الأزمة السورية والحرب في أوكرانيا … الانعكاسات والمآلات

الأزمة السورية والحرب في أوكرانيا … الانعكاسات والمآلات

يتشابك العديد من الملفات بالحرب “الروسية – الأوكرانية”، وتلقي بظلالها على الكثير من البلدان سواء كانت الأوروبية أو العربية، وهذا يعني أن الملف الروسي يعتبر من أعقد الملفات الدولية، فمن بينها الاقتصادي والسياسي والدولي، وبغض النظر عن “جدلية” المسببات التي دفعت روسيا للإقدام على خطوة الغزو العسكري لدولة مجاورة ذات سيادة، وبغض النظر عن تطورات الصراع المسلح بين الطرفين الروسي والأوكراني ونتائجه بالنسبة لروسيا، فإن ثمة انعكاسات تبدو واضحة على ملفات التفاعل الأخرى، والتأثيرات والنفوذ الموجودة بالشرق الأوسط.

ولا يخفى على أحدٍ انخراط الجانبين في الشرق الأوسط عسكريًّا؛ حيث تستخدم تلك الملفات كأداة ضغط بين الطرفين بهدف الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ”المقايضات الجيوسياسية”.

وقد أتى ملف الأزمة السورية في مقدمة تلك الملفات؛ خاصة وأنها ما زالت تعاني من غياب إطار دولي محدد للتسوية السياسية بجانب الإرادة الحقيقية، نتيجة لعدم توصل أطراف الأزمة من القوى الدولية والإقليمية المنخرطة فيه، إلى مسار تفاوضي يضمن مصالحها المتباينة.

سياسة المصالح هذه أدَّت إلى بقاء الأزمة رهينة لخريطة المصالح والنفوذ التي رسمتها تلك القوى على أرض الصراع السوري، والتي استقرت في السنوات الثلاثة الماضية عند نقطة القبول الضمني المتبادل بين كافة أطرافها -دوليًّا وإقليميًّا- بخيار “إدارة توازن المصالح”، وهو الخيار الذي أبقى الأزمة في حالة جمود، وأبقى خريطة النفوذ العسكري للقوى المنخرطة فيها في حالة ثبات.

حليف قوي في الشرق الأوسط:

منذ عام 2015، وحتى الآن ثبتت روسيا في سوريا “موطئ قدم” كبيرة، وبينما جعلت من نفسها طرفًا أساسيًّا في أي مسار سياسي يؤدي إلى “الحل”، انتشرت عسكريًّا في مناطق متفرقة، أبرزها: قاعدة “حميميم” ومرفأ طرطوس، كما هيمنت على قطاعات اقتصادية رئيسية، بموجب عقود طويلة الأمد.

أما في أوكرانيا فهي تسعى حاليًا إلى تحقيق هدفين، الأول نزع السلاح من أوكرانيا من جهة، وإزالة الحكومة المنتخبة من جهة أخرى.

وكان لموسكو في البلد الأول حليفٌ على الأرض يتمثل بالنظام السوري والميليشيات المساندة له؛ سواء التي تتبع لإيران أو غيرها من الميليشيات المحلية، في حين تفتقد في البلد الثاني (أوكرانيا) لأي حليف فعلي، سوى الانفصاليين الذين أعلنوا استقلالهم في جمهوريتي: دونيتسك ولوغانسك.

وفي موقف لم يكن مستبعدًا، لكن الزخم الذي بدا فيه كان لافتًا، أعلن النظام السوري في الأيام الماضية على لسان “كبار مسؤوليه” دعمه للغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما اعترفوا أولًا بـ”سيادة دونيتسك ولوغانسك” اتجهوا في منحى آخر لربط البلدين بمصطلحات تشير إلى “العدو الواحد”، وأن ما يحصل هو “تصحيح للتاريخ”.

وقال رأس النظام السوري بشار الأسد الجمعة: “ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي”.

وبعد هذه الكلمات التقت زوجته أسماء الأسد بطفلة روسية في العاصمة دمشق ومسؤولين روس آخرين، وقالت في حديث نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”: “جنود المؤسسة العسكرية الروسية مع جنود الجيش السوري يقاتلون لحماية سورية وروسيا معًا، يقاتلون لتصحيح التاريخ ولتصويب البوصلة نحو الحق”.

