اتفاق الحبوب ومطالب روسيا… كيف يوثر الصراع الأوكراني على غذاء العالم؟

اتفاق الحبوب ومطالب روسيا… كيف يوثر الصراع الأوكراني على غذاء العالم؟

تتبادل دول العالم السلع والمواد الخام والمنتجات منذ القدم، ولعل أهم وأبرز تلك السلع الحبوب والمواد الغذائية، وعلى رأسها: القمح الذي يعد غذاء رئيسي لأغلب المواطنين عبر العالم، ولا خلاف على أن الحبوب هي مصدر غذاء العالم الأول، ولا تحتمل الشعوب أي تهديدات بقطع الحبوب أو منعها أو غلاء أسعارها، وتمتلك كلٌّ من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من 40% من إنتاج العالم من الحبوب؛ ولذا يمثِّل إنتاجهم من الحبوب أهمية قصوى لاستقرار إمدادات الغذاء في العالم.

وجاءت الحرب -أو العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كما أطلقت عليها موسكو- لتوجه تهديدات كبيرة لحركة تجارة الحبوب والإمدادات الغذائية، بسبب الحصار الروسي للبحر الأسود ومنع خروج سفن الحبوب الأوكرانية، وهو ما تزامن مع ارتفاع مستويات التضخم في كثير من الدول العالم، وارتفاع في أسعار الحبوب، والمواد الغذائية وأغلب السلع والمنتجات، ورغم اتفاق الحبوب الذي أُبرم مع روسيا والذي سمح بعبور مشروط للحبوب الأوكرانية؛ إلَّا أن تهديدات موسكو بوقف الاتفاق وعدم تجديده حال عدم الموافقة على مطالبها يهدد إمدادت الغذاء ويعيد إلى الذهن ما عاشه العالم من شح الحبوب والمواد الغذائية وارتفاع الأسعار المتواصل الذي عاشته دول العالم لشهور بعد بداية الحرب.

بداية الحرب:

مع بداية الحرب الروسية على المدن الأوكرانية، بدأت روسيا في نشر مكثف للسفن والفرقاطات الحربية في مياه البحر الأسود، كما حاصرت الموانئ الأوكرانية، بل ولغَّمت قاع الموانئ الأوكرانية، وتحديدًا الموانئ الثلاث التي تخرج منها سفن الحبوب، وهي: أوديسا، ووچورنوموركس، ويوزهنو، ومنذ تاريخ بدء الحرب في 24 فبراير 2022 وحتى يوليو 2022، استمرت أسعار الحبوب في الارتفاع، وكان العالم على حافة الجوع بسبب نقص الحبوب وارتفاع الأسعار المتزايد، حتى استطاعت الأمم المتحدة بوساطة تركيا في إبرام اتفاق الحبوب مع روسيا عبر عِدَّة شروط ولمدة 4 شهور فقط، وهنا بدأت الانفراجة في إمدادات الحبوب.

اتفاق الحبوب:

وفقًا للأمم المتحدة أُبرم اتفاق الحبوب أو مبادرة حبوب البحر الأسود، وهي: التسمية الرسمية للاتفاقية الخاصة بصادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية، في 22 يوليو 2022 بين روسيا وأوكرانيا بوساطة الأمم المتحدة، وتركيا في إسطنبول، وتضمن الاتفاق عدة تفاصيل وشروط كالآتي:

– تفتيش السفن عند الدخول والخروج من البحر الأسود للتأكد من عدم حمل أسلحة أو أفراد محظورة علي متنها، وهذا ما قد أعلن عنهُ أطراف الاتفاق.

– تصدير الحبوب من 3 موانئ فقط هي: أوديسا، ووچورنوموركس، ويوزهنو.

– يضمن الاتفاق مرور آمن من وإلى الموانئ الأوكرانية المنصوص عليها في بنود الاتفاق.

– إنشاء مركز مشترك للإشراف على سير العمليات وحل الخلافات.

– يراقب مركز التنسيق المشترك في البحر الأسود السفن بعد تفتيشها من الموانئ الأوكرانية إلى مضيق البوسفور التركي ومنه إلى الأسواق العالمية.

– مدة سريان الاتفاق 4 شهور.

– عدم استهداف روسيا الموانئ أثناء مرور الشحنات.

– قيام السفن الأوكرانية بتوجيه سفن الشحن عبر المياه الملغمة.

