الحرب الروسية – الأوكرانية هل تؤثِّر على دور “فاجنر” في إفريقيا؟

الحرب الروسية – الأوكرانية هل تؤثِّر على دور “فاجنر” في إفريقيا؟

على وقع الحرب “الروسية – الأوكرانية” لا يمكن القول بأنها سهلة، أو أنها تدور بين طرفين فقط، بل هي بؤرة أزمات عالمية بين التحالفات العظمى بين الدول؛ فعلى سبيل المثال: يقف الاتحاد الأوروبي خلف أوكرانيا، وكذلك تقف كوريا الشمالية والصين خلف روسيا؛ هذه التداعيات لها تأثيرها على أرض الواقع، مما يدفع الجانب الروسي إلى استدعاء نسبة كبيرة من قواتها المترامية في كلِّ مكان على مستوى العالم.

ومن القوات الروسية الموجودة والضاربة بجذورها في إفريقيا القوات المسماة بـ”فاغنر”، وتطلق عليها منظمة العفو الدولية اسم: “الجيش السري لفلاديمير بوتين”، وهي ميليشيات شبه عسكرية، ويستخدمها الدب الروسي في تدخلاته بالقارة الإفريقية، وقد شهدت العديد من الدول تواجدات هذه القوى، ومن أهم هذه الدول: ليبيا، وإفريقيا الوسطى، ومالي، إلخ.

وتكتسب “فاغنر” أهمية خاصة في الساحة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، وهو أمر نابع من كونها أداة مهمة توظفها موسكو بامتياز لتنفيذ سياساتها في القارة الإفريقية بما ينعكس على تعزيز نفوذها المتصاعد، وتعظيم مصالحها الإستراتيجية هناك، وهو ما يؤهلها لموازنة الأدوار الدولية في إفريقيا وتحجيم تحركاتها؛ لا سيما النفوذ الفرنسي والأوروبي والأمريكي، في محاولة للهيمنة على بعض الملفات المهمة، مثل: ملف الإرهاب، والهجرة غير الشرعية واللاجئين، والتي قد تُساوم بها موسكو الغرب في ظل التوترات المستمرة بينهما منذ العقد الماضي.

ما قوات “فاغنر” الروسية؟

يرجع تأسيس “فاغنر” عام 2014 إلى ديمتري أوتكين، العميد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، وظهرت لأول مرة شرقي أوكرانيا، ثم نشطت في جزيرة القرم، ويتولى “أوتكين” القيادة الميدانية والجوانب التقنية الخاصة بعملها.

وتقدَّر تحقيقات صحفية روسية عدد المنضمين لـ”فاغنر” بما يتراوح بين 3500 و5 آلاف مقاتل، بعضهم ذوو أصول من دول الاتحاد السوفيتي السابق القريبة من روسيا.

واعتبر مراقبون في أحاديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الشركة العسكرية الروسية الخاصة “بمثابة ذراع غير رسمية لموسكو”، من أجل ترسيخ تواجدها في المناطق التي ترغب في مدِّ نفوذها إليها.

وتضم المجموعة في صفوفها أفرادًا متقاعدين من القوات المسلحة الروسية، وتضطلع بحماية عدة شركات في دول بها نزاعات، كما تنسب لها عمليات في بلدان مختلفة.

ويشير خبراء ومنظمات، منها: العفو الدولية، إلى أن “فاغنر” تتحرك بدعم مباشر من الحكومة الروسية؛ لدرجة أن البعض وصفها بـ”الجيش السري للرئيس فلاديمير بوتن”(1).

الذراع الروسي في تحقيق أهدافه:

مع اقتصاد بحجم كوريا الجنوبية أو إسبانيا، ومنتجات متواضعة صناعيًّا خُصصت لجذب السوق الإفريقية؛ تدير روسيا مستوًى متواضعًا من التجارة مع إفريقيا، يصل إلى حوالي 20 مليار دولار سنويًّا (حوالي عُشر معدل التجارة بين الصين وإفريقيا)؛ فضلًا عن عدم تقديمها لأيِّ صدًى أيديولوجي أو تأثير اجتماعي أو ثقافي مقنع للكثيرين في إفريقيا.