من جانبها: اعتبرت مستشارة الأسد بثينة شعبان في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية” أن “الغرب لم يلتزم بتعهداته حول توسع الناتو شرقًا، ولم يكن لدى روسيا خيار آخر”.

وكذلك الأمر بالنسبة للمستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية السورية لونا الشبل، بقولها لوكالة “سبوتنيك” الروسية: “إن سوريا تدعم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا”، مضيفة: “سوريا ستدعم روسيا للتغلب على العقوبات كما فعلت موسكو مع دمشق”(1).

التأييد السوري لروسيا:

أعلن النظام السوري تأييده للحليف الروسي في حربه العسكرية ضد أوكرانيا، وقد استبق هذا التأييد قيام وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بزيارة لقاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، واجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، بما اعتبره المحللون أن سوريا باتت تمثِّل امتدادًا للأمن القومي الروسي؛ لا سيما وأن قاعدة حميميم تعتبر خط دفاع روسيًّا متقدمًا في البحر المتوسط لمواجهة الناتو، الذى يتمتع بوجود قوى في قاعدة إنجيرليك الجوية بجنوب تركيا أحد أعضاء الحلف(2).

سوريا ليست على الحياد:

قال نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري: إن سوريا ليست على الحياد من الأزمة الأوكرانية، وإنها شريكة مع روسيا في مواجهة الغرب.

وفي لقاء خاص له مع السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف عبر يفيموف عن شكر موسكو لسوريين على تأييدهم لروسيا منذ أول أيام العملية العسكرية في أوكرانيا(3).

تخوف الأمم المتحدة من انعكاسات الأزمة على التوافق السوري:

أبدى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسن، خشيته من انعكاس الصراع الدائر في أوكرانيا على العملية السياسية في سورية، مشيرًا في إحاطة له لمجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة إلى أن الدبلوماسية الدولية البناءة المطلوبة لدفع العملية السياسية في سورية “قد تكون أكثر صعوبة مما كانت عليه بالفعل، على خلفية العمليات العسكرية في أوكرانيا”.

وكان بيدرسن قد جال أخيرًا على عددٍ مِن العواصم المعنية بالأزمة السورية، فضلًا عن زيارته إلى العاصمة السورية دمشق في محاولة لإحياء العملية السياسية المرتبطة بسورية، خصوصًا لجهة مسار التفاوض حول سلّة الدستور، المتوقف منذ أواخر العام الماضي.

وأثمرت جهود بيدرسن عن تحديد موعد الجولة السابعة للهيئة المصغرة في اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين من المعارضة والنظام، والمجتمع المدني من كلا الطرفين في مدينة جنيف السويسرية، وكانت الجولة السادسة من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام حول كتابة دستور جديد للبلاد، انتهت بلا نتائج، في دلالة واضحة على عبثية التفاوض حول الدستور في ظل تعنت النظام ورفضه التعامل الجاد مع جهود الأمم المتحدة.

أبدى بيدرسن خشيته من انعكاس الصراع في أوكرانيا على العملية السياسية في سورية، وكانت الأمم المتحدة قد حدَّدت في عام 2017 سلالًا للتفاوض بين النظام والمعارضة، هي: الحكم، الدستور، الانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وأعلن عن هذه السلال المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا في ذلك الوقت، وَفْقًا للقرار الأممي 2254 لعام 2015، والذي رسم حلًّا سياسيًّا شاملًا للقضية السورية، وتأمل الأمم المتحدة أن تشكِّل كتابة دستور جديد لسورية مدخلًا واسعًا لحل القضية السورية برمتها، على الرغم من أن القرار الدولي 2254 كان قد دعا إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة، تشرف على كتابة دستور تجري على أساسه انتخابات.

واضطرت المعارضة السورية تحت ضغوط إقليمية للقبول بالتفاوض على سلة الدستور أولًا قبل تحقيق انتقال سياسي جدي، ما يعني نسف التراتبية في القرار الدولي 2254 المستند إلى بيان جنيف 1 الصادر في منتصف عام 2012.

أما النظام فبقي بدعم روسي على موقفه الرافض لكتابة دستور جديد، بل القيام بـ”إصلاح” على دستور وضعه في عام 2012 جرت على أساسه انتخابات رئاسية مرتين، الأولى في عام 2014 والثانية في عام 2021، وفاز بهما بشار الأسد الذي يعطيه دستور 2012 صلاحيات واسعة النطاق، تمكنه من التحكم بالبلاد بشكل مطلق.