– قيام تركيا، بدعم من الأمم المتحدة، بتفتيش السفن لتهدئة مخاوف روسيا من تهريب الأسلحة

– تسهيل مرور الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة عبر البحر الأسود.

أثر اتفاق الحبوب:

أكدت الأمم المتحدة: أن الاتفاق ساعد في التخفيف من حدة أزمة الغذاء العالمي بعد بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأتاح تصدير 30 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا إلى العديد من دول العالم، كما ساهم الاتفاق في خفض أسعار الحبوب، وأدى الاتفاق إلى استقرار إمداد دول العالم بالحبوب وتباطؤ معدل التضخم، وتوصيل الحبوب والغذاء للعديد من دول العالم وخاصة دول إفريقيا، بعدما عرضت الحرب ملايين لخطر المجاعة، وانعدام الغذاء.

تعليق الاتفاق وتمديده:

علقت روسيا الاتفاق في 29 أكتوبر عام 2022 بعد تفجير أوكرانيا جسر القرم، واتهام موسكو لأوكرانيا بأنها مَن قامت بذلك، وأن المتفجرات كانت في إحدى سفن الحبوب بجانب استهداف كييف للسفن الروسية بطائرات مسيَّرة في ميناء سيفاستوبول في اليوم ذاته – 29 أكتوبر عام 2022- وأن الطائرات خرجت من أوديسا، وبعد إعلان بوتين وقف اتفاق الحبوب تراجعت روسيا عن القرار في 2 نوفمبر 2022 عقب مباحثات بينها وبين تركيا أدَّت إلى ضمانات جديدة تضمن لروسيا عدم التعرض لأسطولهِ أو المساس به أو استخدام الممر الآمن في الحرب.

تجديد الاتفاق مرتين:

بعد انتهاء الاتفاق في شهر ديسمبر عام 2022، نجحت الأمم المتحدة في تجديد الاتفاق يوم 10 مارس 2023، ووافقت الخارجية الروسية علي تمديد الاتفاق لمدة 60 يومًا فقط حتى شهر مايو 2023، وفق تصريح ألكسندر جروشكو نائب وزير الخارجية الروسي، وفي 17 مايو 2023 وافقت روسيا مرة أخرى على تجديد الاتفاق لمدة شهرين آخرين على أن ينتهي منتصف يوليو المقبل.

تهديدات بعدم تجديد الاتفاق:

مع شدة الهجمات الروسية على أوكرانيا وإحباط الهجوم المضاد الذي تخطط له أوكرانيا منذ شهور، أعاد بوتين الحديث عن عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، ورغم تكرار روسيا لذلك التهديد أكثر من مرة، إلًا أنها لم تنفذ تهديدها وتوافق في النهاية على تجديد الاتفاق، ولكن هذه المرة يتزامن مع اقتراب موعد تجديد الاتفاق، اختلاف في ظروف الحرب وما يحيط بها بداية من استهداف أوكرانيا لداخل الأراضي الروسية بالصواريخ بعيدة المدى -قصف بيلجرود الروسية ومحاولة اقتحامها أكثر من مرة-، وقصف بعض مواقع النفط التابعة لموسكو؛ إضافة إلى قرب دعم كييف بطائرات إف – 16، والحديث عن اقتراب انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، كل هذه المستجدات تجعل من المتوقع رفض بوتين لتجديد الاتفاق إلَّا بعد تنفيذ شروطها أو بعضها بالسماح بتصدير الأسمدة الكيمائية والأمونيا، وإعادة موسكو لنظام سويفت.

ماذا تريد روسيا؟

رغم تجديد موسكو لاتفاق الحبوب مرتين بعد إبرامه، إلا أن الغرب منذ اليوم الأول للاتفاق لم يلتزم بالشروط التي طلبها الجانب الروسي وتَهم اقتصاده، والتي طالبت بها موسكو أكثر من مرة، وهي كالآتي:

– وقف العقوبات على تصدير الأسمدة الروسية.

– إعادة تشغيل خط أنابيب ينقل الأمونيا من موانئ أوكرانيا إلى العالم.

– وقف القيود المفروضة على المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين.

– رفع القيود عن تصدير المحاصيل الزراعية الروسية من الحبوب والأسمدة والسلع الأولية.

– ربط البنك الزراعي الروسي بشبكة سويفت للمعاملات المالية.

