتواؤه في أقرب وقت ممكن، في ظل التلويح بتدخل عسكري تهدد به دول منظمة إكواس وخلفها فرنسا التي تُعد من أكبر الخاسرين من جراء الإطاحة بنظام محمد بازوم في ميامي، أو إذا فُرضت عقوبات قاسية على النيجر تهدد تنفيذ المشروع داخل هذه الدولة. (الجزيرة).

وقال اقتصاديون: إنه على الرغم من أن الجزائر ونيجيريا تشتركان في هدف إنجاح المشروع وتنفيذه في أقرب وقت وضرورة العودة إلى النظام الدستوري في النيجر، فإنهما على النقيض في كيفية حل المشكلة، فنيجيريا تتزعم إكواس وتهدد بالتدخل العسكري، بعد ما أوقفت بالفعل الكهرباء عن النيجر، أما الجزائر فهي ترفض رفضًا قاطعًا التدخل العسكري، وتطالب بتسوية الأزمة من خلال الحوار والطرق الدبلوماسية.

الخلاصة:

– تسعى الدول الأوروبية جاهدة للحصول على بدائل لصادرات الغاز الروسي، من خلال مشروعات الأنابيب بالقارة الإفريقية المارة بغرب أوروبا عبر أسبانيا وفرنسا.

– تتنافس شركات الطاقة الأوروبية على مشروعات الغاز الإفريقية؛ فبعد خروج معظم شركات الطاقة الأوروبية من السوق الروسية، نتيجة للعقوبات والحرب الروسية الأوكرانية؛ تتجه أنظار معظم شركات الطاقة الأوروبية نحو دول القارة السمراء.

– إن مشروع الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء، ليس بالفكرة الجديدة، بل بدأ التفكير في العمل عليه في العام 1982م، ولكن بقي على الورق لاعتماد الدول الأوروبية على صادرات الغاز الروسي بشكل كبير.

– في العام 2021م بلغت الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية 155 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل 40% من احتياجات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي؛ ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022م وتبادل العقوبات بين الدول الأوروبية وروسيا، عانت أسواق الطاقة الأوروبية من عقبات وأزمات جراء هذه العقوبات، فبدأ البحث الأوروبي عن بدائل للغاز الروسي في إفريقيا والشرق الأوسط.

– كما تسعى الدول الأوروبية، إلى التحرر من الهيمنة الروسية على أسواق الطاقة، بالدخول في مشاريع غاز عملاقة بأفريقيا والشرق الأوسط، وتعمل أوروبا والدول الإفريقية على إعادة إحياء مشروع الغاز العابر للصحراء، لتعويض النقص في أسواق الغاز الأوروبية.

– تكمن الأهداف الإفريقية من وراء مشروع الغاز العابر للصحراء، في تحقيق مكاسب اقتصادية، وزيادة الدور الإفريقي على الساحة الدولية، والخروج بحلول لأزمات الطاقة الكهربائية في نيجيريا والنيجر ودول الساحل الإفريقي.

– لكن في المقابل، يقف انقلاب النيجر عائقًا جديدًا أمام مشروع الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء؛ إذ تدعم موسكو السلطة الانقلابية في النيجر، وتتخذ فرنسا ونيجيريا ودول مجموعة إكواس، موقفًا عدائيًّا من السلطة الانقلابية الجديدة في النيجر.

– تتمتع نيجيريا باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، إذ تمتلك أكبر احتياطي غاز طبيعي في القارة الإفريقية، بواقع يبلغ 200 تريليون قدم مكعب من الغاز، ولكن معظمه غير مستغل، أو محترق، أو يعاد حقنه في أبار النفط.

– تبلغ تكلفة مشروع الغاز العابر للصحراء نحو 13 مليار دولار، ويستهدف نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًّا نحو أوروبا عبر النيجر والجزائر.

– من الواضح أن الدُب الروسي لن يقف متفرجًا في تنفيذ هذا المشروع العملاق للضغط على أوروبا واستمرار احتياجها لموسكو من جهة، وأيضًا لزيادة توسعاته في إفريقيا من جهة أخرى، مُستغلا في ذلك علاقاته الجيدة مع العديد من دول القارة السمراء، ومنهم الدول التي جرى فيها الانقلابات.

المصادر:

مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات.

سكاي نيوز عربية.

الجزيرة.

أوروباالجزائرالغاز الإفريقيالغاز الطبيعيالمغربروسيا