على الرغم من ذلك، اكتسبت روسيا نفوذًا هائلًا في إفريقيا في السنوات الأخيرة؛ من خلال استغلال الأوراق التي تمتلكها واللعب بها جيدًا؛ حيث حققت روسيا أكبر قدرٍ من النفوذ في كلٍّ من: (ليبيا – جمهورية إفريقيا الوسطى – السودان – مدغشقر – موزمبيق – مالي)، باستخدامها الذكي أو (الخبيث) من وجهة نظر البعض، لمزيج من التدخلات غير المباشرة -عبر مجموعات المرتزقة- والتضليل لدعم القادة أو الوكلاء (رجال روسيا) المعزولين؛ فهذا هو الرمح المدبَّب لمجموعةٍ من الارتباطات التي تهدف إلى تعزيز صورة روسية بشكل إيجابي يعمل على توفير منصَّة لتعزيز دبلوماسيتها القائمة على تجنيد النخبة في الدول الأخرى.

من هنا، تُقدِّم ليبيا نبذة صريحة عن كيفية متابعة روسيا لأهدافها الإستراتيجية في إفريقيا؛ من حيث توسيع النفوذ الجيوسياسي عن طريق المشاريع منخفضة التكلفة التي تحقّق مكاسب اقتصادية غير متوقعة لموسكو وشركاء الرئيس فلاديمير بوتين المقربين، والتي يصفها البعض بأنها انتهازية؛ حيث تعمل روسيا في اصطياد الفرص السياسية من خلال نشر قوات المرتزقة بسرعة عندما تظهر الأزمات، على غرار ما فعلته في سوريا، وهى بذلك تتحسب لزيادة -أو بالأحرى توسيع عرض- القوة الروسية بما في ذلك المواقع الإستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وقناة السويس التي يمكن أن تؤثّر على نشر قوات الناتو في أوقات الأزمات.

من جهة أخرى: يرى فلاديمير بوتين أن إفريقيا تُعتبر وسيلة لموازنة النفوذ الغربي من خلال التكتيكات غير المتكافئة، وبالمثل أدركت روسيا تأثير الاستقطاب الذي أحدثته التدفقات الكبيرة للاجئين السوريين على السياسة الأوروبية، وبالتالي: فإن الحفاظ على يد التحكم التي تنظم تدفق اللاجئين من إفريقيا يوفّر لروسيا مزيدًا من النفوذ على أوروبا؛ بالإضافة إلى أن اهتمام روسيا بإفريقيا -خاصة بعد ضمّها لشبه جزيرة القرم ومغامراتها في شرق أوكرانيا-، يوفِّر أيضًا فرصة لتعزيز رؤية بوتين لنظام عالمي متعدد الأقطاب.

إن معظم القارة الإفريقية بحكوماتها الضعيفة ومواردها الطبيعية الوفيرة، وموروثاتها الاستعمارية، وقربها من أوروبا، وأربعة وخمسين صوتًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، توفِّر لروسيا مسرحًا سهلًا وجذابًا حيث يمكنها تعزيز مصالحها بتكاليف مالية أو سياسية محدودة(2).

خريطة الانتشار لليد الروسية في إفريقيا:

ليبيا: ينتشر مرتزقة فاغنر في محافظتي: سرت (شرق طرابلس)، والجفرة (جنوب شرق طرابلس)، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري؛ بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا.

وتقدَّر مصادر أمريكية وأممية عددَ مرتزقة فاغنر في ليبيا بنحو ألفي عنصر غالبيتهم من روسيا وشرق أوكرانيا وصربيا؛ بالإضافة إلى مرتزقة سوريين موالين لها جندتهم فاغنر من شركتين أمنيتين تشرف عليهما في سوريا، وهما: “صائدو داعش”، و”سند للحراسة والخدمات الأمنية”.

وتتمتع فاغنر بتسليح جيد، فمن الطائرات المسيرة الخفيفة المخصصة للمراقبة وتوجيه المدفعية، إلى القناصة، ومنظومات “بانتسير” الصاروخية المضادة للطائرات، وصولًا إلى مقاتلات “ميغ 29” الحديثة متعددة المهام، وقاذفات “سوخوي 24”.

ورغم اتفاق الفرقاء الليبيين في 23 أكتوبر / تشرين الأول 2020، على إخراج المرتزقة الأجانب وعلى رأسهم: فاغنر من بلادهم خلال ثلاثة أشهر؛ إلا أن مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، لم تتمكن من إزاحتهم بعد من سرت والجفرة، بل وتخشى أن تتسبب في إحداث انقلاب ضدها في المنطقة الشرقية.

إذ ليس من المستبعد أن تسعى فاغنر، لتمهيد الأرضية للجيش الروسي لإقامة قاعدة بحرية وقاعدتين جويتين في ليبيا، في المنطقة الجنوبية الرخوة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

جمهورية إفريقيا الوسطى:

أبرمت روسيا صفقة مع الرئيس المنتخب لجمهورية إفريقيا الوسطى، (فوستين أرشانج تواديرا) في عام 2018م، للمساعدة في درء تهديد من مسلحي سيليكا، وتم نشر ما يقدر بنحو 400 من جنود فاغنر في شمال جمهورية إفريقيا الوسطى.