– السماح باستيراد الآلات الزراعية وقطع الغيار.

– رفع القيود على التأمين، وإلغاء تجميد حسابات الأسمدة الروسية، وأنشطتها المالية.

وقالت الخارجية الروسية: إن العامل الحاسم لتمديد صفقة الحبوب هو تنفيذ الاتفاقية الموقعة مع الأمم المتحدة بشأن تصدير المنتجات الزراعية الروسية. 

وقالت الخارجية الروسية: إن العامل الحاسم لتمديد صفقة الحبوب هو تنفيذ الاتفاقية الموقعة مع الأمم المتحدة بشأن تصدير المنتجات الزراعية الروسية. 

خطة بديلة:

تحدثت أوكرانيا كثيرًا عن وجود خطة بديلة لتصدير الحبوب إذا انهار الاتفاق، وقال وزير الزراعة الأوكراني، ميكولا سولسكي: إن بلاده مستعدة لمواصلة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود في إطار “خطة بديلة” بدون دعم روسيا إذا أوقفت موسكو العمل باتفاق تصدير الحبوب الحالي؛ إلَّا أن كييف لم تبح بأي تفاصيل عن هذه الخطة.

آثار عدم تجديد إتفاق الحبوب:

وقف الاتفاق يجعل دول العالم عُرضة لجحيم ارتفاع أسعار الحبوب، وعلى رأسها: القمح، بعد ما ينتهي الاتفاق الحالي في 17 يوليو المقبل، وقد يواجه العالم آثار سلبية كبيرة بدايتها شُح في معروض الحبوب، ومن ثم ارتفاع أسعار الغذاء، واستمرار التأثير السلبي على اقتصاد الدول الفقيرة، وارتفاع أسعار القمح والذرة الخاصة بالأعلاف والفول والصويا، ودوار الشمس، وزيادة التضخم بسبب استحواذ صادرات الغذاء على النقد الأجنبي الموجودة في الدول الفقيرة، وفي مقدمتها: الحبوب، كما أن آثار شح الحبوب لا يتوقف فقط عند ارتفاع الأسعار، بل انتشار الجوع في العالم، وهو ما أكدته الأمم المتحدة بأنها تخشى إعصار مجاعة جديدًا جرَّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ بسبب الصراع الروسي الأوكراني ونقص الحبوب.

وشددت الأمم المتحدة على أن أكثر من 200 مليون شخص في العالم يواجهون جوعًا شديدًا، وأن ذلك الرقم قد يتضاعف في حال اشتد نقص القمح؛ لأن القمح يأكله الجميع، وخير مثال على ذلك أن الصين والهند أكبر دولتين منتجتين للقمح؛ إلا أنهما يستوردانه بكميات كبيرة؛ لأن إنتاجهما من القمح لا يكفي لإطعام شعوبهم، وتشير الأمم المتحدة إلى أن القمح أهم عنصر في الأمن الغذائي للدول، وأن الذرة أهم منتج للحيوانات ونقصه يؤدي لنقص الثروة الحيوانية، وفي ذلك السياق: اتهمت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، موسكو بتسليح الجوع واستخدام الأمن الغذائي كأداة حرب قاسية من خلال منع ملايين الأطنان من الحبوب من مغادرة الموانئ الأوكرانية.

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد المصبح لـ”سكاي نيوز”: إنه سوف يشكل نقص الحبوب صعوبات وتحد خطير على مستوى الأمن الغذائي لكثير من شعوب الأرض، وستجد الكثير منها نفسها أمام صعوبات حقيقية في تأمين السلع الغذائية الرئيسية وتحديدًا القمح.

الرابحون من الأزمة:

بداية فإن أزمة الحبوب وخاصةً القمح، تعد أزمة دائمة وتتكرر سنويًّا، إلا أن الأزمة تشتد وتقوى على المستهلكين أوقات التوترات العالمية وأي انهيار مالي أو اقتصادي، ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا ارتفعت وتيرة أزمة الحبوب، ونتج عنها رابحون وخاسرون، ولعل أبرز المنتفعين من شح الحبوب ونقصها في الأسواق العالمية، هم أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم؛ لأنهم بالطبع يبيعونه بأسعار مضاعفة كما أنهم يتحكمون في سلعتهم لمن يبيعونها ومَن يحرمونه منها، وتلك الدول على الترتيب هي: روسيا أكبر الدول إنتاجًا بـ 37.3 مليون طن، وتليها الولايات المتحدة بـ 26.1 مليون طن، وثالثًا كندا وفرنسا في المركز الرابع بـ 19.8 مليون طن، وخامسًا أوكرانيا بـ 18.1 مليون طن، وسادسًا أستراليا بـ 10.4 مليون طن، وسابعًا الأرجنتين بـ 10.2 مليون طن، وألمانيا ثامنًا بـ 9.3 مليون طن، وتاسعًا كازاخستان بـ 5.1 مليون طن، والمركز العاشر بولندا بـ4.6 مليون طن.