ولا يكترث النظام بالعملية السياسية، فهو يطلق على المعارضة السورية صفة “الإرهاب”، ويسوِّق اتهامات بـ”العمالة” بحق المعارضين السوريين من مختلف التيارات والمشارب السياسية.

النظام السوري يستغل الأزمة:

ومن المتوقع أن يواصل النظام السوري تعنته، على الرغم من قبوله إرسال وفده إلى جنيف الشهر المقبل، مستفيدًا من الأوضاع الساخنة في أوكرانيا واتساع نطاق الضغط الدولي على الجانب الروسي، الحليف الأساسي لهذا النظام الذي يحاول استغلال الأوضاع السياسية المستجدة لصالحه.

ومنذ بدء المفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة، لم يضغط الجانب الروسي على النظام السوري بشكل يدفعه إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة، بل استغلت موسكو حاجة النظام إليها للحصول على مكاسب جمّة في سورية، أبرزها القاعدة العسكرية في منطقة حميميم على الساحل السوري، والتي يستعرض فيها الروس قدراتهم العسكرية في خضم الأزمة الأوكرانية.

واعتمد النظام على موسكو في تصلب موقفه تجاه مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي في سورية، مستغلًا تردد الغرب بقيادة الولايات المتحدة في الملف السوري، وترك حرية التحكم لموسكو بمفاصل القرار في سورية(4).

آثار اقتصادية متوقعة:

من الانعكاسات الأكثر فداحة التي ستتأثر بها سوريا جراء الغزو الروسي لأوكرانيا الآثار الاقتصادية السلبية؛ حيث تعتمد دمشق على استيراد المواد الغذائية والنفطية والغاز من روسيا إلى جانب أوكرانيا، وهو ما سيزيد من وطأة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، هذا بخلاف أن العقوبات المفروضة على روسيا، والتي بدأت تطال قطاعي: الغاز والنفط من شأنها التأثير بقوة على الداخل الروسي، وهو ما يعنى أن روسيا ستنشغل لفترة من الزمن -لا سيما إذا طال أمد عملياتها العسكرية في أوكرانيا- بمعالجة أزماتها الداخلية بما يترتب عليه ترك سوريا في مهب المواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية المرشحة للتزايد؛ هذا بخلاف الارتفاع الذي تشهده أسعار النفط؛ الأمر الذي سيفرض على دمشق تحديات داخلية تتمثل في رفعها للأسعار الخاصة بمشتقات النفط، إلى جانب ذلك من المتوقع أن تؤثر تلك التطورات على قيمة الليرة السورية، وتراجع قدرتها الشرائية بما يزيد من الأعباء اليومية على حياة السوريين(5).

حرب أوكرانيا فرصة جديدة لإسرائيل في سوريا:

من المرجح الافتراض أن النظام السوري يأخذ في الحسبان احتمال إقدام إسرائيل على استغلال انشغال الروس في أوكرانيا وتكثيف غاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية في سوريا، بل وربما ضد أهداف سورية أيضًا(6).

الخلاصة:

المتابع للوضع الراهن يجد أن الملف السوري بات طرفًا في الصراعات الدولية المرتبطة بكلٍّ من روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، وفى مقدمتها: الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، ويأمل النظام السوري أن ينتهى هذا الغزو بحالة انتصار عسكري روسي على الأرض، وحالة انتصار سياسي على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بما قد ينعكس إيجابًا على رؤية روسيا للحل السياسي في سوريا لصالح النظام، وهي رؤية ظلت تتأرجح وفقًا لتأرجح حالة التوافق والتفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا، مع ملاحظة أن مستقبل هذه التوافقات والتفاهمات سيظل رهنًا بمآلات الصراع الروسي – الأوكراني المسلح، ومدى قدرة روسيا والولايات المتحدة على عزل مسارات تفاعلاتهما عن بعضها البعض؛ سواء في أوروبا، أو في الشرق الأوسط.

1_الحرة

2_مركز الأهرام للدراسات

3_ روسيا اليوم

4_ العربي

5_ وكالة أنباء الأناضول

6_ الشروق