وأصبح الروسي (فاليري زاخاروف)، مستشار الأمن القومي لتواديرا، وتم بعد ذلك إقالة وزير الخارجية (شارل أرميل دوبان)؛ بسبب عدم موافقته على النفوذ الروسي غير المبرر.

وتشير بعض التقارير إلى أن (فاغنر) تفاوض في نفس الوقت على اتفاق لتقاسم الإيرادات مع المتمردين، وهي المسيطرة على مناجم الذهب والماس في الشمال بالأساس، تتفاوض شركة (فاغنر) من منطلق قوتها المشهود لها في جمهورية إفريقيا الوسطى، فقد شاركت في صدِّ هجوم منفصل للمتمردين على مقاطعة (بانغي) بعد الانتخابات في ديسمبر 2020م، والتي أبقت (تواديرا) في السلطة، بدعم روسي نشط.

السودان:

كانت روسيا داعمة للرئيس عمر البشير، وتمثَّلت أحد صور الدعم هذه في نشر قوات (فاغنر) لدعم الجيش السوداني مع الوصول إلى مناجم الذهب في غرب البلاد، وعندما واجه البشير احتجاجات على مستوى البلاد في عام 2019م، ورد أن مجموعة (فاغنر) نصحت البشير بقمع المحتجين بقسوة، لكن يبدو أن روسيا حافظت على نفوذها مع القادة العسكريين الذين أطاحوا بالبشير في نهاية المطاف، بما في ذلك الحفاظ على اتفاقيات التعدين التي تم التفاوض عليها مسبقًا.

موزمبيق:

 وردت تقارير عن انتشار مقاتلي (فاغنر) لمساعدة الحكومة الموزمبيقية على الاستجابة لتهديد الجماعات المسلحة سريعة الانتشار في الشمال، وليس من قبيل الصدفة أن المنطقة هي موطن لعملية تعدين الأحجار الكريمة بمليارات الدولارات واحتياطيات الغاز الوطني المسال.

مالي:

في أعقاب انقلاب 18 أغسطس 2020م في مالي، نزل مؤيدو العمل العسكري المبتهجين إلى شوارع باماكو للاحتفال، والغريب أن بعض المحتفلين كانوا يُلوّحون بالأعلام الروسية، وكان العديد من الأشخاص الآخرين (يُقال: إنهم مقاتلي فاغنر في “زي مدني”) يحملون ملصقات متطابقة مطبوعة مسبقًا تحتفي بالتعاون المالي الروسي، وصورًا لفلاديمير بوتين، ورسائل تشكر روسيا على دعمها.

 كان المشهد لافتًا للنظر في أن روسيا ليس لديها علاقات ثنائية أو ثقافية أو تاريخية قوية مع مالي، وعلى الرغم من أن المشاعر المؤيدة لروسيا تبدو متناقضة؛ إلا أنها كانت متَّسقة جدًّا مع خطِّ الرسائل الذي بدأ في باماكو قبل عام بعد توقيع اتفاقية تعاون أمني غامضة بين مالي وروسيا.

التعاون الأمني الروسي الإفريقي:

وتتويجًا لذلك، تعمل روسيا على تعزيز انتشارها في إفريقيا بمبادرات رسمية على أعلى مستوى من خلال حفاظها على سلسلة من المبادرات الأمنية والاقتصادية والثقافية التقليدية في إفريقيا، كان أبرزها: قمة روسيا وإفريقيا في أكتوبر 2019م؛ حيث استضاف فلاديمير بوتين ثلاثة وأربعين رئيس دولة إفريقية في سوتشي، وخلال القمة، وعد بوتين بإعفاء الديون ومضاعفة التجارة مع إفريقيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، كما حققت روسيا بعض مكاسب القوة الناعمة من خلال وعدها بتقديم ملايين الجرعات من لقاحات COVID-19 إلى الدول الإفريقية.

على الرغم من هذه الحالات من التواصل البارز، لا يبدو أن المشاركات التقليدية هي المكان الذي تجني فيه موسكو أكبر فائدة جيوسياسية في إفريقيا، على الأقل على المدى القصير.