ونعيد التنويه: أن تلك الدول هي أكبر الدول المصدرة للقمح، أي: أنها الأكثرة استفادة من البيع، وهناك أكبر الدول المنتجة، وهما: الصين والهند، وهم أكثر إنتاجًا من روسيا، وكذلك هناك دول ذات انتاج كبير للقمح، مثل: تركيا وإيران، ورغم ذلك فإن تركيا وإيران يستوردان القمح بكثافة رغم أنهم من الدول الأكثر إنتاجًا.

أهم الدول المتضررة من أزمة القمح:

من الطبيعي أن يكون أكثر الدول تضررًا من أزمة القمح الدول المستهلكة التي تستورد القمح من الدول المنتجة المصدرة له، وهم: العشر دول سالفي الذكر بداية من روسيا، وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، كما أنها أكبر مستورد ومشتري للقمح الروسي عالميًّا تليها تركيا ثانيًا، ومن ثم بنغلاديش ونيجريا والبرازيل وإندونيسيا، ومن الدول العربية المستوردة للقمح، اليمن والسودان والإمارات والمغرب ولبنان وعمان والجزائر.

الخلاصة:

تستمر لعبة عض الأصابع بين روسيا والغرب منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ويعد اتفاق الحبوب أحد أدوت تلك الضغوط والصراع الدائر بينهم، فواشنطن تسعى لإطالة أمد الحرب في كييف وتمد نظام زيلينسكي بما يحتاجه من مال وسلاح، ودعم لوجيسي ومخابراتي من أجل استنزاف موسكو قدر الإمكان، وزيادة خسائرها المادية والعسكرية متمنية سقوط مدوي على يد الأوكران، وموسكو هي الأخرى تحاول التقدم في أوكرانيا شيئًا فشيئًا، والتماسك أمام تأثير العقوبات والمساعدات الغربية التي لا تتوقف، وفي حال الانتصار تؤكد استنزاف اقتصاد الغرب؛ إلا أن هذه الحرب الباردة يعود أثرها بالسلب على المجتمعات وشعوب العالم، وفي حالة اتفاق الحبوب نجد أنفسنا بين خيارين لا ثالث لهما: الأول: هو استمرار تدفق الحبوب لدول العالم، والثاني: تعنت الغرب أمام موسكو، وبالتالي تهديد سلاسل الأمداد الغذائية، ومن ثم ارتفاع أسعار الحبوب وتهديد غذاء العالم.

مصادر:

بي بي سي – روسيا وأوكرانيا: توقيع اتفاق في إسطنبول للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود – 21 يوليو 2022.

سكاي نيوز – أوكرانيا تضع “خطة بديلة” للتصدير إذا انهار اتفاق الحبوب – 12 يونيو 2023

العربي الجديد – خبر مقلق للأسواق العالمية.. روسيا تستبعد تجديد اتفاق الحبوب بالشروط نفسها – 16 يونيو 2023.

دويتش فيله – توقيع اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية… البنود وآلية التنفيذ – 22 يوليو 2022.

سكاي نيوز – بانتظار “القرار السياسي”.. ما مصير “اتفاق الحبوب” 17 مايو 2023؟

الجزيرة – روسيا تعلن تمديد اتفاق تصدير الحبوب 60 يومًا وتركيا والأمم المتحدة تؤكدان استمرار المفاوضات – 22 يوليو 2022.

سكاي نيوز – شرط روسي للعودة لـ”اتفاق الحبوب”… هل يستجيب الغرب؟ – 30 أكتوبر 2022.

سكاي نيوز – أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم – l 9 مارس 2022.

المصري اليوم – من هم أكبر المصدرين والمستوردين وأهم المنتجين لـ القمح في العالم؟… وأين مصر من الترتيب – 9 مارس 2022؟