لم يأتِ ذلك التعاون من فراغ أو فجأة، بل روسيا تحضر له منذ سنوات، تحديدًا منذ استعادة مكانتها الدولية وضمها لجزيرة القرم؛ فقد وقَّعت ما يقرب من عشرين اتفاقية تعاون أمني في إفريقيا في السنوات الأخيرة، وهو توسُّع كبير من العلاقات الأمنية المحدودة التي حافظت عليها في القارة على مدار العقدين الماضيين.

 يتمثل أحد الجوانب الملموسة لهذه الاتفاقيات في محاولة روسيا لتأمين منفذ وقاعدة لدعم العمليات البحرية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط؛ حيث تم إيلاء اهتمام خاص لموانئ بربرة (أرض الصومال)، مصوع وعصب (إريتريا)، بورتسودان (السودان).

ويشير هذا إلى وجود اهتمام بإبراز القوة على طول المواقع البحرية الإستراتيجية لمضيق باب المندب (جيبوتي – اليمن)، وقناة السويس، وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما استكشفت روسيا إمكانية الوصول إلى الموانئ في جنوب إفريقيا مع موزمبيق، وأجرت تدريبات بحرية مشتركة مع جنوب إفريقيا.

من جهة أخرى: تحتفظ روسيا ببرنامج تعليمي عسكري احترافي للأفراد العسكريين الأفارقة؛ حيث تقوم بتدريب ما يقرب من 500 من أفراد الخدمة الأفارقة سنويًّا، وبالرغم أن هذه البرامج محدودة العدد، فإنها توفِّر لروسيا منصة لنقل تفسيرها للعلاقات المدنية العسكرية داخل القارة، وكان رمز هذا التأثير المحتمل هو الرابط الذي نشرته الصحافة الروسية بأنَّ العديد من كبار الضباط المشاركين في انقلاب أغسطس 2020م في مالي قد عادوا مؤخرًا من التدريبات في روسيا، ففرص التعليم العسكري الاحترافي لروسيا تتيح الوصول المستمر إلى الضباط العسكريين الأفارقة من المستويات المتوسطة والعليا على مدار حياتهم المهنية(3).

استدعاء لقوات فاغنر:

من السابق نجد أن مجموعة “فاجنر” تنتشر في العديد من الدول الإفريقية، حيث توجد لديها مكاتب في 23 دولة إفريقية، وتنخرط قواتها بشكل أكبر في بعض مناطق الصراعات، ومع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أشارت العديد من التقارير إلى سحب موسكو للعشرات من عناصر قوات “فاجنر” من إفريقيا للحاق بالعملية العسكرية في أوكرانيا، حتى إن بعضها قد بدأ عملية الإجلاء منذ يناير الماضي (2022).

وعلى سبيل المثال: تم رصد حركة للطيران الروسي بين مطار موبتي في وسط مالي ومطار العاصمة باماكو خلال الفترة الأخيرة، كما أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى انسحاب عناصر من “فاجنر” بدولتي: إفريقيا الوسطى ومالي إلى أوكرانيا؛ الأمر الذي قد يدفع البعض للتنبؤ بتراجع الدور الروسي في إفريقيا خلال الفترة المقبلة(4).

تداعيات هذا الاستدعاء الروسي لميلشياته:

شرعت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بمجرد اندلاع الحرب الروسية في فرض المزيد من العقوبات على روسيا بهدف إجبارها على إنهاء العملية العسكرية في أوكرانيا، ومع اقدام موسكو على الاستعانة في بداية الحرب بعناصر من قوات “فاجنر” التي انسحبت جزئيًّا ومؤقتًا من بعض الدول الإفريقية.

اعتقد المراقبون أن ذلك قد يكون بداية لمسلسل التراجع الروسي عن الساحة الإفريقية، وهو اعتقاد ربما يكون خاطئًا ومن المبكر التنبؤ به في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية ومآلاتها على النظام الدولي بما في ذلك معادلة التنافس الدولي على إفريقيا خلال الفترة المقبلة.

ومع ذلك يمكن تلمس بعض التأثيرات المحتملة للحرب الروسية – الأوكرانية على دور قوات “فاجنر” في إفريقيا، وذلك على النحو التالي:

1- مضاعفة العقوبات الأوروبية والأمريكية على “فاجنر”: وذلك نتيجة تورطها في الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي قد تستهدف منها القوى الدولية أيضًا تحجيم دور موسكو على الساحة الإفريقية في ضوء استمرار العقوبات المفروضة عليها بالأساس؛ بسبب تورطها في بعض مناطق التوتر الإفريقية منذ 4 سنوات مضت.

ومع ذلك ربما لا تتأثر “فاجنر” بتلك العقوبات بخصوص دورها المتنامي في القارة الإفريقية؛ لا سيما أنها أضحت أداة رئيسية للسياسة الخارجية الروسية تجاه إفريقيا في السنوات الأخيرة بالرغم من الانتقادات الغربية لها، والتي تصفها بأنها مجموعات من المرتزقة الروس الخارجين عن القانون نتيجة التورط في انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق النزاع بإفريقيا.

2- تعزيز دور “فاجنر” في إفريقيا: قد تستهدف موسكو عبر ذلك تحقيق هدفين: أولهما: الاستعداد لجولة جديدة من التنافس مع القوى الدولية لا سيما فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الإفريقية؛ خاصة أن تلك القوى ستحاول الضغط على الدول الإفريقية لمقاطعة موسكو من أجل تطويقها وتضييق الخناق عليها لإجبارها على الرضوخ لشروطها واستنزاف اقتصادها في ضوء العقوبات المفروضة عليها وغلق الأسواق الإفريقية أمامها.

وثانيهما: توسيع دائرة التأييد الإفريقية لروسيا وقضاياها في المحافل الدولية (الأمم المتحدة) في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي هناك، كما ستوظف موسكو “فاجنر” لمواجهة تشويه الآلة الإعلامية الغربية والأمريكية لروسيا في الأوساط الإفريقية في محاولة غربية لشيطنتها مما قد يهدد مصالحها الإستراتيجية في إفريقيا.

3 -توسيع النفوذ الروسي في القارة: من المتوقع أن تُكثِّف موسكو جميع أدواتها الفاعلة خلال المرحلة المقبلة لتوسيع نطاق تحركاتها في الدول الإفريقية وفتح آفاق جديدة للتعاون على كافة المستويات بهدف مواجهة العقوبات الأوروبية والأمريكية، وتقليل الآثار السلبية على الاقتصاد الروسي والهروب من العزلة الدولية.

4- تراجع الاهتمام الإفريقي بالضغوط الدولية: والتي ربما تتزايد خلال الفترة المقبلة من قبل القوى الدولية، مثل: فرنسا والولايات المتحدة، وكذلك من حلفائهما الإقليميين بهدف تخفيض الاستعانة بقوات “فاجنر” من أجل تحجيم الدور الروسي؛ إلا أن ثقة قطاعات واسعة من الرأي العام الإفريقي وبعض النخب الحاكمة في منطقة الساحل في الدور الروسي في مجال مكافحة الإرهاب سوف ترجح كفة موسكو؛ لا سيما أن “فاجنر” قد حققت نتائج عالية في هذا المجال في جمهورية إفريقيا الوسطى ومن قبلها في سوريا -من وجهة نظر الأفارقة-، وهو ما يعزز موقفها كأداة فاعلة في القضاء على خطر التهديدات الأمنية والتنظيمات الإرهابية التي تنشط في بعض دول الساحل، مثل: مالي، وبوركينا فاسو، وغيرها؛ خاصة بعد ما أخفقت فرنسا في احتواء التنظيمات الإرهابية منذ انخراطها في الساحل على مدار السنوات التسع الماضية(6).

الخلاصة:

الاستدعاء الروسي لميلشيات فاغنر لا يمكن اعتباره تراجعًا عن الدور الروسي في إفريقيا، ولكن يمكن القول بأنه ترتيب أولويات للحظة الراهنة، وأن هذا الاستدعاء يزيد الثقة الروسية في قواته الميلشياوية، ومن المرجح استمرار اعتماد موسكو على مجموعة “فاجنر” الروسية، والمضي قدمًا نحو توسيع دورها وتعزيز نفوذها هناك، لربما تندلع مواجهة روسية – غربية جديدة في ساحة النفوذ الإفريقي، وتسعى موسكو إلى تقليص أضرار العزلة الدولية المفروضة عليها من خلال بوابة إفريقيا.

كما أن اعتماد النخب الحاكمة الإفريقية على “فاجنر” سوف يزداد طرديًّا مع التراجع الفرنسي والأمريكي في ظل تصاعد التهديدات الأمنية ومخاطر التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية.

فضلًا عن أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية الاقتصادية على إفريقيا تحديدًا ربما تزيد من احتياج بعض الأنظمة الحاكمة الإفريقية لقوات “فاجنر” لمواجهة التوترات والاضطرابات الشعبية المحتملة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لقطاعاتٍ كبيرةٍ من المواطنين الأفارقة خلال الفترة المقبلة.

1_ سكاي نيوز

2_ قراءات إفريقية

3_ وكالة أنباء الأناضول

4_ بي بي سي

6_ مركز الاهرام للدراسات

قوات فاغنر